النص الثاني من مجموعة الغول والعنقاء في جريدة الشارع المغاربي اليوم في ركن عشتاريات واخترت له عنوان ضحكة الليث …
الغول والعنقاء هو عنوان مجموعة من النصوص موضوعها العداء بل غول العداء …العدوانية غريزة في الحيوان والانسان لكن الفرق ان الانسان لكونه يختلف عن الحيوان بالعقل وما اكتسبه بفضله من ثقافة تمكن من اخفاء قوة هذه الغريزة والتستّر عليها في محاولة للتّحكّم فيها لكن هذا لا يعني أن غريزة العدوانية قد تلاشت بل هي كامنة في داخله تماما كما الغول الذي تحدّثت عنه الأساطير ..تقول الأساطير أن الغول يمعن في الاستخفاء لكنه يظهر لضحيته فجأة لينهشه ويحيله الى الفناء وليس أدلّ على هده الحقيقة ما شهدناه من فظاعات الحروب والارهاب وما نشهده في حياتنا اليومية من صراع وحسد وعداء كثيرا ما يصل الى درجة الاقتتال والدّموية لندرك أن الانسان في الحقيقة ذئب لأخيه الانسان بل غول لأخيه فالعدوانية قوة تدميرية نستنكرها و تقضّ مضاجعنا …كلنا نغني للسلام والحب وكل واحد فينا يعبّر على أنه يرنو الى العيش في أمان بعيدا عن قوى التدمير بجميع أشكالها وتجلّياتها ..بعيدا عن غول العداء والكراهية وما يمكن أن يقود اليه وكل واحد منا يغضب اذا لمحت له مجرد تلميح أن العدوانية كامنة في أعماقه في انتظار اللحظة المناسبة للافصاح عن حقيقتها …حاولت في هذه المجموعة من النصوص أن أرصد أهم دوافع العداء التي يمكن أن تعترضنا في حياتنا وما يمكن أن نعاني من حريقه ودماره وكيف يمكن ان نتجاوزونحيى من جديد أما العنقاء فهو اسم يعود لطائر خرافي ذكره القدماء في أساطيرهم أيضا وكان هذا الطّائر دائم الاحتراق الى أن يستحيل الى رماد لكنّه يعود الى الانبعاث من رماده …يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: سُمّيت عنقاء لأنّه كان في عنقها بياض كالطّوق..ربما هو رمز لطوق النجاة ..طوق الخير والارادة الذي يكمن فيه سرّ انبعاثها
من منّا يحب تلك الوجوه العابسة بتلك البصمة القبيحة على جبهة صاحبها ..ذاك الذي يبدو دائما وكـأنه يحمل هموم الدّنيا على أكتافه أو كانه في حرب دائمة مع كلّ العالم حتى لو كان في الحقيقة في أفضل الأحوال …تلك الوجوه ذات الجباه المقطّبة التي ان التقيت واحدا من أصحابها في بداية يومك تتطيّر وتدعو بينك وبين نفسك أن يمرّ اليوم على خير فالوجه العبوس منفّر حتى لو كان صاحبه في الحقيقة انسان طيّب ولا يضمر العدوان لأحد أمّا طلاقة الوجه فهي تبشّر بالخير ودون تردّد نقبل على أصحابها ونرتاح لوجودهم وقد قيل قديما أن البشاشة خير من القِرى فالضّحكة فتزرع فينا الأمل ..حتى لو كنّا في أسوء حالاتنا تشعرنا أن على هذه الأرض ما يستحقّ العيش وأحيانا كثيرة ضحكة تلقائية وصادقة تختصر كلّ ما يمكن أن يقال عبر اللّغة …تلك الضّحكة الّتي تشعّ نورا على وجه صاحبها لتستوطن القلوب.. تلك الضّحكة التي تشعرك أنّ صاحبها يغترف ممّا في قلبه من محبّة وصفاء ليجود به على أحبّته فهي رسالة لها مفعول السّحر في التّواصل مع الآخرين اضافة لما لها من قدرة على اضفاء طعم ورونق إلى نسيج الحياة اليوميّة يؤكد فولتير على أهمية الضّحك بقوله( لو لم تبق لنا ضحكاتنا لشنق الناس انفسهم …)..يقال انّ قدماء المصريين كانوا يعتقدون أن العالم خلق من الضحك فالإله الأكبر حين أراد أن يخلق العالم، أطلق ضحكة قوية، فكانت أرجاء العالم السبعة. ثم أطلق ضحكة ثانية فكان النور ثم ضحكة ثالثة فكان الماء، وهكذا حتى خلق الروح من الضحكة السابعة.