حسن مظفر
كاظم الساهر هو الفنان العراقي الوحيد الذي يمتلك مشروعًا فنيًا شخصيًا بالكامل، وهذا ما يفسّر استمراره ونجوميته المتصاعدة لأكثر من 35 عامًا. مرَّت في تاريخ العراق أصوات غنائية جميلة كثيرة، لكنها كانت مشاريع وأصواتًا لآخرين. فالأغنية السبعينية، على سبيل المثال، لم تكن مشروعًا شخصيًا لياس خضر أو حسين نعمة أو فاضل عواد أو غيرهم من الفنانين الكبار (وهذا ليس عيبًا)، بل كانت مشروع الشعراء الذين فرضوا القصيدة الشعبية بتفاصيلها المكثفة، بدلاً من النصوص شديدة البساطة (وأحيانا السذاجة) التي كانت سائدة ، مثل جبار الغزي وأبو سرحان وغيرهما. كما كانت مشروع الملحنين مثل طالب القرغولي وكوكب حمزة ومحمد جواد أموري ومحسن فرحان، وغيرهم، الذين أحدثوا انقلابًا في الأغنية العراقية آنذاك. وهؤلاء جميعًا، إلى جانب آخرين، هم أصحاب المشروع الحقيقي للأغنية السبعينية. وبالتالي، كان نجوم تلك المرحلة أصواتا لأولئك الشعراء والملحنين. أما كاظم الساهر، فلم يكن صوتا إلا لكاظم الساهر، لا فقط في الموسيقى التي بلا شك هي صوته وحده كونها ألحانه، لكن حتى على مستوى الكلمة. بألقاء نظرة على تعامله مع شاعر غنائي محترف مثل كريم العراقي، لم يكن كاظم صوتا لكريم، بل إن كريم كتب وفق رؤية الساهر، ثم اتجه لاحقًا إلى الكتابة بالفصحى لحاقا منه بمشروع كاظم الفني. ولو استعرضنا نصوص كريم العراقي الغنائية لغير كاظم الساهر، مثل: “يا أمي يا أم الوفا” لسعدون جابر، “عرفت روحي أنا” لرياض أحمد، “عمي يا أبو مركب” لفؤاد سالم، “عدد ما لامت العذال” لحسين نعمة، وغيرها. فهي مختلفة تماما عن النصوص التي قدّمها لكاظم الساهر على شاكلة “باب الجار”، “لا تحرموني”، “هدد كسر”، “سلامي”، “كل ما تكبر تحلى”… إلخ. اليوم وكاظم الساهر يقترب من عمر السبعين أطال الله في عمره ومتّع جمهوره بأعماله وعطائه، أتمنى (والأمنيات تتعلق بالمستحيل كثيرا وبالممكن قليلا) أن يشهد العراق ولادة نجم يحمل مشروعا فنيا شخصيا تكبر معه الأجيال الحالية كما كبرنا نحن مع كاظم الساهر، واختبرنا ذلك الشعور الجميل المصاحب لمواكبة صعود نجم وتطور ابداعه ليكون جزءً من ذاكرة الكثيرين ووجدانهم.