كلمة الكاتبة اللبنانية كاميليا نعيم في حفل توقيع كتابها الثاني ” شيء يُشبهني “
الذي أُقيم في سيدني مؤخراً
………
سَأُشَرِّعُ بَعضَ النَّوَافِذِ مِن كِتَابِي، المُوَشَّحَة ِبِالدَّهشَةِ وَالحَنِين،ِ بِالعِتَابِ وَالتَّسَاؤُلاَتِ ، بِالإِذعَانِ والرَّفْضِ بِالمَزِيجِ الَّذِي يَعتَرِينَا، وَأُطِلُّ عَلَيكُمُ اللَّيلَة َمِن خِلَالِهَا. أسقِي أَحوَاضَ النَّثرِ مِن مِيَاهِ الذِّكرَى، أَنثُرُ بَعضَ أَرِيجِ الشَّوقِ وَالأُمنِيَاتِ، عَبِيرَ الآهات
ِ وَنَدُوبَ الزَّمَنِ وَالقََهر ِ عَلَى مَرمَى العُيُونِ وَفِي أَرجَاءِ المَكَانِ.
أَبدَأُهَا بِنَافِذَةِِ تُطِلُّ عَلَى الوَطَنِ
مَن قَالَ؟
مَن قَالَ لَهُم إنّنَا نَتَمَسَّكُ بِتَعَصُّبِنَا الدِّينِيِّ وَالمَذْهَبِيّ، وَلَا نَتَمَسَّكُ بِلُبنَانِيَّتِنَا؟ مَن قَالَ لَهُم إنَّنَا نَنتَمِي للطَّائِفَة ِقَبلَ انتِمَائِنَا لِلوَطَنِ؟ وَكَيفَ شَرَّعُوا لِأَنفُسِهِمْ أن يُصبِحَ الوَطَنُ مِن صَغَائِرِنَا، وَالمَذهَبُ وَالدِّينُ حَبَائِلَ غَدرِِ وَدَهَاءِِ يَلِفُّونَهَا عَلَى أَعنَاقِنَا، يُغَطُّونَ بِهَا وَجْهَ البِلَادِ؟
نَشِيدُُ كُلَّمَا انتَصَبَتْ أَعمِدَةُ حُرُوفِهِ البَاسِقَةِ فِي المُنَاسَبَاتِ، وَتَرَدَّدَتْ أَصدَاءُ الَّلحنِ بِخُيَلَائِهَا فِي أَروِقَةِ القَاعَاتِ ، يَتَسَاقَطُ الدَّمعُ مِن عَينَيَّ، دُونَ أن أَدرِي، أُخفِي لَوْنَ الشَّجَنِ عَلَى ” ملءُ عَينِ الزَّمَن” يَسكبُ الجُرحُ المُتَّكِىءُ عَلَى حَدِّ السِّكِينِ عَبَرَاتِهِ رَغمَاََ عَنِّي، يَتَدَفَّقُ الحُزنُ سَيلاََ مِنَ الأَعمَاقِ تَلسَعُنِي أُسطُورَةُ “سَيفُنَا وَالقَلَم” تََتَحَوَّلُ إلَى مَرثِيِّةِِ حَارِقَةِِ بَينَ الضُّلُوعِ، أَندُبُ عَلَيهَا بِكُلِّ الأَسَى فِي صَمتِي . أَرفَعُ رَأسِي إلَى الأَعلَى حَيثُ الكَلِمَةُ الفَصلُ” كُلُّنَا لِلوَطَن” أَضُمُّهَا إلَى صَدرِي ، أَحتَضِنُ شَذَا حُرُوفِ الِإخَاءِ، أَستَنشِقُ ضَوْعَ عَبِيرِ” لِلعُلَا لِلعَلَم” ..والآهُ كَالرِّيحِ تَعصِفُ بِي، تُغَادِرُنِي تَلحَقُ بِجَمعِ أَقمَار ِالكَلِمَاتِ الحَالِمَةِ، تَسأَلُهَا مَا الَّذِي حَلَّ بِذَاكَ الحَبِيبِ,..وَأَرَاك َهُنَاكَ وَأَسمُو بِأَصَالَةِ مَا فِي صَمتِكَ تَرَى..بِمَنبِتُُ الرِّجَالِ الَّذِينَ “قَولُهُم وَالعَمَل” .
