أستراليا: التوبيخ
عباس علي مراد
التاريخ 30/11/2022 كان يوم غيرعادي في تاريخ البرلمان الأسترالي، لانها المرة الأولى في تاريخ أستراليا الحديث بعد الاستيطان الأبيض يتبنى البرلمان قراراً بيتوبيخ رئيس وزراء سابق وان كان القرار رمزيأ وليس له أية مفاعيل قانونية، علماً ان هناك سوابق فقد تم توبيخ كل من بول كيتنغ (عمال) وجان هاورد (أحرار) ولكن أثناء ممارسة دورهما في رئاسة الوزراء.
لماذا التوبيخ؟
رئيس الوزراء السابق سكوت موريسن (أحرار) وأثناء جائحة كورونا كان قد عين نفسه سراً وزيراً رديفاً في 5 وزارت ودون علم زملائه او الشعب الأسترالي بحجة حماية البلاد خلال الازمة في حال مرض أي من الوزراء مع العلم ان الأمر لا يحتاج لأكثر من دقيقة لإداء القسم امام الحاكم العام في حالة الطورائ .
حكومة العمال برئاسة انطوني البانيزي التي جاءت الى الحكم في انتخابات أيار الماضي على انقاض حكومة موريسن لا تزال ماضية في إستغلال رأس مالها السياسي والانتخابي لا بل تعزيزه من خلال إقرار المشاريع التي وعدت الناخبين بها أثناء الحملة الانتخابية، والتي كان آخرها إقرار قوانين العلاقات الصناعية الجديدة بعد عقد صفقة مع السينتور المستقل ديفيد بيكوك وتشكيل المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد عبى المستوى الفيدرالي.
بعد أن تسربت أخبار تعيين موريسن نفسه الى الإعلام والرأي العام اعتبرت الحكومة أن تصرفات موريسن “إساءة استخدام للسلطة وتدمير لديمقراطيتنا” كما قال رئيس الوزراء أنتوني البانيزي ألذي قرر تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بالموضوع وكلف القاضية السابقة في المحكمة العليا فيرجينيا بيل والتي أصدرت تقريرها الأسبوع الماضي ووجدت إن إجراء موريسن “غير ضروري” و “مكلف” و “غريب” وان موريسن بفعلته تلك خالف وهدد النطام المعمول به، وأن تصرفات رئيس الوزراء السابق قوضت بشكل أساسي مبادئ الحكومة المسؤولة، وقدمت للحكومة 6 توصيات لعدم تكرار الأمر في المستقبل من خلال الكشف علنًا عن التعيينات والتفويضات للوزراء بالوكالة والاعلان عنها في الجريدة الرسمية.
الحكومة من جهتها تبنت التوصيات جميعها وقررت التقدم بمشروع قرار في البرلمان لتوبيخ مورسن والذي قدمته في 30/11/2022 وتبناه البرلمان بأكثرية 86 صوتاً مقابل 50، وقد صوت الى جانب الحكومة كل النواب المستقلين ونواب حزب الخضر وقد صوتت النائبة بريدجت آرشر من حزب الأحرار الى جانب الحكومة مخالفة قرار الحزب التصويت ضد المشروع لانها لم تقتنع بكلام موريسن وتبريراته، وقد امتنعت النائبة ووزيرة الداخلية السابقة في حكومة موريسن والتي عين موريسن نفسه وزيراً سرياً في وزارتها كارن أندروز عن التصويت، والجدير ذكره ان أندروز دعت موريسن للإستقالة من البرلمان بعد معرفتها بفعلة موريسن.
موريسن وفي دفاع ناري عن تصرفاته وبنبرة التحدي أمام البرلمان أقر بأن عدم الإفصاح عن الترتيبات قد تسبب في إساءات غير مقصودة وقدم اعتذاراً لمن تعرض للإهانة، واضاف بأنه ذهب بعيدًا جدًا عندما استحوذ على حقيبتي الخزانة والشؤون الداخلية ، لكنه اتهم الحكومة العمالية بـ “التخويف” و “الانتقام” من خلال تقديم مشروع قرار التوبيخ ضده، وأشار موريسون إلى “أن القرارات اتخذت خلال فترة صعبة للغاية، حيث كانت هناك حاجة إلى قدر كبير من الاستعجال” وقد أيد سكوت موريسن تنفيذ توصيات لجنة بيل!
