حوار مع الكاتبة دينا سليم حنحن

شارك مع أصدقائك

Loading

حاورها .. الكاتب طارق الكناني

الروائية الفلسطينية المغتربة دينا سليم حنحن: الأجانب في المهجر يقرأون ويتابعون أكثر من العرب

 

دينا سليم روائية فلسطينية أصدرت العديد من الروايات، كتبت ايضا في المسرح والقصة القصيرة، اعلامية لامعة، معدة ومقدمة برامج اذاعية ناجحة،ام لعدة اولاد، كتبت في  السيرة الذاتية فابدعت.

الحوار معها سيطول وسيتشعب لما تختزنه ذاكرتها من احداث فهي شاهد على جيل الرواد في أدب الثورة الفلسطينية امثال سميح القاسم ودرويش وغيرها من الأعلام، وهي أسست لجيل جديد من الأدب تباينت عنده مفاهيم الانتماء، وتشظت حالة الولاء فغدا جيل يبحث عن وطن بديل، لعلي أبدأ مع دينا في بداياتها كيف كانت، فالحوار معها لا يخلو من مخاطر ومناطق محرمة قد لا أجد فيها موطئ قدم لأسترسل في اسئلتي لأشبع فضولي:

{ البداية في فلسطين أو الأرض المحتلة أو ما يطلق عليها اليوم باعتراف العرب جميعا اسرائيل أي الاسماء تفضلين أن نطلق عليها وكيف كانت البداية ؟

– فلسطين حتما بداياتي، نظمت أول قصيدة في الصف الثالث الابتدائي، فأصبحت شاعرة المدرسة، وفي الاعدادية أشرفت على صدور مجلة للفتيان، وبدأت في كتابة الرواية، وفي الثانوية، استمررت في كتابة الرواية، وفي مرحلة معهد المدرسين، أشرفت على صدور مجلة ثقافية وعلمية، ، وتتلمذت على أيدي المدرسين العراقيين الذين نزحوا إلى فلسطين، وكبرت مع الاعلام المسموع والبرامج المتنوعة باللكنة العراقية، أحببت الفصحى وأحببت اللغة.

ثم انقطعت مدة طويلة، وعدت إلى الكتابة بعد انقطاع طويل وعن طريق الصدفة، أو لنقل بتشجيع الأدباء العراقيين الذين نزحوا من العراق إلى العاصمة الأردنية، وبدأت بنشر محاولاتي القصيرة في صحيفة “الزمان”، لم تكن بداياتي في وطني وذلك تخوفا من الظهور، وتخوفا من المجتمع الصغير الذي أسسته، بل لنقل لأسباب شخصية.

المصادفة هي التي جعلتني أنتحل اللقب دينا سليم، معتمدة على اسمي الشخصي ولقب والدي بعيدا عن اسم العائلة التي عرفت به، هكذا ضمنت ألم البوح والعودة إلى النفس المجروحة التي فقدت الثقة بجميع من حولها، الحكاية طويلة جدا، لكن يجب أن تدرك يا زميلي أن الفضل يعود إلى بعض الكتاب العراقيين الذين لمسوا الحس الابداعي داخلي وشجعوني إلى العودة.

{ هذا السؤال يجعلنا نعود كثيرا للوراء ام تفضلين ان نقول قليلا: للبيئة مؤثراتها على طفولة الكاتب وتشكل شخصيته فما هو تأثير البيئة في نتاجاتك الأدبية؟

– ولدت في بيئة مختلفة جدا، في حارة تعاني من الحزن والصمت، في بلد مختلط كله من المهاجرين، في دولة صغيرة بدأت تنمو مع شعب مقهور سار خلف النمو السريع والتطور غير المحدود، بين والد مكافح خسر دراسته بسبب النكبة وأتمها في كبره، وأم طموحة تعشق التنافس للوصول بعائلتها إلى أعلى المراتب، وجدة لها قصة طويلة مع القدر، هذه العائلة التي سخرتني لأكون شاهدة على أحداث قاسية وعلى طموحات كثيرة جدا، عائلة حنونة ومثقفة ومعطاءة، ترى النظام الجديد في الداخل الفلسطيني بعين الفضول وتأبى الانصياع للماضي المخيف الذي عاشته، عائلة واكبت التطور والعلم خاضعة لمقاييس التعايش العربي اليهودي بصمت واستسلام،   وأنا الطفلة التي رأت الكثير بعيون متقدة، فقد حملت عقد ما بعد الصدمة، فأنا من الجيل الثاني للنكبة، أو لنقل عقد الترقب والانتظار الممل الذي لا يجدي نفعا، لكني تربيت بين أحضان أمينة رغم كل المعاناة.

