الرجل المائي – ألف ياء – فاديا عيسى قراجه
قبل أن أتعرف على ذلك الرجل ,كنت أظن بأنني امرأة تجيد لعبة الأنثى , وأن حضوري وحده كفيل على إذهال من حولي و نشر السحر والعبق في الأرجاء كلها وكنت على يقين بأنني سأدير رأس هذا القادم من مسافات المستحيل ,وسأكون له الهوس والجنون, وكما هو فعل اليقين المخادع, كان غروري .. ففي تلك السهرة التي جمعتني به أيقنت كم كنت ساذجة ..فقد لفني بعباءة من الغموض البهي .. قال كلمات ضبابية ,وانصرف ليراقص صديقتي على مرأى ومسمع مني .. عادا يتضاحكان وأنا المقيدة إلى شجرة سحره, بطاعة ما كانت من صفاتي يوماً .. حاولت شحذ أنوثتي الطاغية , وقررت أن ألعب معه تلك اللعبة الشيقة .. تركت عدم مبالاتي لتمارس جنونها عليه .. ابتعدت عن مرمى نظراته الساحرة , وراقصت أصدقائي , وعندما اقترب مني قال : كنت مذهلة وأنت تتكسرين على أذرع معجبيك .. لا تحلمي يوماً أن تضمك ذراعاي . حدقت في عينيه الآسرتين ..يا إلهي من هذا الرجل الذي ألهب غروري بغموض يزيده اشراقاً ؟ ولغموض الرجل فتنة لها طعم آخر .. كانت الساعات تقترب من عقارب الرحيل حينما اقترب مني وقال: سنلتقي غداً وسأقرأ كفك . بكلمات مختصرة سرق قراراتي وأدخلني في فصول لاهبة من الدهشة والإنسحاق كيف لم أسأله متى ,وأين سنلتقي؟ كيف تجرأ على خلخلة ثبوتيات حياتي ؟ وصلت إلى غرفتي بعواطف منهكة, مسروقة الأمان , انتزعت أقنعتي , فبدى وجهي متعباً , ليست رتوش الزينة هي من أتعبته , لقد دعاني ذاك الرجل لركوب عربة جنونه بعد أن انتزع أحزمة الأمان, وفعل فعله في ضوضاء ألواني .. رن هاتفي , قفزت عن سريري , بعثرت في حقيبتي الخضراء , كان رقماً غريباً يتربع على شاشة هاتفي مثل راهب بوذي لن تعنيه مراقبة الفضوليين , تسلل صوتٌ كبحةِ ناي , قال : غداً في مطعم [جوليا دومنا] الساعة التاسعة مساءً . إنه هو…. تدحرج صوته كحبة مطر, , كيف تغرينا الأسلاك الهاتفية بغواياتها, وألقها ؟ تصفحت رقمه , كم يحمل من الأرقام التي أحبها , فالسبعة مكررة , وهي تدل على انتصاره عليّ , والخمسة هي لدرء العيون الحاسدة , والأربعة هي عناصر الحياة مجتمعة من ماء ونار وتراب, وهواء , وغداً يوم مبارك كما أخبرتني العرافة ,إضافة لكل ذلك أنا أتحرق شوقاً كي أعرف ماذا يريد هذا الفارس, وبأية لغة سيقرأ كفي؟! صففت شعري , لونت وجهي بألوان فائضة عن الحاجة .. كم كانت خزانتي شحيحة, استعرضت فساتيني , لم أوفق إلى أي منها .. ماذا يفضل أميري من ألوان ؟ إن لبست الأسود قد يظنني سوداوية , وإن لبست الناري قد يظنني شهوانية, وإن لبست الأخضر قد يظنني طفلة بجديلة وشريطة , وأن لبست الأصفر قد يظنني امرأة ألتهب غيرة .. جلست منهكة وقد لمعت فكرة مجنونة في رأسي .. طلبت رقمه , فتسربت بُحّة الناي , قلت له: ماذا سأرتدي اليوم أكاد أجن؟ جلجلت ضحكته مثل شلال يشق الصخور .. قال: الأمرفي غاية البساطة , البسيني يا طفلتي . تكومتُ أمام عبارته وانا مذهولة ..يا الله أنا أعشق هذا الغموض المثير !! قال كلاماً لم أسمع منه سوى صداه , وأنهى المكالمة كعادته بتغريدة ٍ تشبه مناجاة بلبل وحيد .. هبت روحي إليه .. كم كان ساحراً .. ضاعت يدي في تجاويف يديه , طبع قبلة دافئة على باطن كفي , وقال : – هل تعرفين أن بعض الشعوب يتسابق الرجل والمرأة كي يفوز أحدهما بتقبيل باطن كف الآخر كي يملكه , بهذه القبلة سأمتلكك , إياك أن تبعدي كفك الحرير , انظري إلى تقاطع خطوط يدك , أنت تشقين طريقك وتعرفين ما الذي تريدينه , ومن بياض يديك يخرج فارس يرمي عمره فوق طرقاتك, ويحكي لك عن أسفاره الخلبية , وأحلامه اللازوردية , بينما أنت تختالين أمامه بكل صلف وغرور, أنت امرأة نارية ورجلك مائي أحدكما يطفئ ,والآخر يشعل . ما أجمل حكايات هذا الرجل .. من أين له بتلك الفتنة والغواية ؟ تكاثرت الأسئلة وطفت على حدود السراب واليقين بينما حديثه لم يتوقف … كنت كتلميذة تستمع إلى درس غاية في الأهمية , أشعل لفافة تبغ , امتصها بإغواء , ارتجفت أصابعي وأنا أشعل لفافتي حيث أحرقت ناري المجوسية المقدسة يداه , قرأت الحيرة في عينيه.. هل يدور حول ناري , أم يقع في أتونها ؟ تسارعت نبضات الوقت , حدق في ساعته , قام …فتمدد نظري فوق قامته الفارهة , حدجني بنظرة لها رائحة الفاكهة , ساعدني في ارتداء حيرتي وقمنا نزرع الشوارع بخطواتنا الثملة.. ودّعني وأنا لا أزال مبعثرة بين والشك واليقين مثل مذنب يريد التوبة ولا يريدها.. بقيت زمنا طويلاً معلقة على خطوط يدي أسألها : هل يعود عراف الوقت كي يقول لي: هل أرتديه جلداً ولحماً ودماً, أم عطراً وسحراً وفتنة وغموض ؟!
هامش: • جوليا دومنا امبرطورة حمصية اعتلت عرش روما