د. نجمة حبيب
كم أدهشني ما رأيته في دُرْج رندة: ومن على دفتر اصفرت صفحاته قرأت
. . . / 1 / 1976
أكتبك يا حادث الشؤم كي لا أنسى
أكتبك يا حادث الشؤم كي أتعلم الحقد
سأتذكرك ما حييت مكوماُ فوق مقعد قرب المدفأة بتلك البيجاما المقلمة
سأتذكرك مع كل زفرة حياة في أنفاسي
سأتذكرك ناسياً سيجارتك بين إصبعيك حتى يستطيل سكنها فتسقط على البساط المتواضع فتهرع أمي لائمة تلملمها متمتمة لا تؤاخذينا “ام جوزيف”
. . . سأتذكر بريق عينيك تشعان حباً مجانياً وابتسامتك التي ما فارقتك حتى في هذه الليلة المشؤومة . . .
سأعيش حقدي عليك لأنك ذهبت وتركتني يتيمة حائرة وأنا في أمس الحاجة اليك.
لن أسامحك لأنك تساهلت في حياتك وكأنها تخصك وحدك!
لماذا لم تهرب من الباب الخلفي؟! لماذا ذهبت إلى مصيرك بهذه البساطة؟!
قد تقول: احتراماً للبيت الذي أنا ضيف عليه. فلتذهب بستين داهية حرمة البيوت ..
قد تقول لأجنبكم خطر حقدهم.
وأي خطر أكبر من ان تتركني يتيمة حائرة وأنا في سن الطفولة.
غداً، إذا تلاقت طرقنا، سأحاسبك الحساب العسير
. . ./ 1 / 1976
من قال إن الحقد رذيلة!!.
الحقد هو ردّ فعل الكرامة المهانة!
هو ردّ فعل الكرامة العاجزة!
هو ميثاق قَسَمٍ بين الذات والذات للأخذ بالثأر.
قالوا: إن الانتقام سلاح الضعفاء؟! . . .
لا والله! .. بل هو شريعة الأسوياء
هو صرخة في وجه الاستضعاف. . .
اللهمَّ أنا لا أريد جنتك المؤجلة ..
زجني في جهنمك إن شئت ..
فأنا لا أستطيع تسامحك ..
لا أرى فيه أية فضيلة
ليس التسامح إلا كعكعة مُتَعفِنة غلفت بطبقة من السكر الابيض الجميل. . .
أنا لا أستطيع إلا الحقد العاجز.
هو كل ما أملكه للرد على ذلك الوحش الكاسر الذي استغل عنجهية
نصره التافه وتنمّر على ضعفي وبراءتي!!
تَكسُّر أضلعي التي سببتها لي وحشيته ستشفى يوماً
ولكن فعله الحيواني الدنيء
تطاوله على طفولتي
شتائمه البذئية الداعرة
عينه الشرهة
لا يمكن لي أن أُشفى منها مهما حاولت تعاليم “أدر له الخد الايسر” ان تحفر فيَّ.
اللهمَّ! إقلب نواميسك
علمني أن أحقد.
إجعلني قادرة لأثأر لطفولتي وأنوثتي وإنسانيتي
* * * * *
لن أنسى ما حييت تلك اليد الرحيمة التي امتدت لتنتشلني من براثن ذلك الوحش الكاسر.
غداً عندما تنجلي غيوم هذه العاصفة الهوجاء سأبحث عنه
سأبحث عنه عمري كله .. فأنا مدينة له بعمري كله
لن أنسى ما حيت يده الحانية التي طوقت كتفي
ولا لهجته الأبوية التي طمأنتني:
“لا تخافي يا صغيرتي. سأكسر رأس هذا الوحش الجبان..”
. . . . .
حتماً هو أب وله ابنة في مثل عمري
حتماً! لهذا انتصر لفلسطينية “حقيرة” ضد رفيق سلاحه!.
هذه اليد الحانية هي التي ستحميني من الحقد الأعمى ..
هي التي ستذكرني دائماً أنّ في كل سلة مهما كان نوع بضاعتها
الطهر والنجاسة، الانساني والحيواني، الأصيل والمزيف
. . . / 2 / 1976
لا! .. لن ألبس السواد. لا! .. لن أعلن الحداد ولو دققْتِ راسك بالحيط يا أم عامر.
ايتها البلهاء الحمقاء، تعتبرين لبس السواد واجب الاحترام تجاه والدنا؟!.
لا يا غبيّـة! .. هذا ليس احتراماً
هذا إقرار بموته. . .
من قال لك إنه مات؟.
هل دفنتيه؟
هل شاهدت جثته؟
هل ودّعَك الوداع الأخير وقال إني ذاهب؟
هل قرأ عليك وصيته؟
هل جاء قاتله واعترف لك بذلك وأعطاك علامة على فعلته؟
قد تقولين: كل الذين كانوا معتقلين معه أكدوا ذلك.
المطران كذا! ابن خالته أكده.
إبن عمتك الذي له إتصالات معهم أكده
نسيبك أبو واكيم، أكّد الخبر وأعطاك إخراجاً للرواية.
رغم كل تأكيدات هؤلاء “اليوضاسين”
لن أعترف بموته!.
لن ألبس السوادّ!.
لن أقول الله يرحمه. . .
لا أريد أن أقفل الباب عليه وأبدأ صفحة جديدة ..
ابدئيها وحدك ..
مشاريعك لا تخصني ..
أنا سأنتظر وأنتظر وأنتظر ..
حتى أراه قادماً متل الطير الاخضر يمشي ويتمخطر[1]
[1] إشارة إلى أسطورة شعبية كانت ترويها الأمهات لصغارهن، مفادها أن زوجة أب ذبحت ابن زوجها وقدمته وليمة للضيوف، فكان هؤلاء يأكلون اللحم ويرمون العظم جانباً. وكانت الأخت تجمع تلك العظام وتخبئها في ثتايا ثوبها. وعند انتهاء الوليمة، أخذتها الى الغابة، دقتها حتى صارت طحيناً وذرّتها في الهواء، فتحولت إلى طائر غريب أخضر اللون، يجوب سماء البلدة مردداً: أنا الطير الاخضر امشي واتمخطر، خالتي دبّاحتـي، أبوي أكّال لحماتي، وأختي الحنونة تلملم بعظاماتي. فيرد المجتمعون قائلين: قول يا طير ما أحلى قولاتك. فيقول: لا أقول حتى تفتح هاذيك المراة فمها (مشيراً الى زوجة أبيه) فيرمي في فمها المسامير والأبر والدبابيس. وهكذا كان أمره مع الأب والضيوف الذين أكلوا لحمه وعندما جاء دور الأخت رمى لها الزبيب واللوز والسكر