حوار مع الأديب السوري  جوان سلو

شارك مع أصدقائك

Loading

حاوره

 

أحد طايل

* الأسرة والبيئة والمناخ المجتمعي الذي عايشته منذ البدايات وحتى اللحظة الآنية، ما هي تأثيراتها على تشكيل الوعي والفكري لديك؟

أنا جوان سلو، ولدت في قامشلي. سوريا عام 1982، نشأت فيها وكبرت على عشقها، على سهراتها وأفراحها، على أحزانها ومآسيها، عملت مدرسا للغة العربية في مدارسها وقراها، وتركت مهنة التدريس؛ لأتفرّغ للكتابة، إشباعا لهواية القراءة التي كبرت معي، حتى استحوذت على كل حياتي وأفكاري، وباتت الشغل الشاغل اليومي الذي أمارسه طبعا كلما أبحث عن كياني، فأجد نفسي في صفحات الكتب والروايات والقصص والقصائد التي أقرأها، لذلك لم يكسر هوسي بالقراءة إلا حاجتي للكتابة، التي جعلت مني خاتماً في إصبعها، لأن الكتابة أنثى جميلة، يطاوعها قلب العاشق دونما إرادة، مادامت رغبة القراءة والكتابة ماثلة وموجودة في داخلي.

* متى أحسست بأن بداخلك نداء للقراءة ثم للإمساك بالقلم والبدء بالخربشات الكتابية؟ وهل تتذكر أولى كتاباتك والتي أظهرتها للبعض، ماذا كانت، وكيف تم استقبالها من محيطك العائلي والثقافي وهل كانت حافزا لمواصلة الطريق؟ وكيف تلقاه القارئ والناقد والإعلام الأدبي؟

حقيقة، مثلي كمثل أي كاتب تستهويه الكلمات ليبدأ في نظم الشعر على هواه، أكان غزلاً أو شعراً وطنيا، أو ذا همّ إنساني، إلا أنني وجدت الشعر لا يُشبع حاجتي لكتابة الأفكار والمشاعر التي تهيج في نفسي وتعصف بي، رغم أنني كنتُ وما أزال أنثر بعض الأبيات في صفحات التواصل الاجتماعي، ولكنني لا أعتبرها شعرا بقدر ما اعتبرها خواطر ذاتية، بل محاولات لعاشق فاشل، أبت الكلمات الشعرية أن تصف ما يجول في نفسه من أفكار وفي قلبه من مشاعر. لذلك توجهت للكتابة في فن القصة القصيرة، وبعد محاولات عديدة لكتابة القصص القصيرة والقصيرة جدا، وبعد الاستعانة أيضا بالخبرات الثقافية والأدبية، نجحت أخيرا في صياغة قصة قصيرة جدا، وفق المعايير الأدبية والفنية التي دأبتُ على دراستها والتقيد بها، حيث بدأت بقراءة عدد غير قليل من المجموعات القصصية المتنوعة وبمختلف المدارس الأدبية، (أدب الواقع، الخيال العلمي، قصص الرعب، القصص العاطفية)، ومخرتُ في بحور الروايات القديمة منها والحديثة، الغربية والعربية، حتى تكونت لدي رؤية أولية عن كيفية كتابة القصة القصيرة، وكان ذلك في نهاية عام 2018، ذلك التاريخ الذي لا أنساه، لأنني في ذلك العام كنت قد انتهيت من كتابة أول مجموعة قصصية قصيرة جدا، أسميتها (سحابة عطر) وأهديتها إلى رفيقة دربي في الحياة، زوجتي, التي وقفت بجانبي ودعمت مشروعي الأدبي هذا، إضافة إلى أنني لا أعتبر ما كتبته قبل ذلك التاريخ قصصاً، بل محاولات غير موفقة، وبمنظوري الشخصي، على الكاتب أن يقرأ ويقرأ ويقرأ ومن ثم يكتب، لأن الكاتب الجيد هو القارئ النهم، والذي لا يشبع من التهام الصفحات.

