رَتْقُ الهواء….. وديع سعادة

شارك مع أصدقائك

Loading

رَتْقُ الهواء

2006

1

محاولةُ لَحْمِ أحرف، محاولةُ إكمالِ كلمة

إنّي ألعب الآن. ألعب مع الكلمات وأغشُّها لعلّي أربح شوطاً معها هذه التي خسرتُ معها في الماضي كلَّ الأشواط. ألعب معها وأضحك عليها وتضحك عليّ. ما بيني وبينها اليوم هو غير ما كان بالأمس. سقط وقارها وفقدت جدّيتها وصارت مجرّد لعبة.

يقال إنَّ البشر سيصيرون جميعهم ألعاباً تسير بكبس أزرار. لا أظنُّ أنّي سأعيش إلى ذاك الوقت الذي أصير فيه لعبة كاملة. إنّي الآن لعبة ناقصة، نصف لعبة، ولهذا اخترتُ ما قد يجعلني لعبة كاملة: الكلمات.

سيصير الناس ألعاباً. شيء جميل. يا لمتعة الأزرار التي ستحرّكهم! ورحمةً على. . . لا ليس رحمة على المشاعر، فهي جعلتهم دائماً بؤساء.

بلا مشاعر، هكذا محصَّنون، هكذا مغلَقون على الآخر الذي كان يسطو على أحاسيسهم، على الأيدي التي كانت تمتدُّ إلى عروقهم وتفسد دمهم، على الكلمات التي ما كانت تقال إلاَّ لتُسقط قتلى في روحهم. . . سيصيرون ألعاباً، فيا لروعة الجماد الذي سيصيرونه!.

لن أعيش إلى ذاك الوقت، لن أعيش تلك الروعة. لا تزال هناك أيدٍ وكلمات تمتدُّ إلى عروقي وتُسقط قتلى في روحي. مع ذلك عليَّ أن أخرج من هذه المعركة بأقلّ دم ممكن. عليَّ أن أصافح الأيدي بأيَّة حيلة، وأن أستدرج الكلمات للَّعب وهي ترفع خنجرها عليَّ. هكذا ربّما أجعلها صديقة. هكذا ربّما أكسب استراحة. هكذا ربّما أخرج من هذه المعركة غير قاتل، ولو خرجتُ قتيلاً.

تعالي يا “ألِف” أريد أن ألعب معكِ.أيّتها العمود الجميل، السلَّم الرائع إلى مجهول رائع. تسلّقي عليّ وأتسلَّق عليك، علَّنا، أيّتها المبتدأ، نطلُّ على نهاية جميلة.

فلنلعبْ. البدء كان لعبة والبادئ كان لاعباً. فلنكملْ لعبته برقَّةٍ لم يكن يملكها، علَّنا نضفي على وجهها جمالاً.

وتعالي يا “باء”. يا بهاءً ملتفّاً على ذاته أنا شريككِ. ارمي لي الطابة، إنّها تحت وسادتك، فنتقاذفها مسرورين. الطابة كنزك، ولا سرور لمالك الكنز إنْ لم يقذفه بقدميه.

أريد أن ألعب مع الأحرف. هي مثلي وحيدة وتحتاج إلى من يسلّيها.

أريد أن أكون صديق التي أسيء إليها منذ أن تعلَّم الناس النطق، صديق التي وُلدتْ لتلعب، فجرُّوها إلى الجدّية والصرامة والمآتم والقتل.

فلنلعب يا كلمات يا قاتلة ناطقيها وسامعيها. يا من ولدتْ بريئة عودي إلى براءتك، مرَّةً واحدة كرمى للمقتولين بك. عودي بريئة يا كلمات والعبي. أنا قتيلك وأريد أن ألعب معك. أنا القتيل وأريد أن ألعب. أريد أن ألعب.

من زمانٍ من زمان، حين مررتُ مرَّةً أمام لعبة توقّفتُ وقلتُ لها كوني لي. لم تكن. حاولتُ أن يكون قولي لها لعبةً. لم يكن. حاولتُ أن أجعل نسيانها ونسيان كلماتي لعبةً، وفشلتُ أيضاً. أليس في الأرض ألعاب؟ اعطوني واحدة. ماذا أقول للذي يقال إنّه هناك ويسأل الأموات ماذا فعلتم في الحياة؟ أأقول له عشتُ بلا لعبة؟ وإنْ قال خلقتُكم ألعاباً لماذا لم تلعب؟! بماذا أجيب؟ اعطوني لعبة لدقيقة واحدة، فأنا لديَّ حججٌ كثيرة أفحمه بها إلاّ واحدة، فاعطوني لعبة.

هوذا الغيم أتى فأهلاً يا صديقي. لم يكن مطرك مرَّةً دمعَ غائبين، كان ذلك كذباً منّي. كنتُ كذوباً جداً. قلتُ إنّك لهاثُ بعيدين، وإنّك نظرات ضيَّعها أصحابها وهم يحدّقون في الشفق. تعالَ الآن يا صديقي إنّك غيم، غيم فقط، وهذا جميل جداً.

