حداثة ” توفيق صايغ ” والمفردات الشعبية
ريسان الخزعلي
( 1 )
في الكثير من المفردات الشعبية ، العراقية والعربية عموماً ، ظلال نفسية وروحية وحرارة تأثير قد لا تتوافر في رديفاتها الفصيحة . وتبعاً لهذا التوصيف فإن بعضاً من الشعراء استعمل هذه المفردات في شعره وبحدود معيّنة ( السياب ، صلاح عبد الصبور ، سعدي يوسف ، حسين مردان ، شوقي ابي شقرا ، كزار حنتوش ، وغيرهم ) . إلّا أن الشاعر المعروف / توفيق صايغ / فاق الجميع في هذا الاستعمال وتجاوز الحدود المعيّنة . وتوفيق صايغ ( 1922- 1971 ) شاعر سوري لامع كتب الشعر بشكل جديد بعيداً عن قديم الشعر العربي وحتى حديثه ( النثري والتفعيلي ) ويوصف بأنه من شعراء الحداثة في الشعر العربي ، وكانت له مرجعياته الدينية واللغوية في هذا التحديث كما هو واضح في مجاميعه الشعرية ( ثلاثون قصيدة ، القصيدة ك ، معلقة توفيق صايغ ، صلاة جماعة ثم فرد ) .
( 2 )
أراد توفيق صايغ في جانب من تحديثه ، أن تكون له لغة شعرية خاصة مغايرة إلى حدٍ ما لاشتراطات اللغة العربية ، نحواً وصرفاً وجذوراً ومفردات ٍ ، وبالتالي مغايرة للغة الشعر العربي الحديث . وهكذا وجد هذا الشاعر ، إن َّ المفردات الشعبية السورية ، الريفية منها ، وبالتداخل مع المفردات الفصيحة ، قادرة على تشكيل مناخ شعري خاص به ، بعد تطويعها فنيّاً في نسق البناء الشعري العام . ورغم ما أُخذ على الشاعر من مآخذ نتيجة هذا الاستخدام الواسع ، إلا أنه كان عنصراً من عناصر مغايرته وتحديثه الشعري ، وبذلك برهن من جديد ، على أنَّ لكل ٍ من اللغة واللهجة استخدامات عامة واخرى خاصة / فنية .
( 3 )
في كتابه المهم ( تجربة توفيق صايغ الشعرية ومرجعياتها الفكرية والفنية ) .. ، ذكر الشاعر سامي مهدي إحصائية بالمفردات الشعبية التي استخدمها الشاعر في شعره بشكل غير مسبوق، ومنها :
ابحبش ، ابوّس ، دسته ، يهبش ، تلابط ، البَز ، يلعي ، تبصبص ، تمصمص ، ابرطل ، تخرمش ، معششه ، لهلبة ، تتشربك ، بُكرا ، توشوش ، تحاشكني ، مشقلبين ، شخط ، امطمطها ،تشلّحين ، تنحنحت .
وللمبدع جبرا ابراهيم جبرا رأي في استخدام المفردات الشعبية في شعر توفيق صايغ حيث يقول :
( وقد أُعجبت بجرأة توفيق في استعمال عدد كبير من الألفاظ العامية الأصل ، ووضعها “فصيحة ” هنا او هناك فأضافت الى شعره حيوية وحركة ) .
توفيق صايغ ، في تحديثه الشعري ، وفي الجانب اللغوي تحديداً ، لفت الإنتباه بقوّة إلى أهمية المفردات الشعبية المنتقاة بعناية ولضرورات فنية جمالية ، لأن تكون من ضمن رداء جسد القصيدة العربية الحديثة…