ريسان الخزعلي
1
أدونيس ، كما عرفناه ُ شاعراً ومفكّرا ً ، وقد أشغلنا وشُغلنا بحداثته الشعرية وطروحاته الفكرية والتنظيرية مُبكّراً ، ومايزال . في الشعر غيّر الشكل والبناء وفكرة الشعر ، واستهوى هذا التغيير الكثيرمن الشعراء ، واقتربوا من نمطه الشعري منذ ُ الستينيّات بعد صدور ديوانه ( أغاني مهيار الدمشقي ) الذي أحدث َ اهتزازا ً في الأنماط السائدة ومال َ بعضُها إلى تقليده . أمّا في التنظيرات والدراسات ، فكان شاغلاً أيضاً بما جاء به في : سياسة الشعر، الشعرية العربية ، مقدمة للشعر العربي ، الثابت والمتحوّل ، زمن الشعر ، وغيرها الكثير . إذن هكذا عرفناه ُ ابتداءا ً.
2
يُطالعنا / أدونيس / ومنذ َ سنوات ، رسّاما ً يضع ُ لوحاتَه ُ أغلفة ً لكتبه ِ الشعرية والفكرية وكتب الدراسات الأخرى . فهل كان الرسم من شواغله الإبداعية الأولى وقد استترت بظلال الشعر والفكر .. ؟ أم أن َّ الإظهار اللاحق كان استدراكا ً فنيّا ً إضافيا ً لتأصيل البدايات المستترة ..؟ . في مقابلة ٍ معه ُ ، قال : أن َّ موارده المالية من خلال اللوحات أكثر بكثير من موارد الكتب الشعرية والفكرية . وأن َّ معرضا ً للوحاته ِ سيقام قريباً . وأظن ُّ أن ّ المعرض َ قد أُقيم . إن َّ / أدونيس / الشاعر ، الرسّام ( الآن ) ، حين يضع لوحاته أغلفة ً لأعماله ، لم يكن سابقا ً غيرَه ُ في هذا الإبداع الفني . فقد وضع الشاعر/ الرسّام ( يوسف الصائغ ) لوحة ً من أعماله غلافا ً لأعماله الشعرية الكاملة والتي كانت تحت عنوان ( قصائد ) . كما وضع الشاعر/ الرسّام ( مظفر النواب ) تخطيطاته على غلافي مجموعتيه : وتريات ليليّة وحچّام البرّيس . إلّا أن َّ ما قام َ به أدونيس كان أكثرَ سعة ً وتأصيلا ً في هذا المجال . وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن َّ شعراء َ عراقيين آخرين يُجيدون َ الرسم : فوزي كريم ، مؤيد الراوي ، كاظم الحجاج ، وغيرهم .
3
كانت لوحات / أدونيس / تجريديّة / إيحائيّة ، وكأنّه ُ أراد َ لها أن تكون المفتتح التشكيلي الاستهلالي للدخول إلى مناخ شعره ِ وفكره ِ موحياً بذلك إلى شعرية الفن التشكيلي . لوحات تتعرج فيها الأشكال والكُتل والأجسام غير واضحة المعالم ، تقترب وتتباعد ، معلّمة ً أحيانا ً بالبُقع الداكنة أو الملوّنة. ويظلل بعض الأشكال بكتابات أو حروفية من خط ِّ يده ِ ليمنحها الإمضاء َ الأرسخ . ويمكن تشبيه هذا التنويع الفني بأنّه تنويع مشابه لبناء بعض قصائده – قصائد النثر – التي يُدخل ُ فيها أشكالاً هندسية ً ورسوما ً متنوّعة ً وعلامات ٍ وطلسْمات ٍ وأسهما ً واستعارات ٍ ؛ وجميعها دالّة تُعمّق المعنى بدلالة المبنى . أن َّ لوحات / أدونيس / على أغلفة كتبه ِ متشابهة التشكيل أساسا ً ، حتى وإن وضع َ لها بعض التباينات المحدودة . ويبدو أنّه ُ أراد َ من هذا التشابه تأسيس َ تشكيل ٍ يُشير إلى خصوصية ٍ تشكيليّة ٍ كتلك َ الخصوصية التي في شعره . وفي كلا الخصوصيتين وغيرهما ، يحقق / أدونيس / تحوّلاته ُ الشاغلة ، شعرا ً وفكرا ً وتشكيلا ً …