أعترف الآن بأنّي اخترعت أكاذيب كثيرة من الكلمات. ما قلتُه وما كتبته لم يكن سوى كذب. ابنٌ لقيطٌ لمخيَّلةٍ مجنونة. ما قلته وكتبته كان خيانة لبراءة الكلمات، هذه التي أطالبها بالبراءة وأمارس العهر معها.

لقد ظلمتُ الغيم. وظلمتُ ريش الطيور ونشارة الخشب. ظلمتُ الشجر حين قلتُ يثمر من النظرات، والجبالَ إذ ألبستُها أقداماً. وظلمتُ الموتى حين أعدتُ عظامهم إلى الحياة، والحياةَ حين أعدتُها إلى الموتى.

ظلمتُ الناس والأشياء والحياة. هؤلاء كانوا شيئاً آخر غير ما ظننتُ وما أمِلتُ، وكان عليَّ أن أعرف ذلك. كان عليَّ أن أعرفهم كما هم، لا كما أرغب، وأن أحبَّهم.

تعال أيّها الغيم أريد أن ألعب معك. أنت بعيدٌ وأنا أعرف الآن أنَّ اللعب لا يكون جميلاً إلاَّ بين بعيدين. الجمال هو البعيد، البعيد فقط. فلنلعب أيُّها الغيم يا حيلتي الوحيدة الباقية في البعيد، بعدما اقتربت الأرض منّي كثيراً.

اقتربت منّي الأرض فرأيت أحشاءها. رأيت دمها وبولها وبرازها. التصقت الأرض بي فأغماني العفن.

أيُّها البعيد يا صديقي. يا صديقي أيُّها البعيد.

مثل عصفور ينقد نقدةً واحدة ويطير، هكذا كنت أريد حياتي.

وكنتُ موقوف وهْم: وهْم أرض حسبتُها ملكي، ووهم مكان اعتقدتُ أنّي مقيم فيه، ووهم كلمات ظننتُ أنّي أنا قائلها، ووهم أفعال تخيلتُ أنّي أنا فاعلها، ووهم وجودٍ ظننته نفسي.

استطالت الأرض فلتعدْ مستديرة لعلّي أتوهَّم بعد شيئاً جميلاً في مقلبها لا أراه.

جالسٌ الآن وكلُّ شيء مكشوف أمامي. أريد شيئاً مختبئاً، أريد استعادة جمال الغائب.

يا مقلب الأرض عُدْ. أريد أن أمضي فيك ما بقي من وقتي.

سلامٌ سلام على الغيم هناك. على شجر قد يكون موجوداً فيه ولا أراه. على أوراق ربّما سقطت منه في أرض بعيدة. على نقاطه التي نزلت على نهر وغابت. سلامٌ سلام على البعيد. على دفتري المدرسيّ. على اللعبة التي لم أملكها. على قلب اللوز الذي سقط من يدي فهرستْه الدواليب واختفى. . . سلامٌ على الحياة.

أمسكُ يدي وألعب بأصابعها. ألا تزالين يا أصابع صديقة؟

خنصرٌ بنصرٌ سبابة. . . يا لهول ما تعلَّمناه! يا لهراء التسميات التي أفسدت طفولتنا.

أرى الآن جمعاً من الموتى. هاي، أنتَ هناك، ما اسمك؟ كان على الأرض شبيه بكَ ألتقيه كلّ يوم. لم تكلّمني مرَّةً مع أنّنا مشينا كتفاً إلى كتف وكنتُ أحبُّ أن أسمع صوتك. كان صوتك سيؤنسني وصوتي سيؤنسك في ذاك الشارع الذي كان كلُّ من فيه وحيداً.

وأنتِ، أنتِ الوحيدة في الزاوية هناك، ألستِ أمّي؟! أقسم أنَّكِ أنتِ، ولو انَّ نظراتك باردة وجوفاء كأنّك لا تعرفينني. أنَسيتني يا أمّي؟!

بخارٌ فوق بخار. كأنَّ الكون عاد إلى بدئه. كأنَّ الحياة اكتملت أخيراً.

أُنقّب في البخار أُنقّب في الموتى أريد أن أرى ضلعي. كان لي ضلع، أتذكَّر، فأين صار؟ كان لي ضلع وأحبُّه، أريد أن أراه.

يا هذياني الجميل يا إلهي، ابقَ معي. اسهرْ معي بعد هذه الليلة.

إنّي أرى الموتى. أرى الموتى والأحياء في الضمَّادات، ويشعلون القماش لكي نراهم.

هو هراء، هراء يا كلمات. فهؤلاء حين لا يرون مرآتي أكون لا أراهم، لأنَّ الأشياء صارت ورائي لا أمامي.

