الخطّارون وأنواعهم الحلقة ١١ .. علي الأمارة

شارك مع أصدقائك

Loading

 

الخطّارون وأنواعهم
الحلقة ١١
انموذج الخاطرة
في مهرجان المربد
….
سنأخذ للشاعر حبيب السامر نصا قرأه في مناسبة اهم من ملتقى قصيدة النثر هي مهرجان المربد الشعري الثالث عشر وسنحاكم هذا النص نقديا بحجم فرصته التي اخذها للظهور والالقاء وهي الجلسة الختامية لمهرجان المربد الشعري .. كون هذا النص القي على اساس انه قصيدة نثر ..
اولاً لنرى ما هي مواصفات القصيدة المربدية او كيف نريدها ان تكون ليأخذ المربد مهابته الشعرية كونه المهرجان الشعري الاول في الوطن العربي وليبتعد عن الفوضى والمجانية والتطاول على حرمته الشعرية والتاريخية وصولا الى خراب ثقافي نكون اول المساهمين به .. مربد الجواهري ومحمود درويش ونزار قباني واسماء شعرية كبيرة صنعت منه تاريخا ادبيا حافلا ..
القصيدة المربدية يجب ان تكون زاخرة بالصور الشعرية ذات لغة شعرية مميزة ثرة ونسيج لغوي متماسك بحيث لا يوجد فيها اي عبارة تحسب على الترهل والمباشرة والتقريرية التي تجعل من النص خطابا عاديا لا يرقى الى مستوى القصيدة فكيف بقصيدة مربد ؟ كما نريد من القصيدة المربدية ان تكون صادمة للتلقي من حيث جدتها سواء في الدلالة او التركيب والصياغة .. قصيدة ذات بلاغة وتكثيف مركزة شادة للتلقي متجاوزة للمراحل الشعرية التي سبقتها .. والا فاننا سندور في حلقة مهرجانية فارغة .
اما مواصفات القصيدة التي تلقى في حفل الختام المربدي فهذه لها مواصفات اضافية فضلا عن مواصفات القصيدة المربدية لأن جلسة الافتتاح وجلسة الختام مميزتان بل هما ليستا جلستين بقدر ما هما احتفالان شعريان كبيران سواء من ناحية الحضور والاهتمام الاعلامي او من ناحية ان يكون شاعر الافتتاح او الختام ذا قدرة منبرية وتأثير جماهيري معروف به اي ان يكون الشاعر في هاتين الجلستين او الاحتفالين قادرا على شد الجمهور بلغة شعرية ذات توازن فني وجماهيري وخطاب بلاغي يجعل من المنبر المربدي متوهجا بالجديد الشعري والخطاب الأخاذ ..
ثم نأتي الى قصيدة النثر نفسها .. ما هي مواصفاتها ما هو شكلها ما هو قاعها وقمتها وهل هي نص مجاني يتحمل اي خطاب تحت مظلة اللاشكل واللاايقاع ؟!
ان قصيدة النثر بعد ان تنازلت عن الصفات الشكلية والايقاعية المعروفة عليها ان تطرح مواصفاتها الفنية الصارمة والمدهشة التي تفسر وتسوغ من خلالها عدم حاجتها لمواصفات القصيدة ذات الايقاع او التفعيلة والقافية .. اي ان امام قصيدة النثر تحدّ فني كبير يجعلها تتقدم بجرأة وثقة الى المشهد الشعري العربي العام .
بل ان قصيدة النثر اليوم عليها ان تتجاوز قصيدة النثر في الستينيات من القرن الماضي او حتى الثمانينيات والتسعينيات حتى تثبت تطورها ..
من هنا تقول الناقدة خالدة سعيد لم تعد نصوص محمد الماغوط قصائد نثر لانها لا تتصف بالبناء العضوي والكثافة والكلية .. بل انا اضيف لهذه الشروط الشد الفني والزمن الداخلي لقصيدة النثر اللذين يجعلان من القصيدة نصا لا يقبل اي كلام مجاني غير مرتبط ومشدود فنيا وسياقيا مع النص بمجمله.. وهنا تكمن صعوبة قصيدة النثر في شروطها الفنية الصارمة وفي زمنها الداخلي المضغوط المكثف الذي يختصر ويلمّح ويجمع العالم في وعاء بلاغي متوهج انزياحا ومجازا .
وهنا نأتي الى النص الذي القاه الشاعر حبيب السامر في الحفل الختامي لمهرجان المربد الثالث عشر ونتفحصه لنرى هل هو قصيدة حفل ختامي ام قصيدة مربدية ام قصيدة نثر اصلا ..؟
هذا هو النص :
اصدقاء
مرة تلمست اصابعي
وبدأت اعدها
فرصة مؤاتية
لاحصي عدد اصدقائي
كان احدهم يتكرر اكثر من مرة
وانا اعد و اكرر العد
يتكرر لماذا انت اكثر من واحد
على قبة ما في اصابعي
يتدفق الحلم
والمطر النازل على هامات اصابعي
يغسل احد الاصدقاء
………
نساء
النساء يرتشفن القهوة
وانا اتلذذ بمرارتها
…..
تغريد
لا احد يجبر البلبل على التغريد
……
انا التوت فوق شفتيك
انا من يغسل بالليل كل هذا الندم
ويستجير بالحب كلما
حاصرته الخيفة
انا التوت فوق شفتيك
قلب الهدنة في جسد
لا يحتمل النصيحة
اشاكس الضوء في غفلة من الغيم
……..
اشتهاء
الحدائق سلال من قبلات
ارجم بها ليلك
واشتهي واحدة اخرى