أَيُّهَا الشَّاعِرُ الَّذِي يَغفُو عَمِيقاً فِي أَحضَان ِأبَدِيّةِ سِحرِ الشَّرقِ وَعَطرِ هَيبَتِهِ، “المَسِيحِيُّ الَّذِي يَهوَى النَّبِيَّ العَرَبِيَّ”.
أَعِرنِي مِفتَاحَ غَابَتِكَ الَّتِي رَسَمتَهَا عَلَى مَدخَلِ قَصِيدَتِكَ الحَالِمَة “أَعطِنِي النَّايَ وغنِّ”.
أُرِيدُ أنْ أَتَسَلَّلَ إلَيهَا لَيلاً، أَختَبِىءُ بَينَ طَيَّاتِ أَسرَارِهَا، أَغتَسِلُ بِرَذَاذ ِمَطَرِهَا، أَلتَحفُ سُكُونَهَا ، أَبحَثُ عَن ظِلَالٍ يَأوِينِي، عَن صَمتِِ يَغمُرُنِي، يُبعِدُنِي عَن ضَوضَاءِ النَّهَارَاتِ الَّتِي تَحتَرِقُ بِلَهِيبِ تَوَاقِيعِ المَهَانَةِ وَظُلمِ ذَوِي القُربَى، وَضَجِيجِ أَبوَاقِ الإعلَامِ الكَالِحِ، لأتّخِذَهَا مِثلَكَ: “مَنزِلاً دُون القُصُور”.
أتُوقُ” لِأَشرَبَ الفَجرَ خَمراً “فِي كُؤُوسِِ مِن أَثِيرِ نَقَاوَةِ الرَّفضِ.
أَختَنِقُ مِن شَرَابِ الَّلَوعَةِ،
أَعطِنِي خَارِطَةَ السَّوَاقِي الَّتِي حَدثٓتَنَا عَن عُذُوبَتِهَا . أُرِيدُ أنْ أَتَتبّعَهَا وَأكتُم ُعَوِيلَ صَمتِي عَلَى ضِفَافِهَا الفَرِحَةِ، أتَسَلَّقُ صُخُوراً عَاتِيَةََ، هَذَا الإنزِلاق والإنصِياعُ في وُعُورَةِ تَضَارِيسهِ وَاستِكَانَةِ تَعَرُّجَاتِهِ لَا أنتَمِي إليهِ.
سَأُغلِقُ نَافِذَةَ التَّمَنِّي .
وأفتَحُ نَافِذَة ََتُطِلُّ
على الوجدانِ
نَعم قَرَوِيَّةُُ انا. أحمِلُ على رَأسي جِراراً عَطشَى. أمشي حَافِيةََ على دَربي. أدُوسُ على حَصَى الزَّمَنِ المسنُونِ، وآثارُ النَّزفِ يتبَعُنِي. يغرفُ معي من نَبعِ التَّأمّلِ، لِأملأَ جِراري بِمِيَاهٍ صَافِيةِِ بِلَونِ إنسَانِيَّّةِِ شَاهِقَةِِ،: ضَالّتي أينَما حَلَّتِ الرِّحَال.
قَرَوِيَّةُُ … وَفَُستَانُ وِجدَانِي يَزدَانُ بِوُرُودِ أحلامي، مُطرّزُُ بِطِيبِ الرَّزَانَة ِوَعُمقِ الأُمنِياتِ. عليه أزرارُُ من أرِيجِ الأَصَالَةِ. خَطَوَاتِي تَطوِي من عبَق ِالتَّاريخ ِطَيَّاً فأسمُو به. يَبتَلُّ أُقحُوَانُ العُمرِ من نُبلِ الجُذُورِ بِفَيضِِ من عُنفُوَانِ النَّدى، أُقيمُ في أودِيةِ السُّكُونِ. أبنِي مَنَازِلَ التَّجَلِّي في قلبِ السَّماءِ.
