حجرة عمياء

شارك مع أصدقائك

Loading

أيار عبد الكريم 

لم تودّ الاختلاط بأية حجرة من حجرات المنزل، سوى بهذه الحجرة المتطرفة عنه قليلاً، و كأنها منزل آخر داخل منزلها. حجرة غريبة الأطوار؛ رُغم سطوع شمس النهار، فإن أشعة الشمس لا تصل إلى أية زاوية من زواياها، و كأنها تعكس الضوء مرةً أخرى إلى الشمس عن تعمّدٍ. تُحب هذه الغرفة؛ و كأن بينهما حبلاً سُرّياً يربط الأم بالجنين، كانت الغرفة المخصصة لعمتها دوماً. فبعدما فقد أبوها النظر، أحبت الانزواء و الارتماء بأحضانها؛ و كأنّها أرادت تجربة الظلام الحالك مثل أبيها، تريد استشعاره كي تحاول استنتاج ما يشعر به الأب الضرير طوال اليوم. ورِثتْ هي الأخرى حب الغرفة عن عمتها. ربما أرادتْ الاختباء عن أعين العائلة و الأهل؛ كونها امرأةً وُلدَت برحمٍ طفوليّ، منعها من استشعار الحمل و لفظة الأمومة أو ربما أرادت الوحدة بعد وفاة زوجها و انتهاء الحياة بينهما في لحظةٍ دون بَذرةٍ صغيرة تُذكرها به دوماً. ضوءٌ طفيف يدخل ليلاً من ثقب الباب. لا تستطيع تحديد من أي مَنفذٍ يُطلّ هذا الضوء؟ فالظلام يُخيّم على الحجرة من جميع الزوايا. ما سرّ هذا الضوء الطفيف إذاً؟ وفي ليلةٍ من الليالي، فتحتْ باب الغرفة لتعرف سرَّ الضوء. وجدتْ هالةً بيضاء كبيرةً تشعُّ من ذلك الفرن الموضوع بجانب غرفتها عند مدخل البيت. ارتعدتْ لثوانٍ ، ثم اقتربت منه محاولةً استكشاف ما بداخله. وجدتْ شعيراتٍ بيضاء كثيفةً، أدركت سر هذا الضوء إذاً. إنه انعكاس لون هذه الشعيرات؛ و كأنها شعيراتٌ سحريّة ترسل إشعاعاً يستطيع اختراقَ ثقوب القلوب الموجوعة مثلها. مدتْ يديها كي تمسك بتلك الشعيرات؛ و فجأةً تحولت الشعيرات البيضاء بيديها إلى اللون الأسود و كأن يديها هي الأخرى قد اكتسبت صفتيْ العتمة و الظلام مثل حجرتها. خافت و هرولت إلى حجرتها مسرعةً. حاولت النظر في المرآة المُغطّاة بها، كي تتذكر ملامح وجهها التي افتقدتها منذ سنوات طويلة؛ وجدت شعرها مكسوًّا باللون الأبيض. لقد منحتها الشعيرات البيضاء الشيخوخة المُبكرة، بينما أكسب ظلام حجرتها تلك الشعيرات البيضاء لون شعرها الأسود و شبابها الذي لم تعِشه وظلّت وحيدةً في حجرةٍ عمياءَ.

 

شارك مع أصدقائك