وحدي
كل هذه الاشتهاء في روحي
وانا ارقص وحيدا

الان نأتي لتفحص هذه النصوص او المقاطع لنرى هل هي قصيدة نثر بمجملها اي يجمعها سياق شعري ليجعل منها قصيدة نثر واحدة موزعة الى مقاطع ام هل ان هذه المقاطع كل واحد منها قصيدة نثر لوحده …؟
اولا .. ان هذه النصوص لا يجمعها سياق فني او دلالي ليجعل منها قصيدة او حتى نصا واحدا لانها منفصلة عن بعضها انفصالا دلاليا واضحا مثلما هي منفصلة في السياق والنسيج والصياغة لذلك فمن السهولة ان نحكم بأن هذه المقاطع بمجملها ليست قصيدة نثر بل هي طرحت على اساس انها مقاطع كما يقول كاتبها .
اذن اين هي قصيدة النثر .. ؟ ثم ان تسمية مقاطع تشير الى انها مقاطع من قصيدة لذلك هو لم يحقق الشرط العنواني للنص او النصوص المقطعة ..
ثانيا .. دعنا نبحث عنها في كل مقطع اي بعد ان اثبتت المقاطع انها ليست قصيدة نثر واحدة فعليها ان تثبت ان كل واحد من هذه المقاطع قصيدة نثر لوحده
نأتي للمقطع الاول – اصدقاء
هذا المقطع تصدر المقاطع على اساس انه اكثر من غيره قربا للشعر .. هذا المقطع ينبني على فكرة يجب ان تعالج بفنية عالية لنحقق الفكرة شعريتها وليس كونها فكرة فقط اي لتنتقل من فكريتها الى شعريتها اي ان فكرة التكرار للصديق المكرر عليها ان تركب مركبا انزياحيا ولغة مجازية عالية لتسحب النص من ارضيته الفكرية المحض وتطلقه في فضاء الشعرية .. لكن التكرار الذي هو بؤرة الفكرة وبؤرة النص وقصديته طرح بشكل مباشر :
( كان احدهم يتكرر اكثر من مرة
وانا اعد و اكرر العد
يتكرر لماذا انت اكثر من واحد )
هذه المباشرة اثقلت النص وحبسته في دائرته التوضيحية لا التلميحية ولا سيما ان النص استنفد الكلام عن العد مقدما بقوله :
وبدأت اعدها
فرصة مؤاتية
لاحصي عدد اصدقائي
وهكذا ظل هذا النص يدور في فلك التوضيح رغم اللمحة الفنية الاخيرة فيه … وبقي غير محقق لشروط قصيدة النثر العضوية والبناء المحكم والشد واحكام الزمن الداخلي لقصيدة النثر ..
فهو لم يحقق شرطين اساسين من شروط قصيدة النثر كما تقول سوزان برنارد الوحدة العضوية، فقصيدة النثر بناء يصدر عن إرادة واعية، وليس مجرد مادة متراكمة تراكما غفلا، إنها كل غير قابل للتجزيء أو الحذف أو التقديم أو التأخير بين مكوناته .
