حاوره طاهر فاضل*.
*- الشعر تجربة انسانية وجمالية.
*- لا طقوس مقننة لانتاج النص الابداعي
*- كتابة النص لعبة واحتيال ومتعة
*-الرواية ليست بديلا عن الشعر
مقدمة:
من جنوب الألم وثغر العراق النازف ، من البصرة ، حملّ الشاعر وديع شامخ هواجسه الابداعية وقلقه الوجودي الصارخ مبتدئا مشواره بأصدار مجموعة شعرية بعنوان ” سائرا بتمائمي صوب العرش” عام 1995 وبنسختين فقط ، ليكون شاهدا ومشاركا في ولادة ثقافة الاستنساخ التي سادت في التسعينينات من القرن الماضي في المشهد الأبداعي العراقي ، ثم جاء الى بغداد واصدر مجموعته الثانية ” دفتر الماء” عام 2000 وهي على نمط الاصدارات الشخصية وعلى نفقته الخاصة ايضا متمّما طريقه ورؤيته في الابتعاد عن مراكز السلطة الثقافية آنذاك.. وديع شامخ الذي ترك العراق عام 2001 مقيما لسنوات في عمان واصل خلالها تجربته الابداعية في الشعروالنقد والرواية والدراسات التاريخية، وهو الان يكمل مسيرته من بيرث غرب استراليا ، ومن المؤمل صدورمجموعته الشعرية الثالثة بعنوان ” مايقوله التاج للهدهد” من دمشق وعن دار التكوين ، عن رحلته الابداعية والانسانية كان لنا هذا الحوا معه .
*- غادر النص الشعري مفاهيم كثيرة مثل الوزن والقافية والرمز الجمعي ماهو تقييمك
لواقع التجربة الحديثة؟
… يجب ان نعترف اولا :ان التجربة الشعرية الحديثة بكل تمثلاتها الابداعية غير مقطوعة تماما عن جذورها سواء في التراث العربي او العالمي ، في رحلتها نحوالبحث والتجريب الدائمين، كجناحين للإبداع والتجديد في كل زمن ومكان في إطار الزمانية الكبرى(الماضي والحاضر والمستقبل) حسب بول ريكور .
فلا يمكن ازاء هذا الفهم ان نضع مسبقات نظرية لدراسة التجربة الشعرية الحديثة.
ثانيا:علينا ان لا ننجرر الى عموميات ملتبسة لليّ عنق التجربة كي تتوافق مع ماهو شائع لاسباب خارج إبداعية.
ثالثا: علينا ان نحدد المصطلحات بدقة. ولا نرحلها بمجانية من حقل الى اخر ، او محاولة زرع زوائد وشحوم في جسد الشعر بعد ان تخلّص منها الى غير رجعة.
وسؤالك يندرج في متاهة إقتراحاتي لقراءة التجربة الشعرية الحديثة، اين نجد الشعري اولا، هل هو قصيدة العمود ام التفعلية ام النص النثري( قصيدة النثر)، ام النص المفتوح أم الاقتراحات المتنوعة لكتابة الشعر دون الرضوخ لمفهوم القصيدة والانشاد ؟؟ هنا نجد الشعر في هذه الاقتراحات جميعا اذا لم تجرنا توصيفات اصحابها الى مقاسات نقدية مسبقة حول سلطة وحيازة الشعر لشكل ما. اما عن المسار النوعي لتطور اشكال الاداء الشعري فأن الشعر اقرب لديّ في ما توصل له هذا الجنس من تجريب حديث على مستوى الشكل والرؤية للتحرر من مسبقات غير ضرورية بل هادمة لبلوغ رؤية الشاعر الحديث في البوح، فاذا ما كان الزهاوي يرى القافية ذنبا لا بد من ازالته عن القصيدة لكي تسقيم كما هو حال نظرية التطور الدارونية فما بال الشاعر الحديث وهو يرى كل اركان القصيدة العمودية قد قصم ظهرها الشعر وصار بلا شحوم ولا اقنعة!!
