حاوره
أحمد طايل
مصر
مقدمة
برهان الشاوي الروائي المبدع العراقي المولود بالعام 1957
إسم له مكانة كبيرة فى الأدب العراقي والعربي وأيضاً تجاوز محيط العربية، أعماله دوما تثير ضجة فكرية وثقافية كبيرة تدفع بالكثيرين بقراءته لعمق كبير ربما يستطيعون الوصول لأهدافها من الكتابة ويضعون أيديهم على مشروعه الإبداعي، درس السينما فى روسيا وله العديد من القراءات الفكرية والثقافية فى كل المناحي، نحن على موعد مع الكاتب الكبير ( برهان شاوي) فى حوار يلقي الضوء على بعض منه.
والحوار مخصوص الى مجلة وموقع ” ألف ياء”
*-من هو ( برهان شاوي) الإنسان والمثقف والمبدع؟
** أنا إنسان تائهة في متاهة هذا الوجود! أنا ظل يمشي في الظلام
نريد التعرف على البيئة والمناخ الذى كان له التأثير الأكبر على تكوينكم الفكري والابداعي؟
**كانت بيئة اعتيادية في مدينة الكوت جنوب بغداد، لكنها يسارية الهوى، ونشأت في عائلة بسيطة ليس فيها من الكتب سوى كتاب ديني واحد، لكني كنت مهووسا بالسينما وقراءة المجلات المصورة مثل مجلات (بساط الريح) وغيرها، كما أن أخي الأكبر مني كان يستعير الكتب من أصدقائه فيأتي بها إلى البيت فكنت أقرأها أيضا، ومنه تعلمت حب القراءة، وفي مدرستنا المتوسطة التي كانت تضم مكتبة جيدة، وكان الموظف الذي يديرها يوجهني في اختيار الكتب الأدبية وقراءة كتب جبران وشعراء المهجر والمنفلوطي والرافعي والمازني وأحمد حسن الزيات وهكذا كانت البداية.
*دور الأسرة فى تنشئتك وتهيئتك للسير فى طريق الكتابة؟
ج** كان أخي الأكبر مني يهوى كتابة النصوص الجبرانية، ومنه أخذت حب الكتابة، فكنت الأفضل في مادة الإنشاء، وكنت مرجع شباب المنطقة لكتابة رسائل الحب لحبيباتهم.
*ما دور المراحل التعليمية فى رحلتك الابداعية؟
** ليست لها علاقة مباشرة، بل هي نتيجة هوسي الأدبي، فدراستي للسينما هو اختيار جاء نتيجة لهوسي بالسينما، وبالتأكيد كان لها التأثير الكبير على أسلوبي الكتابي وعلى مخيلتي الأدبية. أما دراساتي العليا للدكتوراة في موسكو وألمانيا فهي جزء من اهتماماتي وقلقي الفكري.
ما أول قراءتك والتي استهوتك وجعلتك تحلم أن تكون كاتبا يشار إليه وإلي كتاباته دوما؟
** كان لجبران والمفلوطي في مرحلة الصبا التأثير الأكبر على ذائقتي ورغبتي وحلمي بأن أكون كاتبا.
*من القارئ الأول لما تكتب، وهل تفضل قراءة عملك كمخطوط قبل نشره على البعض؟
**في بداياتي الإنشائية البسيطة الأولى كان أخي يقرأ لي، أما لاحقا حين بدأت كتابة الشعر ثم بعد الخمسين توجهت إلى الرواية، كان صديقي وابن مدينتي الشاعر الرائع والروائي الكبير الراحل حميد العقاب هو قارئي الأول. كنا نتبادل ما نكتب ونسمع رأي كل منا في كتابات الآخر.
*هل كنت من سعداء الحظ بالنشر فى بدايات عمرك بصحف أو مجلات؟
**نعم، كنت مراهقا حينما نشرت لي مجلة الآداب، والموقف الأدبي، والصحف العراقي والمجلات العراقية.
هل تتذكر الموضوع الأول الذي خططته على الورق، وعلى من قرأته أو عرضته وماذا عن رد الفعل؟
** لا أذكر ذلك فقد كنت صبيا وفي بدايات مراهقتي، لكن بالتأكيد كان نصا إنشائيا جبرانيا .
*ما العمل الأول الذي عرض على جموع المثقفين والمبدعين والنقاد، وكيف كان الاستقبال له، هل كان إضاءة لك أم غير ذلك؟
** كانت بداياتي شعرية، وبعض قصائدي لفتت الأنظار نحوي كشاعر، أما روايتي الأولى (الجحيم المقدس) فقد أثارت العديد من المثقفين وكتبت عنها الدراسات والمقالات النقدية وترجمت إلى اللغتين الفارسية والكوردية.
