حاوره
أحمد طايل
مصر
مقدمة
هو كاتب بالعديد من الأجناس الأدبية، ولكنه تفوق على ذاته بالكتابة للطفل وهو مؤكد أصعب أنواع الكتابة الابداعية، أعماله يعتد بها بكل الصحف والمجلات المصرية والعربية ونالت حظا كبيرا لتدريسها برسائل ماجستير ودكتوارة، نشط بشكل كبير وفعال وإيجابي بكل الفاعليات الثقافية مصريا وعربيا، كان هذا الحوار معه مخصوص لموقع ومجلة ” ألف ياء ” .
المحور الأول
متى بدأت رحلتك مع الكتابة؟ وهل كان التوجه نحو أدب الطفل اختيارًا منذ البداية أم جاء في مرحلة لاحقة؟
أن تنغمس فى بحار الكتب، لتنتقل من شاطىء إلى آخر، تتمتع باكتشاف عوالم مثيرة وشخصيات غاية فى الدهشة.. أن تصبح أحد شخصيات هذا العالم المترامى الأطراف، تتأثر به إلى الحد الذى يجعلك تتعاطى الواقع والحياة بصورة تتسق مع ما تشبعت به من قيم راسخة وشخصيات تتمتع بالنبل فى مواجهة شخصيات أخرى لا تتوافق مع تكويناتك النفسية، ورغبتك فى أن تتماهى مع شخوصك المحببة. كل ذلك أدى بك لأن تمتطى صهوة القلم، وتسعى بكل شغف لأن تقوم بصناعة عوالم وشخصيات هى أشبه بنظرة الطفل الأولى إلى هذا العالم.. فكانت الدهشة المعجونة بالشغف والبكارة والطزاجة، والفرحة العارمة، والسعادة الغامرة، لأنك استطعت ايجاد شخصيات وأحداث لها وجود فعلى على الورق، لقد كنت فى الصف الثانى الإعدادى، وبرغم سذاجة ما قمت بكتابته إلى الحد الذى يجعلنى – الآن – أضحك كثيرا، لكننى – بالفعل – أدين بالفضل والامتنان لتلك الكتابات الأولى. لاسيما فقد دفعت بى لمزيد من المطالعة، ومصاهرة من يمارسون فعل الكتابة والابداع فى نوادى الأدب ورفقاء الدرب..
فى العام 1987 كنت على موعد مع أول قصة قمت بكتابتها للأطفال وقد تم نشرها بمجلة براعم الإيمان الكويتية.. كنت لا أزال طالبا بالمدرسة الثانوية الفرقة الثانية.. كانت قصة للكبار حاولت كتابتها ومعالجتها فنيا من واقع تجربة حياتية. إلا أن الأصدقاء بنادي الأدب كان لهم رأي آخر. فقد أجمعوا جميعا علي كونها قصة جيدة تصلح للأطفال.. وهكذا قمت بإرسالها فورا إلي مجلة براعم الإيمان ملحق مجلة الوعي الإسلامي.. ثم نسيتها ولم أهتم بالأمر.. فنشر قصة لي في مجلة عربية وأنا في هذه السن كان ضربا من الخيال الجامح. وكانت المفاجأة المدوية أن تم نشرها، فكانت فرحة طفولية بحجم الكون كله.. والأجمل بالفعل هي مشاركة أصدقائي لي الفرحة ـ فقد قاموا بعمل احتفالية بنادي الأدب.. وراح الجميع يهنئونني علي نشر القصة وهاهى القصة قد تم ضمها الي مجموعة أخري من القصص وصدرت في كتاب يحمل عنوان تلك القصة ((الفجر جلباب أبيض)) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فقد كان ثمة شعورا بالامتنان نحو هذه القصة الأولي.