* ما الهاجس الأكبر الذي ينتابك أثناء الكتابة، وما الأهداف التي تسعى إليها من خلال الكتابة؟

القصة والرواية عالمان واسعان جدا، عميقان أكثر مما يتصوره المرء، كونهما يعتمدان في الدرجة الأولى على سرد التاريخ الشخصي أو المجتمعي بطريقة نثرية قريبة من الناس ومن حياتهم، لأن التاريخ يخبرنا ماذا حدث، لكن الرواية والقصة تخبرانا كيف شعر الناس بما حدث. إن الأزمة التي نعيشها الآن، خلقت واقعا مغايرا كليّا عما كان قبل الأزمة، ألا وهي أزمة الحرب والمعاناة والتهجير والنزوح والقتال والثورة، كل هذه الأحداث باعتقادي الشخصي لا تستطيع القصيدة الشعرية أن تحيط بكل هذه المآسي التي نعيشها، لأجل ذلك وُجدتْ القصة والرواية، كي تقوم بما عليها من تسجيل الأحداث ورويها للأجيال القادمة، ومن خلال تجربتي القصيرة في القصة والرواية، رأيت أن من الضروري كتابة ما استطعت جمعه من هذه الأحداث التي يعيشها المواطن العادي في قصص تروي واقعه وتسرد حياته ومعاناته إضافة إلى أفراحه، وأن أعمل على إيصال رسالته الإنسانية التي استوطنت قلبه ألا وهي رسالة الحرية.

* من وجهه نظرك ما تأثيرات المشهد السياسي على الإبداع، ومن المفترض أن يقود الآخر، السياسة أم الثقافة؟

إن الآثار السلبية التي خلفتها الحرب كانت من أهم الموارد التي استعنت بها كي أستنبط منها قصصي وموضوعات رواياتي، وهنا عليّ أن أذكر أن الدماء التي سالت دفاعا عن أرضنا هي دماء أبناء هذه الأرض الطيبة، أبناء الشمس، ومن واجبي وواجب كل أديب وكاتب أن يسلط الضوء على هؤلاء الشهداء والجرحى والمقاتلين الذين جعلوا من حياتهم فداء لمستقبلنا، ومن هذا المنطلق بدأت بكتابة القصص، مستعينا بالتجارب الشخصية التي عاشها أبناء شعبنا من تهجير ونزوح وهروب وحرب ودماء وقتال وتحرير، فكل قطرة دم تُسال على تراب هذا الوطن، تقابلها دمعة حزن على فراق ودمعة فرح بالنصر والتحرير والعودة، وقطرة حبر على كتاب التاريخ، إنه الثلاثي الذي لا يجب أن نغفل عنه أبدا، فما إن تجتمع هذه المكونات الثلاثة (الدم والدمع والحبر) لدينا أنتجنا مواد أدبية ترتقي إلى العالمية، إنها رسالتنا إلى العالم الحر، رسالة شعب قاوم الشر والموت بروح البطولة.

* عندما تكتب فلمن تكتب، لك أم للآخر أم عن الآخر؟

إن الحياة عادلة في منح الفرص للناس، مهما كانت تطلعاتهم وأهدافهم وأساليب حياتهم، فإما أن يغتنموا الفرص ليرتقوا في مسيرة حياتهم، أو أن يضيّعوا على أنفسهم الفرصة فيخرجوا من هذه الحياة خاليي الوفاض. إن ما حدا بي إلى ذكر هذه المسألة هو أني حين واتتني فرصة أن أكتب وأن أسير في درب الأدب، تركت التدريس، رغم حبي لهذه المهنة، مهنة التعليم المقدسة، وأتجه إلى الكتابة، حملتُ القلم بيدي وبدأت بالكتابة، لم أنتبه للوقت، ولم أشعر بنفسي إلا وأنني أمام قصة قصيرة صادقة، خرجت من أعماقي، فاطمأنت روحي، وتتالت القصص التي كتبتها وبدأت بإرسالها إلى عدة كتّاب لأخذ رأيهم فيها، فكتبتُ لنفسي أولاً ومن ثم كتبت للآخرين، وكانت الردود إيجابية نوعا ما، هذا ما شجعني كي أستمر بالكتابة، وأن أسير في دربهم في تشجيع المواهب والأقلام الحديثة، وأن أشارك في كل المسابقات القصصية والروائية المقامة، والكتابة في المواقع والمجلات المحلية والعربية، وهكذا خرجت ثلاث مجموعات قصصية للنور وروايتان، وهي:

سحابة عطر. قصص قصيرة جدا. دار شلير. سوريا

صباح بلون الذكريات. قصص قصيرة. مصر

حفنة من تراب شنكال. قصص قصيرة. مصر دار نفرتيتي

تكوشين. رواية. مصر. دار اسكرايب

سيرة طريق. رواية. دار ببلومانيا. مصر

الفراشات المحترقة مجموعة قصصية. دار ميزوبوتاميا. سوريا

تذكرة عودة إلى كوباني. رواية

استغاثات فجر قتيل. قصص قصيرة

* النقد بالوقت الراهن كيف تراه، وهل يؤدى دوره لريادة الثقافة؟ ام هناك بعض الوهن أو كثيره؟