فلنلعبْ يا “حاء” يا حرباء يا حياتي. يا “حاء” يا “فاء” يا حفيف الضلوع إذ تنحلُّ تراباً يا فحيح الأفاعي. يا “سين” يا “ميم” يا سمّي وموتي، هذه هي سروتي، سدرتي، يائي.

لقد اقتربت الأرض منّي. الأرض اقتربت كثيراً.

قلتُ أختزنك في نظراتي أيّها الغيم. قلتُ أختزن للموت شيئاً خفيفاً طائراً علَّه يرفع معه عيني، تلك التي رأت فقتلتْها رؤاها.

كانت الرؤية قاتلة أيضاً، هل كان ينبغي عليَّ ألاَّ أرى؟

ليس العمى هو المتاهة بل الرؤية. الرؤية يا بورخيس، الرؤية. النظرات تقودنا من متاهة إلى متاهة. وكلُّ نظرة تقتل ما تراه، وتقود إلى شيء آخر تقتله نظرةٌ أخرى. الأشياء ضحايا النظرات يا بورخيس.

رأيتُ كثيراً فَقَتلتُ كثيراً وقُتلتُ كثيراً. ما بقي حيّاً كان فقط في المقلب الآخر الذي لا أراه. غير أنَّ الأرض انبسطتْ، وصار كلُّ ما فيها قتيلاً.

أيّها البعيد يا صديقي، يا صديقي أيّها البعيد، وأنتَ أيضاً لم يعد فيك شيء غير مرئيّ لكي يُحْييني؟ أوأنتَ أيضاً يا صديقي؟

طيرٌ جاء. جاء طيرٌ الآن وحطَّ على شجرة أمامي. إلى هنا، إلى حديقة صغيرة معزولة صامتة جاء طير، فيا للحياة الجميلة!

جاء طيرٌ حطَّ لحظةً وطار. لم ينظر إليَّ، إنّي حيٌّ إذن، إنّي خارج النظر، فيا للحياة الجميلة!

لكنَّ حياتي كانت كلّها نظرات، فهل كنتُ ميتاً دائماً؟

هوذا الغيم أتى فأهلاً يا صديقي. لم يكن مطركَ دمعَ عيون، كنتُ كذوباً. ظننتُ العينَ شيئاً رائعاً وأحبّك، فاخترعتُ لك عيوناً. إنّك أعمى وأحبُّ الآن عماك. أنتَ أعمى ولذلك تُحْيي. أستعيد الآن نقاطك التي نزلتْ عليَّ في الشوارع. نقاطٌ كثيرة وكانت بمنديل تُمحى. وذاك المحو، ذاك المحو على الأرجح، كان حياتي.

الأشياء ضحايا النظرات. أحببتُ هذه الجملة ولذلك أكرّر كتابتها. على الكلمات التي نحبّها أن تبقى دائماً في أفواهنا وأن نعيد كتابتها مراراً على الورق. علينا أن نردّدها دائماً لأنّها تمنحنا شعوراً بأنَّ الحياة لا تزال فيها كلماتٌ حبيبة وبأنّنا لا نزال نستطيع قول شيء نحبُّه. الكلمات التي نحبُّها تجعلنا نشعر بالكرامة وبعزّة القول. الكلمات التي نحبُّها تجعلنا نشعر بأنّنا حقّاً موجودون. . . الأشياء ضحايا النظرات، الأشياء ضحايا النظرات.

أكتب فقط لكي أتسلّى. أقول الكلمات لكي أتسلّى. ولأنَّ هذه الكتابة لعبة زائفة وللرمي في القمامة، يمكنني أن أنتصر عليها. يمكنني أن أبدّد معانيها وأنا أبدّد الوقت بها. يمكنني أن أكتب كلّ شيء من دون أن أقول أيَّ شيء. أن أكتب سخافاتي بحرّية، وأن أسلخ جلد الكلمات عن عظمها، وأن أحرّف القول وأربك المعنى… يمكنني أخيراً أن أخرج من هذا السجن المعذّب الرهيب الذي يفرض وجود معنى لكلّ شيء، ويحدّد هويّة الجميع، والذي قضيتُ فيه وقضى الجميع كلَّ أعمارهم.

الخروج من المعنى، هذا بالضبط ما أريده.

اليوم مات صديقي. كان شاسعاً، لم تسعْه الأرض فخرج.

اليوم مات صديقي يا كلاماً. متَّ اليوم يا كلاماً يا صديقي.

ما أقوله الآن رَجْعُ خطاك. أقول ظِلَّك أيُّها الكلام يا صديقي. أقول غيابك. الغياب لغتي.

صديقي؟ مَن صديقي؟ هل كان لي حقّاً أصدقاء؟

كانوا على الأرجح نتاج نظرات، هؤلاء الذين مرُّوا في حياتنا وغادرونا.

كانت دروبنا أيضاً، ومقاعدنا، نتاج نظرات.

