حوار مع القاصة سنية عبد عون

شارك مع أصدقائك

Loading

حاورها جلال جاف

مقدمة
سنية عبد عون رشو / محافظة بابل / قضاء المسيب / كاتبة قصة قصيرة
تنشر في العديد من المواقع الالكترونية وكذلك الصحف الورقية والمجلات
أصدرتْ مجموعتها القصصية ( غريد القصب ) ولديها  مجموعة قصصية أخرى سأحاول طبعها بإذن الله …
ليس لديها  نشاطات خارج مهنة التدريس وأسرتها  لأنها تعتقد ان طالباتها  وأسرتيها  هما الصورة المصغرة من وطنها  العراق …
…..
بعد ان قرأنا نصك ( زيارة غامضة ) وجدنا فيه كثير من عناصر الإثارة بالإضافة الى أهمية الموضوع الذي تطرحه القصة في تاريخ الانسان المعاصر في خضم تعقيدات العصر والمجتمع ما دفعنا لاختيار النص لبرنامج نص وحوار لمحاورته من خلال اسئلة سنطرحها عليكم, تاركين الفرصة للقراء الكرام لطرح المزيد منها وإغناء الحوار بمداخلاتهم.؟

سنية عبد عون رشو

أهلا وسهلا بالشاعر المتألق جلال جاف وشكري وامتناني لاختياركم نصي ( زيارة غامضة ) …. وأول كاتبة في برنامجكم نص وحوار …شديد اعتزازي بكم وبمركز النور … في النور نشرت أول قصة لي بعد الجريدة الورقية التي كانت تصدر في قضاء المسيب / محافظة بابل ( عروس الفرات ) التي رأس تحريرها الاستاذ جواد عبد الكاظم محسن ….أكرر امتناني لكم ولموقع النور وزارع زهور الثقافة والأدب الاستاذ أحمد الصائغ وللسيدات والسادة الادباء والقراء…

جلال جاف

“جملتها ضاعفت حزني وكآبتي.و مرضي ….شهقت بنفس عميق وشعرت بحاجتي ان أصرخ بأعلى صوتي …..لكنها وضعت يدها فوق رأسي وتحسست جبهتي التي تتفصد عرقا …..يدها منحتني راحة وسكينة

بهدوء وصوت خفيض قلت ….رأسي يؤلمني ….فقرات ظهري غير متجانسة …..كل فقرة تحتاج لجهود مكثفة…… أوربما لإجراء عملية جراحية والأدهى من ذلك ان روحي مثقلة بالهموم …كل ايامي متشابهة…. معاناتي تتفاقم وليس هناك بارقة امل تمنحني الراحة والشعور بالأمان”

“لا أدري أثمة أرواح شريرة تحرك هذا العالم من حولي .؟؟…أشعر ان أكثر صديقاتي بدأن يبتعدن عني وما زال صدى تحذيرهن في ذاكرتي…”. النص

في هذا المقطع تفتحين عدة طرق للتأويل فبين المرض العضوي والمعاناة النفسية للبطلة المحاصرة بين بركة اليد التي تمثلها تجليات روح الام باعتبارها مصدر أمان و عطف وبين صراع داخلي وشعورها بالتهميش مما خلق عندها احساسا ان الارواح الشريرة تطاردها لتضطهدها , فهل تعني الكاتبة هنا انها تدين كل اشكال التهميش والظلم الذي يمارس ضد المرأة ؟

سنية عبد عون رشو

التهميش والظلم ليس ضد المرأة وحدها , المرأة هنا تمثل المجتمع بأغلبيته المهمشة …بطلة القصة تصرخ بأعلى صوتها انها ترفض اهمال المسؤولين لمطالب الناس الذين لا يطالبون إلا بحقوق بسيطة مشروعة ومن أهمها الخدمات. الامان , الاطمئنان… الكهرباء والماء …تصور لو خرج ابني أو ابنتي أو زوجي خارج حدود المدينة تبقى أعصابنا مشدودة حتى عودتهم ….وهذا جزء ندفعه من صحتنا البدنية والنفسية …والكثير من القراء يسألون عن سبب العتمة والكآبة ومسحة الحزن في نصوصي …فأجيبهم انه الواقع وليس النص ….

