حين يساهم المنهج بصناعة شاعر

شارك مع أصدقائك

Loading

حسين علي يونس

يقول ويليام كارلوس ويليامز “عندما شارفت منتصف الطريق في كتابة مجموعتي الشعرية ” كورا في الجحيم   او تجلا ت ” ظهرت قصيدة  بروفروك. فانتابني شعور عنيف بأن اليوت خان ماكنت اؤمن به، وجدته  يتطلع إلى الوراء بينما كنت
اتطلع الى الامام.  كان اليوت انجليكيا  ملتزما يتمتع بذكاء ومعرفة لم اكن املكهما قط، كان
يعرف الفرنسية واللاتينية والعربية وما لا يعلم الا الرب  كنت اقصر عنه  بكثير ، ولكنني شعرت انه نبذ امريكا  بينما  رفضت  انا  ان انبذها ، ومن ثم كان رد فعلي عنيفا ، لذا ادركت فورا  المسؤولية التي ينبغي ان اقبلها وكنت اعرف انه سوف يترك أثره على جميع الشعراء الامريكيين ،وسيبعدهم عن مجالي ، فارتأيت  ان اوجد فورما جديدا للتكوين الشعري، فورم للمستقبل. وكان لنجاح اليوت الساحق وقع الصدمة  علي ، فقد هرع معاصري اليه مبتعدين عما كنت اريده ودفعني ذلك الى ان احقق النجاح.”
فهل كان بامكان ويليم كارلوس ويليامز ، وهو الشاعر الامريكي الكبير المتوج ، ان يحقق هذا النجاح وان يكون في المحصلة النهائية احد اعظم الشعراء.
الذين انجبتهم أمريكا عبر تاريخها. دون الوجود الفيزيقي  لتوماس اليوت المناقض والمختلف عنه بشكل واضح .
في الحقيقة ان وليامز لا يتحدث هنا  في استشهاده الطويل  عن اليوت الا على اعتباره محفزا  .

ربما كانت قوة اليوت  الشعرية الساطعة  ستصيره  شاعرا هامشيا  لو كان قد تبنى منهج اليوت الشعري لكن قوة اليوت هذه  لم تدمره بل منحته قوة وجرعة ليبحث له عن طريق آخر مختلف جعلته يشق طريقه ، في اتجاه آخر  فشمس اليوت  القوية التي كسفت بريق شعراء كثر  من معاصريه  لم تحجب قوة لمعانه ابدا . لقد استطاع شبح   هذا الشاعر الفريد  أن يوجه شاعرا كبيرا مثل ويليامز بالاتجاه الصحيح  لا من خلال شعره ،  ولكن من خلال منهجه الشعري .
لقد كشف له اليوت  من حيث لا يدري طبيعة اخرى  للشعر  لم تكن فيه من خلال نبذه للمجتمع الذي انسلخ عنه (أي
اليوت نفسه )   عبر مد  الجسور التي قطعها اليوت  الى هذا المجتمع  الذي لم يستطع  ان يستسيغه  ، لأنه  لم يكن كائن خارج  من رحم  تلك الأرض التي ولد عليها ،التي تم كشفها والتي أصبحت فيما بعد تسيطر على العالم و الشعوب بصرف النظر عن نفاقها وبرجماتيتها المنفرة .

لقد وجد ويليامز في امريكا الاب والام ولذا تصالح معها في علاقة فريدة ذات نسيج خاص استغرق فيه الى النهاية.
اما اليوت فلم يكن ينظر الى هذه الارض الا على اعتبارها ابنة ناشزة لبريطانيا، بريطانيا العظمى بين قوسين وبالتالي فلم تكن الولايات المتحدة الامريكية بالنسبة اليه الا ابنة ناشزة
خارجة من رحم هذه الاخيرة.

 

شارك مع أصدقائك