الرؤية ترمي. العمى يحمينا.

لكنَّ كثيرين ماتوا والكلُّ ميت أو سيموت، لِمَ التوقّف هنا؟ لي صديقٌ كاتبٌ في أستراليا يكتب عن الحمير؛ عن الأموات منها وعن الأحياء. أحببتُه. فكلُّ الكتَّاب يكتبون عن البشر وهو يكتب عن الحمير. الذين يكتبون عن  البشر يرفسهم البشر، لكنّي لم أسمع أنَّ حماراً رفس واحداً لأنّه كتب عنه. ذلك، ببساطة، لأنَّ الحمير لا تقرأ، وهذا برهان آخر على أنَّ العمى، العمى المعرفيّ، مسالم وغباؤه جميل: لا يرمي ولا يرفس. . . لكنَّ الذين لا يقرأون من البشر يرفسون أيضاً، والقارئون يفعلون الفعل نفسه. فهل يعني هذا أنَّ الرفس، بسبب وبغير سبب، هو صفة ملازمة للبشر كيفما كانوا، وأنَّ الدنيا تبقى بألف خير طالما فيها حمير؟

احتَرْتُ. أنا قاعدٌ الآن في منزلٍ مستأجَر في سيدني ومحتار: هل أحبُّ البشر أم أحبُّ الحمير؟ هل أبقى أحبُّ البشر وأتغاضى عن رفساتهم كما كنت دائماً أم أحوّل محبّتي نحو حيوان على وشك أن ينقرض، عرفتُه حين كنت فتيّاً ولم أعد أراه منذ ذاك الحين؟ لكنْ لِمَ الحيرة؟ فلطالما اتجهتْ محبّتي نحو الغائبين والمنقرضين، ولطالما كان المنسيُّون والمنبوذون وحدهم أصدقائي. لِمَ الحيرة والأشياء كلُّها الآن لي سواء: رافسُها وعاضُّها وقاضمها والواقف منتظراً حتى يَعضَّ فيُعضُّ. لِمَ الحيرة، كلّ الأشياء تساوت لديَّ، وها أنا لا أريد سوى فقط أن أنساها كلَّها، وأمضي.

ولكنْ أمضي إلى أين؟ إلى العالم الآخر؟ وإنْ هناك عالمٌ آخر، هل فيه حمير؟

يقال فيه ملائكة وشياطين فقط، وناسٌ يتوزّعون بين هؤلاء وأولئك. لم أسمع أحداً يقول إنَّ في العالم الآخر حميراً. إلى أين تذهب الحمير إذن؟ ألا يجب أن يبقى الرفاق رفاقاً في الحياة والموت معاً، أم أنَّ في العالم الآخر عنصرية أشرس ممّا في عالمنا فلا يستقبل الحميرَ حتى ذليلة؟

هذه عنصرية والله لا تُحتمل. فأيُّ حمار يرغب أن يكون في عالم كذاك؟

أحبُّ أن أمضي ولكن ليس إلى هناك. أحبُّ أن أمضي إلى حيث تمضي الحمير.

لا أحبُّ الملائكة ولا الشياطين. فالملائكة ستستقبلني باعتقادٍ أنّها أكثر طهارة منّي، والشياطين ستستقبلني باعتقادٍ أنّها أكثر نجاسة منّي، وكلاهما مخطئان ومع ذلك سيستأسدان عليَّ. لن أذهب إلى العالم الآخر. خذوني إلى حيث تذهب الحمير.

كان آدم ضجراً، قيل، فجيء بحوّاء كي يتسلَّى. وقيل سقطا في اختبار “التفّاحة” فجيء بهما إلى الأرض… يا للعقل البشريِّ الخرف!

أريد أن ألتهم التفّاحة التهاماً فاءْتني بها يا عقلاً خرفاً. عقلٌ بورٌ كهذا أيّةَ أرضٍ يمكن أن يزرع؟ وأيُّ زرع هذا المحرَّم، وما نفعه؟

اسمعوني يا زوَّار هذه الأرض القاحلة، ازرعوا تفّاحاً كثيراً وَكُلوه كلَّه. بذلك، ربما، قد تغيّرون مبدأ الأرض المؤسَّس على اليباب، ومبدأ الخلاص المؤسَّس على الجوع، ومبدأ الفضيلة المؤسَّس على النسك، ومبدأ العالم الآخر الحلميّ المؤسَّس على إلغاء عالم اليقظة. . . بذلك، ربما، تخلقون الحياة حقّاً.

اسمعوني وكُلوا، ولا تسمعوا زارع التفّاح للزينة والعقاب. هذه أرضكم لا أرضه، ازرعوها وكلوا. ومَن يُبقي في أرضه بوصةً بلا زرع وأكل، يُبقي في رأسه فجوة من الدماغ الخرف.

