فوز حمزة
توهج الإشارة باللون الأحمر، أعطاني الوقت لأشعر ببعض الراحة، فالحذاء ذا الكعب العالي سبب لي تعبًا كبيرًا. وأنا أراقب الإشارة، لمحته على الطرف الآخر، ازداد وزنه قليلًا وبدا أقصر قامة، لكنه لم يفقد شيئًا من وسامته. التقت نظراتنا، تساءلت: كم من الأعوام مرتْ؟! خمسة عشر عامًا ونصف العام! ما زلت أتذكر ذلك اليوم الخريفي الغائم، وكأني للتو أسمع خشخشة الأوراق اليابسة وهي تتكسر تحت أقدامنا كأنها موسيقى احب، تعزف لنا وحدنا وعلى أنغامها كنا نسير، بل كنا نرقص. ثمة عصافير تغرد لنا. لم نشعر بحبات المطر وهي تسقط فوق رأسينا ثم تتسلل بهدوء لتستقر على ثيابنا. حيّانا حارس الحديقة بابتسامته المعهودة، فقد تعود على رؤيتنا معًا. كنت أحيا حلمًا جميلًا حتى أيقظتني صفعة كلماته. لم يجرؤ وهو يقولها للنظر في عينيّ، بل أخذ ينظر صوب الفراغ وهو يقول: لن أستطيع رؤيتكِ مرة أخرى، أنا مغادر إلى بلد آخر… وقفت الأرض بيّ. لقد كان المطر حنونًا عليّ عندما شاركني البكاء، فاختلطت دموعي بدموعه. سكتت العصافير. ساد الصمت إلا من صدى كلماته، لم يعرف كم أحببته! كنت أتمنى أن أصرخ وأطلب منه البقاء، لكنه غادر مسرعًا وأصبح في الطرف الآخر. في الطرف الآخر وقف يحدث نفسه: ليست هي! بل هي! ما زالت جميلة ورشيقة، ترتدي الملابس الغالية كعادتها.. كم من السنين مرت؟! ربما أربعة عشر عامًا، لست متاكدًا، لكني ما زلت أتذكر ذلك اليوم الربيعي الجميل حينما قررتُ لملمة شجاعتي لأخبرها بأني سأرحل، ليتني لم أفعل! ليت شجاعتي خانتني ولم تنجدني ذلك اليوم! لكن ماذا كان بوسعي فعله؟ هل أخبرها بأني رجل فقير وهي ابنة الحسب والنسب؟! هل أخبرها بأني تقدمت لخطبتها وجاءني الرفض مغلفًا بالأهانة؟ كرامتي لم تسمح بذلك، لم أقوى على النظر في عينيها. كنت ضعيفًا أمام تلك العينين الجميلتين؟! لو تعرف كم أحببتها وما زلت! هربت بيّ الأرض بعيدًا عنها وتركتها وحيدة. توهجتْ الإشارة الخضراء معلنة السماح لنا بالمضي. سار كل واحد منا باتجاه الطرف الآخر دون أن ينظر في وجه صاحبه ••