نص على نص بين الشاعر والمفكر جمال جاسم أمين
والناقد حيدر الأديب
……
( كلهم يتصلون بالرقم الخطأ ) ..
جمال جاسم أمين
هذه العبارة اللاذعة وردت على لسان شاب ، بطل فلم عالمي ، هبط من كوكب آخر على سطح الارض طلبا لمعرفة الاديان و المعتقدات التي يمارسها الناس هنا وبعد جولة طويلة بين معبد و اخر عرف انّ هذه الطرق كلها لا توصل الى الرب و انهم كلهم ، يتصلون بالرقم الخطأ ، ! أستثمر هذا المعنى للحديث المعاد حول طرق انتاج المثقف في مجتمعات مغلقة .. ترى هل نتصل جميعا بالرقم الخطأ دون ان ندري؟ من أين يأتي المثقف العابر للعُقَد في مجتمعات العقد ! متي يبدأ عصره ؟ قلنا مرارا و سنقول : لا يبدأ عصر المثقف حتى يبدأ عصر الانسان ،، و لا انسان في ظل إرغامات كهنوتية و أعراف و تقاليد ضاغطة تحدّ من حريته و تحبط انطلاقته نحو ذاته .. اذن للآن لم تبدأ رحلة الانسان نحو نفسه بعد ،، أتحدث عن انسان شرق المتوسط ، انسان السجون الكبيرة !
الانسانية الحقة هي مهاد المثقف و حاضنته .. الان توجد مقتربات مقطوعة ، لا تصل .. خطى تتلعثم فتنتج تشوهات .. انسان مسخ ينتج مثقفا مسخا ! .. ليس جلدا للذات بل مكاشفة .. لن نصل لمثقف بالقفز على الانسان اولا .. كأننا نريد خمرا بلا عنب .. ضوءا ولا شرفة يشرق منها ،، جِدوا الانسان تجدوا المثقف تبعا و ضرورةً .. في مشروعنا ،، البديل الثقافي ،، تنبيهات شتى على هذا الطريق .. أسئلة منذ بيان التأسيس في ٢٠٠٥ ،، نقد الثقافة قبل نقد المثقف .. طالبنا ان يكون الادب للانسان لا للمؤسسات .. يعمق انسانية الانسان كي نصل لثقافة حقيقة .. ولم يحصل شيء للاسف .. نحن الان جالسون بانتظار ولادة الانسان الذي سيلد المثقف .. لا فائدة من القفز و حرق المراحل .. هكذا تكلم ( البديل الثقافي ) كما تكلم زرادشت ! ..
…………………………………………….
المباني الفلسفية للبديل الثقافي
الاتصال بالرقم الصح
قراءة واصفة / حيدر الأديب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البديل الثقافي هو مشروع للمفكر العراقي التنويري جمال جاسم امين له خصوصية وفلسفة يمكن وصفه بانه استقراء الانسان العراقي بما هو عراقي تخليصا له واكتشافا بذات الوقت اي تبديل الانسان بالانسان لا بالعودة للانسان كما فعل علي شريعتي ونحن هنا بصدد قراءة واصفة احالية على عناوين ومنبهات لا قراءة تحليلية فالفضاء الازرق لا يحتمل ثقل الجملة الثقافية الا بقدر الاشارة اليها
لفهم المرتكزات التي تطرق إليها وتحديد أهميتها في ” البديل الثقافي”، علينا أن نبدأ بتحليل العلاقة بين الإنسان والمثقف، وربط هذه المرتكزات بالجذور الفلسفية السابقة عليها، ثم بيان كيف تتجاوز هذه النظرية تلك الفلسفات وتقدم رؤية أكثر شمولية.
- لا يبدأ عصر المثقف حتى يبدأ عصر الإنسان
هذه العبارة تمثل نقدًا جذريًا للعديد من الفلسفات التي سبقت “نظرية البديل الثقافي”. الفلسفات الإنسانية، بدءًا من هيجل ومرورًا بـنيتشه، ركزت على فكرة الإنسان باعتباره محورًا للتاريخ والتطور الفكري. لكن غالبًا ما كانت هذه الفلسفات تهمل الظروف المادية والاجتماعية التي تحكم تطور الإنسان. على سبيل المثال، هيجل رأى في “روح العالم” تعبيرًا عن تطور العقل البشري، دون أن يعير الاهتمام الكافي للإنسان كفرد يعيش في بيئة اجتماعية محددة.
