Blog
نصوص للشاعر وديع سعادة
أذهب هادئًا إلى المرآة
عملٌ ناعم أن تنظر إليَّ
وتبتسم إذا ابتسمت
وأرجوك لا تقرع الباب
إني واقف على النافذة أتأمل الجسر
العملُ الشريف، أنا فعلته اليوم:
نظرتُ إلى البحر.
رأيتُ في الشارع ناسًا معطَّلين
ثم دخلتُ الحانة
شربتُ قنينة بيرة، وخرجتُ برأسٍ سكّير
متصورًا أن الله كان في الأصل عصفورًا
يزقزق للشعوب
إذا كانت الأمكنة ترقص في الخارج
لماذا لا تذهب وترقص معها
ألا تحبّ الموسيقى؟
صفوفٌ من البط
أريد أن أراها
وأنا مدعوّ
مدعوٌّ اليوم
كي أمشي كالدمية
ومن فتحات ثوبي يخرج لحم
يمكنك أن ترى مثله عند الجزَّار
ألوّحُ به وأفكِّر أنَّ العالم
ربما تنقصه عظْمةٌ ليمشي
ثم أذهبُ هادئًا إلى المرآة
وأمشّطُ شعري.
أمتعة رخيصة
في هذه اللحظة
وأنا أتحدث مع المساء كعاملَين خارجين من مصنع
يظهر أمامي مستقبل غريب
يكفي أن أنظر إليه حتى
يتدلَّى في الوديان،
في هذه اللحظة مستقبل يتدلَّى
أرسمُ له شبكةً في الوادي ليصل سليمًا
أو على الأقل حقيبته التي أنا فيها
وهكذا أصل
عظْمةً ساخنةً تخرج من ثكنة و تتنزَّه
تخبرني عن حياتها
عن جلدها النادر
وأطفالها المولودين في الغربة مني
ترسل لي كل مساء كلماتها حافية من بلد بعيد
لتسألني: ماذا ستفعل الليلة
ماذا ستفعل الليلة يا وديع
بحياتي!
ومن فمي الذي تستلقي فيه صرخات
الذي تستلقي فيه أمتعة رخيصة
تخرج كلمة وداع صغيرة
لا يسمعها حتى الجالسون في أذني.
نزهة المساء
غالبًا
وأنا أسير على إسفلت من فحْم العابرين
تأخذني نجمةٌ بيدي في نزهة المساء
الوقت الذي يجرفون فيه النهار
نجمةٌ بين جبلين مطفأين:
فقيرين في حانة يريدان أن يؤوياني، وذهبتُ
وها أنا
في مصحٍّ فوقه نجمة!
هل كان عليَّ أن أمشي كل هذا الوقت لأصل إلى هنا؟
ولماذا؟
ألم يكن أبي يتبع العمَّال مسوقًا بسوط؟
لماذا إذن خرجت لأنزّه الكلاب غير المروَّضة في رأسي
بينما حياتي تموت من الجوع
وأطفالي ينظرون صامتين
إنني، بالكاد، أقود عمياني إلى البحر.
سنواتٌ كثيرة، ومكان
يرقص فيه المجانين مع الغرقى على ضوء سيكارة
الصمت كنزي الوحيد
ويده المرتجفة وراء الباب تقودني بلمسها.
العودة
الباب وحده في الليل
والليل في العاصفة
والعاصفة نحلةٌ تحوم حول ذراعي
وذراعي مستندة
على سطح سفينة
ذراعٌ بدأتْ زحفها منذ أول ريح حتى وصلتْ إليَّ
وبما أني وصلتُ أخيرًا
بما أني وصلتُ إلى قريتي
في صندوق كان قلبًا
أشكرُ الحمَّال الذي رافقني كرصاصة
تخاوت الآن مع الجرح
وأتأمَّلُ درفتين خشبيتين
تنزلان إلى الوادي.
الريح تعبث بشعري
الريح تعبث بشَعري
وأنا بين ضفتين أرسل للأولى يدي اليمنى وللثانية يدي اليسرى
لكنهما تخرجان من كتفيّ – هكذا ببساطة
وتختفيان!
رأسٌ
(ليس غريقًا تمامًا
وفي الوقت نفسه غريق تمامًا)
تعبثُ الريح بشعره الأسود
جالبةً من الجبال ربما، أو من السواحل
سمكًا غريبًا يحدّق بي
وأكتشفُ أنه رأسي!
ولكن المهمّ الآن
أين ذراعاي؟
هل رأى أحدُكم
أو أصطاد بالصدفة
شيئًا يسبح كالذراع؟
صحراء
مع ذلك فعلتْ يدي واجباتها
وكدحتْ كالحفَّار في صحراء
وبينما أهرّب الرمال التي كانت في الماضي أمواتًا
تغرز أظافرها في كتفي وتعيدني إلى صوابي
إلى تاريخها المصنوع من طحن اللحوم
وإلى ذراع الهدنة
في جزيرة تهبُّ عليها رياح الجرحى
حاملةً الطعامَ للجنود
جمعتُ ثروتي بالغزو و الحيلة
ودحرجتُ عقدًا طويلاً من اللآلئ
حتى وصلَ إلى عنق الحياة
أقول لها تعالي، تقدَّمي يا حياة هذا لكِ
لؤلؤ نادرٌ من خليج بعيد لا تعرفينه، وهو لكِ أنت تعالي
وتهرب مني
حياةً ألمّعُ لها لؤلؤًا وتهرب مني!
صحراء شاسعة
ليس فيها أحياء ولا أموات
وعليَّ أن أتابع الحفر حتى يأتي ميت!