نعم أنا أدين كل أشكال الظلم والاضطهاد بحق العراقيين جميعا ….في الاسبوع الماضي كان هناك احتفال في مدرستي بمناسبة انتهاء العام الدراسي ونحن الهيئة التدريسية نبادر لذلك لنزرع الفرحة والابتسامة في نفوس الفتيات …وقع اختيارنا لقصيدة عن الوطن تتحدث عن حالة التمزق في جسده العليل ….قرأتها طالبة في الاعدادية …..فانقلب الموقف بعكس ما نتمناه ….أخذت الطالبة تبكي وأبكت زميلاتها وحتى الهيئة التدريسية ….

جلال جاف

“لكني نهضت صارخة مذعورة خائفة… فقد تذكرت ……ان أمي قد ماتت قبل عشرة أعوام …..فما الذي أتى بها …..؟؟؟…. وكيف ….؟؟…لم أكن نائمة …..وهذه ليست رؤيا ….بل حقيقة … أمي كانت هنا تماما حضورها الطاغي ما زالت آثاره في وجداني…..!!

تقرن لساني ….وجف فمي ولم أقو على الوقوف فهوى جسدي الى الارض …..وغبت عن الوعي

في اليوم الثاني وجدت نفسي في عيادة للطب النفسي … الطبيب. يدعي انه يصدقني بكل ما أقوله ….ربما أطفئوا الحاسة السادسة عندي …..ولا أمتلك سوى ناصية الهذيان…….!!.. اعرف ان ما اقوله خارج السياقات. وان الطبيب يتصنع التصديق..” النص

ان نظريات “سيجموند فرويد” في علم النفس التحليلي ساعدت حركة النقد الحديث في فهم قوانين اللاوعي من خلال شرح الحلم و “الاهم هو فهم الملامح الاساسية للحلم ” حتى يحمل النص دلالات وتأويلات مرتبطة بفهم شخصية البطل ومعرفة تفاصيل مهمة يركز عليها الكاتب اثناء سرد القصة , فهل اتبعت هذه التقنية لإقلاق القارئ و حثه على محاولة فهم حيرة البطلة لمعرفة اذا كان تجلي روح الام “حقيقة ام حلم”؟

سنية عبد عون رشو

الكتابة هي انعكاس لوجدان الاديب وتبرز عواطفه وخفايا نفسه وأوجاعه وما يعانيه من فرح أو حزن وكذلك تعتبر الكتابة وسيلة للتعبير عن مشكلات المجتمع السياسية والاجتماعية …الخ الكاتب لا يلجأ لإقلاق القارئ متعمدا بل هو معبأ بقلق قهري ممتد , وحين يمر بمخاضه العسير يحاول ان يتخلص مما يعانيه من خلال إفراغه فوق السطور …انه بحاجة شديدة للكتابة لتفريغ شحنات غضبه وما يقلق روحه ويعذبها …والكتابة لا تعني بالضرورة التخلص النهائي من الشعور بذلك القلق ,

تتجلى روح الأم لأي إنسان سواء في الحلم أو خلال أحلام اليقظة تبقى صورة الأم ملازمة للإنسان خلال مراحل حياته . كملاذ او ملجأ آمن. الأم رمز الطمأنينة ,, والأم تمتص الخوف والرعب مهما كانت مصادره نعم النظريات النفسية ومنها نظريات فرويد لعبت دورا كبيرا في الكثير من النصوص الإبداعية لكني كنت أقرب في كتاباتي الى الواقعية الاجتماعية مع حرص بسيط على الترميز ومزج الرمزي بالواقعي… وبعض الفانتازيا ضرورية لتقديم النص الواقعي بشكل مقبول بعد أفول الواقعية الكلاسيكية …. على الاديب ان يوجه جل أدبه لمشكلات مجتمعه وأبناء جلدته وان يشعر بما يعانيه الاخرون وان لا ينغمر بظروفه الخاصة . إن كانت خاصة بالفعل ولا تمثل الاكثرية…وهذا ينطبق على الادب النسوي أيضا . مشاكل المرأة البحتة هي مشاكل الناس , كل الناس..الاديب رسالته انسانية تخص المجتمع ككل بغض النظر عن جنس وقومية وديانة او مذهب الافراد..