ومن وجهة اخرى ارى ان الشعر لا يحتاج الى دورة استحالة الكائن ولا يمكن للشاعر ان يمرّ بادوار ( العمود، التفعلية ) ليكتب نصا متحررا وحرا كما لا يحتاج النص المفتوح لقصيدة النثر كجواز مرور له للتعبير الشعري. الشعر الحديث رؤية وموقف وجودي ازاء العالم وهو ليس غرضا مخصصا لمناسبة ما. ومن هنا فالشاعر هو المركز وهو الذات التي تصهر كل الهواجس والحدوس والرؤى الجمعية في لحظة ما، لحظة الشعر المجنح ، الشعر الصرخة الجمالية والانسانية
والانسياب الدافيء والبراءة الكاملة للاشارة الى ما هو سائد ومتفق عليه من قيم وافكار وانماط حياة شاخت وبال عليها الزمن الا انها تملك من اسباب البقاء لوجود شعراء ومتلقين نائمين في حضائر المتفق عليه دائما. الشعر خرق دائم للذائقة المسترخية وهو سؤال دائم وقلق ابدي. ومن هنا تأتي أهمية انبعاث اشكال جديدة للبوح لا تضع لنفسها سلطة السيادة، فالشعر حفر معرفي وجمالي وليس اداة جامدة وجاهزة. والشاعر كائن يمتلك من خصائص الخالق الكثير واهمها علاقة الحب بين الشاعر والكلمة بين الشاعر والفكرة، الشاعر ليس مشروعا لصراع مع اخر محدد بقدر ما كان ويكون المؤشر والبوصلة لاكتشاف علاقات جديدة مع الحياة برمتها.
*- كيف تفسر نفسك وأنت داخل الحيز الضيق لانشاء نص؟
… النص سؤال جمالي وانساني ومعرفي مفتوح ولا نهاية محددة له ،لا يفسر الذات ولا يكرسها. كما ان المبدع والنص في علاقة جدل عالية لا يمكن لاحدهما ان يفكر بحيازة ما،o في كل ادوار استحالة الكتابة قبل ان تولد على الورق، أذا افترضنا جدلا ان الورق او شاشة الكومبيوتر هما (الحيز الضيق ) لانشاء النص. وحتى في هذين الحّيزين لا يوجد مبدأ محدد للحيازة. انشاء النص لا بد ان يكون لعبة الحقل اولا ، وحيلة ومتعة ثانيا. انت امام نصك كخالق اوحد ، وحين يكون نصك في متناول الجميع فعليك ان تتنازل عن وهمك بالكمال . انا في كلا الحالتين لا اخضع لمفهوم الحيازة ولجدلي مع النص نهايات مفتوحة، استفهامات وفراغات وبياضات مؤجلة لقراءة ثانية مني ومن القاريء بكل تصنيفاته.
،،،،،،،،
*- مالذي يطرأ على الشاعر اثناء كتابة الشعر؟
… لقد قرأت وسمعت وشاهدت الكثير من طقوس معينة يمارسها الشاعر او المبدع عموما قبل تحرير رسالته، فوجدت اراضٍ متنوعة في الحرث والزراعة والقطاف. ولكن الخطورة تبدت ليّ من جعل هذه الطقوس محورا اساسيا وتم تسويق بعض الكتّاب على هذا الاساس ، وغدت حياتهم وتجربتهم اسيرة للطقس.وتهمش ابداعهم . اما فيما يخصني،فأنا احتاج الى مؤسسة كبيرة لاحتواء طقوسي في بعض الاحيان، ومرات كثيرة تبدد قلقي الوفرة من السجائروالخمرة والهدوء. وقبل كل هذا أمتليء بالقراءة والحوارات مع آخرين و بمشاهدة أفلام أو الاستماع الى برامج محددة في اذاعات معينة والى قراءات مركزة . اعجبني عباس بيضون بصراحته عندما قال: للشعراء الممتلئين ،اقول لهم انني فارغ . ان الفراغ هنا هو الامتلاء بالاخرين دون طقوس مقننة. فأذا اردت ان تلغيني فضعني في نظام. فما بالك بشاعر له طقس محدد ودائم ؟؟ سيكون لعنة على الشاعروالنص والمتلقي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
*- متى يجد متلقي النص الشعري نفسه قريبا من الشاعر؟
.. عندما يكون الشاعر عبدا للمتلقي. فالشعر الحديث تجاوز العلاقة بين المنشد والمستمع في أطار محدد. لم يعد المتلقى سلطانا ولا الشاعر مهماز الشيطان. في عصر التدوين استعار الشاعر عين المتلقي وعقله، كما تخلى المتلقي السيد عن أذنه فقط.
أن إشكالية التلقي التقليدية لم يحسمها شعراء الطقوس والإنشاد . الشعر معرفة جمالية و حدوس لا تخضع للتنميط.والشاعر أبن الصيرورة بكل تمثلاتها النصية، تاريخيا ومعرفيا وجماليا. إن الفجوة أو الجسر بين المتلقي والنص الشعري لا يخلقهما الشاعر قصدا، بقدر تعلق الامر بعملية ثقافية معقدة تتحدد بموجبها عملية انتاج النص وتعدد مستويات القراءة والتلقي ، وبالتالي نخلص الى فرز العلاقة بين الشاعر والمتلقي.
