حاوره
أحمد فرحات
. أيؤرقك كشاعر أن تبقى الأشكال الشعرية الحديثة، هكذا من دون سطوة ذوقية ونفسانية عامة؟
يؤرقني جداً ، رائع تشخيصك هذا ، هذا هو ما أنادي به بالضبط فلو أننا أعطينا الشعر مساحة أكبر في تجواله اليومي والواقعي وزدنا عمقه الروحي وأعطيناه درجات من الجمال الجديد لكانت له سطوة ذوقية ونفسانية عامة أكبر . الأشكال الشعرية تحتاج بالضبط إلى هذا لأنها ابتكرت وسكنت وقرت دون أن تجوب شوارع الحياة ودون أن تغوص في أعماق الروح ودون أن تتلون بدرجات الجمال . مانحتاجه هو شعراء يعون هذه الحقيقة وينفذونها بطرق مرهفة .
القصد من هذا الكلام أن الشعر العربي ، على وجه الخصوص، إبتكر على مدى نصف قرن او ستين سنة ماكان يجب ابتكاره في قرون ، ولم يمكّن الناس من هضمه جيدا ، بل لم يترك مبتكراته لكي تتحمص تحت الشمس ويلوكها الناس طويلاً ويستوعبوها في لاوعيهم الجمعي ، ولم تترك الأشكال الشعرية للتتمرغ في طين وحرارة الواقع والأحداث.
الشعراء اليوم مطالبون بمرحلة ثانية وهي كيفية خلط تلك التقنيات الحديثة بمتغيرات الواقع ، وهو ماسيجعلنا نبتكر نصوصاً جديدة بعيدة عن المنجز النظري الذي كانته فقط ، بل هي ابنة الحياة والواقع .
.يبدو أن البيئة “المغلقة” للنص الشعري الجديد، لا تتفتّح إلا عبر وعي القارئ، واجتراحه لكثير من التوقّعات والاحتمالات، التي لا يتوقعها، حتى الشاعر نفسه، أو هي قد تكون غريبة عنه، و مفاجئة له… ما تعليقك؟
هذا السؤال يكمل جوابي السابق ، نعم القارئ هو الغاية النهاية وعندما يكتمل إنجاز المهمة معه نكون قد وصلنا إلى النهاية ، لتكون لنا بداية جديدة أخرى .
كم اتهموني بالإبتعاد عن القرّاء لكني لست كذلك أبداّ ، كان هذا الأمر ماثلاً أمامي كما شرحته لك . لقد كتبت مثات بل آلاف القصائد بعضها ينجز تقنية حديثة وبعضها يذهب بهذه التقنية الى القارئ والحياة والواقع . كيف لي أن أنسى أني عندما قرأت نصي الطويل جدا (حيّة ودرج ) على جمهور مدينة ميسان ( العمارة : جنوب العراق ) عام 1994 على مدى أربع ساعات لم يتحرك فيها إنسان واحد من الجمهور وكان الناس مشدوددين الى النهاية بلا ملل وكلهم توتر ، ونصي هذا هو اختصار لفكرة ذهاب التقنيات والمبتكرات الشعرية للواقع والناس والحياة ، كنت أتحدث في هذا النص عن حية الناس بعد الحرب وكيف تحولنا وتحول البلد إلى خردة. كانت واحدة من أعظم تجارب حياتي أوضحت لي ماتحدثت انت عنه الآن ، وكان هذا النص وهذه التجربة القرائية منعطفاً كبيراً في حياتي.
.يبدو أن ما نسميه شعراً، لم يعد بالفعل، محدّد الملامح، عندنا عرباً كما عند غيرنا في هذا العالم. يقول جاكبسون: ” إذا أردنا أن نحدّد هذا المفهوم (أي الشعر)، علينا أن نقابله بما ليس شعراً، إلا أنه ليس من السهل أن نقول اليوم ما لا يكونه الشعر”.. ما تعليقك؟
ملاحظتك هذه تختصر ماتحدثت عنه في بداية حديثنا من أن الشعر موجود في كل النصوص ، الشعر هو الديانة الأولى غير المؤدجلة والمنفلتة ، عصور مابعد الحداثة تعيد انتاج ماحصل في عصور ماقبل الكتابة عندما كانت النصوص شفاهية ومخلوطة في بعضها وروح الشعر ترفُّ عليها .