“نظرية البديل الثقافي” تتجاوز هذا الطرح، بتأكيدها أن الإنسان هو الأساس، وأن المثقف لا يمكن أن يظهر ويؤدي دوره الحقيقي إلا في عصر يُعترف فيه بإنسانية الإنسان بشكل كامل. هذا يعني أن المثقف ليس كائنًا منفصلًا عن المجتمع، بل هو تعبير عن تطور إنسانية الإنسان ذاته. هنا تكمن الفكرة في أن المثقف هو نتاج طبيعي لمرحلة متقدمة من تطور الإنسان، ولا يمكن للمثقف أن يظهر ويؤدي دوره الحقيقي ما لم يتم الاعتراف الكامل بإنسانية الإنسان.
- إنسان مسخ ينتج مثقفًا مسخًا
هذه العبارة تعكس نقدًا للفلسفات التي تركز على المثقف كفرد مستقل وقادر على التغيير، بغض النظر عن الظروف الاجتماعية والثقافية. جان بول سارتر، في فلسفته الوجودية، قدم تصورًا للمثقف ككائن حر قادر على تجاوز الظواهر المادية، لكنه في نفس الوقت تجاهل التأثيرات الاجتماعية والثقافية التي تشكل الإنسان.
“نظرية البديل الثقافي” تتفوق على هذا الطرح بتأكيدها على أن الإنسان هو نتاج بيئته الاجتماعية والثقافية. إذا كانت هذه البيئة معطوبة أو مشوهة، فإن الإنسان الذي ينتج منها سيكون مشوهًا كذلك، وبالتالي المثقف الذي ينبثق من هذا الإنسان سيكون مثقفًا مسخًا، لا يستطيع التعبير عن القيم الإنسانية الحقيقية.
- لن نصل لمثقف بالقفز على الإنسان أولاً
هذه المرتكزات تستند إلى فلسفات مثل كارل ماركس الذي أكد على أن الوجود الاجتماعي يحدد الوعي. بمعنى أن الظروف المادية والاجتماعية للإنسان هي التي تشكل فكره وثقافته. في “نظرية البديل الثقافي”، يتم تطوير هذه الفكرة لتشمل ليس فقط الظروف المادية، ولكن أيضًا الحاجة إلى تطوير الإنسان نفسه قبل توقع ظهور مثقف قادر على إحداث التغيير. المثقف هنا ليس مجرد فرد متميز، بل هو نتاج مجتمع متطور إنسانيًا.
ولكنننا نرى ان البديل الثقافي يفترق عن منظور كارل ماركس اختلافا جذريا رغم هذا التقارب الظاهري
ففي سياق “البديل الثقافي”، يُنظر إلى وعي الإنسان على أنه “لازمة ذاتية” أو ضرورة جوهرية داخلية للإنسان، وهو شيء ينشأ من طبيعة الإنسان نفسها، وليس مجرد استجابة للظروف الاجتماعية أو الاقتصادية المحيطة. هذا يعني أن وعي الإنسان ليس مفروضًا عليه من الخارج (كما في نظرية ماركس)، بل هو جزء لا يتجزأ من وجوده وطبيعته الإنسانية.
ومحصل الاختلاف عن منظور ماركس:
هو أن أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية هي التي تحدد وعي الإنسان وتشكل رؤيته للعالم (أي أن الإنسان هو نتاج البيئة المادية التي يعيش فيها)، فإن “البديل الثقافي” يقترح أن الوعي هو جزء من الهوية الذاتية للإنسان، ويجب أن ينمو ويتطور كجزء من حاجة الإنسان الذاتية لفهم نفسه وتحقيق وجوده.
هكذا طرح يضع أهمية كبيرة على تطوير الإنسان لوعيه من خلال التجربة الذاتية والفهم العميق لذاته، مما يجعله قادرًا على تجاوز أي تقييدات خارجية أو مؤسساتية. الإنسان هنا ليس مجرد رد فعل للظروف المحيطة، بل هو كائن ذو وعي ذاتي يملك القدرة على تشكيل واقعه وفقًا لرؤيته الداخلية وحاجاته الإنسانية.