أيّتها الأرض الجميلة أين كنتِ؟

حين كنتُ أستطيع أن أزرعكِ جمالاً لماذا استسلمتُ لدعاة اليباب؟

لماذا تبعتُ الخرافة وضللتُ عنكِ؟

كذباً بكذب كان ذاك كلُّه. وكذبٌ أنّي الآن أتسلَّى. إنّي أتألّم.

مَنْ ذا الذي يمكنه أن يتسلَّى؟ هذا هراء. إنْ لَعِبَ مع الأرض فهي طابة كبيرة عليه، وإنْ لعب مع ذاته فهي صغيرة وتنزلق من بين يديه، ولن يمسكها أبداً.

لا العالم يُمسَك ولا الذات، ولا النظرات التي نرسلها للإمساك بشيء في العالم ستعود إلينا. ضالُّون ومضلِّلون. العالم أوسع ممّا ينبغي والذاتُ أضيق ممّا ينبغي. الأوَّل ضلالنا، والثانية ضالَّتنا.

ضلالٌ بضلال. قبل الرؤية كان الإنسان على الأرجح مُلكَ ذاته والأرضُ مُلكَه. كانا يتبادلان المُلك أو يظنّان ذلك. وكانا أعميين في التبادل والظنّ. وذاك العمى، ما كان أجمله!

ابتعدتُ ابتعدتُ وها الأرض تلتصق بي أخيراً. تلتصق حتى أنّي لم أعد أميّز بينها وبين جلدي. أخذتْ جلدي ولم تعطني جلدها. التصقت الأرض بي وصرتُ بلا جلد.

يجب أن أتكلّم. ما قلتُه وما كتبته في الماضي لم يكن كلاماً. ما قلته وما كتبته كان صمتاً.

قلتُ كثيراً وكتبت كثيراً لكنّه لم يكن سوى صمت. أشعر الآن يجب أن أقول شيئاً. يجب أن أتكلّم، لا يجوز أن أذهب من دون كلام.

عليَّ، ربما، أن أتحدّث مع الغابة. أن أقول للشجر شكراً على الأقلّ، لأنّه أطعمني وأدفأني. يجب أن أقول شيئاً للتراب، وللغيم الذي أمطر عليه وعليَّ، وللسماء، والنظرة. شيئاً للإسفلت، للرحلة، للكلب الغريب. يجب أن أقول شيئاً لنقطة الماء الأخيرة التي نزلت من دلو أمّي على الحبقة، وللدرجة السفلى التي قعد عليها أبي، وللدمى التي ابتهج بها أطفالي. يجب أن أقول شيئاً للرمل، لجزيرة الجرحى، للعظْمة التي كانت تنقص العالم كي يمشي. شيئاً للجبال العالية، وللشبكة التي رسمتُها لانهيار أيّامي لكي تصل إلى الوادي سليمة.

يجب أن أقول شيئاً لأحد. ولكنْ أين هو؟ وماذا أقول؟

صمتٌ إذنْ. كان ذاك صمتاً، وهذا صمتٌ أيضاً.

هناك بقعة بعيدة، بعيدة، أحبُّ أن أراها.

عصفورٌ رأيته لأوَّل مرّة ودُهشتُ، أريد أن أراه مرّة ثانية. قمر ونجوم، والتفاتاتُ ظلالٍ مزهوَّة، وصوتٌ  بعيدٌ يأتي من قصبةٍ مجنونة.

موتى في قطار، بقايا نظرات، وذبابة تحوم حول ذراعي.

ورقة منسيَّة، زرُّ قميص ضائع، وواحدٌ يقول “آه”!

هؤلاء هم، هؤلاء من أريد أن أقول لهم شيئاً.

والعشبُ إذ يرتبك.

أريد أن أتحدّث مع الارتباك. . .

واقفٌ في الشارع في منتصف الليل، ونقطة ماء نزلت عليَّ من غيمة.

السماء ترسل إشارةً رطبة إلى مرضاها.

أم أنّها نظرة أخرى ضائعة في الفضاء، ولجأت إليَّ ظانَّةً أنّي عينها؟

إنّني أعمى، أعمى، يا نقطة. فقدتُ عينيَّ من زمان، ولا تزال نظراتي الأولى تبحث عنهما ولا تجدهما. ما أظنُّ أنّي أراه ليس سوى ترسُّب لمعانٍ قديم في ذاكرتي. فنحن الذين تحت، يا آتية من فوق، لا نرى غير ذكرى، ولا نسمع غير ذكرى، ولا نقول غير ذكرى. نحن يا صديقتي لسنا نحن. نحن ذكرى أنفسنا. إنّنا فقط ذكرى.