كونك عضوًا في النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ورئيسًا لنادي الأدب بقصر ثقافة غزل المحلة، كيف ساهمت هذه التجارب في تشكيل هويتك الأدبية؟
عضوية إتحاد الكتاب هى مرحلة تالية لنادى الأدب.. إذ لابد أولا لكى تنال العضوية العاملة بالنقابة العامة لإتحاد كتاب مصر أن يكون قد صدر لك أكثر من منتج إبداعى، وهناك لجنة فرز ولجنة قراءة، ولجنة قيد.. ورسوم مالية، وتزكية أكثر من عضو ممن حصلوا على العضوية من قبل.. ومن ثم فالوصول إلى عضوية الإتحاد لابد أن يكون المبدع قد بلغ مرحلة ما من الخبرة الأدبية التى تمنحه هذا الحق. أما نوادى الأدب فلعلها أخف وطأة في شروطها وهى أشبه بورش يتبادل الجميع فيها تجاربهم الإبداعية، وتقديم النصح والإرشاد من أولئك الذين قطعوا شوطا لابأس به في الكتابة لمن يخطون خطواتهم الأولى نحو مدن الإبداع.
لا أنكر أننى استفدت إلى حد كبير بتواجدى داخل الحركة الأدبية في باكورة سنوات الكتابة، والتعرف على التيارات المختلفة، إذ كنت ملازما للكثيرين من كبار الأدباء ورموز الحركة الإبداعية في مصر من خلال المواظبة على حضور الصالونات، والمنتديات الأدبية كنادى القصة، وندوة “الفجر”، وندوة “المساء”، و “أتيليه القاهرة”. فضلا عن لقاءات مهمة كنا نتبادلها كأبناء جيل واحد داخل بيوتنا، وكانت تتميز بالدفء والحميمية. أما رئاستى لنادى أدب قصر ثقافة غزل المحلة ، فقد سعيت جاهدا لأن أرد الجميل لهذا المكان الذى نشأت بين جنباته، فحاولت بكل مافى وسعى أن أعيد إليه وجهه المشرق، وحرصت على دعوة الأدباء والشعراء من مختلف المحافظات، وكذلك حضور الشباب الواعد، وشيوخ الأدب بالمحلة حتى صار النادى نموذجا يحتذى به .. ولكن يؤسفنى أن النادى قد خمدت أنفاسه، وصار أثرا بعد عين بعد أن انتهت دورة رئاستى له.. ولعله يجد من يبث فيه الروح مرة أخرى.
ما الذي دفعك للكتابة للكبار بجانب أدب الطفل؟ وكيف توازن بين المجالين؟
امتلاك أى كاتب لأدواته الفنية ، ومعايشة الحالة بصدق سينتج عنها نصا جيدا.. أنت لاتترك القلم يتخبط هكذا على الورق بدون سابق انذار، وانما تتهيأ للحظة التجلي الإبداعي، فيتم استدعاء النسق الأمثل الذى يتوافق مع هذه الحالة، فتجد اللغة بسيطة أو ضبابية، أو تنحاز نحو اللغة الشاعرة، أو يكتنفها غلالة من الغموض، فضلا عن الأجواء النفسية، وملامح الشخصية، واستنطاقها بحسب مكوناتها الثقافية وعلاقتها بالبيئة المحيطة داخل فضاء النص.. الكتابة للكبار تمتاز بقدر كبير من المرونة، فأنت تعلم يقينا أن متلقيك يحمل من الخبرات الانسانية، والوعى ما يؤهله لاستيعاب القصة، بل يمكنه أن يتماهى مع النص بخلق خطوط موازية تخدم حالة التلقى. أما الكتابة للطفل فهى بالتأكيد تختلف .. فهناك مراحل عمرية متباينة، لكل منها لغة تناسبها.. وهناك مناطق محذورة من الصعب على الكاتب أن يتجاوزها.. أنت حين تكتب للطفل تعتريك حالة طفولية ، لتجد نفسك بقدرة قادر وقد تحولت الى طفل مع الاحتفاظ بمساحة من العقل الباطن ككنترول خفى يقوم بمراجعة وتصحيح ما تكتبه ليتسق مع روح الطفولة بكل ما تحمله من طزاجة، وبراءة، وشقاوة وبهجة وسعادة، و.. و..