{ دينا سليم كتبتِ في السيرة الذاتية كانت الرواية تتحدث عن معاناة زوجة وأم تعرضت للخيانة مرتين مرة من زوجها ومرة من ابنها الذي تنكر لها،أيهما كان أقسى عليك خيانة الزوج ام الأبن ؟

–  جدار الصمت” سيرة ذاتية أعادت إلى نفسي توازنها وذلك بعد أن خطف الموت ابني، ابني لم يتنكر لي بالمفهوم القاسي لكنه تنكر لطموحاتي، هو أرادني أما له فقط كما اعتدت أن أكون، وكما أعتاد هو على أن ألازمه في مرضه الذي استمر مدة خمسة وعشرين سنة وأن أكون معه دائما لاغية طموحاتي الشخصية، سنوات حزينة وبائسة وشاقة قضيتها مع ابني بين أروقة المشافي في فلسطين وفي أستراليا أيضا، وقد وجد في الانعطافة الهامة التي حصلت في حياتي خيانة كبرى له، وحتى تقف دينا سليم على قدميها مجددا كان لا بد لها أن تنعزل عن العالم الخارجي والتقوقع داخل عالم مثالي بنته لنفسها.

عالمي الخاص الذي أمضيت فيه جل الساعات، محاولة بقدر الامكان عدم ازعاج المريض الذي في البيت، وأخذني هذا العالم إليه دون أن أدري، لقد رتبت عالما جديدا أهرب إليه من الواقع المرير، لم أحتمل المعاناة الطويلة فانطويت على نفسي، اعتبرها ابني خيانة له، ولم يتقبل التغيير الذي حصل في حياتي من انطلاق وانفتاح إلى حياة أخرى.

أما بالنسبة لخيانة الزوج فهي التي هدمت كل ما بنيته معه ودعتني أبدأ من جديد، أسست حياة جديدة مع أبنائي وحدي ونجحت في البناء، الحمد لله، لأني أؤمن من أن المرأة الواثقة والمثقفة تستطيع تغيير العالم إلى الأفضل، الخيانة أمر صعب جدا خاصة إن كانت الزوجة صادقة جدا.

{ حين يشعر الانسان بالغربة وهو وسط اهله حتما سيكون الرحيل أفضل حل لهذه المعاناة، حين رحلت دينا عن وطن الغربة، هل وجدت وطن الأحبة، وطن يشعرها بالاطمئنان ؟

– أكبر مأساة في الحياة عندما يشعر الفرد بالغربة وهو في أحضان الوطن ومن أحبهم أكثر من نفسه في يوم ما والذين أصبحوا غرباء عنه، لذلك ولأني أؤمن أن الوطن الآمن هو حيث أستطيع أن أكون مرتاحة وسعيدة، وفي بلاد ترعى شؤون المرأة والقانون فيها ثابت لا يتغير، ومجتمع واحد يخضع إلى قانون واحد، اخترته لأن يكون وطني، في الوطن الأصلي تعاني المرأة العربية من المجتمع العربي بالغربة، صعب العيش في  مجتمع منغلق على نفسه وذكوري بامتياز حتى لو كانت ظواهر الحضارة ظاهرة على العيان، الوطن الحقيقي هو الذي لا يدفعك إلى الدفاع عن نفسك وتبرير نفسك للذي يسوى وما يسوى، الوطن الحقيقي هو الذي يرعى دموعك الظاهرة دون محاولة كبتها، الوطن الحقيقي الذي يحترم شخصيتك وخصوصيتك، أن تحيا في وطن على سجيتك بدون قناع ولا ازدواجية.