قَرَوِيَّةُُ أنا! وَأُنبِئُكَ سِرَّاً: عِندمَا تُخبِرُنِي عَنِ اقتِبَاسَاتِ “دوستويفسكي” ابادِلُكَ اقوَالاً تُعجِبُني، اتَلَعثَمُ بِنُطقِ حُرُوفِ اسمِهِ، أُدِيرُ بِوَجهِي عنكَ كي لا تلمحَنِي فَصاحَةُ فَلسَفَةِِ مُغلَّفَةِِ بأَنَاقَةِ قَولِِ..
لكنني حينَ ارتدي ثوباً لُغَوِيَّاً من صُوفِيَّة ِخزائنِ ” الحَلاَّج” ُأصبحُ فَراشَةََ تزهُو بالفِ لَونِِ ولون، وتُشرِقُ لي أجنِحةُُ من همسِ الحُرُوفِ تُعَانِقُ مَدَى الفَوَاصِلِ والنّقاطِ، اُُحَلِّقُ في غُربَةِ تَفاصِيلِ الوَجدِ. أَحُطُّ كَحلمِِ وَردِيِِّ على” نسِيم ِالرُّوحِ” وأذُوبُ مِثل قَطرةِ شَهدِِ بين ثَنايا سِحرِ لفَتَاتِ الرَّشا.
انا التي لم يتكِىءْ خَوفِي على صَدرِ أحَدِِ، ولم تُدَاعِبْ أَنَامِلُ الرَّأفَةِ خُصُلاتِ هَمِّي.
عندَما تَطرُقُ بِيَدِ التَّسَاؤُلِ على طُفُولَةِ قَلبِِ جَرِيحِِ يُصَارِعُ مَشِيبَ زَمَانِهِ، وأفتَحُ لَكَ باب َالإنتِظارِ، أقِفُ ما بينَ فَتحَةِ الدَّهشةِ واللّهفَةِ، اتَّكِىءُ على ثَبَاتِ تَوَجُّسِي. أَتَعِدُنِي إنْ أَدخلتُكَ إلى مِحرابِ وَجَعِي ،أَجلَستُكَ بِجِوارِي، قِبَالَةَ تأَرجُحِ قُوَّتي وضَعفي، ان تكونَ اميناََ على كتمِ اسرارِ حُرُوفي، حِينَ تَبدَأُ بِقِرَاءَةِ نَصِّ صَمتِي الطَّوِيلِ، وقبلَ ان ترحَلَ هل تمسَحُ على وَجهي بَمندِيلِ الحَنينِ، تَمشي على رُؤُوسِ أصَابِعِ الرَّحمَةِ، تَتركُ الاٰنِينَ يَأخُذُ غَفوَةََ تحتَ ظِلالِ النِّسيانِ والتَّخَلِّي. تعزِفُ لحنَاََ يُشَابِهُ وحدتي.