إننا في سوريا، في حاجة إلى مدارس أدبية (أكاديمية فن الكتابة) تهتم بالكتابة الأدبية الإبداعية، وفق شروط وأسس ومعايير لغوية تنهجها هذه الأكاديميات في الكتابة، فهذه حاجة ملحّة علينا أن نقف عليها وندرسها، نتيجة الفوضى الكبيرة التي تعم الساحة الأدبية من نتاجات لا تستحق ثمن الورق الذي طُبعت عليها.

إن أكاديمية فن الكتابة هي طوق النجاة التي يحتاجها مجتمعنا كي نرتقي بفن القصة والرواية ونرفع من مستوى الأدب في سوريا، لأنها ستنتج كاتباً وقارئاً وناقداً في الوقت ذاته، فالنقد في الوقت الراهن هو الأداة التي من خلالها يُقوّم الأدب والأديب، من خلال تعلّم النقد وفق مدارسه وفنونه ودراسته كمنهج متخصص من الوجب دراسته من قبل الأديب، كي يصحح مساره إن أخطأ. فالمهارات التي سيكتسبها الكاتب من هذه الأكاديميات هي بناء الثقة بالنفس والتخلي عن الخوف والقلب من مواجهة القلم، واكتساب مهارات الإبداع وإيجاد الأفكار وخلق أسلوب خاص في فن الكتابة حدّ الاحتراف. وتفتح المجال واسعا كي تترجم هذه الأعمال الأدبية إلى أفلام وثائقية أو سينمائية تحاكي الواقع وتتحدث عنه.

* ما رأيك بالمهرجانات والفاعليات الثقافية، هل ترى لها إضافات على المنتج الإبداعي والفكري؟

هناك أقلام كثيرة في مناطقنا تستحق أن تراقب وأن تتابع وأن تُدعم، وأن تُفتح أمامها أبواب الطباعة والنشر، كي تستمر في نشر الثقافة، كي لا تموت، لأن الاهتمام بالكاتب سيؤدي إلى إنتاج أدب راق، يستحق الثناء. وهذه الأقلام تنشط أكثر في المهرجانات والمسابقات الدولية ومعارض الكتب التي أحرص دوماً في المشاركة فيها كي أواكب تطور الأدب وأتعرف أكثر على دور النشر وما تقدمه من عروض وما هي الأقلام الجديرة بالقراءة والتعلم منها. فمعارض الكتب هي مهرجانات للكتاب وللكاتب بذات الوقت، فهي البوابة التي تفتح المجال واسعاً كي يبدع فيها الكاتب.

* حدثنا عن الطقوس الكتابية التي ترى أنها توفر لك تهيئة نفسية وإمساك بخيوط القصة الرواية والمقال؟

بالنسبة لطقوس الكتابة التي أعتمدها فهي بسيطة جداً، بقدر ما هي مهمة لي، فالبساطة تعطيني الحرية في العمل والكتابة، فأنا أقرأ كثيراً، وإذا تخمرت الفكرة في عقلي، أفتح جهاز الحاسوب وأكتب مباشرة، أو أستخدم جهاز الموبايل إذا احتجت لتدوين فكرة أو فصل أو قصة بشكل سريع، ريثما أكتبها على جهازي الحاسوب.

* لماذا يغيب المشهد الثقافي الكردي عن الثقافة العربية رغم أنني أرى أن له تواجدا بالثقافة الغربية؟ وهل هو إقصاء متعمد من وجهة نظرك؟

إن الأدب رسالة، والأديب هو الرسول الذي يحمل على عاتقه أمانة نشر الحقيقة والثقافة بين الناس، وكتابة التاريخ كيفما حدث، لتكون الرواية والقصة وسيلة لإخبارنا كيف شعر الناس بما حدث. وما تفعله المواقع الإلكترونية الثقافية ليس إلا جهداً مشكوراً من جهتها لنشر النتاجات الأدبية للكتاب الكرد الذين يجدون عندها مكانا لنتاجاتهم، ومن هذا المنطلق، أود أن أشكر هذا المجهود الذي قام به موقعكم في نشر الثقافة الكردية أينما وجدت، وتسليط الضوء على الأقلام الأدبية والشخصيات الثقافية والسياسية الكردية، متمنيا لكم دوام التوفيق والاستمرارية.

شارك مع أصدقائك