منجد شريف
طلال سلمان اسمٌ حفر في وجدان الأجيال على مد خمسين عاماً،و قد تربى على أسلوبه الصحافي الأدبي المتميز كثر من خلال إفتتاحيات جريدته السفير ،فكانت منهجيته في الكتابة مدرسةً في حد ذاتها، فغطى الأحداث اللبنانية بكل ما تفرع عنها من حروب بين أبناء الوطن الواحد، و مع العدو الإسرائيلي، و الوجود السوري، و ما بعد الحرب و اتفاق الطائف، وزوال الإحتلال الإسرائيلي واغتيال الرئيس رفيق الحريري وما أعقب ذلك الإغتيال، و ما انعكس عنه من انقسامات و تدخلات خارجية،وصولاً الى قرار إقفال الجريدة منذ فترة ليست بالبعيدة،فكان للراحل الكبير موقفه الواضح من كل تلك الأحداث، و لم يتنكر لحسه القومي العروبي،و دائماً ما كانت أقوال الرئيس جمال عبد الناصر موجودة في صفحات جريدته من أجل حفظها من قبل اجيال لم تعاصر عبد الناصر ليتغذوا على أفكاره القومية، و يتعرفوا على ذلك المارد القومي الذي غطى بحضوره الجذاب كامل الاراضي العربية و اصبح القائد الملهم لهم حتى بعد مماته. كان طلال سلمان محباً لبلده و لمنطقته شمسطار،فلم تأخذه الصحافة من أقاربه و أصدقائه، و لم يبخل عليهم باللقاءات و الواجبات، و لم يقصر في المناسبات التي شهدتها المنطقة و حتى في كل بقاع لبنان. و لا أخفي أن له في عنقنا جميلاً عند وفاة والدي إذ نعاه بأسلوبه الراقي،فكان رثاؤه مليئاً بالعاطفة الأخوية التي لطالما أحاطها بنا كعائلة و التي لم تقف حتى الرمق الأخير من حياته. كانت صفحات جريدته السفير مفتوحة لكل الأقلام الحرة و لكل قضايا المنطقة و البلاد،فلعب الدور اللازم على هذا الصعيد لإيصال كل الأفكار على اختلاف توجهاتها و تناقضاتها. رحل طلال سلمان اليوم لكن رحيله كان قبل ذلك بكثير،كان في مقاله الأخير وداعاً يا وطني بعدما عدد كل العلل التي ألمت بوطننا و انساب في بيانه باسلوبه الإنشائي الفريد فكانت مقالته مرثاة للوطن و لكل حر شريف فيه،و في وداع الوطن ودع الراحل كل محبينه اذ كانت تل مقالته الأخيرة ليعم بعدها صمت لم نعهده منه من قبل،فلم يلبث غير قليل حتى فارقنا اليوم ليكون وداعه هو الوداع الأخير لوطن عليل جريح تعثر حتى الموت و معه تعثر أبناؤه،وداعاً يا وطني كانت الكلمة الأخيرة و ربما هي فصل الكلام فهل تبقى شيء من هذا الوطن؟ وداعاً يا وطني و الوداع اليوم لكاتب كان بحجم هذا الوطن الوطن،فأعطاه من قلبه و قلمه و فكره حتى آخر أيامه ،و ها هو يفارقنا اليوم إلى الأبدية ليترك لنا مهمة شاقة في كيفية تعافي هذا الوطن و عودة الروح إليه،لكن نحن الذين تربينا على يديك يا استاذ طلال في حب الوطن لن نقول لك وداعاً،بل إلى اللقاء في كل يوم و مع كل اطلالة صباح ستشع كل كلماتك أحرف من نور، و لن يجف حبر كلامك الطيب و الذي كان كلاماً لكل زمان و مكان، ستبقى يا استاذ طلال الشعلة المنيرة التي غطت و ما زالت كل مآسي هذا الوطن و أوجاعه و أمجاده،و سنكمل المسير في قول الحق مهما كان الثمن،جنوداً أحراراً في خدمة هذا الوطن الجريح الذي يئن عند فقد كل عظيم من أبنائه، فإلى جنان الخلد أيها المعلم العظيم و الملهم.