ترجمة: باسمة العابد
عمّان
في وقت مبكر من القرن العشرين، سكنت جيرترود شتاين (Gertrude Stein) في باريس التي صارت مكانا لتجمع الفنانين والكتّاب. كان بعض الزائرين يتردّدون على (Rue 27 de Fleurus)، حيث كان الرسامون التجريبيون الشباب يعملون، كانت جيرترود شتاين وأخوها ليو شتاين (Leo Stein)، الذي كان جامعا للوحات: بيكاسو وبراك ومانيه ورينوار وسيزان وماتيس (Picasso, Braques, Manet, Renoir, Cézanne,) والى جانب ماتيس (Matisse) أكثر الفنانين محورية وحضورا اجتماعيا، وكان بيكاسو كذلك قادما حديثا إلى فرنسا حينما كان يدرس اللغة الفرنسية، وكان ينظر اليه بصفته “الأسباني الهادئ”. ومثلما كان الضيوف والمترددون على (salon-evenings) يزدادون كانت صداقة جيرترود شتاين مع بيكاسو تتوثق، لقد صارت واثقة من موهبتها أكثر فأكثر، مثلما كان شقيقها يناصر الاتجاه الانطباعي، فقد صارت حاستها الفنية تجريبية على نحو متزايد، فكانت أعظم جامعي اللوحات للرسامين التكعيبيين. طلب بيكاسو منها الجلوس، في 1905، ليرسم لها بورتريها (صورة شخصية)، الا ان النتيجة لم تكن تكعيبية بل كانت لوحة تشخيصية داكنة لامرأة محدودبة غريبة. وقد قال بيكاسو وقتها قولا شهيرا، “الجميع يقولون بأنّها لم تكن تشبهها ولكن ذلك لم يكن يغير أي شيء، انها هي” وقد اقتبست جيرترود شتاين ذلك التصريح في السيرة الذاتية التي تخص (Alice B. Toklas).. قالت جيرترود شتاين لاحقا: “كنت وما زلت ارضى بصورتي الشخصية التي رسمها بيكاسو، وبالنسبة لي أنها انا، وانها فقط إعادة إنتاج لي وكانت دائما أنا، وتعود لي”. لقد شكل اكتمال البورتريت بداية اهتمام جيرترود شتاين بفن رسم الأشخاص والرسم والنحت التشخيصي كمفهوم مؤثر في كتاباتها المبكرة، وكان بدية اهتمامها ايضا بفلسفة بيكاسو التكعيبي. إن الصورة الأدبية التي رسمها شتاين لبيكاسو بعنوان “إذا أخبرته”، التي اكتملت بعد ما يقرب من عشرين عامًا ونشرت لأول مرة في فانيتي فير، هي محاولة غريبة بالمثل ولكنها لطيفة لالتقاط تشابه مع عبقريته. يبدأ الأمر: “إذا أخبرته هل سيحب ذلك. هل سيحب لو أخبرته”. كما قد يتساءل الرسام عما إذا كان يتملق موضوعه بما فيه الكفاية، يتساءل شتاين عما إذا كان بيكاسو سيحب “الصورة” التي تكتبها له عندما يسمعها تُقال له – فلسفاته التكعيبية المترجمة إلى اللغة. تتناول فقرة لاحقة كيف يمكن للمرء أن يخلق “تشابهًا” في مقطع لفظي، والذي يصبح شيئًا مثل التكرار: التشابه الدقيق. التشابه التام. في الواقع، تستمر شتاين في الدفاع عن الطبيعة التمثيلية للتكعيبية طوال حياتها، كما لو أنه لا يمكن للمرء الوصول إلى “تشابه” دقيق أو صورة للحياة إلا من خلال تشويه وتكرار وتغيير اللحظة الحالية لتقليد الإدراك. ذكرت في كتابها بيكاسو عام 1938 حادثة وقعت عام 1909 عندما أظهر بيكاسو، بعد أن أكمل اللوحات التكعيبية هورتا دي إيبرو وميزون سور لا كولين، لشتاين الصور التي ألهمت اللوحات، وقد اكدت شتاين أنهم لا يختلفون عن اشكالهم في الصور. كانت تجربة شتاين الأكثر شهرة مع “التكعيبية اللفظية” هي كتابها الشعري “أزرار العطاء”، وهو عبارة عن سلسلة من قصائد النثر مقسمة إلى “أشياء” و”طعام” و”غرف”. في هذه الأوصاف الغريبة والممزقة لما تراه، تعمل الشاعرة على نوع التشابه والتصوير الذي رأته لأول مرة في أعمال بيكاسو، بدءًا من الوصف التكعيبي للإبريق الذي يبدو أنه ينبه العالم إلى التغييرات المثيرة التي تجري على قدم وساق في الشعر.