حوار مع الكاتب التشادي روزي جدّي
حاوره 

أحمد طايل
مقدمة
كنت محظوظا حينما تعرفت بكاتب من دولة تشاد، لأنه للأسف الشديد هناك كثيرا من التجاهل لثقافات العديد من الدول، وأعترف أني دائم البحث عن كتاب وكاتبات دول وجودها نادر على الساحة الثقافية، سواء كان هذا عمدا من البعض أو عدم سعي من المثقفين أبناء هذه البلدان لأن يتواجدوا بشكل مكثف على الساحة، من هذا المنطلق حينما تعرفت عن طريق العالم الافتراضي مع الكاتب التشادي ( محمد جدي حسين أو روزي جدّي ) كنت غاية بالسعادة لأن اتعرف عليه وعلى الأدب التشادي عن قرب. رؤى حوارية أحمد طايل مصر =========
حدثنا عن نشاتك والمناخ الذى عايشته وكان له الأثر الكبير فى تكوينك الفكري؟
عشت في أسرة دينية وفي بيت فيه مكتبة لكني لم أهتم بالقراءة إلا لاحقًا حين دخلت الثانوية وبالصدفة قادنا أحد المدرسين إلى مكتبة المنى وأجلسنا لساعة داخلها. الصمت والملل دفعاني لفتح كتاب ومنذ ذلك اليوم تغيرت حياتي واكتشفت متعة القراءة. اكتشفت القراءة وحدي وشعرت بمتعة لم يفهمها زملائي. بدأت القراءة بكتب التاريخ ثم السير الذاتية وبالصدفة قرأت كتاب” الأيام ” لطه حسين في مكتبة المنى فتمنيت أن اقرأ مثل هذا الكتاب لساعات وساعات . شدتني القصة وقرأتها في أشهر لأنه ليس مسموحا لي إخراج الكتاب من المكتبة. بعد طه حسين قرأت قصص نجيب محفوظ ويوسف إدريس وجبران خليل جبران وتمنيت أن أصبح كاتبا. كان ذلك بين 2009 و 2011. في نهايات سنة 2011 كتبت أول قصة قصيرة. قبلها كنت اكتب رسائل الحب للأصدقاء وفي عام 2014 قمت بتعديلات على القصة وفزت بها بأفضل قصة قصيرة في جامعة الملك فيصل. ما اللحظة الفارقة التى أشعرتك أنك تسير بطريق الكتابة؟
حين فازت قصتي ” الجندي المتشرد” لم أشعر بأنني كاتب. لكن ناقدًا مصريًا من اللجنة تواصل معي وقال لي لديك موهبة لكنك لا تقرأ بما يكفي وأهداني قصص لزكريا تامر ويحيى حقي والطيب صالح وحين قرأت قصص الطيب صالح أردت أن أصبح كاتبا. أما عن اللحظة الفارقة فحدثت معي في نهايات 2018 وفي مدينة مغمورة تسمى غيرسون وتطّل على البحر الأسود وحين تود أن تشير إليها لشخص تقول أنها قرب طرابزون. هناك وفي حالة من اليأس والتيه تعرضت لحادثة في قدمي. إلتواء في الكاحل _ أجلسني لأسبوع، وهناك وحيدًا مستلقيًا في غرفة صغيرة بدأت اكتب وأتعافى وأشعر بالسعادة رغم أنني كنت في حالة اكتئاب قبلها. حين بدأت اكتب شعرت بالتحسن وفي لحظتها أدركت أن الكتابة هي السم والترياق. المراحل التعليمية هل كان لها دور واضح فى هوسك بالثقافة؟ لا أعتقد ذلك. أعتقد أن معلم الأدب والتعبير كان له دور في أن أحب الأدب وكتابة سطور خيالية عن قضايا يختارها المدرس.
