أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
لا يعنينا هنا المنظور الديني او المذهبي او الدستوري فيما يخص زواج القاصرات بشكل خاص والزواج المبكر بشكل عام ،بل يعنينا ما يقوله علم النفس والطب النفسي فهو اختصاصنا وينبغي ان نؤدي واجبنا في مسألة خطيرة تخص جيل الشباب والأسرة والمجتمع والدولة ايضا.
نبتدأ القول بحقيقة.. أن استقرار المجتمعات وأمنها ورقيها لا تتحقق الأ بالأعتناء بالأسرة،وتوفير الظروف الملائمة لضمان قيمها بأدوارها في بناء جيل قادر على الأسهام بشكل ايجابي في التنمية لضمان العيش في مجتمع آمن يستثمر رأسماله البشري أسمى استثمار. ولا شك أن الأسرة المتوازنة المبنية على اساس من الترابط والألفة والأحترام ..مكسب لا يتحقق الأ اذا ارتكزت هذه الأسرة على زواج سليم البناء ..والزواج بهذا المعنى لا يتحقق الا بكمال الأهلية والنضج البدني والعقلي ،والقدرة على تحمل مخاطر المسؤولية والأعباء المترتبة عليها.
ماذا يقول العلم؟
تؤكد الدراسات الطبية والسيكولوجية ان لزواج القاصر اضرارا فادحة،ليس فقط لعدم اكتمال نضجها البيولوجي والفكري،بل ولأنه غالبا ما ينتهي بالطلاق لعدم ادراك القاصر لمسؤولية الزواج. والأخطر سيكولوجيا ان الفتاة ترتعب من حصول الدورة الشهرية لديها ورؤيتها للدم،فكيف لطفلة بعمر التاسعة تفض بكارتها بعمل لا تجد له تفسيرا سوى انه عدوان عليها يترتب عليه كرهها للرجل والزواج والعملية الجنسية التي تتحول لديها من متعة الى قسوة بشعة!..ستفهمه فيما بعد بأنه كان اغتصابا واستعبادا.
والمؤسف ان الكثير من العراقيين لا يعلمون أن معظم جرائم الشرف التي اشارت التقارير الى تزايد حاد بلغ 700 حالة في السنة!..كانت بين قاصرات ارغمن على الزواج او هربن من بيوت اهليهن.فضلا عن أن زواج القاصرات يعد جريمة في نظر القانون الدولي الخاص بحماية الأطفال ومعاهدة حقوق الاطفال التي تعدّ زواج القاصر حرمانا لها من حق التمتع بمرحلة الطفولة وحق التعليم..والعراق من الدول الموقعة عليها. والمؤسف ان سياسيين وبرلمانيين وحتى مثقفين لم يدركوا أن تزويج البنات بعمر مرحلة الطفولة يعني تحويلهن الى ربات بيوت جاهلات وحرمان المجتمع والوطن من مصادر طاقة تنموية اقتصادية واجتماعية وثقافية.
دراسات عربية ميدانية.
من بين أهم الدراسات العربية دراسة مغربية رصينة بعنوان ( دراسة تشخيصية حول زواج القاصر ) توصلت الى ان الزواج المبكر يؤدي الى زيادة التوتر والقلق لدي الفتيات القاصرات والشعور بالعزلة والأكتئاب ،ويزيد من خطر الأصابة باضطرابات الصحة العقلية.وأن (الزواج والحمل المبكر والولادة المبكرة تؤدي الى مخاطر صحية جمة على القاصر نفسها،وعلى اولادها،اذ يؤدي الى الرفع من نسبة احتمال اصابة المولود بإعاقة،وأن ارتفاع نسبة وفاة المواليد الجدد يرفع بشكل كبير مخاطر الأجهاض).
واوصت هذه الدراسة الرصينة التي انجزها فريق من الباحثين على وجوب توافر طابع (الرضائية ) في الزواج ،وتسجيل عقود الزواج قضائيا ، والألتزام بقرارات الأمم المتحدة التي حددت سن الزواج بأن لا يقل عن 18 سنة( الجزائر حددته بـ 19 سنة).
ما المطلوب..عراقيا؟
ننوه الى ان زواج القاصرات صارت تحظى باهتمام عالمي لكونها تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الأنسان ،بانتهاك حق الفتاة في الحرية والتعليم والصحة والحياة الكريمة، وعليه فقد عملت المنظمات الحقوقية الدولية على (توعية المجتمع والتشريعات القانونية لحماية حقوق الفتيات القاصرات وتوفير الدعم اللازم لهن للتخلص من هذا الظلم والإساءة التي يتعرضن لها) ، وفقا لوكالات الأنباء.
ولدى متابعتنا الدعوة الى (تعديل قانون الأحوال الشخصية) وجدنا مواقف متصلبة وتعليقات لا تليق بين الضد وضده النوعي ولا تخدم الأسرة العراقية ولا المجتمع ولا الدولة.وعليه فأننا ندعو الى التهدئة وعقد ندوة تضم ممثلين مثقفين من الفرقاء.