قراءة في رواية +15
للكاتب ياسين غالب زهير كريم “
زائد 15, رواية استمتعت بقراءتها ” بول اوستر في روايته( في حجرة الكتابة) يضع الكاتب في موضع يشبه السجن، مستسلما لمرافعات تقدمها شخصيات رواياته السابقة ضده، حيث تظهر عملية الكتابة وكأنها مغامرة خطرة وليست لعبة. رواية ياسين غالب، وفي هذه القراءة المتواضعة، تفتح لي سؤالا آخر عن الكتابة، وسوف أمر بسرعة على العديد من القضايا التي يحاول _ الكاتب كما أرى_ تمريرها الينا. من أهم هذه القضايا ما يتعلق بالكتابة بوصفها خزانة آلا رواح المعطوبة، فالسارد ، والذي هو ظل الكاتب هنا، وضع نفسه في منطقة استقطاب لآلام الآخرين، وعملية التدوين لشهاداتهم واحدا بعد الآخر، لم تكن مشروعا توثيقيا، ولا هواية لتزجية الوقت اثناء الانتظار، فقد حاولت صديقته الفنلندية في النهاية ان تتفاعل مع المشروع، وان تضفي عليه اهمية مصيرية من خلال ترجمته الى الفنلندية، فقد كان تدوين الشهادات، ومنثم الترجمة هي الواجهة الأدبية للألم بعدما فشلت الواجهة الرسمية في التعاطي مع بالصرخة الانسانية، فالكتابة هنا فعل اخلاقي كان السارد مضطرا من خلاله للتدخل، السارد الذي هو تمثيل لصوت العقل الذي يوجه، ينصح، وصوت القلب الذي يحترق، فعلى الرغم من كونه سمح للجميع ان يتحدثوا عن انفسهم، لم يمنع نفسه من التدخل، محاولا ربط المصائر اثناء الشهادات المنفردة مع بعضها حتى ولو على شكل خطف، اراد للشهادات ان تظهر لنا وكأنها اعتراف واحد لمجموعة بشرية وضعتها الاقدار في بناية واحدة، رجال ونساء يواجهون مصائرهم بأجساد منتهكة وبأرواح محطمة، لهذا ظهر الراوي في النهاية مثل دمية الصبر التي انفجرت، فلم يعد قادرا على تحمل الضغط الذي سلطته عليه التفاصيل، فانفجر في الفصل الاخير، ليفتح خرطوم آلامه الشخصية مشفوعة بالألم الذي تراكم قادم من شهادات الآخرين. القضية الثانية هي ان النص هو حكاية اخرى عن الهجرة واللجوء، من هذه الناحية هي ثيمة مكررة، لكن هذا النص اختلف بعض الشيء لأنه حاول الحفر في الذات الانسانية الهشة، والتي يمكن ان يظهر منها أسوأ مافيها بفعل الضغط وعدم الرحمة، فجميع الشحصيات هنا ملائكة وشياطين في الوقت نفسه، مطحونة كما لو انها موضوعة بين المطرقة والسندان، وعلى النحو الذي جعلنا ياسين غالب متعاطفين مع االابتذال، والذي انتجته اوضاع الشخصيات في بلد الهجرة، انها شخصيات ضائعة، حاول ياسين ان يحمل الجميع المسؤولية، الغرب الفخور بواجهات تتعلق بحقوق الانسان، الانانية حتى في التعاطي مع الجسد، في الجانب الآخر يكشف اللاجئ عن استعداده لفعل اي شي من اجل وهم يعتقد بانه الحياة السعيدة، وفي الحقيقة ثمة قضية مضمرة لم يتصدى لها ياسين في روايته، تتعلق بسؤال، ماذا لو حصلت شخصيات الرواية على حقوقها منذ البدء، هل كانت تتصرف بنفس الصيغة التي اظهرها بها؟ القضية الثالثة، تتعلق بالخيط السري الذي طرفاه السبب والنتيجة، فالشخصيات مشطورة بين منطقيتين، الجذر والمنفى، وهي تسقط في منطقة اللاعودة، منهم من اختصر الطريق وانهلا حياته، ومنهم من باع نفسه للشيطان، ومنهم من باع جسده وظل روخا هائمة، ومن تعلق بحيل الامل الطويل القصية الثالثة تتعلق بالانساق الثقافية، حيث يظهر ان العنصر الانساني غير كاف للتعايش، فالتفاصيل كافية لتعرية الشعارات، فلا يمكن منطقيا في النهاية قبول كلام مثل: كن شجاعا وحرا وصبورا، لكي تلعب دورك بالقدر الذي تحصل فيه على التصفيق، متخليا عن سيرتك، مندمجا حتى تكون ليس أنت. هذا غير ممكن، نحن أحرار بالقدر الذي يجعلنا نتصرف كما نحن، لاكما تريد الشروط الضاغطة، والخطاب المهيمن. مركزا على قضية المثلية، والتي ظهرت في بعض فصول هذه الرواية كما لو أنها قضية أساسية ناقشها الراوي بشكل مبالغ فيه احيانا. ولا أريد ان أفتح في هذا العرض السريع مشهدا مختصرا للقصة، فهذه مهمة أخرى، لكن اريد القول إن لغة الرواية جميلة جدا، الحوارات ايضا، خاصة في الفصل الاول بين اللاجيء العراقي الذي يعمل في دار المسنين، وهانو الفنلندي المصاب بالسرطان، والذي كان تأثيره قد تسلل لجسد النص كله تقريبا، مرة بشكل معلن من خلال الحصان والفرس، حيث ظهرا في صورة قديمة من ايام الحرب العاليمة الثانية، ومرات عن طريق الاشارات، حيث ان الحرب كانت لاعبا اساسيا في توجيه مصير الشخصيات، لهذا يبدو هانو موجودا في كل منها