{ الادب والاعلام واعداد البرامج الاذاعية وتقديمها كل هذا يملأ وقت دينا ،ومع ذلك نجد انتاجا غزيرا، ترى كيف تجد دينا كل هذا الوقت وسط هذه الأجندة المزدحمة بالمواعيد والالتزامات ؟

– الحسنة التي وهبت بها وهي أنني انسانة مرتبة وملتزمة، أجندتي مليئة بالمواعيد لكني لا أضيع الوقت في التواصل عبر الهاتف مع أحد، كل شيء أفعله بطريقة رسمية بواسطة الفيس بوك أو الرسائل – بعيدة جدا عن المهاترات والتجمعات الفارغة، ولا أضيع وقتي في أشياء سطحية وتافهة، ملتزمة لعملي جدا، وألمانية بمواعيدي، أحترم عملي ونفسي، لكل شيء عندي له ترتيبه، يمكنك أن تقول أنني منظمة جدا وأمقت الفوضى.

سوف أسر لك بسر يا زميلي، الرحمة والانسانية هما سببا النجاح، الانسان الذي يحمل النية الطيبة في قلبه يتكافأ عليها بالنجاح، منحني ربي كل شيء تحلم به المرأة، وأنظر إلى عملي وكأنه شيء مقدس حتى لو كان تطوعيا وبدون مكافأة، أفعل كل شيء بصدق وبنية صادقة.

{ تمتاز الروائية دينا سليم بالجرأة في كتاباتها ففي كثير من رواياتها وقصصها نجد الجرأة ماثلة للعيان، هل تمثل هذه الروايات انعكاسا لشخصية الكاتب أم شخصية الأبطال التي تستوحي منهم دينا سليم هذه الأحداث؟ أم هي رغبة في التحرر التي غالبا ماتجتاح الأديب والروائي والشاعر؟

– أستطيع أن أقول لك، كل ما ذكرته، نعم، أكتب بصدق وجرأة، أنا ذاتي لا أعلم كيف يستدرجني الفكر إلى مناح محرمة أحيانا، لكني لا أتردد، أبقيها مدونة طالما الحياة باقية، أكتب دون أن أفكر بأحد، إن حصل وفعلت سأمتنع حالا عن الكتابة!

{ بالرغم من جرأة دينا في كتاباتها واخص بالذكر السيرة الذاتية لم نرها تجاوزت التابو بل بقيت خارج المنطقة المحرمة ومرت مرور الكرام على أحداث اختزلتها وجعلتها ضبابية، هل هناك ماتحرجت من ذكره دينا سليم حين كتبت سيرتها الذاتية ؟

– في “جدار الصمت” حدّدت الأحداث احتراما للعشرة، لكن في سائر رواياتي لم ألتزم لأي أحد وكسرت الطابو قاصدة، تكلمت بكل شيء لأني أشعر مع الفرد إن كان رجلا أو امرأة، قلمي مشاكس ومتمرد، إن لم يكن الكاتب متمردا فلا داعي له أن يكتب!

لكن لا أخفيك سرا، تستفزني حالات كثيرة لا أجرؤ الكتابة عنها لأني أحافظ على عدم خدش شعور القارئ، وتصدمني كذلك حالات أكتبها لكني لا أستطيع اخراجها من الدرج، تبدو لي اطلاق المشاعر الحقيقية أحيانا سجنا لي، ولا أشعر بالارتياح إلاّ عندما أتخلص من شعور الحزن والكرب في الكتابة، وأحيانا كثيرة أمزق الورق وألقيه في سلة المهملات، نعم أكتب وأمزق.