تشخيصاتك تدهشني أيضا ياصديقي الشاعر وواضح أنك تهيم اليوم مثلي للبحث عن الحقيقة ، أعرف أنه عالم موتور لاينتبه لنا ولكن كل المجالدات الروحية والشعرية تكون هكذا .
أحتاج الكثير لتصوير الأمور لك بطريقة دقيقة ، كان الإنسان في عصور ماقبل التاريخ قد أنجز ،دون قصد منه ، حشد لاوعيه الجمعي بالرموز والأركيتايب الروحية والمادية (وهي أهم المصادر السريّة لمعتقداتنا وأفكارنا ) وكان كل شيئ من معارفه منغمراً فيها ومطلاً برأسه الصغير إلى مناطق وعيه البسيط .
ومازلنا إلى يومنا هذا ندين لما حصل في عصور ماقبل التاريخ في هذا المجال تعرف لماذا؟ لأن زمن تلك العصور استغرق 99% من تاريخ ظهور الإنسان أما عصور الحضارات كلها فيعادل 1% فقط ، هذا يعني أن طبقة الوعي هي قشرة شفافة يرقد تحتها سديم اللاوعي . الشعر بمعناه الشامل العميق معنيٌّ بذلك السديم وقد نشأ في تلك العصور يوم كان السحر مهيمناً قبل الدين ثم الدين بمعناه البدائي ، ولكن الشعر يتغلغل في كل شئ. الشعر اليوم يعيد اكتشاف هذه المناطق بطريقة أو بأخرى ويتمشى في أرض الواقع مزدحماً بلهاثه وغيبوبيته وبدائيته . الشعر يختلط باللاشعر ويختلط بالنثر وبجزيئات الواقع وذراته وهذا ، من وجهة نظري يؤذن بعصر جديد للشعر يتخلى فيه الشعر عن موجهاته المعروفة سابقاً ، ولأكن صريحاً وواضحاً وأقول لك أن الشعر سينحى منحىً أنثربولوجياً لا في المناطق الشاسعة للماضي فقط بل في المناطق الشاسعة للحاضر هذه المرة.
أمام “فوضى” الكتابة الشعرية، نحن، في المقابل، أمام “فوضى تلقٍ لها.. وبات المتلقي الحصيف ( بعدما دخلت المناهج النقدية الغربية أوردة أبحاثنا العلمية والأدبية)، هو صاحب النص وليس الشاعر، بخاصة عندما يجعل (أي القارئ) هدفه من القراءة مسبقاً، هو إنتاج دلالة ذاتية للنص المقروء..
هذا أمر طبيعي ، بل هي دورة حتمية لابد منها وعلينا أن نواجهها بشجاعة وأن نعي مستلزماتها دون أن نهرب منها ، لابد من أن تكمل دورة الشعر دورتها في الانتاج ثم التلقي ، ولابد من التغذية الراجعة التي ستعود بنتائجها إلى الشعر وتحفز باتجاه شعر جديد .
بعد إيغالك المستمر والمفتوح في الميثولوجيات، وعلم الأديان، هل صرت، يا صديقي، شاعراً هرمسياً على نحو ما؟
الهرمسية تجري في نصوصي منذ زمن بعيد ، وإذا كنت قد تمكنت منها في شعري وجعلتها صفة عامة له فهذا يعني أنني نجحت في مسعاي ، لأن وضعها في الشعر يعني القدرة على التخلص من موجهاتها الإديولوجية وفتح فضائها وتحويلها إلى هواء أو ماءٍ أو كحول ، وهذا هو النجاح إن كان قد حصل فعلاً .
الهرمسية تتصل بالسحر من جهة سابقة وبالغنوصية من جهة أخرى ، وقد كانت نصوصي منذ السبعينات مسرحاً لهذه المذاقات الثلاثة . وهذا يشعرني بالتوازن لأنه يضعني في مناطق اللاشعور الجمعي من جهة ومناطق الحاضر من جهة أخرى.
. كيف هي ثقتك بشعرك؟
لابأس بها ، لكنها لاتعني الرضا عن كل ما أكتب أو ماكتبت ، هناك الكثير مما أدّخره للمستقبل ، حاولت أن أقدّم مذاقات متعددة للقصيدة الحديثة يغلب عليها المزاج الشخصي واللون الروحي الخاص بي ،أحيانا لم احفل كثيرا بشروط الحداثة ومابعدها فكتبت على هواي وكما يطيب لي في حينها دون قصد حداثي أو غير حداثي ، أميل يوماً بعد آخر لجعل الشعر فطرياً وعفوياً ، ولأنه يصدر عن ذات عارفة ومضمخة فلن تكون عفويته ساذجة بل ستحمل الحكمة الخفية وهذا مايناسب عمري الآن ومرحلتي التي أمرّ بها .
.ما الذي أضافه جيلك الشعري على القصيدة الحديثة، التي سبقت في العراق، وفي سائر الدنيا العربية؟ وهل ترى أن شعراء الخمسينيات والستينيات، عاشوا مرحلة زاهية من الاهتمام النقدي والإعلامي مبالغ فيها، جعلت أغلبهم يتمتع بنجومية شعرية لا يستحقها؟
لم أعد كثير الحماس للحديث عن جيلي أو الأجيال الأخرى لأن الشعراء يبقون فرادى حتى وهم في ذروة الحماس الجماعي أو الجيليّ ، وبصراحة فأنا حين اتحدث عن جيلي أجد نفسي أتحدث عن ما أنجزته أنا وكأن جيلي كله كان هكذا وهذا غير صحيح أو دقيق.
ما أنجزته أنا بالدرجة الأساسية مع شاعر مهم من جيلي هو زاهر الجيزاني كان في إثراء الشعر بالوجدانية الصوفية والروحية وبجماليات نادرة لم تكن مألوفة سابقاً ، الغنائية التي ورثناها من جيل الخمسينات لم تعد رومانسية معنا بل جعلناها رمزية مشبّعة بالمصل الروحي العميق ، والعبثية التي ورثناها من جيل الستينات حوّلناها معنا من تقنيات شكلية إلى تقنيات في المضمون .
من ناحيتي أدخلت الأسطورة والسحر إلى القصيدة بطريقة خفية لاترقيع فيها كما كان يجري سابقاً ، وفتحت الشعر على فنون وعلوم الأسرار والغنوصيات وجعلته متناغما مع تراث رافديني مهمل في هذا المجال. استطعت أن أقدّم نصوصاً مفتوحة لايمكن لذاكرة الشعر العراقي أن تغفلها أو تعبر عليها وكانت بمزاجات مختلفة ومتنوعة مثل ( خزائيل ، عكازة رامبو ، حيّة ودرج ) .
كتبت نمطاً خاصاً من القصائد القصيرة أطلقت عليه اسم (قصيدة الصورة ) ووسعته في قصائد أخرى حتى وصلت الى 2000 قصيدة ستكون مادة المجلد السابع من الأعمال الشعرية لي والذي سيظهر قريبا عند بداية العام المقبل .
وضعت مهاداً نظرياً عن الشعر طموحاً في كتابي الموسع (العقل الشعري).
شبّهت الديكتاتوريات الشعرية العربية الحديثة بالديكتاتوريات السياسية، وقلت بما معناه، أن عصر “الفحول” قد بدأ بالأفول .. هل كنت تقصد هنا أن جبروت “رادة الشعر العربي الحديث” هو أعتى وأمرّ وأكثر سطوة وجهامةٍ من جبروت السياسيين؟
كلا طبعاً ، لايوجد أقسى وألعن من الدكتاتوريات العربية ، ولكني قصدت أن هذه الدكتاتوريات لم تكن في السياسة فقط ، بل هي في كل شيئ ومنها الشعر بشكل خاص ، فقد ظهر فحول شعراء الحداثة بالتوازي مع هذه الدكتاتوريات الساياسية والزعامات المعلنة وكانوا يطمحون ، بقصد أو بدون قصد ، إلى صنع مركزيات شعرية تدور الأجيال حولها ، ويدور الشعراء الآخرون حولهم . وطالبت بتفكيك هذه المركزية وفضحها ، وضربت مثالاً مهماً من جيلنا (السبعينيات ) وقلت أن عظمة هذا الجيل تكمن في أنه أول جيل يرفض هذه المركزية ويرفض أن تحصل معه فشعراء السبعينات في العالم العربي كله يتراصفون الواحد جنب الآخر ، كلٌّ له لونه ، في صورة فسيفسائية رحيمة تخلو من المركزية ، وبذلك نكون قد انهينا أسطورة الفحولة الشعرية . إذ ليس هناك نجوم سبعينيون في الشعر يتدافعون نحو المركز وان حصل هذا هنا أو هناك بشكل بسيط فالآخرون لن يسمحوا بحصوله وسرعان ماتعود الأمور لحالها ، وقد انتقل هذا الأمر للأجيال التي بعدنا ، وظلت النجومية والمركزية والفحولة من نصيب جيلي الخمسينات والستينات فقط .
.يرى البعض أن العالم لم يعد عاجزاً عن خلق شعراء كبار فقط، بل إنه أصبح عاجزاً حتى عن تذوق شعر الشعراء السابقين.. ماذا تقول؟
هل تعرف أن هذا هو القانون الحقيقي للشعر ، فهو أبعد مايكون عن الفحولة والمركزية والكبر وكل هذه الغلاضات الإجتماعية ، ودليلي على هذا أننا نقرأ في التراث الموغل في القدم شعرا بلا اسماء شعراء ونندهش به ، كل الشعر السومري والبابلي والمصري والكنعاني والهندي والصيني والفارسي هو شعر دون مؤلفين ، لقد نضحته الشعوب وقام بجمعه أو تدوينه كهنة لانعرف أسماءهم وإن عرفناهم فهم ليسوا من كتبه .
لكني أقول لك بكل صراحة أن الشعر هو المتن الدنيوي المهم الذي ينافس النصوص المقدسة ، بل ويتفوق عليها فنياً ، هي تتنافس معه بغطائها المقدس فقط والذي يضمن له هيبة في نفوس الناس أما الشعر فهو الأعزل الأعظم بين الفنون وهو المخترق الأكبر للزمان وسيبقى ذخيرة الروح الإنساني بكل صفائها وعمقها إلى الأبد .
.لماذا يتعيّن على الشاعر أن يشعر دوماً، بضرورة أن يكون موضع إعجاب، وأن يوجد حوله وهماً مفاده، أنه شاعر متميز وفريد، لا يضاهيه شاعر آخر؟
نعم هذا صحيح ، وهذه هي أمراض الذات المتضخمة ، عندما تغتني الذات الشاعرة يمكن أن يرافقها انتفاخ زائف يجعلها تشعر بكل ماذكرته ، وهذا هو مقتل الشاعر الجيد ، لكن الشاعر الذي يراقب نفسه ينتبه لسرطان الذات هذا ويجزه ليشعر بعده بأنه انسان عادي أولاً .
أعتقد أن أفضل علاج لهذا هو أن يكتب الشاعر الحقيقي ، دائماً ، عن ضعفه الإنساني ، عن التباسه وتلعثمه ، وعن يأسه وعن العيون العمياء التي في داخله ، وأعتقد أن هذا قد يساعد على خفض شعوره النرجسي في ذات متضخمة وارمة.
.خزعل.. إلى أي إهانة جديدة نسعى كعرب؟ أما كفانا إهانات؟
لا أعتقد أننا سنتوقف عن ذلك ، لسبب بسيط جداً وهو أننا لانشعر بالإهانة ، فحين تحط مركبة فضائية للغرب على المريخ لانشعر بالإهانة وحين يخترعون أجيالاً متلاحقة من هواتف الموبايل الذكية فيها العجب نستعملها بإسراف ولانشعر بالإهانة وحين يكون اقتصاد شركة واحدة من شركات الغرب معادلاً لكل الدخل القومي لبلداننا العربية بما فيها النفطية فلا نشعر بالإهانة وحين ينافس اليابانيون الغرب في صناعتهم لانشعر بالإهانة وحين نفشل في كل حروبنا لانشعر بالإهانة ، ويقيناً أننا حين نكتشف بأننا كشعوب أو دول لم ندخل التاريخ الحديث وأننا مازلنا نراوح ونتراجع في العصر الوسيط فإننا لانشعر بالإهانة .
وأخيراً لانشعر بالإهانة عندما نصفق لمذابح القاعدة أو داعش ، ولانشعر بالإهانة عندما ننتظر دولة الخلافة ، ولانشعر بالإهانة عندما تتشرد شعوبنا في أوطانها قبل ان تتشرد في العالم .
أنا أبشرك وأبشر عالمنا العربي والإسلامي بهزائم لانظير لها في المستقبل القريب لأننا لانشعر بالإهانة.
وما الحل؟
الحل في العلم والتعليم والعمل ،وبناء مجتمعات بمواصفات حديثة يسود فيها القانون الوضعي فقط ، وبناء دول حديثة (وليس قروسطية ) فيها مواصفات علمية محددة ومعروفة في علم السياسة ، وجعل الدين أمراً شخصياً وليس عاماً .
.العراق المعذب منذ الأزل، كما تقول، هل كتب عليه أن يظلّ معذّباً إلى الأبد؟.. وهل ستظل أنت “ترتّل مجد الإنسان المهان”؟
العراق لم يحكم نفسه مرة واحدة بشكل مدني صحيح ، ولو حصل هذا سيكون قد وضع نفسه على الطريق الصحيح ، وسيبدأ بإنهاء معاناته. كان دائماً يبني مجتمعه ودولته بشكل ديني أو قومي أو طائفي ّ ، أو بهذه الصفات معاً ولم نشهد دولة مدنية بالمعنى الدقيق للكلمة ، وإن شهدناها بشكل بسيط (كما في العهد الملكي ) فقد كانت تقوم على مجتمع منقسم مذهبيا وقومياً وعشائرياً ، وهو مايساعد على العصف بها وتقوسضها ، وهذا ماحصل .
كان دائما هناك حكم الأديان والطوائف والقوميات وقبلها الإمبراطوريات ، وإذا اختفت هذه جاء حكم العشائر وهكذا.. عذاب لارحمة فيه وقسوة مابعدها قسوة ، سيهدأ العراق عندما يتحول من بلد صاخب يحتل أول أحداث نشرات الإخبار منذ نصف قرن تقريباً الى بلد هادئ لاتسمع عنه خبراً في سنة كاملة وحين يحصل هذا ستعرف حينها أنه يبني نفسه بصمت واحترام .
لم يبق في العمر الكثير وليس في الأفق مايطمئن على ظهور عراقٍ حقيقيّ ، بل العكس فالعنف والضراوة يتشريان بقوة أكبر ، وكان الناس يلوموني على يأسي من إصلاحه ، وهم يرون الآن أحلامهم به كيف تتحطم ، وهذا طبيعي لأن النظرة العلمية لبنائه تؤكد خطأ المقدمات والتي لابد أن تؤدي الى فشل النتائج .
يبدو أن قدري هو أن أبقى أكتب عن مجد الإنسان المهان فيه ، ألستُ واحدا من الناس الذين نالتهم هذه المصائب ؟ فماذا جنيت من العراق غير هذا ؟ لاشك أن الأمر مفزع جداً لكني حزين أن أفعل هذا ، أما كان يمكن أن يكون دوري أفضل كما حاولت سابقاً وسعيت ! ، وهل في ترتيل البكاء عن العراق وأهله (شعراً ونظراً وبحثاً ) سيخفف عني العذاب النفسيّ الذي يسكنني الى الأبد؟ ، لا أعتقد . ملايين من العراقيين مثلي يتحسرون على ماحصل وعلى ضياع جهودهم ، ونحن جميعاً اليوم نشاهد تصدّع العراق وتهاويه دون أن نستطيع فعل شيء حقيقي لمنع ذلك .