عبد العزيز عسير
==========
يقول بعض الباحثين : (( ان الشعر يضيع عند الترجمة )) ” ١ ” والأدق ان يقال : ( ان الشعر لا يصل كاملا حين يترجم ) إذ يصل منه الكثير مثل الفكر … والحالة الشعورية … و الصور الشعرية والمشاهد مع الحدث والحركة التي ينقلها السرد الشاعري … اضافة إلى الحوار ( المنلوج خاصة ) . أما ما يضيع فهو كل ما يتعلق بالبنية الصوتية من صياغة لفظية … أو ايقاع تناسقي مثل الايقاع العروضي القائم على التفعيلات في لغات الشرق الأوسط بضمنها العربية … ومثل ال (feet) في بعض لغات اوربا التي يقوم ايقاع الشعر فيها على التناسق النبري ( المقطع المنبور و الآخر غير المنبور ) ( stressed and unstressed ) بهذا الصدد يحضر السؤال الآتي فارضا نفسه : _ هل يضيع ايقاع الشعر عند الترجمة ؟ من المؤكد ان الايقاع لا يقتصر على النظام البنائي او العرض الصوتي ؛ فثمة ايقاع معنوي ؛ وثمة توالٍ نسقي (النسق التتابعي في تعاقب الجمل ) وثمة التماثل الدلالي ايضا .وغير ذلك من أنواع الايقاع . و بالتاكيد ليس هناك تطابق تام بين الايقاع والبنية الصوتية ؛ فهذه صياغة لفظية بينما الايقاع هو جمالية تلك الصياغة …. والنصوص تختلف درجة بالاحساس الجمالي فلا يتحقق الاحساس بالجمال في كل بنية او صياغة ؛ ودرجة الارتياح متفاوتة لدى التلقي … فهناك التركيب الصياغي البارد الذي لايثير ولا يترك في النفس ارتياحا … وبالمقابل ثمة ما يؤجج الانفعال احساسا بجمالية البنية الصوتية وذلك هو الايقاع . وما دام الموضوع هو ما ينقل بالترجمة بين لغتين او (درجة ايصال الجمال ترجمة ) .فان الفكر يمكن ايصاله بنباهة مترجم حاذق … وكذلك الحالة الشعورية لا يتعذر ايصالها ترجمة … بقي ان يحقق المترجم الايقاع البديل بصياغته باللغة المنقول اليها … وحين نطالع عدة ترجمات لنص واحد نجد فارقا كبيرا بالصياغة كما لاحظ القارئ الكريم في ترجمات رباعيات الخيام … البعض ترجمها عن الانجليزية .( ترجمة الترجمة ) وثمة شاعر واحد ترجمها عن الفارسية (٢) … والفارق كبير بالصياغات ؛ فمن المترجمين من منحها ايقاعا عروضيا بالعربية … مع قليل من الترجمات النثرية . و ليكتمل الموضوع لا بد من إجراء تطبيقي على أحد النصوص … فلنقف بشيء من التأمل عند نص قصير للشاعر وليام وردز وورث : A SLUMBER DID MY SPIRIT SEAL A SLUMBER did my spirit seal; I had no human fears: She seemed a thing that could not feel The touch of earthly years. No motion has she now, no force; She neither hears nor sees; Rolled round in earth s diurnal course, With rocks, and stones, and trees. ترجمة اولى … ( ٣) ======== رقدةٌ أطبقتْ على الروح فاختفى منها كلُّ خوفٍ آدَمي وبدَت مثلَ من لا يحِسُّ لمساتِ السنينِ الدنيوية * قد خلَتِ الآن من كلِّ حولٍ أو حراكٍ. هي لا تُصغي ، لا تَرى.. قد لفَّها تقلّبُ الأرضِ في كلِّ يوم مع الصخورِ والأحجارِ والأشجار ترجمة ثانية …(٤) : ====== قبضةُ نعاس ٍ أطبقت على روحي بختمها فلم تعد لدي اية مخاوف آدمية انها تبدو مثل جماد لا احساس له بلمسة السنوات المحيطة بالارض لا قدرة لها الآن ولا حركة فهي لا تسمع ولا ترى لقد توالت عليها دورة الأرض اليومية بالصخور و الحجر و الشجر . ما الذي ضاع بعد الترجمة ؟ * من البنية الصوتية ضاع وقع القافية ( seal_ feel ) / ( fears _ years ) * ومن المؤكد ان مقاطع البحر الشعري feet _بين المنبور وغير المنبور _ قد ضاعت هي الاخرى * بترجمة الضمير ( she) الى ( هي) تكون قد ضاعت لمسة فنية جميلة هي تشخيص الشيء غير عاقل بالصورة الانسانية … فهو قد تعامل مع الروح كأنثى من البشر . معلوم بالانجليزية ان الضمير الذي يعود على (الروح / spirit ) هو ( it ) ولكن الشاعر قد عمد الى الانزياح مخالفة للمألوف فاستخدم الضمير ( she) وكرره في النص ثلاث مرات … والغاية هي تشخيص شيء غير عاقل بصورة انسانية هي المرأة ؛ فالروح في هذا النص تبدو كانثى سلبتها الغفوة المطبقة عليها من كل وعي او احساس . … ولو اراد المترجم تحقيق هذا التشخيص الانساني فانه لا يترجم الضمير (she) بما يقابله بالعربية (هي ) … وبدلا من قوله ( هي بدت كشيء لا يحس ) كان عليه ان يستبدل بالضمير عبارة توصل المراد كأن يقول مثلا ( تلك السيدة التي اسمها الروح تجردت من الاحساس ) بهذه العبارة يكون المترجم قد اوصل عملية التشخيص (prrsonification ) وعلى كثرة ما ضاع بعد الترجمة فان هذا النص الكوني يصل كفكرة وكشعور فالمتلقي يشعر بما فعلته تلك الغفوة المطبقة على الروح والتي عزلت تلك الروح تماما عن الكون . فلم تعد تشعر بموضعها من الارض بين الصخور والاحجار والاشجار
. _________
١ _ روبرت فروست .. نقلا عن منشور للصديق حيدر الكعبي
2-Haider Al-Kabi 2 _ الشاعر احمد الصافي النجفي
3_ ترجمة ماجد الحيدر ضمن منشور في غوغل .
4_ هذه الصياغة هي ترجمتنا حسب فهمنا للنص .