أم أنّها نقطة الماء التي نزلت على حبقة أمّي تبخَّرتْ وعادت إليَّ ؟

ولماذا تعود؟ فلا حبقة لديَّ ولا أُمّ. لا عين ولا نظرة. لديَّ فقط وهمي. وهذا يصنع الخرافات، ويصنع المعجزات. يجعل الفراغ يمطر، واليباب يثمر، وخنجرَ الأحلام زهرةً جميلة في الجرح. وهو على الأرجح صنعَ الأرض، وصنع السماء. إنّه أفق الإنسان وعمقه، امتداده وعلُوُّه ورجاؤه وإيمانه. فهل يعجز صانع المعجزات هذا عن إسقاط نقطة ماء من غيمة على رجل واقف في الشارع؟ هل يعجز وهمٌ عن إسقاط ماءٍ وهميّ على رجلٍ وهميّ في ليلٍ وهميّ؟ لم يعجز، وقد فعل، وسقطتْ تلك النقطة عليَّ ولا غيمة في السماء ولستُ في الشارع!

هذا، تماماً، مثلما كنت أنسى معطفي في المقاهي، ومع ذلك أكون أرتديه وأنا عائد إلى بيتي.

فما أبهاك أيّها الوهم! أنت الجمال الوحيد. المنتصر الأوحد على البشاعة. كاسرُ المقاييس ومحطّم المبادئ. قالبُ الأرضِ رأساً على عقب، والسماءِ رأساً على عقب. خالقُ ما لا يُخلَق ومكوّنُ ما لا يكون. . . ما أبهاك أيّها الوهم، يا إلهي.

كان وهماً جميلاً، لكنّه مات هو أيضاً.

أمشي الآن بلا إله. أمشي بلا وهم. محاطٌ بالحقيقة من كلّ جانب، فمن يقوى على تحمُّل هذا؟!

ربما لذلك شختُ. ربما لذلك عجزتُ، وصرتُ أتعب من المشي حتّى في بيتي. الحقيقة التي تُتعب أرواحنا تجعلنا عاجزين، أيضاً، عن الانتقال من غرفة إلى غرفة.

يا “ميم” يا “شين” يا “ياء” عودي والتحمي، فلَعلّيَ أمشي.

بالتحام الأحرف تلتحم الضلوع أيضاً. فضلوع الناس ليست سوى أحرف، تنتظر من يلحمها لكي تصير شخصاً يمشي.

زرعتُ اليوم نبتة في سيدني. ضلوعٌ مفكّكة ومع ذلك زرعتُ نبتة. وستصير النبتة شجرة أنظرُ  إليها وأرحل، لكنَّ الهواء سيبقى، إذ يلمسها، يشمُّ رائحة أصابعي.

فافرحْ بهذا الخلود يا وديع. الخلود الذي هو ذكرى رائحة، خيالُ يدٍ في التراب. الخلود الذي هو عبورُ هواء، صمتُ ورق.

افرحْ بهذا الوهم الذي هو أيضاً ضلوعٌ مفكّكة. ولكنْ بالتحام الأحرف تلتحم الضلوع، فجيئوا بالأحرف كي نلحمها. الحموا “الواو” و “الهاء” و “الميم”. الحموا “الخاء” و”اللام” و”الواو” و “الدال”. الحموا ضلوع الوهم وضلوع الخلود، فتصير شخصين مثلنا، يزوراننا في الليالي، ونشرب معهما العرق ونلعب الورق.

والحموا “الشين” و “الجيم” و “الراء” و “التاء”. السعادة هي أن ننظر إلى شجرةٍ زرعناها، ثمّ نذهب إلى النوم.

ألحمُ الأحرفَ وأُعدُّ المائدة: الوهم والخلود ضيفاي.

في الليالي المقمرة يسعد الموتى. يخرجون ليتقمَّروا. يستلقون تحت ضوء القمر ويخبرون بعضهم حكايات. يعيدون على مسامع أنفسهم حكاياتهم الأولى هناك، حين كانوا يستلقون تحت ضوء الشمس ليتشمَّسوا.

لا يخرج الموتى في النهارات من مقابرهم. الضوء الساطع هو ضوء الجنّ والعفاريت والأشباح المخيفة. عالم الشمس مرعب وقاتل وهم يريدون سلاماً وطمأنينة.

يخرج الموتى في الليالي ليستعيدوا حكايات لم يعد ينزف قتلاها دماً ولا عاد الموت يرعبهم. يستعيدون وجوههم التي سقطت برعب هناك، وتسقط الآن في بالهم مطمئنّة.

تعرَّفتُ إلى موتى كثيرين. جالستُهم طويلاً حين كانوا أحياء، وجالستهم طويلاً بعدما صاروا موتى. قعدنا وشربنا وأكلنا معاً وتحدّثنا كثيراً. . . لكنّي سمعتُ لغةً غريبة من الموتى، ولا أعرف لماذا فهمتُها أكثر مما فهمت لغة الأحياء.

لن تفهموا لو قلتُ لكم ما قاله لي الموتى. يجب أن تدخلوا في الموت مثلي، وتجالسوا الموتى، لكي تفهموا.