أتَعِدُنِي
ُأغلِقُ نافِذةَ النَّجوَى
أُطِلُّ من نَافِذَةِ الحنين
آهِ أُمِّي
ناديتُكِ والأوجاعُ تُمزّقُ سُكونَ ليلي ، وأنا لي ابنةُُ تسكُنُ في الجِوارِ، تقطُرُ حُبًا، تبحثُ عن كُلِّ زَاوِيةِِ مُظلِمَة ِِفي وُجداني، تُشعِلُ فيها ضَوء َحنانِها. ويفصِلُني عن غُرفةِ ابني جِدارُُ خشبي، لو شِئتُ ان أُقِيمَ عليهِ عَبَرَاتُ أنيني، ما بقِيتُ وحدي على فِراشِ الحزنِ اتململُ. لكنِّني كنتُ أريدُكِ انتِ , في ذاكرةِِ اضناها الشَّوقُ استعيدُ أشكالَ صوتِكِ افتحَ ممرَّاََ من نُورِِ ليعبرَ الصَّدى، ادعوه بنظراتِِ تعشقُهُ ان يرتمِيَ بينَ احضانِ لهفتي، استشعِرُ رنينَ كُلِّ نبرة،ِِ حين يغضبُ وبكلِّ الحُبِّ ينهرُني، وحين يحنو وينسابُ كالحلم ِبين اضلعي، يتكِىءُ خيالُ الصَّوتِ على جِدارِ العَدمِ، يرمِقُني بعتَبِِ ويُلاطِفُني، اتعلَّقُ بِظِلال ِحِبالِه ِحين تنزلقُ من تحتي تُربةُ احلامي…
اعيدوني إلى جِذعِ شجرةِِ تتشبَّثُ جُذُورُها في اعماقِ الحلمِ، يتمايلُ على اطرافِهَا فيءٌ اخضرُ من سُلالاتِ الوفاء. اعيدوني إلى الحاراتِ العتيقةِ ، المُرصَّعة ِبلآلِىء نسبِ الاسماءِ والانتماء .
اعيدُوني للأزقّةِ الضَّيِّقةِ التي تحتفِظُ بوقعِ خُطى من عَبَروا فرِحين . لأبحثَ عن ضحِكاتي التي حين اطلقتُها لم تعدْ لي…لعلِّي اجِدُها ، ارسمُها مرةََ أخرى على صفحةِ الوجهِ النحيل.ِ
أغلِقُ نافذةَ الحنين
اختمُها بنافذةِ الفَقدِ
التي تطل على من كانت الحياة قبل أن يتركها اكثر اخضرار .إلى من توسد التراب وقلبي. إلى الذي غادرنا في مثل هذه الايام. وادركت بعد رحيله أن النعم لا تدوم.
اخي وغرس ابي…
ذاك المارِدُ بكمالِهِ لم يستقبلْنا على بوّابةِ الدَّارِ بحِضنِه الواسِعِ الذي يعيد، بلحظة الارتماء عليه ، للحياة نبضها السليم، حضنُُ تصطفُّ على ذِراعيهِ مذاقُ الأُبوَّةِ والأُمومةِ والأُخُوَّةِ ،
كمال …هاتِ يَدِكَ. تعالَ معي. صوت ُصمتِكَ يَصمُّ آذاني، سأغمِضُ عينَيَّ مثلَك، واحمِلُ في يدي سَلَّةََ مِن ذِكرياتِِ وحنينِِ، وحينَ نتعبُ في مسيرةِ العِتابِ والنَّجوى، نجلِسُ معا تحتَ ظِلِّ شجرةِ تينِِ او زيتونِِ من غرسِ ابي. نفترِشُ في ظِلالِها بِساطاََ مُرصَّعاََ ببساطة ِطُفُولتِنا ورنينِ ضحكاتِها، نُعَلِّق ِعلى فَيءِ اغصانِها همسات ِالتقارُبِ والتناغُمِ بين سِني عُمري وعُمرِك. القي من ذاكرتي بُذور َالاسئلةِ المُتعبة ِعن الرحيل ِالمُبكِرِ، انتظِرُ على مساحةِ التساؤلِ، اعصرُ من رحيقِ زهر اللهفةِ قطراتِ الوَجدِ، احملُها في واحةِ يدي، اُكمِلُِ المسيرَ نحوَ أبديّةِ وُجُودِكِ، تسابِقُني القطراتُ حين تشتمُّ عِطرَ السكونِ، تتسلّل ُمن بين ِاصابعي نحوَ مسامِ رخامِ بياضِ القبرِ، تتهاوى عليك، تمسحُ اناملَ الحسرةِ بأكفِّ الَمي على جبينِ الفِراقِ، أسألُكَ ان تمدَّ لي يدَك َمرةََ ثانية،ََ لعلَّها تُهَدِّىءُ رَوعي، وتسخرُ من ضجيج ِاوجاعي