المحور الثاني: أدب الطفل والتحديات
كتبت في العديد من المجلات العربية المهمة مثل ماجد والعربي الصغير وعلاء الدين… كيف أثرت هذه التجربة على تطور أسلوبك في كتابة قصص الأطفال؟
بدأت بمجلة ماجد، وعلى امتداد سنوات طويلة نشرت كم هائل من القصص والسيناريوهات، ولعل ماجد هى من قامت على تشجيعي واهتمامي بهذا العالم الطفولي البهيج، إذ كنت حريصا على قراءتها بشغف، وتوثقت علاقتي بأبطالها وأبوابها .. فلها نصيب الأسد فيما تم نشره لي من أعمال.. كما نلت شرف الكتابة في مجلات متعددة مثل: (( أحمد اللبنانية، براعم الإيمان الكويتية، العربى الصغير الكويتية ومجلات مصرية مثل قطر الندى، فارس، ميكى، علاء الدين))، وكل مجلة لها سمتها المميز، وهى مجلات بالكاد تخرج إلى النور في ظل ظروف شديدة القسوة. المجلات واسعة الانتشار – مثل ماجد مثلا أو العربى الصغير- تجعلك لحظة الكتابة تستدعى كل ملامح الطفل العربى على امتداد وطننا الكبير من الخليج إلى المحيط، فتقدم له نصوصا تتضمن القيم الاسلامية والقضايا العربية المشتركة، والانسانية في عمومها، (وهذا بكل أسف لم يعد موجودا في ماجد الآن فقد تغربت المجلة، وتغيرت ملامحها إلى الحد الذى يجعلنا نتباكى على عصرها الذهبى الذى ولى واندثر، ولم تعد تمت لنا ولا لعالمنا العربي والإسلامي بأي صلة إلا في القليل النادر!!..)
ثمة تغييرات سريعة ومتلاحقة تحدث فيما يخص التكنولوجيا الحديثة، وهذا يدفعك دائما لأن تشحذ همتك من أجل تقديم كتابة تليق بطفل عصرى، كتابة متوافقة مع تلك المستجدات والمتغيرات المجتمعية والثقافية مع التأكيد على القيم النبيلة والثوابت الراسخة لمجتمعاتنا العربية والاسلامية، نعم لقد أثرت بلا شك تلك المجلات على تجربتى الإبداعية، إذ يتحتم عليك أن تطور من أدواتك دوما لتتوافق مع عقل وثقافة ووجدان هذا الطفل، والذى تتعلم منه كيف تحسن مخاطبته.
ما هي التحديات التي تواجهها كاتبًا لأدب الطفل في الوطن العربي، خصوصًا في ظل المنافسة مع الوسائل التكنولوجية الحديثة؟
التحديات كثيرة ومتعددة، على رأسها اقتناص الفكرة المناسبة وكيفية معالجتها فنيا.. ثم البحث عن الوسيلة التى من خلالها يتم تقديم المنتج بصورة جاذبة وماتعة، وهذا يحيلنا إلى أزمة دور النشر المتخصصة في الانتاج الفنى للأطفال، إذ أن الواقع الذى نعيشه الآن قد اختلط فيه الحابل بالنابل.. وطمست فيه حقائق وأشياء وتوالدت مشاهد جديدة غير مألوفة.. فأما اختلاط الحابل بالنابل فهو الاستغلال الأسوأ لكثير من دور النشر التى دفعت بنفسها فى أتون الانتاج الفنى المتعلق بأدب وثقافة الطفل..بدون اللجوء الى دراسة منهجية تتكأ على أسس وقواعد علمية تمنحها القدرة على توظيف امكاناتها المادية والفنية فى انتاج وتسويق كتاب صالح للطفل يحمل كل سمات العمل الجيد.. فالأمر فيما يخص الناشر هو أشبه بمغامرة غير مأمونة العواقب.. لما يتطلبه الكتاب الطفولى من شروط ينبغى أن تتحقق ..فى ظل تحديات شديدة القسوة، تتمثل بعضها فى ظروف اجتماعية، واقتصادية.. وثقافية.. وسياسية.. ودرجة اهتمام الأسرة ومدى وعيها باعتبارها نواة المجتمع الأولى وكذا الايمان بجدوى القراءة. فضلا عن وسائل أخرى تعد أكثر جذبا وموائمة لطفل جديد، يختلف إلى حد كبير عن أسلافه من أجداده الأطفال الذين تعاملوا مع الحياة والواقع بصورة أكثر بساطة وتلقائية..
