هاشم حنون .. يوتوبيا المدن
وفن صناعة الحلم جمالياً
………….
وديع شامخ
شاعر وكاتب وإعلامي
رئيس تحرير مجلة ” ألف ياء “
في استراليا – 2025
يُعد الفنان التشكيلي المبدع هاشم حنون ، واحد من ابرز تشكيلي العقد الثمانيني في العراق وفق التقسيم الجيلي الشائع في الحقل النقدي، كما استطاع المبدع حنون ان يكّون له شخصية فنية متميزة وخاصة ، كأنه مهندس ذكي ومعماري جمالي لاستعادة المدن حلما ،
بشكل بسيط وعفوي وهي افكار تعكس استذكار واحلام طفولته , حيث ينتمي لمدينه حضرية زاخرة بالجمال والحياة ، حيث يقول هاشم ” عشت طفولة جميلة وسط عائلة كبيرة من الاخوة والاخوات ، في مسقط راسي وسط مدينة البصرة بمنطقة العشار , ولهذا كلما اكبر بالعمر ارجع لطفولتي وارسم ذكرياتي وكأني اكتب سيرتي الذاتية بالرسم , اعمالي زاخرة بالعاطفة والغنائية والالوان المشرقة وكانها كرنفال احتفالي “
منذ بواكيره وعيه ، اهتم بالطفولة والانسان ـ ولم يكن محض متأثراً سلبياً ، بل فاعلا ومتأثرا ومؤثراً.
وهذا ما يميز تجربته وتفردها عن بقية الفنانين من عاصروه جيليا.
لم يكتف بمراجعه التجربة التشكيلية المحلية العراقية رغم خصبها وعمقها ، وهو قد استوعبها درسا نظرياً وعملياً ، ولكنه هضم الفن صنعة وموهبة ورؤى، بدراسته العميقة لمدارس واساليب واتجهات الفنون التشكيلي الغربي الأوربي ، وبقية المدارس في انحاء مختلفة من العالم .
يرسم لوحاته شعرا باللون والفكرة كما الشاعر في رسم صوره الشعرية كلمات، ترجمة ً للقول النقدي ” الشعر لوحة صائتة واللوحة شعر صامت”
هاشم حنون سليل التجربة الجمالية التشكيلية في كل تجلياتها ومخاضاتها وارهاصاتها النوعية عراقيا وعربيا وعالمياً.
والاجمل في هاشم انه لم يكن فناناً تشكيليا تجريدياً فقط ، لكنه ابتكر اساليب خاصة لرسم المدن واستعادة طفولتها وفق رؤيا خاصة متفردة حتى يمكن ان نطلق عليه ” رسام المدن الحالمة ” ، بالاضافة الى جرأته في استخدام الوان واشكال وهيئات غير نمطية وشائعة ، فقد استخدم الاشكال الإسطوانية والمدورة والمسدسة والمثلثة في تنفيذ لوحاته ولم يتوان عن الخروج عن مذهب اللوحة في هيمناتها المسندية واطارها الشائع ، لقد جرب اشكالا وهيئات تقترب من الواقع ، في هيئة صناديق وبسط ومشغولات محلية ، وهذا خرق نوعي عميق ووعي للخروج من النمط الشكلي لوحة ورؤيا .
لقد اخلص هاشم للجمال والحق والانسانية ، وكانت لوحاته وخزات ماضية في خاصرة السؤال الوجودي.
ولكي يحقق المبدع حنون ثنائية مهمة في تجربة الفنان جمالياً وإنسانياً ، سيما وانه عاش اغلب فترات حياته في ظل نظام دكتاتوري شمولي حاول مسخ الحياة العراقية بكل حقولها ، لكن هاشم
لم يهادن ولم يكن رقما في مجانية الحياة ، كان هاشم متفردا عن ابناء جيله ومعه اصفياء الجمال في انتاج لوحات عابقة بالجمال المدهش ..
سيظل هذا الفنان الإنسان يحمل في داخله كل البذور الحيّة لتجربة خصبة ، سواء إن كان في مدينته البصرة وصولا الى بغداد وهجرته الأولى الى عمان ، والآن في مغتربه الأخير ” كندا” ، لا يكف التفكير والعمل الجاد لانتاج لوحات ومعارض نوعية تؤرخ لتاريخ المدن واحلام صانعها ، وكأنه يحاول بناء يوتوبيا متخيلة بعد أن فقد بريق مدنه الجميلة في وطنه الأم ، وليس بهذا ان هاشم يمارس نوعا من ” النوستالجيا ” النكوصية استدرارا للماضي والبكاء على الإطلال ، بقدر كان داينميكياً منتجا فاعلاً لأشكال وألوان وخلاصات ورؤى تفرد بها وما زال .
اخيرا ان هاشم قد اخلص الى تجربته في كل مفاصلها نظريا وعمليا ورؤيا .. وكان علامة فارقة في المشهد التشكيلي العراقي والعربي والعالمي ..