{ الرجل في رواية دينا سليم شخصية هامشية تكاد تكون طفيلية على الرواية،هل هذا انعكاس لحالة معينة مرت بها دينا سليم أم موقف تتخذه دينا من هذا النوع من البشر وأقصد الرجال بصورة عامة ؟

– علاقتي مع الرجل تبقى ضبابية في معظم الأحيان، وليس دائما، في (الحلم المزدوج) كان بطلي رجلا صانع الأحلام سميته (صارم) وفي (تراتيل عزاء البحر) رجل وفيّ أسميته (حازم)، وفي (سادينا) بطلي رجلا جميلا وحكيما، لكن في (الحافيات) لم يحظ البطل على احترام مني، وتقصدت ذلك، فما تعانيه المرأة من الرجل لا يدعني أميل إلى الطرف الذكوري في حكاياتي، وتلمس ذلك في (قلوب لمدن قلقة) أيضا وفي (نارة) و (حلوى السمسمية)، لكن في بعض قصصي القصيرة كنت قد مجدت البطل المغوار الذي يحترم المرأة من ناحية جنسية، لا أقصد العاطفية، لأن المرأة تصبح امرأة كاملة الشخصية عندما تشعر بأنها قديسة تمارس العشق مع من تحب وليست عاهرة تبيع جسدها، وذلك في مجموعة (أوراق متناثرة)، وفي رواية (قلوب لمدن قلقة) تحدثت فيها عن الرجل أثناء جيل البرقيات، حيث كان الرجل رجلا ويستحق العناء والوفاء. وفي ( ما دونه الغبار) سيرة عائلة في النكبة.

{ لنعود إلى الوطن الأم قليلا عملت مع اسماء لامعة في عالم الأدب الفلسطيني، كان هؤلاء يسكنهم الوطن نشروا القضية الفلسطينية من خلال أدبهم وحضورهم، حدثينا عن تجربتك مع هؤلاء واخص بالذكر المرحوم سميح القاسم، ما لذي كان يمثله لك هذا العلم ؟

– سميح القاسم، رحمه الله، قبل أن يكون أديبا مرموقا كان إنسانا بكل معنى الكلمة، وصديق كل قلم جميل، التقينا دائما في منتديات شعرية سنوية، وتحدثنا كثيرا، انسان متواضع وأخ للجميع، صاحب طرفة ويبث السعادة في قلوب الآخرين، شجعني على الاستمرار، (ما لا يعرفه كثيرون أنني بدأت في نظم الشعر) أذكر أنني انتقدت شاعرا يهوديا في وجهه، بحضور سميح القاسم، وطلبت منه أن يبقى مدرسا في أروقة الجامعات فقط، مال إلي القاسم، وشوشني قائلا: ” كم تعجبني جرأتك، أنتِ صادقة، إبق كما أنتِ”.

أول مرة التقيت به عندما زرته في مكتبه في مدينة الناصرة، ولا أنسى ذلك اليوم نهائيا، في مكاتب صحيفة (كل العرب) كان رئيس التحرير حينها.

كتبنا معا في ذات الصحيفة مع الشاعر الكبير محمود درويش، في (الاتحاد) – رأيت درويش مرة واحدة في حياتي فقط ومن بعيد، لم يمنحني القدر اللقاء به، والأدهى من ذلك أنني لم أتعرف عليه ولم ألق عليه التحية، سار وحيدا حتى موقف سيارات الأجرة في شارع القرية التي أقمت فيها مدة ربع قرن، قريته قريبة من قريتنا، لا يمكنني نسيان هذا المشهد أبدا، درويش يرتدي بدلة ويسير وحيدا دون أن يتعرف عليه أحد، المشهد سريع وأظن أنه تعمد ذلك، وعندما وصلت بيت أحد استاذتي سألني إن كنت قد رأيت درويش، حينها تركت أستاذي وبسرعة استقللت سيارتي وذهبت إلى موقف السيارات أبحث عن درويش، لكنه كان قد غادر، موجع جدا، لكني أرسلت له في بيت ذويه نسخة من روايتي الأولى (الحلم المزدوج) وقرأها، علمت ذلك فيما بعد.

أما بالنسبة لتوفيق زياد، فقد عشقت قصائده كثيرا وحضرت له أمسيات امتازت بالخطابة، وأذكر جيدا اليوم الذي فارق به الحياة، بكيت وبحرقة.

والتقيت بإيميل حبيبي، بداية، خفت منه كثيرا، بل لنقل ارتعدت خاصة عندما كانت تنتابه حالات من الغضب استخدم فيها ألفاظا خشنة، يعتبرها البعض نوعا من الاحتجاج، لكن بعد ذلك، اعتدت على أسلوبه بالكلام وآمنت بوجهة نظره المميزة في الحياة، انسان متمرد وساخر وجريء.