ومن التحديات التى تواجه كاتب الأطفال الإرتفاع المتزايد لأسعار الكتب؛ فرب الأسرة البسيط الذى يكد ويشقى من أجل أبناءه وتلبية احتياجاتهم الضرورية فى ظل ظروف اقتصادية شديدة القسوة، يصبح الكتاب فى تقديره من الرفاهية التى يمكن الاستغناء عنها فى مقابل احتياجات أخرى أهم؛ فالأبناء فى حاجة إلى المأكل والمشرب والاكتساء فضلا عن الدروس الخصوصية التى تكاد تلتهم ميزانية الأسرة، ثم تأتى بعد ذلك ضرورات أخرى ومن ثم فإن المكتبات العامة، ومكتبات قصور الثقافة، والمدارس ومراكز الشباب يمكنها أن تسد هذا العجز باقتناء الكتب والمجلات التى تجذب الطفل وتهتم بتثقيفه والأخذ بيده إلى عوالم أكثر رحابة.
وهناك تحديات تواجه كاتب الأطفال بإعتباره فرد في مجتمع له احتياجاته ومتطلباته التى تحقق له قدر من الأمان والإستقرار المادى حتى يتمكن من ممارسة عمله الإبداعى بصورة أكثر إشراقا فلا يقع فريسة لإستغلال دور النشر التى تستنزفه وتستلب حقوقه. أو دور النشر التى تمنح الفتات لأدعياء ليست لهم علاقة بمجالات أدب الأطفال، فيقدمون كتابات ساذجة عارية من أساسيات الفن ولا تمت له بصله، وإنما هى كتابات شائهة وفاسدة للذوق والجمال.. دعك عن الشللية المقيتة وتبادل الأدوار والمنافع كحضور المؤتمرات والفاعليات المهمة، والحصول على الجوائز، والتكريمات، وتسليط الضوء بقوة على أصحاب أقلام ليس لهم رصيد حقيقى . فى تقديرى الشخصى أن فكرة الشللية قائمة منذ القدم، وستظل موجودة مادامت هناك ايدلوجيا ما تحكم، وهذا ربما لايعيب من ينتمون إلى فكر واحد، أو يلتزمون بمبادىء محددة، يسعون إلى تحقيقها والتبشير بها من خلال وسائلهم وأدواتهم التى يمتلكونها.. ليس فى الأدب فقط ولكنها موجودة على كافة الأصعدة بدءا من أوليك الذين يلتقون على المقاهى ليمارسوا هواياتهم المفضلة فى قتل الوقت ومراقبة المارة وتبادلهم النكات والحكايات الجادة، والتافهة.. مرورا بأصحاب القضايا الكبرى، والأفكار المتحررة. لكل فن شلته، ولايمنع هذا من وجود دخلاء عليهم، يتحدثون بألسنتهم ويتشكلون بالصور التى تخدم مصالحهم ، إنها شلل المنتفعين، يريدون حصاد الثمار دون أن يقدموا لأنفسهم وللعالم ما يمنحهم هذا الحق.. هؤلاء يقدمون مصوغات وجودهم بحناجرهم الجوفاء، والتصاقهم كالمرض الجلدى داخل الجماعات الأصيلة.. هم أشبه بالحشائش الضارة التى تنبت بين الأشجار الضخمة والزروع الخضراء.. يثيرون حالات من الصخب والضجيج طوال الوقت، ويتبادلون فيما بينهم المنافع، ويتدافعون نحو الأضواء، ليكتسبوا شهرة زائفة. هؤلاء يجب كشفهم وفضح ممارساتهم الدنيئة، وهم بكل أسف يتكاثرون.