اذن الوعي ليس مشروطًا بظروف خارجية، بل هو ضرورة ذاتية داخل الإنسان. هذا الطرح يتفوق على المنظورات التي تحصر الإنسان في إطار الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية، ويؤكد على أهمية الإنسان ككائن ذاتي واعٍ قادر على تشكيل مساره الخاص بعيدًا عن أي تقييدات خارجية.
- جِدوا الإنسان تجدوا المثقف تبعًا وضرورةً
هذه الفكرة تتجاوز الفلسفات التي ركزت على المثقف كقائد للمجتمع (مثل فكرة الفيلسوف-الملك عند أفلاطون). في “نظرية البديل الثقافي”، المثقف ليس كائنًا خارجيًا يقود المجتمع، بل هو تعبير عن التطور الطبيعي للإنسان. حينما يتم تطوير الإنسان على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، سيظهر المثقف تلقائيًا كنتيجة حتمية لهذا التطور.
- نقد الثقافة قبل نقد المثقف
هذا المفهوم يعيد صياغة فكرة أنطونيو غرامشي حول “المثقف العضوي” الذي يرتبط بطبقة اجتماعية معينة. في “نظرية البديل الثقافي”، يتم التركيز على ضرورة نقد الثقافة التي تشكل الإنسان قبل نقد المثقف نفسه. إذا كانت الثقافة سلبية أو معطوبة، فلن يستطيع المثقف التعبير عن إنسانية حقيقية. لذلك، النقد يجب أن يبدأ من الثقافة ككل، لأنها البيئة التي تشكل الإنسان والمثقف معًا.
- طالبنا أن يكون الأدب للإنسان لا للمؤسسات
هنا، يتم التفوق على الفلسفات التي ترى في الأدب وسيلة لخدمة الإيديولوجيات أو المؤسسات. في “نظرية البديل الثقافي”، الأدب يجب أن يعمق إنسانية الإنسان، ويكون أداة لتحريره، وليس لتقييده ضمن أطر مؤسساتية. الأدب يجب أن يكون للإنسان أولاً وأخيرًا، ويعمل على تطويره بشكل يساهم في تحقيق ثقافة حقيقية.
ونرى ان “نظرية البديل الثقافي” تتفوق على الفلسفات السابقة من خلال إعادة محورية الإنسان في قلب العملية الثقافية. المثقف هنا ليس كائنًا معزولًا، بل هو نتاج طبيعي لإنسانية الإنسان. الثقافة، بحسب هذه النظرية، يجب أن تخدم الإنسان وتطوره، وليس المؤسسات أو الإيديولوجيات. تطوير ثقافة الإنسان هو الطريق الوحيد للوصول إلى مثقف حقيقي، قادر على قيادة المجتمع نحو التغيير والتحرر. إن تحقيق “عصر المثقف” لن يكون ممكنًا إلا عندما نعيش في “عصر الإنسان”، حيث تتحقق الإنسانية بشكل كامل، وتصبح الثقافة وسيلة لتعميق هذه الإنسانية.
ماذا يريد البديل الثقافي ؟
“البديل الثقافي” يمكن فهمه كمنظور يؤكد على أن الإنسان يجب أن يكون للإنسان، بمعنى أن الإنسان ينبغي أن يكون محورًا للوجود والثقافة خارج تأثيرات أو تقييدات المؤسسات الفلسفية والسياسية. في هذا السياق، الإنسان يتجاوز الإيديولوجيا، لأن الإيديولوجيات غالبًا ما تسعى لتقييده ضمن إطار معين يخدم مصالح معينة، سواء كانت سياسية، دينية، أو ثقافية.
الإنسان للإنسان: خارج معطيات المؤسسات
“البديل الثقافي” ينادي بفكرة أن الإنسان يجب أن يعيش حياته ويطور ثقافته بعيدًا عن القيود التي تفرضها المؤسسات والإيديولوجيات. هذا يعني أن الإنسانية يجب أن تكون الغاية الأساسية، وليس أداة لخدمة أي مشروع مؤسساتي أو إيديولوجي. المؤسسات، سواء كانت دينية، سياسية، أو فكرية، غالبًا ما تحاول تشكيل الإنسان وفق قوالب محددة تخدم مصالحها، مما يقيد حريته ويعيق تطوره. فالإنسان فوق الإيديولوجيا