حوار مع الشاعر نصير الشيخ

شارك مع أصدقائك

Loading

عن الشعر والكتابة وظلال الحروب

حواراجرته : مروة نور

& بين الشعروالإنسان، من أنت ؟

ــ هوالمسافة الوجودية التي جبلت من حزن بعيد وحلمٍ ينأى ووقائع عشتها وخيبات تتعدد، فكان الشعرملاذاً لحقيقة جوهرية  وكان الشعرشهيقاً أتنفسهُ ضد خراب العالم.

& يسأل الشاعرالروسي ” سيرجي يسنين” : ماذا يعني أن تكون شاعراً؟

ــ أن تكون شاعراً ” حقيقياً” يعني أن تمسك بصولجان من لازوردٍ وجمرٍ على حد سواء.

& في مواطن الذاكرة والتاريخ ، أيامك البائدة تلقي التحية، حدثني عن أيامك البائدة تلك؟

ــ الأيام البائدة هي الأزمنة التي لازالت تظل عليّ من نوافذ الحياة،بحلّوها القليل،ومراراتها الطويلة ،تلقي علي التحية وأراودها بما واجهتني به بكل ماهو شعري وجمالي.

& نذرت عمرك بريداً لذاكرة الحرب ، لم آخترت الحرب لتوثيقها ؟

ـــ الحرب هي من اختارتني وقادت خطى الصبي الجميل / الناحل/ الحالم بوجوه الحبيبات وصديق الأزقة والحمَام ،قادته الى المجاهيل والثكنات والخنادق وغبار المعارك.

& يد على الخد ويد تسندها،الى أي المواجع تأخذك الصفنات؟

ــالصفنات هي مراجعة الذات ،وهي فعل مستمرللذاكرة وانت في لحظة زمن ساكن.

& هل أخذك النقد من القصيدة ؟

ــ بعد كل هذا العمرمازلت أنا صديقاً للكتاب ونديماً للحرفِ،كأنني فلاح في بستان الكتابة ، أغرس هنا بذرة،وأشذب هنا غصناً،وأسقي مساحات ٍ من الشعروالقصيدة زهرتي المدللة…

النقد بالنسبة لي هو مساحة خضراء تحلق فيها رؤياي وأفكاري.

& يقول عدنان الصائع ” جيل الثمانيينيات،جيل الحرب”، هل تظل القصيدة ثابتة بتاريخ جيلها، ام تتأثربالزمكان المتحرك ؟

ــ الشعرشاهدٌ على الأحداث والوقائع، لكنه عابرلتقريرية الكتابة الصحفية ،لذا مايبقى هو الدفق الشعوري للقصيدة وهي تشير الى الحرب وتختار زمنها المتجدد لغةً ورؤى.

& هل يمكن للشعرأن يكون مهنة ؟

ــ الشعر نشاط إنساني حيوي،يمد جذوره في أرضٍ بعيدة وجغرافيا عميقة،وتطاول أغصانه نجوم ومجرات وتلامسها برؤاها وحدوسها، لذلك على الشعر الحق أن يكون خارج ” التسليع”

& الشعر، النقد، كتابة التقارير الصحفية ، والنقود الفنية عن الرسم،مساحة تعتمد الكلام ، لم إخترت الكلام فيها ؟

ــ ربما لااجيد مهنة أخرى في حياتي،التي جاوزت الستين من العمر،وربما هي ” القدحة” السرية التي ألقتها الآلهة في صدر ذلك الفتى ،ولربما مادونه من رسائل عشق في صباه هو من قاده لحقول الكتابة في فضائها الواسع.

& عانيت من الطباعة ومقص الرقيب في زمانك، واليوم نعاني من الأستسهال ،فما رأيك في ذاك وهذا ؟

ــ يبدو أن لكل زمن خاضع لسياسات تقترح آلياته،وفيما يخص الطباعة ومقارنتها بين زمنين نجد ان انعدام ستراتيجية ثقافية من شأنها الارتقاء بالنتاج الأدبي الجيد والفكر المضئ،مقارنة بكمية النتاج العابروالذي هو من زمن التفاهة.