،،،،،،،،،،،،،،
* – هل تعتبر النص الشعري وثيقة جريئة عن خلفيات ما حدث ؟
.. الشعر ليس خبرا صحافيا، ولا وثيقة بالمعنى التقني. الشعر ليس مطالبا بان يكون جريئا،وحاضرا دائما لادانة شخص او مدحه.في الشعر رؤيا لا يمكن إختزالها لمنفعة محددة ، انا اتكلم هنا عن الشعر الخالص الذي يستمد جوهره من داخل المنظومة الشعرية، وليس من ضرورات خارجية ،سواء على مستوى شروط الشعر الكلاسيكي كالوزن والقافية، او منافع اخرى يحددها المستفيد شاعرا ام متلقيا. لكن في المقابل انا لا انظر الى الشعر بوصفه هذيانا وطلاسم ، الشعر الحقيقي له رسالة جمالية وانسانية واضحة ، غير خاضعة لشروط التبسيط الساذج لشروط التلقي التقليدية، كما لا يفترض ان يكون برجا عاجيا. الامر يتوقف على موهبة الشاعر ووعيه وقدرته على تطويع كل الممكنات الجمالية والفلسفية لانتاج عمل شعري يخرج من اطار التجربة وسخونتها واغراضها الآنية ،، لكي يتمثلها، لا ليعيد اجترارها. الشعر يمكن ان يكون وثيقة خطيرة كما ترى.لكن بشرط ان لا يكون هدف الشاعر ذلك. ان يكون الشعر خطيرا هو من مسؤولية المتلقي والدارس والنقاد.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
*- ما علاقة اللغة في نصك بالزمان والمكان؟
.. إذا افترضنا اللغة اداة توصيل استعمالية فقط فاني افضل ان اكون سياسيا أو دبلوماسيا وليس شاعرا ، أما ان تكون لغتي الشعرية تحمل بعدها الدلالي المفترض ، فساكون سعيدا ان تسافر اللغة بلا جواز نيابة عني لاقصى طرف في العالم يعيد قراءتي من جديد. الشاعر بتقديري هو كائن “زمكاني” وهو تحديدا أقرب الى الحس الزماني، وهذا لا يعني ان الشاعر غير معنيّ بالمكان ، فهناك شعراء قدموا تجارب شعرية حسيّة مهمة لتقديم المكان شعريا. لكن في فهمي ان علاقة الشاعر بالمكان لا يمكن ان تكون مسطحة ووصفية وشارحة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
*- القصد في الشعر ، هل هو معنى. أم فائض.؟؟
… مثلما الحياة لا تسير الى قصدية محددة إلا باجراءات مقننة تفرضها الانظمة والمجتمعات والافراد وفقا لتفسيرها الخاص . فالشعر فوضى تطرق ابواب اليقين بسلام. الشعر هو السلام بسؤال الوجود ، فأن اسرف اصبح سيفا ، واذا اقتصد أصبح ترسا. علاقة القصد بالمعنى الشعري تتناظر الى حد ما بنظرية الاواني المستطرقة. وقانون ارخميدرس بالجثة الطافية وتساويها مع السائل المزاح. الشعر محاولة لوجود الحرية كقلق دائما. الشعرلا يفترض قوة لرد الفعل كي يكتسب مشروعية عملية. صناعة الشعر لا تحتاج الى الخيال وحده لكي يصبح نبؤة ، ولا تحتاج فائض المعنى .الوفرة يجب ان تكون في الشعر وحده.