هل جلستم مرّةً مع العدم؟ هل تعلَّمتم لغة العدم وسمعتم ماذا يقول؟

كيف لعدميٍّ إذن أن يوصل إلى الممتلئين بالحياة كلاماً مفهوماً؟ كيف يقنعهم بأنَّ الكلمات مخلوقات أخرى غير ما يعتقدون، لها طبائعها وأمزجتها ومفاهيمها التي لن تخطر لهم على بال؟ مخلوقات شبحيّة متقلّبة خبيثة ومفترسة. تكون تمضغهم في الوقت الذي يعتقدون أنّهم ينطقونها. وتكون تُضلّلهم في الوقت الذي يعتقدون أنّها الطريق. وتقتلهم حين يظنّون أنّهم يحيون بها، ويحيون إذ يمحونها.

كيف لميت أن يُفهم الأحياء لغة الموتى؟ كيف يقنعهم مثلاً بأنَّ “الواو” أداة قطْعٍ ونقصٍ لا أداة وصْل وإضافة؟ فهل ينقطع شيء إنْ لم يكن موصولاً؟ وإذ يكون بلا وصْلٍ ألا يكون مكتملاً بذاته فيأتي تطلُّب الوصل لكي يجعله ناقصاً؟

وهل يقتنع الأحياء بأنَّ “الكاف” التي قيل لهم إنّها للتشبُّه إنّما هي لمحو الشبيه؟ إذ كيف لا يُمحى وجهٌ إنْ شُبّه بآخر؟ كيف تكون له خصوصية ملامح إنْ كانت شبيهة سواها؟ كيف يكون هو، إنْ كان آخر؟ “الكاف” حرفٌ مفترسٌ أيضاً، فالتشبيه افتراسٌ للشبيه لا إحياء في شَبَه.

لن يفهم الأحياء معاني الكلمات التي اعتادوا نطقها. لن يفهموها إلاّ إذا اكتسبوا طبائع الموتى. فالذين صاروا هناك فهموا اللغة كلّها، ولن يفهمها الذين هنا إلاّ إذا نسفوها كلَّها وأدركوا أنّها لغة موتى لا لغة أحياء.

إنّني أدرك تماماً عجز الناطقين وعجز السامعين. فأنا كنت مثلهم، إلى أن أدركتُ أنَّ لغة حياتي هي لغة موتي.

أفهم عجز الجميع، لأنَّ الجميع يريد أن يكون حرْفَ وصْلٍ وأداة تشبيه. أفهم عجز الجميع لأنَّ الجميع يريد أن يكون الجميع. فالوصل عجزٌ والقطْع قدرة، والتشبُّه اضمحلال والفرادة وجود. ولذلك لا وجود، ولا قدرة، إلاّ لناسفي هذه اللغة. لا وجود ولا قدرة إلاّ لجحافل المتمردين.

. . . وهؤلاء هم، هؤلاء هم القتلى، الذين لغة حياتهم هي لغة موتهم.

اقتربْ أيّها الغيم يا لهاثنا. يريد الموتى أن يضعوا فيك كائنات جديدة.

يريد الموتى أن يصنعوا سماء أخرى، فاقتربْ أيّها الغيم.

بانخطاف الدخول في الهواء والاندماج في الندى، يولدون. تتكوَّن النطفة من شفَّافَين. من خفيفَين لا مرئيَّين. لا يقسوان لئلاّ يُلمسا فيضيعان في يدٍ أخرى. ولا يُريان لئلاّ يذوبا في نظر.

اقتربْ يا غيم، هناك ملاكٌ مهاجر.

ملاكٌ مهاجر يا غيم يبحث عن مكان، فاقتربْ. ألا مكان في الفضاء لملاكٍ مهاجر؟!

قال لي أبي: تعلَّمْ من الشجر، فأنت سنديانة مقيمة. . . أريد الهواء يا أبي أريد هبوب الريح. ألمسُ الشجر وأبتعد، ألمس الوجوه وأختفي.

إقامتي الفضاء الشاسع، إقامتي اللامكان. شاردٌ لا رفاق لي. الشجر مُسَلِّيَّ وليس رفيقي. بين قفزٍ وقفزٍ ألاعب أوراقه، ليس رفيقي ولا سلفي ولا نسلي.

والوجوه ليست محفظتي. ليس لي محفظة يا أبي. لا أحتفظ بشيء، لا الوجوه ولا غيرها. فأنا هابٌّ وليس ورائي سوى غبار.

لا، لا، ليست الحياة الجميلة شجرة زرعناها، ننظر إليها ثمّ نذهب إلى النوم.

الحياة الجميلة هي الهواء الذي يلمس الشجر، ويمضي.

وأنا في سيدني تلقَّيتُ نبأً من بيروت أنّي ميت. لم أكن أعرف أنّي ميت حتى تلقَّيتُ نبأ موتي فعرفت. اتصلوا بي وسألوني: هل أنت ميت حقّاً كما قيل لنا؟ فوجئتُ واحترت. . . ثمّ أجبتُ: نعم.