*درست السينما، هل لها تأثير جلي على كتاباتك من ناحية الصورة والمشهدية؟
** بالتأكيد، كان لها تأثير كبير جدًا على أسلوبي الروائي، فأنا استخدم جماليات اللغة السينمائية عند كتابتي للرواية. فهناك مونتاج للقطات وللزمن وللأحداث، وهناك كتابة صورية، فمن يقرأ أعمالي يحس وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا.
*ما العمل الذي جعلكم محط أنظار المثقفين والمفكرين وأصحاب القلم؟
**لا أعرف بالضبط، فقد تناول النقاد والباحثون جل أعمالي، بالبحث والنقد والدراسات، وأنا اشكر لهم اهتمامهم.
*حينما تكتب، هل تكتب عنك ام عن الآخر أم للآخر؟
**أنا غير موجود في أعمالي، أنا مستمع جيد للآخرين وحكاياتهم ومعاناتهم وقصصهم، وأستأذنهم، بل واتفق معهم لإدخالهم كشخصيات أدبية في رواياتي. ويحدث أحيانا أن أمنح أفكاري وتجاربي الشخصية لبعض الشخصيات كي تعبر عنها.
*ما هدفك من الكتابة، وهل حققت ما صبوت إليه؟
** الكتابة بالنسبة لي عملية تطهير نفسي، وتجسيد لقلقي وشكوكي الروحانية والفكرية.الكتابة بالنسبة لي نوع من العلاج النفسي.
*مؤكد لكل عمل لك رسائله الخاصة، ما هى رسائلك أنت للقارئ والناقد والمثقف؟
** لا رسائل قصدية لدي، فأنا لست مصلحا اجتماعيا، لا ولا واعظا دينيا أو علمانيا، ولا مرجعا سياسيا، أنا أكتب عن البشر وتناقضاتهم وتيههم الوجودي خلال بحثهم عن معنى الحياة. فهاناك معاناة في الوجود في هذا الوجود ككائن بشري، هذا أمر ليس سهلا، لاسيما إذا ما حاصرتك الأسئلة الكبرى، من أين وإلى أين؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ ومَن؟
*ما دور النقد فى حياتك، بالبدايات وحتى الآن، وهل هناك الآن نقد حقيقى يوجه ويصوب؟
** تعلمت من خلال الدراسات والنقود ورسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراة عن أعمالي، بألا أتوقف عند النقد، وبكل تواضع أقول: لا يغريني المديح ولا يزعجني الانتقاص، لكني مع ذلك أتعلم من الاثنين، فحتى الذين يثنون على أعمالي أراهم مختلفين في كشف الجوانب التي أثارتهم ومدحوها، وكذا الذين ينتقدون أسلوبي لا سيما في ما يخص الكشوفات الجنسية والمشاهد الحميمة، فلهم رأيهم، ولي قناعاتي في تناول التابوهات المحرمة!!.
*كيف ترى حال المشهد الثقافي العراقي والعربي والعالمي؟
**مشهد ثري وغني ومتنوع، فيه الروائع وفيه ما لا يستحق بأن يكون ضمن المشهد الثقافي، لكنها الحياة، ومن حق الجميع بأن يكتبوا وينتجوا أدبا فنا يعبّر عن ذواتهم.
ما تفسيرك للفجوة الكبيرة بين الثقافة العربية والعالمية، وكيف لنا أن نكون على قدم وساق معها؟
**أعتقد الهوة الحقيقية في الترجمة، فالترجمة صارت تجارة يتقاسمها الطرفان، المترجم والناشر. فالمصالح والمنافع المالية والأدبية لدى البلدان الأوربية التي تخصص أموالا كبيرة لترجمة الأعمال الأدبية من وإلى اللغات الأوربية، مثلا يتخللها الفساد والإخوانيات والمعارف والصداقات والمنافع الشخصية وتتدخل دور النشر بالاتفاق مع المترجمين بمساومات لترجمة أعمال محددة لكتاب محددين، ناهيك عن العلاقات الشخصية ودرها في تقديم وترجمة أعمال عربية لا تحظى في غالب الأحيان باهتمام النقاد في أوروبا.