*- الاحلام وربما الكوابيس . ما علاقتهما بالشعر؟
الاحلام والكوابيس فعاليات نفسية تُنتج داخل جسد الانسان وعقله لغرض أحداث نوع من التوازن بين الواقع اليومي والمهيمنات الضاغطة على وجود الانسان الفيزيقي سلبا أو أيجابا، وبما أن الشعر لا يتكيء على وصايا (وادي عبقر) وارهاصات ولادة الشعر قديما وحديثا فقط، فستكون الاحلام والكوابيس مادة خام للشعر بأمكان الشاعر تطويعها لموضوعته الشعرية. الشاعر يستفيد من كل الينابيع المؤدية لولادة النص، فقد يكون جلوس صبية جميلة في شارع عام هو مولد لقصيدة عظمية ، كما ان حربا ما تطول لسنين ويقتل فيها اعز اهلك وأصدقائك لا تستطيع ان تكون موضوعا لقصيدة مهمة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
*- أنت شاعر تأخرت كثيرا في تسويق نصك ، وكانت تجربتك الابداعية بعيدة عن الضوء. هل تعتبر هذا نوعا من الزهد الذي مارسه اكثر من مبدع في مدينتك البصرة؟
…أقول الحق : ان البصرة مدينة تأكل أبناءها بخجل. وهذا السؤال يدخلني في مراجعة شاملة لمفهوم التجربة والمشروع في الحقل الإبداعي. فالتجربة إنجاز تحقق وتحوّل الى مطبوع يؤشر لحضوره في المشهد الثقافي بغض النظر عن أهميته. أما المشروع فهو إنجاز قد أنجزه المبدع ولكنه لم ير النور للمعاينة والكشف من قبل المعنيين في الحقل الثقافي.وهنا يظهر مفهوم الطارئ ليقارع قوتي التجربة والمشروع بوصفهما قوتان طاردتان . ويظهر أيضا الهامش والمركز بكل التباساتهما في الحقل الثقافي. فالبصرة وبرغم وجودها الإبداعي المشرق لكنها ظلت أسيرة هاجس الوجود الازلي لبدرشاكر السياب او سعدي يوسف جديد، ظلت هذه المدينة ثقافيا تنضوي تحت وهم وجود الكبار فقط في الحقل الابداعي ، وهذا ما كان سببا في أهمال تجارب شعرية مهمة قدمها حسين عبد اللطيف وكاظم الحجاج وعبد الكريم كاصد ومصطفى عبد الله وووو ، على سبيل المثال لا الحصر –والذي وصف سامي مهدي بعضهم في كتابه “الموجة الصاخبة” بانهم ينتمون الى الجيل الضائع-. وقس الامر على حقول القصة والنقد والتشكيل ..الخ . كان لديّ تخوّف سلبي وربما مقدس من الإعلان عن نفسي شعريا.لكنني تحصّنت بالقراءة الجادة والمراقبة الفاعلة للمنجز الشعري العراقي والعربي والعالمي. هذا غير قراءاتي المتنوعة في حقول الإبداع والمعرفة والفلسفة . وكنت شاهدا صامتا على الكثير من المحاولات الجماعية في البصرة تحديدا و أبرزها (جماعة البصرة أواخر القرن العشرين) و( رسائل البصرة) . قررت ان أكون خارج الجماعات والأجيال منطلقا من فهم خاص للعملية الإبداعية بوصفها خلاصا فرديا، تمردا ومغامرة لا يزكيها وجود نصك في مؤسسة لاستثمار الرؤى. النص خلاص فردي وليس حفلة مجانية لتبرير حماقات او فضائل المشاركين في جماعة او جيل. كنت انتظر نضوج نصي بين هذه المفارقات والحواجز وثقافة الإشاعة ووجودي الخاطئ بين كل هذه العوامل جعلني انحاز الى مشروع شعري شخصي وهذا ما حدث فعليا عندما أصدرت مجموعتي الأولى ( سائرا بتمائمي صوب العرش) عام 1995 وبنسختين فقط.
____ لماذا؟
.. لاني لم اسع للحصول على موافقة رسمية من وزارة الثقافة والأعلام.. آنذاك، ووراء هذا الأمر قصة يعرفها بالتأكيد القاص البصري عبد الكريم السامر!! !!
*- لكن مجوعتك الثانية (_ دفتر الماء) قد أجيزت من الوزارة وطبعتها على نفقتك الشخصية وحظيت بأشادة من قبل نقاد ومهتمين في بغداد؟
.. نعم ، عندما غادرت البصرة كنت نصف شاعر( على رأي اتحاد الادباء في البصرة) الذي زودني بكتاب عدم ممانعة لنشر كتابي .. لا مانع لدينا من طبع مجموعة الاستاذ وديع شامخ –سائرا بتمائمي صوب العرش “… وليس الشاعر !! . في بغداد … بدأت رحلتي شاعرا. في سوق تزدحم بكثير من الالتباسات، فآثرت الوفاء لمشروعي الشعري ، مكتفيا بمراقبة فاعلة للمشهد الثقافي في العاصمة. ولم اخرج من قناعتي البصرية بضرورة عدم الانجرار للعاصمة بكل شروطها ، فكان ( دفتر الماء) مجموعتي الثانية والذي حظي بإعجاب القراء والمختصين ، وكتب عنه اكثر من ناقد وعرض بشكل قراءة صحفية في اكثر من مطبوع عراقي ، لكن تظل في ذاكرتي الجهد النقدي لريسان الخزعلي وللشاعر علي عيدان عبد الله ، وحسين حسن والصحفي الجريء ناظم السعود الذي وصف دفتر الماء بتجربة تدين المجتمع الحامضي وكذلك سليم السامرائي وللرأي الشفاهي الذي سمعته من الشاعر عبد الرحمن طهمازي والذي يؤكد على نضوج تجربتي، كما هو عند الشاعر حسين عبد اللطيف ،كما لا اغفل ما قاله الناقد الدكتور حسين سرمك: بأن “دفتر الماء ” هي مجموعة سنة “الألفين” . ناهيك عن ما قيل عن المجموعة شفاها وعلى الموائد ومن قرّاء أعتز كثيرا ببراءتهم في قراءة الشعر. كما اني اشير الى خيبة قراءة الكثير من المبدعين في البصرة (لدفتر الماء)، منساقين الى مسلمات القراءة القصدية، او بشكل ادق، الانحياز لثقافة الاشاعة .