& في الجنوب الشعركالقهوة كالماء كالشجردائم لامنقطع.فكيف آخاك الشعر؟

ــ تماماً كان الشعر ظلاً حقيقياً يكمل وسامة الشاعر في صباه، والشعرظلّ لدي طير يعانق مدياتهِ الأرحب ، خارجاً عن جغرافيا المكان ” الجنوب” مختاراً مداراته الرحيبة .

& الطفولة أرجوحة لاتنام ، كيف كانت أرجحتها ؟

ـــ الطفولة حقاً هي ما استعيدها الآن واستعيدها في نضجي ،لأني حقاً لاأمسكُ بخيط دهشتها وبراءتها، انها ملامح شاحبة بعيدة جدا عن التذكر.

& شربت من كأس الشعرلأكثر من ربع قرن، هل آرتويت ، أم مازلت عند حافات الظمأ ؟

ـــ الشعر نبع متدفق رافق الأنسان منذ البعيد، وبقيّ أثراً مدوناً على رُقمْ الطين منذ الاف السنين،وأنا أحد كهنة معبد الشعر،كلما أُسقى من رؤاه وحروفه أقول : الى مزيدْ.

برأيك ماهي المقومات التي يحتاجها المرء ليكون ناقداً ؟

ـــ مواقع التواصل الأجتماعي هي وسائط حديثة لزمن العولمة،وهي سمحت تحت مظلة  “الحرية الشخصية” باتاحة الفرصة لأي بشر كان من تدوينِ ما يريد .وفيما يخص القصيدة/ عالم الشعر،فحقاً هناك الكثير من الغث الذي يثلم جذوة الشعروحافاته الملتهبة .

& بأعتقادك ،ماهي المقومات التي يحتاجها المرء ليكون ناقداً ؟

ــ النقد هو محاولة قراءة الآثر الأدبي ، مسحاً شاملاً للنص، وبآلياتٍ يمتلكها المقتدرعلى هذه القراءة أي ” الناقد” سواء كانت عبر منهج محدد او بصورة انطباعية للوصول الى خلاصات فنية ودلالية وجمالية ، على شرط وجود حساسية شعرية لدى هذا الناقد للغور في ثنايا النص واستكشاف بؤره العميقة.

& عباءة الليل أم سفور النهار..ما يغريك َللكتابة على سفح الشعر؟

ـــ عوالم الشاعر العابرة للزمان والمكان ،من هنا يأتي التجلي الشعري في قدرة التعبير،

فالليلُ عباءة من حجرللشاعر الذي ينوء بحملهِ وأحزانهِ، والنهارلابد منه لمعانقة النورالذي يمنح الشاعر حياة جديدة، والسفوح لي مساحة خضراء ترعى فيها غزلان قصائدي.

& قبل عالم الأنترنت ، المفردات وافرة، الشباك قصيدة، الليل قصيدة، النهر/ الخضرة، الوجه الحسن .. أكانت القصيدة طيعة ً، أم النهر ضاق اليوم ؟

ـــ أروع ما في الشعر تجددهُ، وقيل ان الشعرهو الذي يجدد دماء اللغة لدى الأمم والشعوب،ولكل زمن وسائطه وقاموسه اللغوي،ولابد من أبواب تفتح شئنا أم أبينا،كي تدخل رياح الحداثة ، لذا لابد ان نشهد تحولات في قاموس الشاعريستوعب من خلالها روح عصره ويغادرالفطرة الرومانسية في التعبير.

