جنان اليوسف
………
يقول جبران خليل جبران أولادكم ليسوا أولاداً لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، فهم بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم، فأنتم تستطيعون منحهم محبتكم ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارهم الخاصة. وإذا كان الموضوع يبحث عن مفهوم الحرية فيجب علينا ان نفهم ما ذا تعني( كلمة الحرية ) فالحرية هي حق الفرد في التصرف الكامل وفق رغباته دون أن يلحق الضرر بالآخرين. وهي كذلك قدرة الشخص على فعل اي شيء أو تركه بإرادته الذاتية. بعيدا عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكاً لأحد أما تعريف الحرية في الإسلام : الحرية: لغة ضد العبودية ومع ذلك يجب ان يكون هناك حدود للحرية حيث لا يمكن ان تكون مطلقة ويجب على الأفراد ان يحترموا حقوق الآخرين والمصالح العامة. ولأنّ للحرية أهمية في حياة الإنسان فهي تمنح الأفراد حقوقهم الأساسية مثل حرية التعبير والدين والمساواة. وبدون حرية، يكون من الصعب حماية حقوق الإنسان وضمان العدالة والمساواة في المجتمع وفي كثير من الأحيان يتطلب الاحترام والمسؤولية تقييد بعض الحريات كما قال الفلاسفة القدماء (تنتهي حريتك عندما تبدأ حَرية الآخرين ) وهذا يشير إلى أهمية موازنة حقوق الفرد مع حقوق المجتمع والآخرين من حوله ( أما في العصر الحديث ) تقدمت وسائل الاتصلات وتقاربت الثقافات مما أدى الى صراعات بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية لذا يتعين على المجتمعات الحديثة تعزيز الحوار والتسامح واحترام حقوق الإنسان لضمان تحقيق الحرية والعدالة. واليوم وبعد توضيح مفهوم الحرية بشكل واسع أردت أن أتطرق لمفهوم الحرية في وقتنا الحالي لما له من أهمية كبيرة لتوجيه أبناؤنا إلى المفهوم الصحيح للحرية . فالعلاقة بين الآباء والابناء تعيش صراعا منذ الأزل ولا يمكننا على ما أعتقد ان نلغي هذا الصراع لأنه يعود في الحقيقة الى أجيال مختلفة وبالتالي المفاهيم تختلف عند الجيلين فالحرية داخل الأسرة معادلة صعبة فهي تتطلب أبا وأم مثقفين ومتحضرين يناقشان مشاكل أبنائهم بطريقة تربوية وعلى أن يعلم أولاده عدم الخوف ، ويعطيهم الفرصة للتجربة بكل حرية من دون ان يفرض عليهم قالب معين يقرره هو بالنيابة عنهم لأن كما ذكرت سابقاً ان مفهوم الحرية مختلف عنده الجيلين . يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “لا تربوا أبناءكم كما رباكم آباؤكم، فأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم وهو ما يؤدي إلى الصراع الأبدي المعروف( باسم صراع الأجيال ) ففي ظل التكنولوجيا الحديثة وعالم socical maedia من الممكن أن يكون الأب كارهًا لأفكار أولاده ، لكنه قادرا على فهمها ، وهنا فقط يستطيع التعامل معهم فيقلل الصدام معهم لأنه من المفروض أن يساعد الأب الأبناء على الخروج من مشاكلهم ويعلمهم كيف يتصرفون بحكمة. ولا بد أن يعطي الأب أو الأم لأولادهم فرصة الكلام والتعبير عن أنفسهم وأفكارهم فهل يصبح هذا خطأ في هذا الزمن؟ علم النفس يقول أن معظم الأمراض النفسية للأبناء دائما تنشأ كنتيجة لسوء التربية في الصغر فالأبناء دائما في حالة كبت ولا يعرفون إلى من يتحدثون. ولا يصح أن يعتبر الوالد حق الحرية منحة منحها للابن لأنه يمن عليه بأبوته ، ولا يصح أن يلجأ الأب الكبير وقائد الأسرة إلى منطق المساومة مع الأبناء ، ويجب أن يتوافر عند الأب منطق التسامح وأن يكون حكيما وليس ممسكا بالعصا التي تهدد الأبناء ، وعن قضية الحرية والحوار بين الآباء والأبناء يوضح علم النفس ان الأب لا بد أن يتنازل عن سلطته وقهره لأبنائه ، وفي الوقت نفسه على الابن أن يثق بمشاعر والديه ، وأن يكون هناك دائما حسن نية في العلاقة ، لكن المشكلة تظهر أكثر لو كانت سلطة الأب والأم قاسية ويشعر الأبناء بالقيود والاختناق من والديهما ، وهو ما نسميه ( بالحب الخانق في علم النفس ) والذي ينتج عن كثرة القلق والهيمنة الزائدة والمتابعة المستمرة وشدة الخوف كل هذا يقتل الأبناء نفسيا ويسبب لهم مشاكل مؤلمة ولا بد أن يعتاد الآباء مع أبنائهم فن الكلام والحديث.. كل يأتي من عمله أو مدرسته فيحكي للآخر بشكل حميمي وليس في شكل استجواب أو تحقيق ما مرّ به في يومه فمن المؤكد إذا قالت الأم لابنتها :”إياك”أن تفعلي هذا ، وكان الأمر صريحا وعنيدا فستتوقف الابنة عن الحديث لأمها ، لكنها لن تتوقف عن ممارسة الفعل فالأمر يتطلب الذكاء الاجتماعي للوالدين والمرونة والحكمة . لكنّ المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا في زمن به الكثير من المؤثرات الخارجية الضاغطة التي سببت تشويهًا لمعانْ كثيرة في الحياة ،فالأفضل أن ينشأ حوار مستمر بين أفراد الأسرة حتى يكتشف الوالدان مواضع الخلل في أبنائهما إن وجدت ، فمن المؤكد أن “الأوامر المتسلطة” تغلق أبواب الحوار. أنّ الحرية هي لازمة للأبناء لكن ليست بالحرية الناقصة المقيدة او الحرية المطلقة في المقابل لابد ان تعطى الحرية للأبناء بحدود معينة بحيث لا تسبب من ورائها عواقب وخيمة وسلبية كأن يمنح الابناء حرية مطلقة في الخروج والسهر واختيار الاصدقاء بحيث يفقدون السيطرة والقدرة على التعامل معهم للحرية المطلقة عواقب وخيمة على الأبناء خاصة وعلى الأسرة والمجتمع عامة ونشدد على عدم منح الابناء الحرية المفرطة انما يجب الرقابة والنصح الدائم عليهم وتوضيح لهم مخاطر الحرية وعواقبها المدمرة لمستقبلهم بدلاً من تدليلهم ومنحهم الحرية بحجة توفير كل شيء لهم او الثقة بهم فهناك عوامل خارجية تؤثر بهم ومنهم اصدقاء السوء وغيرها من المحرمات. لا بد هناك ضوابط شرعية لقول الرسول (ص): «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» بمعنى ان الوالدين مسؤولين عن ابنائهم وما يقدمونه لهم في كافة الامور ومنها أن الحرية الممنوحة لهم تكون بحدود وضوابط محددة