*- غادرت بغداد الى عمان، واقمت فيها لعدة سنوات.ما هو تاثير الغربة عليك إبداعيا؟
قد يقع البعض في وهم الغربة ويصاب ب(الهوم سك) او يعتبرها البعض علامة تجارية لقضية نفسية يستثمرها لاغراض شتى. أنا أعاين الهجرة بوصفها قلقا دائما. بوصفها وجودا غير قابل للتدجين. وكل ما مرّ بيّ هو خطوة تالية لسّلمي الذي احمله. الغربة تبدأ من الذات اولا. محمود درويش يعتقد ان وجوده في فلسطين (في يوميات الحزن العادي) هو ضرب من الموت المجاني. وكذا وجودي خارج الشعر ازاء العائلة هو الجنون بعينه. لم اهرب كثيرا من انسانيتني ، هربت بالشعر الى اقصاه. بالحلم الى مقاضاة الحقيقة. في عمان كتبت ( تحت بيت العنكوبت) و( مراتب الوهم ) و( اصفق بحرارة ليدي) و( كيف ارسم حلما في دائرة الرأس) ، ورواية بعنوان” العودة الى البيت” وانا اشعر بعافية البوح الابداعي على كافة المستويات وليس اخرها العمل في الصحافة والتأليف اذ صدر لي ّ كتابين في حقل التاريخ وهما ” الامبراطورية العثمانية من النشوء الى السقوط” واخر عن ” تاريخ الاسلام في الاندلس” فانا لا اعاني غربة بقدر ما اخطو لاكتمالي بكامل الاناقة وان وجودي في ايّ مكان من العالم لابد ان يحمل جدوى هذا الوجود انسانيا وابداعيا ، وعدا ذلك فكل الاوطان هي قبر محتمل وغربة مفترضة ومفروضة اصلا. المكان والزمان لا يحددان غربة الشعر والشاعر من عدمها، الشاعرهو من يختار الوهم وعصاب الغربة ويظل يعيش على اسبابها حتى وان انقرضت ، وهو الذي يخلق من المكان والزمان جناحين لتجربة الابداعية، وهنا في غرب إستراليا وفي مدينة بيرث حيث أقيم الآن ، واصلت نشاطي على مختلف المستويات الابداعية ، وصدر عن دار التكوين للنشر في دمشق مجموعة شعرية جديدة بعنوان ” ما يقوله التاج للهدهد”…
*- بعيدا عن الشعر أنجزت رواية (العودة الى البيت) . هل تعتقد انها الفضاء الامثل لتمثيلك ابداعيا؟
..الرواية ليست بديلا عن الشعر ، وكنتَ احد الشهود على ولادة هذه الرواية التي حاولت بها ان اضع السرد بكل ممكناته لخدمة تجربتي هذه وما كثفته في الشعر ، القيت عليه حجتي في السرد. جعلت الرواية محاكمة سردية . الرواية عندي حكاية لا يمكن اختصارها. ليست حكمة. انها نوع من التبشير والجدل . الرواية كما اكتبها تحمل تراث السرد ولا تتورط في تبنى مراحل تطوره في الحقل الادبي تحديدا، فانا ليست “قصخون او حالم او ثرثار” رصدت في حكايتي التحولات المهمة التي طرأت على المجتمع العراقي منذ فترة السبعينات الى الزمن المائع الذي عاشه العراقيون في سنوات ما بعد نهاية القرن العشرين في اماكن مخصوصة. وكنت في الرواية متحررا من شروط الحقل ووصايا الاباء.
2005.. عمان
* سينمائي ومسرحي عراقي مقيم في امريكا
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،