ولولا أهمّية الضّحكة ما كانت لتشغل اهتمام الأساطير والأديان منذ قديم الزّمان…ما كانت لتشغل الفلاسفة وعلماء النّفس قديما وحديثا فقد أثارت ما أثارته من الجدل وكتب فيها الكثير …تزامنت و تعاقبت بخصوصها النّظربّات الفلسفية والسّيكولوجية المختلفة فكما نجد من الفلاسفة الى القول ان الانسان حيوان عاقل أو حيوان ناطق هناك من ذهب الى اعتبار الكائن البشري حيوانا ضاحكا فهذه الظاهرة هي من الطّبيعة ولذلك يضحك الطّفل الرّضيع أحيانا منذ الأسبوع الأول لولادته كتعبير عن الاسترخاء والراحة والسعادة فالضّحك وسيلة قويّة وفعّالة للتّواصل بما فيه من قدرة على تجقيق التفاعل والارتياح والتّناغم لا تقلّ أهمّية عن التّعبير اللّغوي بل قد تتجاوزه لما يكمن فيها من شحنات انفعالية ووجدانية فهل حافظ الضحك لدى الانسان المتحضّر على دلالاته البدائيّة …دلالاته الطبيعيّة …الجواب هنا هو نعم ولا …نعم لدى البعض ولا لدى البعض الأخرذلك أن الضحك سيطرت عليه الدّلالات العقلية والاجتماعية المراوغة للانسان المتحضّر مما أفرغه من شحنته الفطريّة حتى أنّنا أصبحنا نفتقد لتلك الضّحكة الطّبيعيّة البريئة ونعتبرها من مفقوداتنا التي اغتالتها الحضارة فخالطها الزّيف والرّياء واللّؤم والعدوان …صنّف العرب الضّحك الى أنواع منها القرقرة والكركرة والكهكهة والطخطخة والنّتغ الّذي يعبّر عن الاستهزاء حسب تصنيف العرب أمّا عن أسوء الضحكات بالنسبة لهم فتلك التي سمّوها الهزرقة ….يقول ابن فارس إن الهزرقة هي أسوء الضحك، وأصل الكلمة هزَقَ، والهزق يقال لصوت الرعد .أما أنا فأقول لابن فارس لا يا ابن فارس ليست الهزرقة هي أسوء ضحكة بل قد تكون من أجمل الضّحكات ان كانت تلقائية ونابعة من القلب …نعرف جميعا أن المجتمعات المحافظة والمتديّنة خاصة تضع أصولا وقوانينا لكل شيء ..للمشية ..لطريقة الأكل ..لطريقة الشرب بل وتقتحم على الانسان حتى خلوته في غرفة الحمّام أو غرفة النّوم وللضّحكة أيضا سنّوا قوانينا أفقدتها الكثير من عفويّتها وجمالها وأفرغتها في أحيان كثيرة من مدلولاتها …قوانينهم حوّلت الانسان الى آلة مبرمجة …أسوء ضحكة يا ابن فارس هي تلك الّتي تنضح غشّا وخداعا…. تلك الضحكة الفظيعة ..تلك الضّحكة الموجعة ..تلك الضحكة الّتي لا تحس فيها لا بالود ولا بالاعجاب ويصعب ترجمة الحالة الوجدانيّة لصاحبها .. تلك الضّحكة الّتي يكشف فيها الضّاحك عن أسنانه التي قد تكون بيضاء لامعة لكنها بشعة ومنفّرة لما فيها من رياء وعداء ولا تعرف رغم عدم ارتياحك ما تخفيه بالضّبط ..لا تعرف ان كانت من ذلك النّوع الّذي قال عنه توماس هوبز ضحك ينطوي على شعور بالاستعلاء والتفوق أم هي تنطوي على رغبة صاحبها في الهجوم والافتراس أو الثّأر والانتقام أم هي ضحكة التّشفي والمتعة السّادية الشبيهة بمتعة انتصار الوحش عند استيلائه على الفريسة بعد انقضاضه عليها غدرا ….هناك من وسمها بضحكة اللّيث في البيت الشهير لشاعر العرب أبي الطيب المتنبي: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظُنن أن الليث يبتسمُ …صاحب ضحكة الليث ضحكته أو بمعنى أصح تكشيرته ليس فيها محبّة ولا سعادة بل تشعر أنّ فيها تأهّب للانقضاض والافتراس ولو أن الليث معروف بجسارته وشجاعته في مواجهة خصمه كما أنّه معروف بالرّحمة فهو لا يعذّب فريسته قبل افتراسها ولا يعد من الحيوانات السّافكة للدّماء الّا اذا جاع أمّا صاحب الضّحكة الفظيعة فعادة ديدنه الاستخفاء في ثوب الصّداقة والمودّة لذلك أفضّل أن أشبّه تلك الضّحكة المخادعة وعدوانيتها المستترة بضحكة الوحش او ضحكة الغول الكائن الأسطوري الذي يقال أنه يمعن في الاستخفاء ثم يباغت فريسته ..صاحب تلك الضّحكة يبرز أسنانه بعينين مطفأتين أو عينين تفضحان ما يخفيه من مشاعر سلبية من حقد أو وعيد أو تشفّي فالعينان لا تكذبان مهما اجتهد صاحبها لاخفاء حقيقة مشاعره ..احذر صديقي من تلك الضّحكة قد يكون صاحبها مخادعا أو حاقدا ولن يتردّد اذا أتيحت له الفرصة في الغدربك ..صاحب تلك الضّحكة غالبا يظهر لك الصّداقة ويبطن العداء ..احذر صديقي ااذا رأيت تلك الضّحكة العصيّة على الفهم ..تلك الضحكة التي لا تتجاوز حدود الشفتين والأسنان ..تلك الضّحكة العاجزة عن رسم تجاعيد مميزة حول العينين…تلك الضحكة الّتي لا يصحبها توهّج وبريق في العينين
*- عن جريدة الشارع المغاربي التونسية