الكتاب المحليون كثيرون جدا وقد أثروا المكتبة العربية بأعمالهم الهامة جدا.

{ كروائية عربية هل استطاعت الرواية العربية شق طريقها عالميا وتمكنت ان تحتل واجهات المكتبات واسواق الكتب والمعارض؟

– سؤال محيّر جدا، حقيقة لا أدري مدى بلوغ الرواية العربية نبوغا بالنسبة للروايات الغربية، فما أقرأه من روايات أخرى يدعني أتحسر على غزارة الانتاج في العالم العربي بدون فائدة تذكر، عندما أزور مكتبات أجنبية أجد فقط جبران خليل جبران، وأسماء قليلة أخرى، وعندما أبحث أكثر أجد الروايات المترجمة عن الفرنسية إلى الانكليزية لأدباء عرب، وأكثرها مؤلفات في البحوث الأدبية، أتمنى أن تصل الرواية العربية إلى العالمية، لكن المعيقات كثيرة ، لن أجد مطرحا للتطرق لها الآن، لكني أقول وبكل وضوح، القارئ الأجنبي تهمه الروايات الواقعية والسرد المختصر للحقائق، ومهتم أكثر بأمور اكتشاف العالم العربي المتحضر والتطور العلمي، لا تهمه الروايات المترجمة عن العربية، فحكاياتنا بالنسبة له مؤلمة وحزينة لا ترقى إلى مستوى ومزاجية القاريء الأسترالي المرفه والسعيد، اللهم إن كان العمل يتطرق إلى الشؤون الانسانية وحرية المرأة، لكن الروايات الفارسية وصلت وبشكل رهيب إلى ذائقة القاريء غير العربي، لكني متفائلة، وأتمنى الاهتمام بأمور حركة الترجمة إلى الانجليزية أكثر.

{ هل نجحت الرواية الفلسطينية في تصوير مظلومية الشعب الفلسطيني ودحض الادعاءات الصهيونية والاسرائليين بانهم أصحاب الأرض الاصليين ؟

– أظن أنها في طريقها إلى النجاح، فأمهات الأقلام الفلسطينية كتبت عن هذا الموضوع، وبدأت تخرج إلى النور الحقائق بأقلام عبرية يتحدثون عن النكبة خاصة الجنرالات الذين ساهموا باخضاع فلسطين، من يقرأ العبرية يجد حقائق كثيرة لم تذكر في المؤلفات العربية، ترجم بعضها إلى العربية، أظن أنه إثبات واضح بقضيتنا، أما بالنسبة لأهلية الأرض فيبقى الاستناد على الكتب السماوية والأساطير الكثيرة قويا، والتي تتحدث عن نشأة الديانات وما قبلها، أقصد الأساطير السومرية والشعب السومري المذكور في التوراة، وحكاية نبوخذنصر الثاني وسبي اليهود في بابل، وكذلك بناء هيكل سليمان (حائط المبكى أو البراق)، فمن يقرأ (التوراة) تتكشف عليه حقائق كثيرة مختلفة، فهو المصدر الرئيس الذي يعتمد عليه اليهود دائما بهذه القضية الحساسة، وقد كتب في هذا الموضوع باحثون عرب أيضا ومستشرقين أجانب.

أردت التنويه أنه في روايتي (ما دونه الغبار) الكثير من التفاصيل التي تساعد على فهم هذا الموضوع، حيث تناولت السيرة الذاتية لأجدادي الذين لم تخضعهم أي سطوة، لا السطوة اليهودية ولا المخطط الصهيوني بترك بلادهم، هم شاهدون على الأحداث السياسية والاجتماعية، رواية اجتماعية منها أكثر منها سياسية، لكني لم أستطع التغاضي عن حقائق كثيرة دونتها، وسوف ترى النور السنة القادمة.