لا يعرف الواحد أنّه ميت حتى يخبره سواه. الموت خبر، ويصير حالةً بالمعرفة. كنتُ حيّاً أو أظنُّ، وحين عرفتُ مُتُّ.

وصل إليَّ نبأ موتي في الرابعة فجراً. لم يكن ليلاً ولا نهاراً. كان وقتاً خارج العتمة وخارج الضوء. لم يكن وقتاً كان هيوليَّ وقت. وكان هيوليَّ مكان وهيوليَّ حالة.

نظرتُ من النافذة ورأيتُ روعة ما لا يُرى. رأيتُ جمال اللامرئيّ.

وفي تحسُّس غيابي، أيقنتُ جمال لمس الفراغ.

كم هو رائع هذا اللامرئيّ كم هو رائع! لا يخدّش نظراً ولا يطلب رؤية. لا يسعى إلى عين ولا العين تحتاج إلى سعيٍ لكي تراه. لا تحتاج الرؤية إلى عين لكي تمتلئ بروعته.

نظرتُ من النافذة. لا غيم ولا شجر. أين أنت أيّها الغيم أريد أن أُوْدِع فيك آخر أنفاسي. نَفَسٌ ربّما يصير ماءً ذات يوم وينزل على شجرة. ربّما يصير عيناً تلتقي بنظرتها. ربّما يصير عصفوراً، ينقد نقدةً ويطير، كما كنتُ أريد حياتي.

تعالَ يا غيم أريد أن أُوْدِع فيك آخر أسراري: أنا الغراب الذي أرسله نوح ولم يَعُدْ. الغراب الذي صار الجهة الخامسة، ويبحثون عنها ولا يجدونها.

تعلَّمْ من الشجر، قال أبي. أين الشجر يا أبي أين الإقامة؟ السماء إذ تنجلي تأخذ ملامحها معها. نقاؤها فراغها. النقاء هو الفراغ يا أبي. الإقامة امتلاء.

أريد غيماً محيِّراً متقلّباً، غيماً عَصيَّ الملامح، أريد إرباك الفراغ.

أريد اختراق الفراغ وإرباكه. جعله حائراً قلقاً كالامتلاء. أريد مساواة الامتلاء بالفراغ والوجود بالعدم.

هكذا، على الأقلّ، يجلس الحاضرون والغائبون معاً، ويتسامرون طوال الوقت، إلى الأبد.

هكذا لا يرغب الحاضرون في امتلاء، فيخفُّون كريش. ولا يرغب الغائبون في حضور، فيبقون هواء.

هكذا تلتقي الخفقة بنفسها، ويولد كونٌ جميل.

راكضٌ لاهثٌ ضائع، ليس لي ريش ولستُ هواء. كيف أجمع حضوري بغيابي وألدُ منهما كوني؟

الحياة التي نزفت دماً كثيراً أثقَلَها دمُها وغرقتْ فيه. الفم الذي قال كلاماً كثيراً سحقه حطامُ كلامه. الرئة التي لهثت كثيراً اختنقت تحت ركام لهاثها.

كيف أجعل من الغرق والحطام والاختناق كوناً؟

في البعيد خشبة، هذا أمل الغرقى. في البعيد غيم، هذا أملي.

عُدْتُمْ؟ أهلاً بكم أيّها الموتى. هل اصطدتم شيئاً في هذه الرحلة؟ أوقدوا النار إذن، أريد أن أشارك في الوليمة. هل كان نائماً، مختبئاً أم جافلاً هذا الإله الذي اصطدتموه؟ وقولوا، صِفوا لي ملامح وجهه وهو ينتظر الرصاصة. هل خاف؟ هل بان الرعب عليه؟ وهل كان رعبه شبيهاً برعبكم أمام رصاصه؟

أوقدوا النار أريد أن آكل وأشرب وأسكر معكم. أريد أن أشرب نخبكم يا صيَّادي الآلهة في مجاهل العدم، في رحلة الانقلاب العظيم، حيث يحيا القتيل ويموت القاتل، وينحني السيّد ويشمخ العبد، وتصير الرعيَّةُ اللهَ واللهُ الرعية.

خذوا كلوا. . . هذا هو الجسد الذي جعلكم جائعين.

سينفجر البركان قريباً. وصلت النار إلى الحدّ وسينفجر. ستكون للأرض مائدة عامرة من أجساد مشويَّة. ستُطهى الملائكة والقدّيسون والآلهة، وتُطبخ العفاريت والشياطين والجنّ، ويجد المشرَّدون في الأرض والجائعون أطباقاً وُضعتْ فجأةً أمامهم.

سيكون احتفال كبير للمنسيّين على الأرض. فالبركان اقترب انفجاره، وسيشبع الجوعى من فحم الأرض أخيراً.

 

 

شارك مع أصدقائك