& الكثير من مجايليك من الشعراء وثقوا الغربة والمنفى في الوطن وخارجه من خلال نصوصهم ، هل المنفى شرطا في حياة الشاعر؟

حدثني عن تجربتك الشعرية المعاشة ؟

ــــ ربما الشاعرهو أكثرالاشخاص تدويناً للغربة على مر العصوروالأزمنة بسبب توقهِ الروحي لتدوين هذه اللحظات المعاشة ،وتاريخ الادب مليئ بنماذج مؤثرة من هذه الحكايات والتدوينات تجربة ونصاً.والشعرالعراقي المعاصرهو عربة في هذا القطارالمسافرفي مسيره الأغترابي بسبب السياسات الرعناء للآنظمة أولا، وطبيعة المجتمعات ونكوص وعيها التي سببت فارقاً فكرياً وثقافيا وجماليا على أن يكون الشاعر في وطنه .

نعم لدي من الأصدقاء ،ادباء وشعراء، وثقوا الغربة والمنفى ،وكانت خطاي معهم فترة التسعينيات قبل أن ينسلوا تباعاً مغادرين هذه البلاد، لكني بقيت في العراق وهذا موقف شخصي لم أندم عليه،وأذا كان الآخر قد لامس مدن الغرب وجلس في مقاهيها وعاشر نساءها، فأنا أيضاً صنعت عالمي الشعري بصحبة ” المخيلة” الصديقة الرائعة التي لم تبخل عليّ بآية صورة شعرية باذخة وجارحة ومؤثرة.

& تقول: أنا سيد التواريخ القصية ..عن ماذا أحدثكَ..هل فاتك شيء لم تقوله في قصيدة ،هل فاتك شيء لم توظفه في نصٍ ما ؟

ـــ الشعرربما في تصنيف ما هو احد مذاهب الفن، والفن هو الأثرالجمالي الذي يلامس حواسنا وذائقتنا وأيدينا ووعينا، منذ أول رسم على جدران الكهوف وحتى اخر لوحة او تكوين فني ــ جمالي بصيغة ” إنستليشين “..والشعرهو طاقة مضافة حيزهُ الرؤيا والحدس وصناعة الدهشة عبر اللغة .

& مصاب بفوبيا الأوراق البيضاء ،لكنك خرجت بها، فأنت لم تكتب للسياسة ورجالاتها.كيف أستطعت النجاة من حبل وحرب ” التملق”..؟

ـــ منذ الصبا لم أرسم بطبشورعلى حائط، أو خربتُ عش طائراليف ،او جازفت سباحة في نهرٍ لم يعرفني ،حافظت على زجاجة مضيئة بدواخلي اسمها ” الضمير” لتكسوه القراءات والثقافة العامة وسلطة العائلة لحماً جديداً،نأت بي كلها عن التملق والتقرب من منصات الساسة والسياسة ،لذا بقيت حد اللحظة في حتمية التدوين ومسالك دروب التفكروبهاء اللحظات الشعرية.

& في لحظة جزع من الموت كتب عبد الرزاق عبد الواحد قصيدته ” الزائر الأخير” …الموت باعتقادك لحظة حقيقية ثابتة رسمت سيناريو اللحظة الأخيرة ؟

ــــ الموت هو أكثرأسئلة الحياة سراً،وهو اللغة والوصفة السحرية التي حارَّ فيها الكهان واالفلاسفة والمفكرون في إيجاد جواب شافٍ له، ذلك لأنه المجهول  الذي مجبرين العبور اليه عبر نهر” هاديس” نحو الضفة الأخرى. الموت لحظة حقيقية ثابتة في المجمل العام لحالة الفقد، لكنها متحركة في نظر الآديان أي بتفسيرها الأنتقال من عالم دنيوي مليئ بالخطيئة الى عالم آخروي نوراني تفتح فيه جنات واسعة أو جحيم لاينتهي.

لايمكن تصورسيناريو اللوحة الأخيرة، التوقيت بيد الأرادة العلوية ، لكنني تزودت على الأقل من هذه الدنيا بما يترك لي أثراً احسبه إيجابيا ً بين أحبتي واصدقائي عبر حضوري المستديم في المشهد الادبي العراقي .

نيسان 2023

 

شارك مع أصدقائك