والشرط الثاني : الكثافــة: يبتعد هذا الشكل الجديد عن كل خصائص النثر من استطراد وإيضاح وشرح وإطناب، وتكمن خاصيته الشعرية في كثافته وإشراقه، وبعبارة أدونيس انه ” كتلة مشعة مثقلة بلا نهاية من الإيحاءات قادرة على أن تهز كياننا في أعماقه، إنها عالم من العلائق”.
نأتي الى المقاطع الاخرى :
مقطع :نساء ، ومقطع : تغريد ومقطع : اشتهاء ومقطع : وحدي
فكلها نتف رومانسية من سطرين او ثلاثة لا ترقى الى تسمية قصيدة .. اما لماذا لم ترتق الى مستوى قصيدة نثر لانها اولا ليس فيها شروط قصيدة النثر التي ذكرناها وثانيا انها ليست شذرات شعرية يمكن ان تكون مع بعضها قلادة شعرية مثل شذرات جمال جاسم امين او وسام هاشم او عبد الزهرة زكي او سهام جبار .. تلك الشذرات التي فيها من العمق والتلميح الفكري ما يجعلها شذرات تصنع فضاء شعريا يمكن ان يجمعه المتلقي لا نتفا متناثرة ..
ثم نأتي الى مقطع التوتُ .. نضعه على منصة التشريح الفني لعلنا نجد فيه ضالتنا لنسأل سؤالنا الصادمم اين الشعر في النص .. ؟ او كما اسميه دائما كمية الشعر في القصيدة وهو مقياسي النقدي والجمالي والفني للقصيدة ..
فمنذ عنوان النص يريد الشاعر ان يجعل ذاته ايقونة شعرية ليصنع منها قصيدة
(انا التوتُ فوق شفتيك )
ولكن هذه الذات لم ترتقع الى مستوى ذات شعرية لأن الجمل التي اتخذت منها الذات مسارا شعريا لم تحقق بناء محكما ولا نسيجا شعريا متناميا بل هي حبال تعبيرية سائبة يمكن تبديلها باي تعابير اخرى ليس هناك شد وادهاش يجعل من النص متوهجا بشعريته ليكون ذاتا شعرية صادمة رغم التماعاتها الفنية .
فمجمل القول ان هذه المقاطع او النصوص لم تحقق كمية من الشعر يمكن ان نسميها قصائد ولا نسيجا شعريا بحيث يمكن ان نعدها ذات سياق شعري واحد رغم انها لم تخل من تلميحات شعرية بل احيانا صور شعرية مثل :
الحدائق سلال من قبل
او :
اشاكس الضوء في غفلة من الغيم
وغيرها .. ولكنها لم تشفع للنص ان يكون قصيدة نثر او النصوص ان تكون قصائد نثر ضمن المقياس النقدي الفني لقصيدة النثر ..
فبقيت تسبح في فضاء الخواطر الشعرية التي يكتبها الخطارون في صفحاتهم الكثيرة ..
فما بالك بمربد وختام مربد  …
يتبع ..

شارك مع أصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *