الموقف النسوي من عمليات التجميل … ينار محمد

شارك مع أصدقائك

Loading

الموقف النسوي من عمليات التجميل

ينار محمد

أصبح جسد المرأة ساحة حرب للأنثى مع الضغوط الذكورية المتأثّرة بالنمط الجمالي المفروض

على المرأة أن لا تُعرّض نفسها لعمليات تجميل مع  ألم وشد وتقطيع لمجرد إرضاء المجتمع الذكوري

وجود المرأة  ليس مشروعاً  للوحة فنية أو تحفة تُعجب الناظر!

تعتاش مؤسسات التجميل على حالات القلق وانعدام الأمان النفسي التي تعيشها النساء

مقدمة

كل حقبة تأريخية تجلب معها اشكالا جديدة للعلاقات الاجتماعية والقيم الجمالية الخاصة بها. وبالرغم من كون المرأة العراقية او الشرق-أوسطية قد خطت خطوات كبيرة وخرجت من مطبخها لتدخل المضمار الإداري والسياسي في المجتمع العراقي، إلا ان هذا الخروج جلب معه تحديّات من نوع آخر، وخاصةً للمرأة الحرفية والموظفة والعاملة أيضا. اذ ان تقييمها في أوساط العمل، والمجتمع وفي المساحات الشخصية لا يزال يعتمد على مظهر جسدها ووجهها وليس على شخصيتها، علمها، حضورها أو إنجازها كما هو للرجل. وبالرغم من تأدية المرأة لكل العمل المطلوب منها وبأعلى كفاءة قد تفوق الرجل أحياناً، يظل تقييمها مرتبطا بمظهرها. وعند مقابلتها لجماعات او افراد، فإن أول ما يتم مواجهتها به هو تقييم لشكلها بالمقارنة مع قالب “جمالي” غير محلي -وفي معظم الوقت أوروبي- للوجه والجسد مما يتطبّع به الافراد من شاشات الاعلام والأفلام والتواصل الاجتماعي. ومن المتعارف عليه ثقافياً في العقود السابقة ان النساء كانت تتبع عالم الأزياء أو (الموضة) بملابسها او بنوع مكياجها، إلا ان الممارسة الحديثة لاتبّاع تأثير الموضة على الأفراد ومما أصبح أشبه بالغزو لعقول النساء في العراق والشرق الأوسط هي ان تتبع النساء النماذج الجمالية المعروضة لها في الاعلام بقطع أجزاء من اجسادها، وإضافة مواد كيمياوية في أجزاء أخرى من اجسادها، بحيث اصبح الجسد الانثوي خاضعا لعمليات من التشريح والحفر والخياطة والاضافة مما يعرّض المرأة لمخاطر طبية وصحية قد تصل الى التشوّه والموت. أو بكلمات أخرى، أصبح جسد المرأة ساحة حرب للأنثى مع الضغوط الذكورية المتأثّرة بالنمط الجمالي المفروض على شاشات الاعلام؛ وهذه الحرب تجعل المرأة تنقسم على ذاتها وتكره جسدها ووجهها وتفقد أمانها الداخلي وتشعر نفسها مضطرة الى الانصياع الى مشرط الجراح او أبر قاعات التجميل.

محاولة التشبه بنماذج وصور مزيّفة في تطبيقات الموبايلات

تحمل نساء المدن واحيانا نساء القرى أيضا موبايلا في جيبها، مما يربطها بالعالم الخارجي من جهة، ويجعلها عرضة لتداول الصور بما يصبح شكلها وحضورها امام مجتمعها. ولقد تكاثر استعمال التطبيقات التي تغيّر شكل الوجه وتجعله أقرب الى وجه الشابة او المراهِقة ويمحو هذا التطبيق علائم الكبر والوزن الإضافي. وتعتاد الفتيات والنساء على استعمال هذه التطبيقات ومنها سنابجات وغيرها لتعديل وتنحيف الوجه، مما جعلهم يرفضون أشكالهم الحقيقية وينقسمون عليها ويحاولون التمسك بصورة أكثر نحافة وبعيون أكبر، ولو كانت هذه الصورة مزيّفة وكاذبة. وتتجه العديد من النساء وحتى الشابّات الى مراكز التجميل مقتنعة بان تطلب من الجرّاح ان يرسم تقاطيعها على شاكلة ما يرونه في السنابجات، غير واعيات بان في هذا رفض لذواتهن واستقتال للحصول على أو بالأخرى اقتناء ذات غريبة، قد يكون منشأها الوجه الأوروبي بأنف صغير وشفاه منتفخة. وهي هي الخطوة الأولى في التوجّه الى جراحة او إجراءات التجميل.

معايير جمالية تدرّ أرباحا رأسمالية على صناعة التجميل العالمية

أول من يبدأ تصنيع المعايير الجمالية للمرأة هي دور الأزياء، وشاشات الفضائيات، والشخصيات المؤثرة (انفلونسرز) على شاشات التواصل الاجتماعي، ممن سبق ورضخن لعمليات تجميل، وان لم يعترفوا بذلك، اذ انهم يرسمون الصورة النمطية لجمال المرأة والتي تحفر في وعي المجتمع من جهة وفي وعي النساء أيضا. ولعل اعتراف الانفلونسر او الفاشينيستا بالقيام بعمليات تجميل ضرر أكثر أيضا، اذ ان استعراضها لوجهها ولاجزاء من جسمها مما قامت بإجراء تجميلي عليه، يجعل هذه العمليات أمرا معتاداً وكأنه سهل وعديم الضرر. وتطبع فيديوهات او مشاهد الأفلام او حتى مذيعات الفضائيات المعروفة هذا النمط الجمالي بأنوثة مبالغ بها وغير طبيعية من تضخم في منطقة الصدر والارداف، ونحافة غير طبيعية في الخصر مما يتطلب سحب ضلوع او نسيج عضلي من جسم المرأة؛ كما وتتكلم مذيعات الفضائيات داخل بيوتنا بشفاه منتفخة وحاجب مرفوع جراحيا وانف مسطح لا يغطي ثقوبه الا النزر اليسير، وقد تكون هذه المذيعات قد رضخت لشروط مدراء الفضائية من الذكور، او قد يكون خيارها الخاص. الا ان النتيجة واحدة، ان المتفرجات من النساء تفهم بان هذه التقاطيع هي الأجزاء المطلوبة لكي تكون المرأة “جميلة”، وتتناسى المتفرجات بان هذه المذيعات قد رضخت لعمليات وألم وقطع وشد مما قد لا يحتمله الانسان، ومما يجب ان لا تعرّض اية امرأة نفسها له لمجرد ان تحوز على اعجاب المجتمع الذكوري المحيط بها.

مواصفات طبيعية للنساء توصف على انها “سيئة” وخاطئة” مما يجب التخلص منه

اعتادت المرأة العراقية ان تسمع “نصائحاً” من قِبل القاصي والداني -وأكثرها من النساء- بما يجب تصحيحه في وجهها او في جسدها، وكأن وجود المرأة مشروع للوحة فنية او تحفة تُعجب الناظر. بينما يندر ان يتم تقديم هذه النصائح الى الرجال، بل ويتم تقييمهم على أساس معرفتهم واخلاقهم وانجازاتهم. ويتم التبرع بتلك النصائح والملاحظات على وجه وجسد المرأة من دون الاكتراث او التفكير بمحتوى المرأة من فكر وشخصية وإنجاز في المجتمع، ومن دون الاكتراث لمشاعرهن واستيائهن من الانتقادات وكأنها مخطئة او مقصّرة او غير مكتملة. وقد يكون ذلك مفهوما في أزمنة غابرة قبل قرن او أكثر، عندما كانت أهمية النساء تتبع الموقع الاجتماعي لأزواجهن وأقربائهن الذكور. ولذلك فان النساء كانت في تلك الأزمنة تتزين وتتجمل لكي يكون من نصيبها الاستحواذ على زوج غني او صاحب سلطة. وبالرغم من تحسّن أوضاع المرأة خلال قرن من الزمن مما سمح لها ان تترك الدار وتدرس وتعمل وان تحتل مواقع قيادية في المجتمع، الا ان النظرة التقييمية لها لا تزال تتبع الأزمنة القديمة حيث كان شكل وجه وجسد المرأة هو القيمة الأولى والأخيرة لها. ومع ذلك، فان معايير الجمال للمرأة تغيرت أيضا خلال السنوات ومع ما قدمته صناعة السينما والاعلام والتواصل الاجتماعي. وهذه المعايير سوف تظل تتغير وبتأثير من مؤسسات صناعة التجميل ممن يريدون أرباحا جديدة ولذلك يقترحون منتجات جديدة لغرض حصولهم على المزيد من عمليات التجميل مع نفس الزبائن القدماء؛ وبذلك هم يحتاجون ان يقنعوا المستهلكة الانثى بان تجاعيد الوجه الطبيعية سيئة بل ومن الخطأ الاحتفاظ بها، او ان أنفها الطبيعي يكون أجمل ان قطعت أجزاءً منه. كل ذلك لكي يبيعوهن منتجات جديدة وباستمرار كأن تكون عمليات تجميل او إجراءات حقن كيمياويات، مما يدر على مؤسسات التجميل أرباحا ضخمة عالميا.

 

حالة اضطراب تشوّه الجسم والهوس بمحاولة تغييره باستمرار Body Dysmorphia

تعتاش مؤسسات التجميل على حالات القلق وانعدام الأمان النفسي التي تعيشها النساء بسبب تخوفها من كونها “غير جميلة” حسب المعايير الجمالية التي تراها على الاعلام والتواصل الاجتماعي. ويزداد ذلك في المجتمعات الشرقية عن الغربية، حيث يسمح الافراد لأنفسهم بانتقاد النساء ومضايقتها والتنمر عليها أحيانا بسبب اختلاف شكلها عن النموذج الجمالي السينمائي والذي قلّما يتواجد في العالم الواقعي. وعادةً ما تكون المراهقات والشابات عِرضة للاستسلام لهذه الانتقادات التي تخصّ الوزن وشكل الانف والشفاه مما يتسبب لهن باضطراب نفسي ويصل في بعض الأحيان الى حد الهوس في الحاجة الى تغيير اشكالهم بالعمليات التجميلية، مما يعبر عن كمّ كبير من كراهية الذات، مما يصعب التخلص منه في عملية واحدة. وعوضاً عن تدارك الاضطراب هذا بزيادة وعي الاناث بقيمتهن خارج الجمال الشكلي والسطحي، تقوم بعض الاناث وبشكل مهووس بالوقوع في فخ القيام بعمليات تجميل مستمرة، والى ان يتحول شكلها الى مسخ لا يمت الى الجمال بأية صلة.

مقولة اننا نقوم بالتجميل لأنفسنا وليس للآخرين

غالبا ما تكرر العديدات من النساء اللواتي قمن بعمليات تجميل بانهن لم يكن هدفهن إرضاء أي أحد، بل ان سعيهن للعمليات والإجراءات التجميلية كان سببه تحقيق الراحة والثقة لأنفسهن، كون هذه العمليات هي إحدى الطرق التي تحقق لهن الجمال كما يرونه وتجعلهن يشعرن بـ”السعادة والأمان”. ويتناسون في ذلك العوامل والمؤثرات الخارجية الى تغسل أدمغتهن باستمرار من خلال شاشات الفضائيات والتواصل الاجتماعي وتطبيقات السنابجات مما يجعلهن مقتنعات بنموذج او صورة جمالية لمذيعة او ممثلة  او فاشينيستا على صفحات التواصل الاجتماعي-أي بكلمات أخرى- ان هذه الصورة الجمالية النموذجية لم تأتِ من مخيلة النساء او بالأحرى من مخيلتنا نحن، بل لقد وضعها أحد أو طرف آخر امام أعيننا مراراً وتكراراً مع تعليقات كثيرة لغاية ما تبنيناها معتقدات بأنها أفكارنا نحن، واستوعبناها بقناعة انها تعبّر عن دواخلنا internalizing beauty images. ولذلك نحتاج ان نتفحص هذه المقولة التي غالبا ما تقولها معظم النساء التي تصرف آلاف الدولارات في عمليات التجميل، او تعرّض صحتها للخطر بحقن مسرطنة الى داخل وجهها، اذ انهن يعتقدن ان الفكرة والمبادرة متأتية من ذواتهن دون ان يتعمقوا او يقوموا بتحليل مصدر هذه الفكرة.

 

 

حرية الاختيار كشعار للنسوية – هل هي قابلة للتطبيق على اختيار عملية التجميل أم لا

ترى بعض الفصائل النسوية ان أي اختيار صادر عن المرأة نفسها هو تعبير عن حرية الاختيار، واذن بالنتيجة هو تمكين للمرأة أي انه خيار نسوي. وان هذا الموقف ناتج عن عقود وقرون عاشتها النساء في ظل الأبوية الذكورية عندما كانت النساء تنفذ القرارات النابعة عن الذكور وتتبعها بشكل أعمى من دون ان يكون لها حرية الاختيار في أمور تخص مصيرها وجسدها وقراراتها.

ترى بعض النسويات بان حرية اختيار المرأة للعمل او للبقاء في الدار للزواج وتربية الأطفال هو اختيار تابع للمرأة وان حريتها في الاختيار هو تمكين لها، أي قرار نسوي. ولكنهن يهملن قضية ان الزواج والانجاب يضطر المرأة ان تبقى في البيت وان تنسى اية إمكانية لتطورها الحرفي والفكري واستقلالها المادي خارج المنزل، وليس في ذلك أي حرية للاختيار، بل اضطرار على قرار فرضته الظروف على المرأة بسبب الضغوط الاجتماعية. وبنفس المنوال، قد تتجه المرأة الى خيار عملية التجميل والتقطيع والحقن معتقدة ان هذا قرارها الشخصي والخاص والنابع عن رغبتها؛ الا انها تتناسى بذلك كمية الضغط الاجتماعي الذكوري الذي فرض عليها نموذجا جمالياً محددا بأنف صغير وشفاه منتفخة وخدود منحوتة وجسد نحيف ومتكوّر حسبما تراه مؤسسات الإعلام والافلام العالمية “جميلا”. ولا يخلو قرار المرأة هذا من انعدام الأمان النفسي بإيجاد الزوج المناسب، او الاحتفاظ به، او الحوز على اعجاب الافراد المحيطين في بيئة العمل، او حتى التخلص من تنمّر الأصدقاء والاقارب حول حجم جسد المرأة او شكل وجهها، أي باختصار ترى المرأة هذه العمليات او الإجراءات ضرورية لكي تثق بمظهرها الاجتماعي ولا تعاني من حالة خجل مستمرة من عدم تلبيتها  للمعايير الجمالية الذكورية وحسب مواصفات صناعة الاعلام والتجميل العالمية. والا فما حاجة المرأة الى أنف أصغر او شفاه متدلية لنفسها فقط، او ما حاجتها الفعلية الى بطن مسطحة تم شفط الدهون منها مع حصول المضاعفات الجراحية مما تسبب لها بالألم لفترة ليست بقصيرة. او حتى ما حاجة المرأة الى شفاه غليظة منتفخة لا تتحرك او تعبّر عن الصوت الخارج من الفم بسبب ثقل السوائل فيها. كل هذه “مفروضات ذكورية” تعمل المؤسسات “الجمالية” على غسل عقول النساء بها لغرض جني الأرباح من كل امرأة، ولصناعة تجميل تبلغ عالميا حجم 70 مليار دولار[1]، ويقدرها البعض ب 200 مليار دولار في عام 2031[2]. مع هذا المكسب المادي الضخم، تسعى مؤسسات التجميل وباستمرار لإقناع المرأة بعيوب مظهرها الطبيعي وتعزّز احساسها بالنقص وتسعى هذه المؤسسات الى خلق نماذج جمالية جديدة عن طريق القيام بالعمليات على الممثلات والفاشينيستات لكي تتأثر بهن المتابِعات من الشابات ، وتستمر بذلك مؤسسة التجميل الرأسمالية بجني الأرباح من جيوب النساء. وتدخل النساء متطوعة باجسادها الى صالات العمليات او قاعات عيادات التجميل طواعيةً، وتعرّض وجوهها الى إمكانية تشوّه مزمن، وتهطّل في اجزائه، او تعرّض أحيانا حياتها للخطر، وكل ذلك لغرض الحصول على رضى وموافقة المجتمع الذكوري على كونها ذات “جاذبية وجمال” حسب ما تمليه نماذج مؤسسات “التجميل” الربحية والاعلام والتواصل الاجتماعي.

الخضوع لعمليات التجميل ليس موقفا نسوياً ومن المرفوض مقولة ان تجميل المرأة حق نسوي

بالرغم من ان بعض عمليات التجميل لمن تعرّضت الى حادث او كان لديها تشوه خلقي يساعد النساء بتجاوز عقبات صحية وكذلك عقبات تنمّر الآخرين على اشكالهن، إلا ان هذا ليس محور نقاشنا عندما نتناول عمليات التجميل التي يتم خداع المرأة فيها “لتصليح” أجزاء طبيعية من جسدها، أجزاء لا تشكو من أي عيب، وتعويضها بأجزاء مستنسخة من صور غير واقعية من على شاشات الاعلام. وبذلك تفقد المرأة هويتها وتصبح نسخة من شخص آخر والتي هي أيضا نسخة من صورة خيالية غير واقعية. وبذلك قد نجد العشرات من النساء ممن يتشابهن او هن مستنسخات من نفس النموذج، ونستغرب كيف ان المجتمع صامت على هذه الممارسة التي تمسخ شكل وهوية النساء وتستغلهن ماديا وتتسبب بالضرر الصحي لهن ايضا. وعندما نقارن هذا الموقف بموقف المجتمع من استنساخ النعجة دوللي، حيث تصاعدت الصرخات على ان استنساخ البشر يفقدهم هويتهم وانسانيتهم؛ فلماذا لا تتصاعد الصرخات الان على خسارة النساء لهوياتها؟ أم ان هوية المرأة ليس بالضرورة بنفس هوية الانسان المستنسخ الذي كان الجميع يدافعون عنه؟ وهل ان الصرخات المدوّية ضد استنساخ البشر مستعدة ان تتنازل عن هويات جنس الاناث مقابل ان ترضي معاييرها الجمالية الذكورية المتأثرة بالمؤسسات الإعلامية العالمية؟ وما الذي يحصل لجسد المرأة ووجهها عندما تتغير المعايير الجمالية من جديد، وتظهر المعايير المعاكسة لتلك السائدة الآن أي الشفة والحاجب الرقيق والأنف البارز والجسد الطبيعي الممتلئ؟

ما هو التعارض بين النسوية وعمليات التجميل؟

يجب علينا ان نصف عمليات التجميل على حقيقتها، أي كونها تدخّلات جراحية قصوى ومتطرفة ومؤذية لجسد الانسان-الانثى لغرض رضوخ الاناث لمعايير جمالية اجتماعية سائدة الآن، ولكنها قد تتغير بعد سنوات قليلة. ويتم فرض هذه المعايير الجمالية على الاناث من خلال كل شاشة يرونها خلال يومهم من الفضائيات والمذيعات ووسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك مما يتسبب بإحساسهم بأنهم غير جميلات او مرغوبات، ومما يتسبب لهن ان يعشن حالة كراهية لأشكالهن واجسامهن، أي كراهية الذات ودفعها الى حل “المشكلة” بتدخلّ جراحي او اجراء جمالي مصطنع. وللتوضيح، ان هذه الحرب تتظافر فيها ذكورية المجتمع مع المؤسسات الرأسمالية التي تجني أرباحا طائلة من معاناة النساء اللواتي تتبع تأثير الاعلام او تحاول التخلّص من التنمّر الذكوري، والذي قد تمارسه النساء أحيانا.

وبما ان هذه المعضلة هي حرب مسلّطة ضد أجساد ووجوه النساء وبما يحولهن الى ضحايا عمليات وعيادات التجميل، فهي اذن احدى الحروب المعاصِرة ضد المرأة، مما يضع المرأة في مكانة متدنية وخاضعة لإرضاء الآراء الذكورية في المجتمع؛ وهذا يقع في صلب ما تحاربه النسويات اللواتي تناضل من اجل عالم مساواة المرأة بالرجل. ان الموقف النسوي لجمال المرأة هو في قناعتها بانها ليست أقل من الرجل بشيء، وان جمال المرأة يكمن في العمل المنجز والمواقف الإنسانية والفكر المتفتّح المتطوّر، وبالنتيجة يكمن جمالها في اعتدادها بمظهرها الطبيعي وثقتها بأنها قادرة على انقاذ البشرية بأفكارها الإنسانية وايمانها بمساواة جميع البشر.

[1]  للمقارنة بالمبالغ التي نستطيع تصوّرها، تبلغ ميزانية دولة العراق 89 مليار دولار في عام 2021.

[2] المصدر إحصاءات صناعة التجميل العالمية: https://www.alliedmarketresearch.com/cosmetic-surgery-market-A16492

شارك مع أصدقائك