ماذا عن كتاباتك الأولى، هل كنت تتلوها على الاب والام والأخوة وما رد فعلهم؟
لا. يعرف أقاربي أنني أكتب لكني أعتقد أن أخي معاوية فقط هو من قرأ لي كتابا من الغلاف إلى الغلاف. مات الأب باكرًا وأمي لا تقرأ سوى القرآن لكنها فخورة بي ودعمتني وشجعتني على الكتابة لأنها أدركت بروح الأم أنني أغدو سعيدًا مرحا حين أشرع في الكتابة. في سنوات التيه والعطالة وحين كنت أغلق باب غرفتي واقرأ واكتب كان الجميع يستهجن الأمر ويطالبوني بالخروج والاختلاط بالناس. أمي كانت تقول ” دعوا أبني يكتب.. دعوه يكتب مادام ذلك يسعده” الناس أرادوا أن أعمل وأنتج وأصبح مفيدا للمجتمع وأمي لم ترد سوى أن أكون سعيدا. ممتن لأسرتي لكنني لست من النوع الذي قرأ له والدته قصصا في أذنه أو ذاك الطفل الذي كان أباه يقرأ له قصة قبل النوم!
النص الأول الذي كتبته، ماذا كان رد فعله عليك وعلى النقاد والمثقفين؟
ردة الفعل كانت جيدة نوعا ما. فالرواية أدهشت القراء وشخصيا تركت فيها كل ما شعرت به وشعر به أبناء جيلي وحكيت فيه كل ما أعرفه عن مشكلات الشباب في بلادي. بيد أنه من الناحية النقدية لم تحصل على صدى إلا بعد عامين حين ناقشها نادي سوداني للأدب وبذلك أصبحت هناك الكثير من القراءات النقدية للرواية، الرواية أحبها القراء خاصة أنها تعبّر عن مشاكل الشباب في إفريقيا والعالم العربي. نشرتها في 2021 وفازت بجائزة غسان كنفاني في عام 2025.
حالما تكتب، تكتب لمن وعن من، وما رسائلك من الكتابة، وما أهدافك المعلنة وغير المعلنة؟
غارسيا كان يقول اكتب لكي يحبني أصدقائي. أتفق مع هذا. كتبت لأنني أستمتع بالكتابة ولأني أريد أن أكتب قصص عن مجتمعي. اكتب لإرضاء نفسي ولكي يحبني أصدقائي ويجدونني مميزًا . قرأت روايات وقصص عن مجتمعات وشعوب عديدة ورأيت أن شعبي ومجتمعي ايضا لديه قصص وأساطير وحكايات وظروف تستحق ان تروى. ولأنني أستمتع بالكتابة كتبت لنفسي ولأصدقائي ولمجتمعي وللعالم.
الأدب التشادي ما مساحة تواجده على الساحة الثقافية عربيا ودوليا؟
الأدب التشادي باللغة الفرنسية متقدم نوعا ما وحاضرة سواء في العواصم الإفريقية التي تتحدث بالفرنسية أو في باريس لكن الأدب العربي ما زال في طور التشكّل. الرواية العربية التشادية عمرها لا تتجاوز العشرين سنة لكنها تتقدم بشكل جيد يحمل رايتها مجموعة من الشباب الذين ولدوا في التسعينيات وأنا منهم.
من الكاتب التشادي والعربى والعالمي الذي كان حافزا لك وحلما بأن تصل لمكانته؟
لم يكن هناك كاتبا تشاديا بلغ درجة عالية يحلم بها الشاب الطموح الذي كنته. لذا الكاتب الذي كان حافزا هو غابرييل غارسيا ماركيز لأنه كتب بشكل جيد وحصد العديد من الجوائز والشهرة وعاش حياته مما أراد.
كيف ترى المشهد الثقافي التشادي سابقا وحاليا ومستقبلا؟
أعتقد أن هناك مستقبلًا باهرًا ينتظر المشهد الثقافي التشادي فالحراك الذي تشهده الساحة الثقافية حاليا لم تحظى بها من قبل. اليوم هناك أعمال لتشاديين فازت بجوائز محلية وإقليمية وأعمالنا وتوفرت في معارض دولية وقرأتْ من قبل الآلاف وكتب عنها الكثر من النقد والقراءات.
ماذا عن المشهد النقدي التشادي وتأثيرة بالمشهد الثقافي إيجابيا أو سلبيا؟
النقد لم يتحرك بعد. طبيعي أن يأتي النقد بعد حالة من الكتابة لكنها لم تنطلق حتى الآن رغم صدور قرابة عشرين عملا أدبيا في السنوات الخمسة الأخيرة.