أما من جهتنا فالمشكلة أكبر فهناك في كل بلد أوربي أو في العالم مئات دور النشر ، (في ألمانيا وحدها أكثر من 600 دار نشر) ينشرون سنويا عشرات الألوف او مئات الألوف من الكتب في كل جوانب الفكر الإنساني، فما هو كم الترجمةن كم كتاب يترجم إلأى العربية سنويا؟ وما هي ونسبة الترجمة لدينا؟ حينها سنكتشف البؤس الثقافي الذي نعاني منه.
*ما مدى حلمك الإبداعي والفكري والإنساني؟
**أريد إنهاء مشروعي الروائي وهو استكمال الاتناص الأدبي مع (الكوميديا الإلهية) لدانتي، والتي قسمها إلى ثلاثة أقسام هي (الجحيم، المطهر ، والفردوس)، ولديه إن (الجحيم) تتألف من تسع طبقات فكتب أنا سلسلة (المتاهات) وهي تسع روايات. ولديه إن (المطهر) يتألف من تسع طبقات أيضا فكتب ونشرت أنا ثمان روايات ومعتكف على التاسعة التي سأنتهي منها قريبا، وبعدها أتمنى أن أنجز (الفردوس) الذي هو لدى دانتي عشر سماوات. هذا حلمي.
*هل لمهنة الكاتب تأثير على كتابته بشكل واخر؟
** أعتقد ذلك، فلكوني امتهنت الصحافة والتلفزيون والتدريس الجامعي، لذا كنت على تواصل مع الكتابة بشكل يومي. لكن هناك كتاب وشعراء أطباء، أمثال تشيخوف وموباسان، والشاعر إبرهيم ناجي.
*ما الكاتب والكاتبة التي دوما أنت بحالة بحث دائم عن كتاباتهم، عراقيا وعربيا وعالميا ولماذا؟
**أنا أقرأ للجميع، لكن هناك بعض الكتاب أعيد قراءة أعمالهم، وفي مختلف جوانب الفكر والأدب، وليس من السهل تحديد الأسماء، لكني أعود عادة لروايات دوستويفسكي، وتشيخوف، ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس ومؤلفات ابن سينا وملا صدرا.
*ما العمل الذي تمنيت أن تكون أنت كاتبه؟
** دون كيخوته لسيرفانتس
*ما رأيك بمسألة المجايلة الادبية؟
** المجايلة الأدبية بدعة وسخافة أدبية. فما معنى أن يبدأ كاتب بالنشر والكتابة في الستينات وهو في العشرين ويستمر إلى أن يصل الثمانين وحين يتحدثون عنه يقولون شاعر ستيني أو من جيل الستينات
*هل لمعارض الكتاب دور فعلى ملموس فى إثراء الثقافة العربية؟
**بالتأكيد، دورها حقيقي وفعلي، فهي على الأقل تجعل من الكتاب رفيقا، وتحرض على القراءة
*ما العمل الذى تعكف على كتابته الآن؟
** كما أجبت أعلاه، أنا أعتكف على كتابة الفصول الأخيرة من روايتي التاسعة من سلسلة (المطهر.
هل للكاتب عمر افتراضي؟
**لا أؤمن بالعمر المحدد والافتراضي للكاتب. الأمر شخصي جدا. فالشاعر رامبو هجر الشعر وهو في العشرينات من عمره، بينما دوستويفسكي بقى يكتب إلى آخر يوم من عمره.
*رسالة منك إلى مسئولى الثفافة، دور النشر ، النقاد، الكتاب، الإعلام الثقافي؟
** لا أحب توجيه الرسائل لأحد، فكل واحد من هؤلاء يعرف لماذا أختار أن يكون ناشرا، أو ناقدا، أو كاتبا، أو إعلاميا
*ما تأثيرات الثقافة سلبا أو إيجابا على الثقافة بعالمنا العربي؟
** ليس للثقافة تأثير سلبي أبدًا، فهي صحة للروح والعقل.