أوراق بنت النيل
عذرًا زوربا …لا أراك بطلًا
بقلم ا.د هبة مهتدي
ترى هل اراد الكاتب ان يجعل من زوربا بطلًا؟
وهل كانت غايته ان نحب تلك الشخصية؟ ام ننفر منها ؟
كنت احدث نفسي بذلك بعد قراءتي لرواية زوربا للأديب اليوناني نيكوس كازانتزاكي كجزء من انشطة منتدى القراءة
العربي في برزبان بأستراليا مع الكاتبة دينا سليم .
رواية زوربا تحكي عن لقاء شخصيتين متناقضتين تمامًا ، المعلم باسيل وهو شخص ميسور الحال ومثقف ودائم القراءة والتعلم والتفكر وزوربا وهو الشخص العفوي الجاهل والذي لم يتعلم ولكنه مع ذلك يمتلك العديد من الخبرات
الحياتية والواقعية والتي قد يفتقرها باسيل.
اعترف أنني لم اتعاطف مع شخصية زوربا في الرواية، بل وعلى النقيض استأت كثيرا من تغلب
الحيوانية والشهوانية فيه على ما نرجوه من سمو البشرية واعلاء غاياتها.
زوربا انسان يعيش عبدا لأهوائه وغرائزه ويهتم جدا بالحيوان داخله وهو يعترف بذلك ويحبه كثيرًا ويستنكره أحيانًا
مثلما استنكر ما فعله من قتل وتعذيب للبشر في الحروب و تعليله بأن هذه الأفعال التي يقوم بها البشر ليست
بمستغربة منهم، فمن يقتل الخراف والخنازير والدجاج ليأكلها ليس مستغربًا ان يقتل البشر.
هو رجلاً قويًا والغريب ان قسوته وعنفه ورغبته في السيطرة على كل عضو من اعضائه اجتازت كل حدود العقل والمنطق اذ استاء يومًا من اصبعه فقطعه بنفسه وهذا النوع من الماسوشية العنيفة يجعلك تفكر مليًا في مدى سلامة صحته النفسية بمفهومنا العصري.
زوربا يخشي التقدم في العمر والشيخوخة لأنه يعلم أنه سيكون ضعيفًا حينها وهو يكره الضعف في كل صوره مثل ضعفه امام شهواته في الطعام والتدخين والخمر حتى انه اخترع حيلة ذكية في طفولته تمكنه من السيطرة على اهوائه والغريب أنه اكتسب تلك القدرة عن طريق التعلم الذاتي . فيشرح لنا الكاتب على لسان زوربا أنه كان شديد التعلق بفاكهة الكرز في طفولته وللتغلب على هذا التعلق أو الضعف من وجهة نظره سرق نقودًا من والده واشترى سلة كبيرة اتى عليها بأكملها وبالتالي تألمت معدته و اصيب بالغثيان وتقيأ ومن يومها صار كلما تذكر الكرز اصابه الغثيان، وهكذا يرى انه تخلص من ضعفه امام الكرز ويقوم بنفس الحيلة كلما اراد السيطرة على ضعفه أمام شيء ما،
ولكن علاقته بالمرأة هي احدى مظاهر ضعف زوربا التي لا تجدي معها تلك الحيلة، فهو يحب المرأة في كل صورها ويرى الجمال في كل امرأة حتى لو كانت مسنة ، ولم يوضح الكاتب هل هذا نوع من الشذوذ ( كرونوفيليا ) ام شفقة ورحمة بهؤلاء العجائز أم ربما عقدته بالذنب مم فعل حين كان شابًا صغيرًا حيث جرح جدة عجوز بكلماته فماتت وهي تلعنه.
الأغرب من ذلك هو علاقاته بالأرامل!
فهو دائمًا ما يبحث عن هؤلاء الأرامل في كل بلد يذهب اليها و يسعد بوجودهن واقامة علاقة معهن، وأتساءل عن سبب علاقاته بالأرامل تحديدًا ؟لأجد حل هذا اللغز حين ظهرت بوضوح شخصية زوربا الانتهازية في نهاية القصة، زوربا هو شخص انتهازي يستغل الأرامل و يستفيد مم تركه لهن ازواجهن ، واكبر دليل على انتهازيته الوضيعة ماحكاه زوربا عن نفسه انه تزوج وترك اسرته لأنه لا يريد اعباء او التزامات ويريد الاستمتاع بالعزف على السانتوري دون ضجيج زوجة أو اطفال.
باختصار زوربا يؤمن فقط بزوربا لأنه الوحيد الذي يمكنه السيطرة عليه ولا يؤمن بإله او عقيدة او دين.
وكي اكون منصفة سأذكر بعض الايجابيات في شخصية زوربا فهو ملتزم في عمله ، وفيًا لمعلمه ، هو أيضًا محب للعزف والموسيقى، رقيق المشاعر امام جمال الطبيعة ولديه روح خام تحمل براءة الطفولة كما وصفها الكاتب “يرى يومياً كل الأشياء للمرة الأولى”.
على العكس تماما من شخصية زوربا كانت قراءتي لشخصية باسيل ممتعة و عشت معه آلامه واوجاعه و تفهمت تمامًا عزوفه عن الانغماس في ملذات الحياة واعلاءه لقيمة الفكر والعقل والمبادىء . باسيل يحاول دوما السيطرة على شهواته الحسية لتبقى روحه شفافة و نقية. وذكر لنا الكاتب كيف تعلق باسيل بالكلمات مثل: الوطن -الحب -الله وكل مرة يشعر ان الخلاص سيكون في احداها.
مشكلة باسيل هي مشكلة تاريخية للمثقفين والعلماء والمفكرين والتي عبر الكاتب عنها بعدة تساؤلات :
هل العقل يمنعنا من الاستمتاع بحياتنا ؟ هل سبب شقاء المفكر عقله ؟ وهل حقًا الإنسان المثقف تعيس ومقيد بأفكاره ومبادئه ؟
ثم يأتي حلم باسيل كحلم الكثير من المثقفين بإنقاذ العالم وانارة عقول من حولهم بالعلم و الثقافة، ليصدمه زوربا ويخبره أنه لا فائدة من إنارة الظلام، ففي الجهل راحة وسعادة لهؤلاء البسطاء.
– الرواية قديمة اذ نُشرت في عام 1946 ولكني اعتقد انها سبقت عصرها بطرح العديد التساؤلات الوجودية والتي تعاظم تأثيرها في العصر الحالي وتدفع شبابنا الى ازمة طاحنة بين عقولهم وقلوبهم بخصوص الحياة والموت والأديان والأقدار، مثل:
- اليأس وانعدام الرغبة في الحياة والذي قد يودي بحياة البشر ويدفعهم الى الانتحار كتعبير عن معاناة البشر اللا منتهية.
- البحث المستمر عن السلام النفسي.
- الخرافات والمعجزات و فكر القطيع .
من وجهة نظري أن اجمل ما في تلك الرواية هو صداقة زوربا وباسيل الوفية وما تولدت عنه تلك الصداقة من حوارات ومناقشات وتساؤلات وجودية تحث العقل البشري على التفكير التحليلي والنظرة المتعمقة سعيًا لمعرفة حقيقة ما حولنا من طبيعة وبشر وتاريخ واحداث.