ما حلمك الإبداعي؟
حلمي هو أن اكتب. أن امارس الكتابة ولا تشتغلي ضرورات الحياة عن ممارسة المهنة التي ولدت من أجلها. وأحلم ايضا كأي كاتب بالحصول على ما يكفيني لأتفرغ للعمل الإبداعي.
ما مدي تأثير السياسة على الثقافة؟
تأثير السياسية على الثقافة كبير. السياسية تأثر على كل شيء. وتأثر بشدة على الثقافة في البلدان الإفريقية. فالكاتب يكتب عن مجتمعه وإذا كانت السياسية تتسبب في أزمات اقتصادية وحروب أهلية فعلى الكاتب أن يتعامل مع هذه الأزمة التي تحدثها السياسية في المجتمع.
مولودك الكتابي الأول، ما الرسائل التى رغبت إرسالها من خلاله وهل وصلت الرسائل؟
روايتي الأولى هي ” زمن الملل” عبرت فيها عن الفساد السياسي في البلاد وعن تخلّي الدولة لدورها الاجتماعي وترك شبابها يهاجرون أو يموتون جوعا بسبب العطالة أو يرتكبون الجرائم بسبب الملل. أعتقد أن الرسائل وصلت.
عمل إبداعي تمنيت لو كنت انت كاتبه؟
موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح.
ما المشروع الكتابي الذي تحلم أن تكتبه وأن يخرج للنور؟
. لدي عمل ضمن مشروعي الذي انطلق منذ 2021 لكني متوقف لأسباب الدراسة والعمل وحبسة الكتابة. آمل أن يأتي الشتاء وأتمكن من الكتابة مجددا.
كيف من وجهه نظرك أن نعيد الوعي للموروث الثقافي والفكري والعقائدي والتاريخي للثقافة العربية. عبر القراءة والاهتمام بالتراث. أعني إرشاد الشباب إلى الكتب ليعرفوا أن الحضارة الإسلامية عظيمة ولها إنجازات فريدة.؟
أعتقد كأي ثقافة أخرى تحتاج إلى رعاية ودعم من المؤسسات الحكومية لتصل إلى الآخر وتنتشر.
ما اسباب الفجوة الكبيرة بين الثقافات العربية والثقافات الغربية؟
الديمقراطية. هذا ما نفتقده في العالم الثالث.
مدي تأثير بيئة تشاد على الكتابة؟
أعتقد أنها بيئة ملهمة لأن فيها الكثير من القصص والعجائب والعديد من القضايا التي تستحق معالجتها أدبيا إلا أنها صعبة الكتابة فيها نظرا لصعوبة الحياة. فالصيف هنا حار جدا ويستمر لقرابة ٧ أشهر والكتاب يركضون خلف لقمة العيش في مجالا أخرى ولا وجود لمساحات ثقافية كمقاهي او مكتبات إضافة إلى عدم اهتمام حكومي بالثقافة. ما رأيك فى. التظاهرات والمعارض والصالونات الأدبية. هذه فعاليات مهمة جدا فهي تشجع على القراءة وتدعم الكتاب والكتاب. وهي فضاءات لنشر الثقافة والوعي. هي مهمة جدا ووجود سيساهم في تشكيل الوعي الثقافي لمجتمع …. المؤسسات ودور النشر. دور النشر تقوم بدورها كمؤسسات وسيطة لوصول الكتاب إلى القارئ. لكنها مؤسسات تجارية لذا نادرًا ما تنصف الكاتب أو توفر له حقوقه.
رسالة توجهها إلى..محمد جدي حسين.
كن شجاعا. من بين كل الأعمال اخترت أن تكون كاتبا. كان يمكن أن تختار أي مهنة وتنجح فيها لكنك اخترت ما حلمت به وحققت حلمك وعشت متعة لن يعرفها الكثير من البشر. لذا كن شجاعا وتحمل العواقب السيئة للكتابة ؛ كلام الناس. الإساءة. سوء الفهم. تشويه السمعة.. كل هذه هي أشياء يمارسها البشر يوميا ودون أي سبب لذا كن شجاعا وتحمّل.