{ للوطن مكان يحتجزه في قلب الانسان وذاكرته فهو الضيعة التي عاش بها والشارع الذي لعب به والمدرسة التي درس بها وهو صورة الاب والام المعلقة على جدران البيت القديم، وهو ابن الجيران أو بنت الجيران التي شغلته أو شغلها والروح تهفو إلى ملاعب الصبا ….هل التقطت حروف دينا تلك الصور ؟

– من لم يعش الحب الطفولي يكون بدائيا في عقله، ومن لم يعش عشق المراهقة يكون متخلفا، ومن لم يعش الأحلام الوردية، يكون فاقدا لشيء هاما في الحياة، أجمل شعور يساهم في بلورة شخصية الانسان هو حب الآخر، ما زلت أبحث عن أول شاب أحببته في الحارة، وهو ملاح في البحار الآن، وكلما زرت البلاد نظرت إلى نافذة ذلك الشاب الذي كان يشبه الفنان عمر الشريف بخاله الجميل، لا يهمني أين هو ومن يكون، لكني عشقت البحر والساحل ومدينة يافا التي علمتني كيف أنظم القصيدة، وفي الجامعة أتذكر جيدا مطاردة الشباب لي وأبتسم كثيرا، لكن الزواج المبكر يقصف ساق كل زنبقة تحب الحياة، رغم أني عشقت من تزوجته، لكن كان الزواج بالنسبة لي مقبرة للعشق… شغلتني بنت الجيران وكتبت عنها عدة روايات عندما كنت في الاعدادية والثانوية، اسمها “نادية” وعندما رأيتها آخر مرة طلبت مني أن أكتب سيرتها الذاتية، لم تدرك أنني سبقتها في طلبها، لكني فقدت جميع المسودات عندما انحسرت حياتي في الزواج وتكملة تحصيلي الجامعي وتأسيس أسرة، خمسة وعشرين سنة أمضيتها دون كتابة، وحتى مكتبتي لم تكتسب عناوين جديدة، لكن عندما انتفض الوحي داخلي، وبدأت بتأسيس سيرة حياة جديدة لا تشبه القديمة، هذا التأسيس بدأ من الصفر وتحديدا سنة 2002 ولا تسألني عن الأسباب وإلا طال الحوار.

{ سؤال شخصي ماذا يمثل الرجل في حياة دينا سليم ؟

– بصراحة؟ لا شيء، الرجل آخر أولوياتي في الحياة، ألا يكفي ثلاثون سنة سجن؟ لن أدعو السجان إلى حياتي مجددا، أحبه صديقا أو زميلا فقط!

{ أين تضع دينا نفسها من كتاب القصة والرواية العرب ؟

– لست أنا من أضع نفسي، لكني أقتبس ما كتبه عني كثيرون، (استطاعت دينا سليم أن تجد لها مكانا على كرسي الرواية)، لكني أجيبهم قائلة ربما في حياتي أكون قد حققت هذه الأمنية، وإن لا فبعد مماتي، لأن الرواية ليست بضاعة تباع وتشترى وتستهلك فوريا، بل الرواية الجيدة هي التي تتأخر في الظهور حتى تبقى… أنا كقارئة نهمة، أكتشف كل يوم عمل جيد لأدباء رحلوا قبل أن أولد، لذلك كلي ثقة بأني سأكون في مرحلة ما!

{ كلمة اخيرة تقولها دينا سليم للروائيين وكتاب القصة الشباب ؟

– كلمات كثيرة: النجاح السريع يكون فشلا ذريعا. لنعمل كروائيين بحركة السلحفاة. كلمة توبيخ أوجهها لكل من يحاول كسر الشيء الجميل للمبدع، أي مبدع.  إن كنا نحن العرب منقسمون على بعضنا طائفيا ودينيا وعقائديا وفكريا، فكيف لنا أن ننجح في تجميل صورتنا عند الآخرين؟

ما يعذبني هو أنني شخصيا منهمكة أكثر بتبرير وجودي الانساني كفلسطينية لأصدقائي العرب أكثر من الأجانب في المهجر، الأجنبي يقرأ ويرى ويعلم جيدا الحقيقة، المصيبة فينا نحن وما نحمله من كره وأنانية وفوقية لبعضنا البعض.

 

 

شارك مع أصدقائك