المضحك والمستغرب في كلام موريسن قوله انه لم يسأل عن الموضوع من الصحافة فلو سئل لكان أجاب عن ما قام به بكل صدق فمن أين ستعلم الصحافة وكل ما قام به موريسن كان سراً وكما يقول المثل:(عش في رجب ترى العجب).
رئيس الوزراء أنطوني ألبانيزي قال إنه كان يتوقع من موريسون الإعتذاروالاعراب عن شعوره بالندم ولكننا فوجئنا بهذه الغطرسة والتكبر والانكار.
زعيم جزب الخضر آدم باندت انتقد موريسن بشدة وقال ان موريسن حمل المسؤولية للجميع الا نفسه، وأضاف إن حزب الخضر ينوي إحالة سكوت موريسون إلى لجنة الامتيازات القوية بالبرلمان، ففي حال تم قبول هذه الإحالة من قبل البرلمان وتبنت اي قرار ضد موريسن فسيكون لها تداعيات كبيرة على موريسن وقد يمنع من دخول البرلمان.
المعارضة الفيدرالية والتي صوتت ضد مشروع قرار التوبيخ اعتبرت ان للمشروع ابعاد سياسية، رغم ان زملاء مقربين جداً لموريسن كانوا قد قالوا كلام خطير بحق موريسن حسب ما قالت الصحافية في الهيرلد نيكي سافا والتي نشرت كتابها الجديد بعنوان سقوط موريسن وفوز البانيزي) في 1/12/2022. Bulldozed(
النائب ووزير الهجرة السابق في حكومة موريسن اليكس هوك والمقرب جداً من رئيس الوزراء السابق والذي يعتبر يده اليمنى داخل الحزب شن هجوماً عنيفاً على موريسن وقال: ان موريسن أصبح مدمناً على السلطة التنفيذية وأضاف ان موريسن لم يكن يأخذ بنصائح أحد او السماع لأحد كما جاء في الكتاب.
يقول هوك أن موريسون عامل الناس معاملة سيئة بعد فوزه في عام 2019 ويعتقد أن “موريسون كان يجب أن يترك البرلمان مباشرة بعد خسارة الانتخابات في أيار الماضي، بدلاً من البقاء والمخاطرة بأن يصبح مادة للسخرية”.
الأسبوع الماضي وفي أول تعليق علني له على ما قام به موريسن قال وزير الخزينة السابق ونائب رئيس حزب الأحرار والذي خسر مقعده النيابي جوش فريدنبرغ بأنه لا يعتقد أن هناك “أي سبب” لتولي موريسون حقيبة وزارة الخزانة وقال: “حقيقة أنه عين نفسه بالوزارة، ولم يخبرني ولم يخبر الآخرين، كانت خطأً ومخيبة للآمال بشدة لقد كان تجاوزًا مفرطًا” والجدير ذكره ان فرايدنبرغ كان رفض تحدي زعامة موريسن قبل الانتخابات.
وكما تقول نيكي سافا ان موريسن دخل البرلمان بأصدقاء قلائل لكن يبدوأنه سييخرج بدون أي صديق وتقول انها عندما سالت الوزير السابق ستيورت روبرت إذا ما كان يعتبر موريسن صديقاً قالت أنه آجابها بالقول المأثور “إذا كنت تريد صديقاً في السياسة فاتخذ كلباً صديقا”ً
ويبقى السؤال الاساسي هل سيقدم موريسن إستقالته من البرلمان ويضع حد للضرر الذي يسببه للمعارضة وزعيمها بيتر داتون الذي يحاول ان يشق بصعوبة طريقه السياسي كزعيم للمعارضة حسب ما تظهر أستطلاعات الرأي من تدني لشعبيته؟
من خلال قراءة خطابه في البرلمان لا أعتقد انه ينوي الأستقالة، ولكن متى سيطفح كيل داتون من تصرفات موريسن ويعمل على الإطاحة به بقرار حزبي؟ لننتظر ونرى.