يوم في حياة الشاعر
يجلس متململاً بعدما دخلت الشمس غرفته القديمة الرطبة في يوم صيفي حار من أيام شهر تموز وبدأت الحرارة ترتفع في جدرانها المتهالكة، لا شيء فيها سوى أثاث بسيط ومستعمل، كرسيين ومنضدة للكتابة، وبجانبهما سرير خشبي عتيق عليه فراش مصنوع من الأسفنح ووسادة وبعض الأغطية، على أرضيتها تتوزّع عشرات الجرائد والكتب والمجلدات المتناثرة، بعضها يعلوه الغبار ونسيج العنكبوت، والآخر يمتلئ بصور شخصيّة لنساء مشهورات، صحفيات ،مطربات، راقصات، عاهرات،
نظر الشاعر إلى ساعته من ماركة كوارتز التي يحرص على إرتدائها باليد اليمنى ثم خاطب نفسه بصوت مسموع قائلاَ:
إنهض يا ملك الحداثة الشعريّة، ثم أضاف: العالم بحاجة إلى قصائدكَ العاريّة ، دعها تنزع عنه ثياب القبليّة والتقليديّة ، ثياب الأديان اللاهوتيّة السوداء .
ثم اِنتصب أمام المرآة التي بدأ بريقها يخبو محدّقاً بوجهه الذي ظهرت عليه التجاعيد وأخذ لونه يميل إلى الشحوب من الاِفراط بشرب العرق والسهر الطويل،
تحسّر طويلاً بعدما أطلق عدة زفرات على العمر الذي ولى من حانة إلى حانة ومن مقهى إلى مقهى ورغم ذلك مازال ينتظر!!!
سأل حسين مردان نفسه: ماذا تنتظر يا أبا علي؟
أجاب نفسه: سؤال صعب ، ثم أضاف: ليس من السهل أن تعرف ماذا تنتظر، إنه سؤال الوجود المحيّر ، كلنا ننتظر ولا نريد أن نغادر، وحتى حينما نغادر نلتفت إلى بعضنا لنرى من الذي ينتظر وهو ينظر إلينا ونحن نغادر.
مشط شعره المبلل بعدما حلق وجهه بشفرة حلاقة من ماركة جوليت ثم تعطّر من كولونيا بروت الشهيرة،
وحين أراد أن يرتدي قميصه الوحيد، تذكر بأنه نسي أن يغسله بعدما أصبحت أكمامه سوداء من التعرق الممزوج بالغبار،
فكر أن يغطيها بمناديل بيضاء يحملها في جيوب بدلته السموكن الوحيدة ،
لكنه تراجع عن الفكرة مردّدا بأعلى صوته: الناس تصغي لكلمات الشاعر وليس لأكمام قميصه.
إرتدى بدلته ببطء شديد مع ربط العنق التي يحرص على أن تكون بتناسق مع لون البدلة التي بهت لونها، تذكر بأن الحرارة أخذت ترتفع إلى الدرجة التي بدأ يتصبب فيها عرقاً،
حدّث نفسه عن الأناقة الباريسيّة التي يجب أن يكون عليها الشاعر الحداثوي من أتباع المدرسة الوجوديّة التي لا يفهمها المعقّدون أصحاب الشعارات السياسية الثورية المرحليّة.
وقبل أن يغادر غرفته سأل نفسه من جديد :
هل هناك شيء يستحق أن يغادر الغرفة من أجله ؟
حك على رأسه بعدما مشى عدة خطوات على أرضيّتها المفروشة بسجادة عتيقة ثم
إبتسم إبتسامة ذات مغزى حينما تذكّر أحدى النساء من اللواتي يتعرف عليهن بحكم عمله الصحفي تنتظره في ساحة الميدان بوسط بغداد ،
حينها تفحّص جيب سترته متأكدا من وجود الدينار الواحد الذي يحرص أن يخبأه في جيب سترته السري للمناسبات الخاصة.
نظر بإتجاه باب غرفته صارخاً بصوت عال:
ثمة أمرأة حسناء تنتظركَ خارجاً وثمة دينار بكامله معك ، أليس هذا من أعظم الأسباب لمغادرة غرفتكَ لكي تصفع العالم ؟…
عقيل منقوش.ملبورن ٢٠٢٢