بين الطبيب والعطار والدهر مَنْ  أفسد مَن ؟

شارك مع أصدقائك

Loading

وديع شامخ

……

 ترتبط ثنائية المَثل  العربي الشائع ”  لا يصلح العطار ما أفسده الدهر “،  وهو كناية عن فعل الدهر  – الزمن في تجلياته  -على حياتنا برسم تجاعيد وعلامات استفهام عن مجمل  مظاهر تاريخ البشرية،  فكرياً  وجسديا  ونفسيا وروحيا ، التي لا تسع لأي عطار أن يصلحها  ، عاهاتنا  الإنسانية ، التي تنمو فينا ومنّا وحولنا ،  لتشكل درعاً من المنحدرات الخطيرة  نحو الهاوية ، أو سمونّا الى الأعالي ، فالعطار هنا غير قابل على منع الهاوية ، ولاأعشابه بقادرة على خلق أجنحتنا للتجلي .

لكني أضفت  عنصرا ثالثا في معادلة  العطار /الإنسان ، والدهر / الزمانية الكبرى، وهو الطبيب / المعادل الموضوعي لخلق فهما  موضوعيا يبين أثر الدهر وبهلوانية العطارين .

……

في تاريخ  البشرية ، هناك سلسلة من التطورات والمتغيرات  في نمط  الحياة  ، ثقافة ، سلوكاً ، مهارات ،  قدرة على استيعاب  المتغيرات  وفقا لحركة التاريخ في حياة الشعوب .

وهناك ثنائيات  ماثلة  أيضا ، كالخير والشر ،  النور والظلمة ، الأبيض والأسود ، الوحشي والمدني ، البدوي والريفي ، الجبال والسهول ،  الحلو والمر ، المالح ونقيضه ،  الشعر والنثر ،  الرواية والقصة ، الملحمة والأسطورة ، الخرافة والعلم ، الحلال  والحرام ،  الحق والخطيئة  ووووو.

وللكون نظام أيضا يعتمد على فرضيات  ونظريات ،  حقائق ونقائض ، كفر وأيمان ، ولنظرية الخلق أيضا ، هناك مؤمن وملحد .

ولكننا  نرى أن كل هذه الثنائيات  لم تصمد لوحدها ، وكان لا بد منطقيا من وجود معادل ثالث أو رابع أيضا .

فالخير والشر ليسا بمطلقين ، هناك  إذن معايير تبحث في ”  ما وراء الخير والشر ، حسب نيتشه ” ، والنور والظلمة ، لا يمكن ان ننطلق من القاعدة الفيزيقية لتعريفهما ،كناية أو أستعارة،  وكذا الوحشي والمدني والبدوي  والريفي ،  لابد من المثول الى علوم مختلفة لتوصيف هذه الهويات ومنها علم النفس والاجتماع والاقتصاد .

ومن واقع الثنائيات التي تحدد نظرتنا للانسان والنوع الأدبي ونشوء الكون ،  والخرافة والعلم ، لابد من وجود فاعل ثالث ورابع وخامس لإعادة انتاج  الثنائية بشكل مغاير  لنصيتها الواقعية وقرار سلطتها على الوعي الواقعي التاريخي ،وخروجا الى التأويل كحل عقلي جمالي، لفك  الارتباط اليقني بين الثنائيات  على كافة المستويات ، ومن خلال استنباط  وسائط صالحة لفحص الثنائيات في حقلها .

…..

في  فن الغناء / هناك ثنائية الملحن والمطرب ،  وهي التي تظهر للمثول والرسوخ  في ذائقة  جمعية لمجتمع  ما ، عربيا كان أو أعجميا ، ويبقى الشاعر ، الجندي  المجهول الذي  لا يمكن العثور على بصمته في المقياس الثنائي  ،إلا من كان له  حظ عظيم في البحث والغوص  ، ويمكن ان نذكر هنا اغنية ”  أغدا ألقاك ”  لام كلثوم وكيفية الكشف المتأخر عن كاتب هذه الاغنية وهو مجنون سوداني ، وكذا أغنية ”  أنا وليلى لكاظم الساهر ”  الذي اكتشفنا كاتبها مؤخرا !!

 لابد من فضاء التواصل ليكون كاشفا  عن فضّ الثنائيات وكشف الطرف الثالث لخلود العمل ، كلمة ولحنا وغناء .

……………..

 في الغابة  أمثلة أيضاً ،” هناك  الأسد ، والرعية ، هناك حمار وثعلب ، هناك رغبة أنسانية في  نقل  توصيف والكناية على الانسان ، فالشجاعة صنوها الأسد ، والبلاهة صنوها الحمار ،  وفي الغدر تحضر الأفعى ، وفي المكر يحضر الثعلب ، وقد بالغ الإنسان في مدوناته الأدبية لتصوير الحياة  الحيوانية  كما جاء في كتاب ”  كليلة ودمنه ”  ، وكتب أخرى سمحت للحيوان ان يأخذ  مكانة الإنسان ، كمحاولة اسقاطية نفسية ونفسية وتاريخية ، استعارية ،  للخروج من نزوة الانسان بلبوس رغبة فطرية للقص دون رقيب .، وهي محاولة انسانية للتجلي في رغبة حيوانية ” غير خاضعة ” لسلطة الطرف الثالث .

 القانون البشري كوجود المعادل  الموضوعي ليس بمفهوم ” ت. س. اليوت ” وانما كوجوده  طرفاً فاعلاً  في معادلة متعددة الاطراف . لحظة التحرّر  من المثول في قسوة الحضيرة البشرية،  وابدالها بحضيرة براءة الحيوان وحدود حقل غابته معا .

…..

حين أدرك سقراط حقيقة الحق والجمال والخير ، والعدل  ومعرفة الإنسان لذاته ، جاء سوط  السلطة   بتهمة ” افساد  الشباب ”  لقطع عنق الطرف الأول المتجلي بكمال الحق أولا، والحب والعدل ..

ومن اجمل  آثار سقراط ، هو انه لم يكتب ولا ورقة واحدة ، لم ينتج لنا كتاباً ، ولا أثرا، ولا صورة ، حتى اعتقد بعض المشكّكين بعدم وجوده  أصلا في تراتبية أصول الفلسفة الانسانية والتي قوامها ” سقراط ، افلاطون ، ارسطو “، وهو من اختراعات إفلاطون .

……

أثر سقراط  قد استعاده  تلميذه أفلاطون  في محاوراته ، وهذه ثنائية فردية لكونها  لا تفترض  النقض فيزيقيا ولا ميتافيزقيا ،  ان افلاطون استعاد استاذه  في حوارية ليست قسرية  ، بل انتاج معنىّ جديد في مفهوم المعادلة المتوازنة ،  لفتح أفق التأويل المستمر كميزة عقلية جدلية ، سوف تكون رهان العلاقة المنفتحة غير القارة ،  وسوف يكون الفضاء درسا للمعلم ”  ارسطو ” وبقية الاقتراحات  الانسانية ..

…..

هناك إذن دهر وعطار وطبيب .، ولكن من يستطيع فك العلاقة بين هذه العلاقات القهرية ؟

العقل البشري هو الحد الفاصل بين تلك العلاقات ، العقل كبحث ورؤيا علما وروحا ،ووثاثق ، مراجعة نقدية عقلية وخبرة شخصية ، شكوكا ووخزات لفقأ  دمامل اليقين  والثنائيات  القارة .

لابد من عقل حواري ومعادلات غير موزونة  ودهر بلا تجاعيد ، ولا عطار  ..

………………

 

 

 

شارك مع أصدقائك