جلال جاف

“بحركة من رأسه انصاع رجلان .. فأخذا بيدي الى ساحة فسيحة تصطف فيها الأشجار بطريقة منتظمة وفي وسطها تجري ساقية كتلك التي كانت في قريتنا أيام طفولتي ….تحت كل شجرة هناك مجموعة من النساء والرجال يتفوهون بهذيان أفهمه…هو عين الحقيقة …..أدركت حقيقة أخرى ان هناك شبه كبير بيني وبينهم في حيرتهم وتقلب أفكارهم …..أو ربما جنونهم . أحسست اني افهم رواد المشفى الصحي اكثر من فهمي لمن هم في خارجه.. النص

ان كتابة القصة القصيرة تخضع لتقنيات حديثة منها التكثيف والترميز ,في المقطع اعلاه تستعملين رموزا مكثفة ودلالات مشفرة لا يمكن استكشافها إلاّ بقراءات عميقة ,فالكلمات توحي ان المشفى بتنظيمه وبيئته الجميلة يشبه الى حد ما تنظيما مزيفا لمجتمع مريض يطبق فيه الحاكم الجائر على حريات الافراد فتتحول حياتهم الى عالم من الجنون وهم راضون بذلك فهل هذا نقد لاذع للحكام الظالمين ؟

سنية عبد عون رشو

أشكر لك تشخيصك الصحيح والدقيق والمعبر عن قراءة نقدية بارعة للنص ,في الحقيقة و…

قبل تغيير النظام كنت أخشى الكتابة خوفا من أمور عديدة وأهمها مسخ الشخصية وتشويه النص اذا أريد به يناسب واقع الحال إضافة الى معاناة أخي الكبير من الملاحقة والمطاردة زمنا طويلا ثم أصبح فيما بعد أحد ضحايا مبادئه اليسارية ….لذلك تراكمت داخل روحي وعقلي جبال من الكوابح والممنوعات والخوف التي لا يمكن ان اتجاوزها لحد الان وقد كتب عني الدكتور المبدع عدنان الظاهر ومنحني لقب ( عاشقة الرموز) …نعم أمتلك مراقبا بداخلي …

مجتمعنا ليس مريضا بل منهكا بالأمراض والعلل النفسية والجسدية وكل ما يحيطنا من الخوف والقلق والترقب لما سيأتي…

أما عبارتكم أخي القدير جلال ( وهم راضون بذلك ) ….الناس لا ترضى بذلك انهم يتذمرون ويصرخون بأعلى أصواتهم وكل المواقع والصحف والمجلات تشهد بذلك ….في الزمن السابق كنا ننتقد همسا فردا واحدا والآن لا نعرف نلوم من ….!!! ومن هو الظالم ومن هو المظلوم ….؟؟؟

اختلطت المفاهيم وضاعت الحقيقة …!!!

جلال جاف

من المسؤول في نظرك عن سرقة أحلام البطلة ,هل المجتمع الذي لا يعطي للمرأة فرصة ابراز ذاتها ؟ ام الاسرة التي تقيدها داخل الثالوث المغلق “الرجل , الابناء , العائلة “؟ وما هو جوهر الحقيقة التي تريد الكاتبة ابرازها من خلال المقطع الاخير من النص؟:

“هذه الحقيقة هي التي تشغلني الان. وابحث عن تفسير مقنع بالنسبة لي على الأقل .

عالم ملتبس..والأحلام تركض بعيدا…والأيام . أيضا تنفلت من بين ايدينا .. كأنها تسرق” . النص

سنية عبد عون رشو

ذكرت سابقا أنا لا أحبذ تقسيم المجتمع الى رجال ونساء…. مجتمعنا كله يعاني من ضغوط نفسية حادة ….الرجل ليس أفضل حالا من المرأة في العراق ان قصة ( زيارة غامضة ) تصوير دقيق لحالة الفرد العراقي ….المرأة العراقية أصبحت أكثر التصاقا بأسرتها وزوجها وأبنائها بسبب خوفها عليهم وخوفهم عليها عندما تخرج وتتأخر أو العكس …أما اذا صادف انفجار…. فيبدأ أفراد الاسرة والأقارب باستخدام الهاتف النقال الذي لا يتوقف رنينه ..ليطمأن كل منهم على الآخر….ولا ندري من الذي يسرق فرحتنا وهدوئنا والآمان….!!! المسؤول الحقيقي هو إنكفاء التطور النوعي للمجتمع العراقي بسبب عقود من الحروب والدكتاتورية والقمع والترهيب. والتجهيل. الحروب هي المسؤول الاول.. لذلك فإن كل كتاباتي تعتني بالسلام والاستقرار والبناء . ولكن بعيدا عن المباشرة جهد الامكان..
جلال جاف
من خلال قراءة المقطع التالي:(حين فتحت الباب طالعني وجه أمي .. مبتسمة مستبشرة .. إندفعت بكامل جسدها من خلال فتحة الباب الضيقة …عجبت لتصرفها وعدم مبالاتها وفهمت أنها شعرت بخوفي وتحرجي لمجيئها). النص
ماذا كانت البطلة تتمنى ان تفعله والدتها ولم تفعل؟
سنية عبد عون رشو

كانت تتمنى ان تكون امرأة سوية ليست بحاجة الى المعاناة النفسية والجسدية وحين تزورها أمها في الحلم أو الحقيقة ( أحلام اليقظة ) تتذكرها بحنين جارف وذكريات جميلة كانت تتمنى رغم رعبها لو ان امها تحتضنها بالفعل وكإنها مازالت تلك الطفلة البريئة غير المعبأة بمشاعر الخوف والاضطراب النفسي والوساوس والريبة والشك وعدم الثقة بالحاضر والمستقبل…

جلال جاف

اسطورة حواء هي جزء من قصة استيلاء الاله الاب على عرش ومكانة الربة الام,اذ معنى كلمة حواء هو “الحياة” او “هي التي تمنح الحياة”,ليصبح ادم نتاجا و سجلا لكل ما يخرج من حياة عنها.

فهل تريد الكاتبة في المقطع التالي الذي يتركز حول الاشارة النصية”القوى المانحة للحياة” اضاءة لفلسفة الحياة حتى تسترجع البطلة “حقها المسروق” و هو ملا الوجود بحبها و حنانها و ان تكون رمزا لشجرة الحياة؟

“أنصح ان تعلنوا للملأ شفائي من كافة أمراضي وان تعيدوا أحلامي وكل أماني المضاعة …..اطلب ان تعيدوا قوتي المانحة للحياة …..ان تشيروا بأصابعكم لسارقيها”.النص

سنية عبد عون رشو

أسمح لي بالقول إن موضوعة حواء كما وردت في السرديات المقدسة ( وليست اسطورة حواء ).. لم تنل دراسات كافية فوصلتنا مشوهة لجوهر معنى المرأة كمانحة للحياة ومربية للرجل ولنفسها في ذات الوقت.. المرأة اكثر سموا مما ورد في موضوعة حواء كمحرضة على ارتكاب المعاصي المرأة في الحقيقة محرضة على صنع الحياة .. حتى الرجل المبدع لا يرى في إبداعه شيئا مهما دون ان يكون لزميلته المرأة رأيا مشجعا.. ما أراه ان العكس هو الصحيح.. المرأة مصدر من مصادر الخير كله.. والشر سببه الصراع . صراع الغابة من اجل فرض الوجود والبقاء في بيئة سمتها الرئيسية الصراع
…. القلق والتخبط الذي تعيشه البطلة كان نتيجة ولم يكن بداية..
المرأة مضحية بطبيعتها سواء في أسرتها أو في المجتمع فهي رمز العطاء.. نعرف ذلك من سهر الليالي عند الحمل او الولادة او رضاعة الاطفال والسهر عليهم وعلى مستقبلهم حتى عندما يكبرون ويصبحون كهولا تبقى الأم متابعة جيدة لشؤونهم ..
الهدف الحقيقي في مطالبها ليس ان تتسيد.. بل ان يعترف بها شريكة مساوية تماما للرجل لكي ترجع الأمور الى نصابها. فلا سيد ومسود.. بل شركاء في صنع الحياة والحفاظ عليها على الارض. الحياة التي هي في حقيقتها أمانة الله في الناس..
شكرا لك مجددا القاصة القديرة سنية عبد عون رشو، وشكرا للحوار الممتع، والان نترك الباب مفتوحا لمداخلات السيدات والسادة لطرح المزيد من الاسئلة لاثراء الموضوع
مع جزيل الشكر والاحترام ..
والشكر لك الاستاذ الشاعر جلال الجاف على اسئلتك المهمة والدقيقة والمعبرة عن قراءة نقدية متقدمة للنصوص المنشورة في النور الغراء.

*- نشر في موقع النور

شارك مع أصدقائك