محمد عبد السميع نوح
إبريقها الذهبيُّ مفتوحٌ على الريَّان والكَوْثرْ.
ومنطِقُهُ جنونُ الشعر، بل أكثرْ.
وسِحْرُ بريقهِ يؤثرْ.
ومعدنهُ جُمانةُ خدِّها الأحْمرْ.
أنا في عُرض بسمتِها،
وقَسمتها، وقِسمتها،
أنا هَفهافَ نَسمتها،
وأفقٌ لازَوَرْدِيٌّ أظلَّ سماءَ رسْمَتِها،
وريثٌ، حَظُّه الأوْفَرْ .
كِنانةُ ربِّها جعلتْ تناغشُ بنتَها الدنيا،
تهدهدها،
تذيب نشيدَ عزتها بأعطافِ الفتى الريفيِّ،
لم أحفلْ،
ولم أغفلْ،
ولم أنسَ، ولم أذكرْ،
سوى أنِّي، أنا الإسكندر الأسمر،
أنا مينا، انا خوفو، أنا خفرع،
وإخناتون، والحمهور، والحكام، والعسكر.
أنا البحر
الذي انهزمت جيوش مياهه بالأمس
فانفرقت بسِرِّ عصا كليم الله،
وابتلعتْ…
فما أبقتْ سوى الرَّهْطِ الذي يَذكر.
أنا قبضُ الدهور على صُواعٍ
كان يكفي الخلقَ، مشرقَها، ومغربَها،
خزينُ الأرض، أبذله لمن يشكر.
أنا وجهان: وجهٌ يَجْتَبي للنهر سُلَّمَهُ،
يصعِّدُهُ، ووجهٌ يستبيحُ البحرَ مِبْوَلة..
فياأسفا..
لداءِ السُّكَّريِّ،
سَرَى، أهذي سُنَّة الأبدان إذ تكبر .. ؟!
أنا التاريخ، والأيام، والساعات،
والسنوات، والأشهُر.
أنا الأشهَر. أنا ناصر،
أنا كل الذين مضوا،
وما عادوا، لعصر غبارها الأغبر.
أنا المريخ، والجوزاء، والمجموع، والأجزاء،
والأهرام، والأزهر.
وفي يوم العبور الماجد الأكبر.
تلاشى نجمُ صهيونٍ لأني هاهنا أعبر .
أنا والقهر صنوان،
يصارعني، فأقهره بما أصبر،
أنا الأصبر.
أنا فرْطُ البذور على خيوط قميصها الأخضر.
أنا نوَّارة القطن التي احتفل الجرادُ بها،
وتوَّجها على عرش الخرابِ مليكة ،
باعتْ له مابين فخذيها،
وفي صبواته يعلو، يعيشُ،
تموتُ، يعيشُ، تموتُ، تموتُ .. تموتُ .. تموووتُ .
. لاتشعُرْ.
أنا الضدَّان يجتمعان في صَرَّة،
أنا السَّيَّافُ والخَوَّافُ، والسلطانُ والهرَّة.
أنا حبلُ الوريدِ لها، أنا السُّرَّة، أنا الشُّريان،
والسَّرَيان، والنظراتُ والعَبْرة،
أنا سَكَراتُها المُرَّة.
فإن ماتتْ، خذوا روحي..
أموت.. أموتُ أموووتُ بالمَرَّة.
أنا عمِّي الذي كم كان يضربني،
ويؤثرني، لأتقنَ زرع حنطتِها بننِّ العين،
يقتلني، بكرباج من التيل العفيِّ اليانع الأنضر.
يباغتني، إذا نامتْ عيونُ الطفل في رأسي،
يُنصِّبني، صليبا فوقَ هامتِها،
لكي تثمرْ.
أنا أختي التي ترعى حقولَ القمح،
سنبلةً بسنبلةٍ، فصارتْ من سنابلها،
فيا إنسانها الشجريَّ:
ما أعلاكَ مَحنِيَّا..!
تُنقِّيها من الآفات، تحرسُها، وتغسلها،
كما الرحمنُ في عليائه يُنجي من الزلاتِ،
إذْ يغفر.
أنا الفرسُ الذي زلَّت حوافره،
ليبركَ حيثما كانت معاولُ خصمِهِ تحفرْ.
أنا عنوانُ نهضتِها، وخيبتها،
لسانُ العُرْب منقوشٌ على شفتي،
وتاجُ الملك منسوجٌ بمعرفتي،
ولحْدُ رقادها الأبديِّ مشقوقٌ بمجرفتي،
فما أدري، أيلزمني شعورُ العار، أم أفخر ؟!
ولكني، أنا الأتقى،
أنا الأنقى،
أنا الأصفى،
أنا الأوفى،
أنا الولد الذي لم يجحد النُّعْمَى، ولم يكفر.