برأيك، ما الدور الذي يجب أن يلعبه أدب الطفل في تشكيل وعي الأجيال الجديدة، خصوصًا في ظل التحولات المجتمعية السريعة؟
الإبداع هو الإمتاع الذى يتضمن قيم أخلاقية مهمة. لايمكن لمجتمعاتنا التخلى عنها،وإلا ذابت وانزوت فى بوتقة الاغتراب. أهمها العقيدة الصحيحة، وتقديم القدوة الحسنة بصورة وضيئة ومحببة. كاتب الأطفال ليس وحده المسئول عن تأمين هذه القيم ، فثمة مؤسسات يتوجب عليها ذلك بدءا بالأسرة، مرورا بالمدرسة، والمسجد، والدراما التلفزيونية، والأفلام السينمائية، والمسرح، وقصور الثقافة، وكل الجهات ذات الصلة بمجالات الطفولة. مع التأكيد على الوسائل الحديثة واستخدام لغة موائمة لطفل عصرى. نحن لا يمكن أن نشير بأصابع الاتهام جميعها إلى هذه التقنيات، فإنها لغة العصر، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن ننفصل عن هذا الواقع، أو نسبح عكس التيار. لكننا يجب أن نعلم جيدا أن لكل جيل ظروفه الخاصة ولكل زمان آلياته ومستجداته التى تناسبه، وعصرنا هذا يغلب عليه التقنيات الفائقة، ونظام العولمة بكل ما يحمله هذا اللفظ الضخم المخيف من معنى. نحن جزء من هذا العالم، نشارك فى صنعه شئنا أم أبينا..
كيف تختار الموضوعات التي تتناولها في قصصك؟ وهل تفضل أن تكون القصص تعليمية، ترفيهية أم مزيجًا بين الاثنين؟
الموضوعات تحيط بك من كل جانب، فهناك الأحداث التاريخية، والتراث الشعبى، والواقع الممزوج بالخيال أو ماتمر به أنت من تجارب حياتية.. إنه عالم اشبه بمحيط ليست له ضفاف ولكن كيف يتم توظيف الموضوع بصورة فنية تحترم عقل الطفل وتحقق له المتعة والدهشة الممزوجة بالقيمة الأخلاقية.. هذا ما أسعى جاهدا لتحقيقه.
المحور الثالث: الإصدارات والجوائز
لديك العديد من الإصدارات في أدب الطفل، لكن “أسباب للبكاء” و*”الآخرون”* هي مجموعات للكبار. ما الذي يميز هذه الأعمال عن كتاباتك الموجهة للصغار؟
مجموعة أسباب للبكاء، وكذا الآخرون تعرضت فيهما لقضايا اجتماعية، وثيقة الصلة بعالم الكبار، فضلا عن اللغة المستخدمة وطبيعة الموضوعات التى تم طرحها بطريقة قد لايستوعبها الطفل، فمستوى اللغة قد يفوق قدرات هذا الطفل، أنت توجه قصصك لقارىء واعى ومتمرس يمكنه أن يتفاعل مع النص بل ويمكنه أن يضيف إليه بما يمتلكه من خبرات ثقافية وحياتية انطباعات لها وجاهتها. وهذا مايميزها عن الكتابة للصغار ..الكتابة للأطفال لابد أن تحمل البهجة والدهشة والأجواء الطفولية المحببة التى تحمل بين جنباتها القدوة الصالحة، والقيم الأخلاقية النبيلة.
حصلت على جائزة “أحسن كتاب للطفل” في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2017، كيف أثرت هذه الجائزة على مسيرتك الأدبية؟
الكاتب عموما لحظة التجلى الابداعى قد لايفكر فى جائزة من أى نوع، فهو مشغول بانجاز عمله والوصول به الى الصورة التى يأملها.. ثم بعد ذلك يتحصل على الجائزة والتى قد تظهر فى صور متعددة، منها حالة الرضا التى تهيمن على روحه بعد معاناة الكتابة والفراغ منها.. كما أن هناك شعور بالسعادة لايوصف حين تجد جهدك وقد تم إخراجه بصورة جاذبة ورائعة.. والأكثر روعة هو وصول هذا المنتج إلى الطفل المتلقى، هذا يحقق لى قدر هائل من السعادة.
أما الجوائز التى تمنح من قبل الدولة فهى لاشك مهمة، فأنت كمبدع تأتى عليك لحظات تتوقف فيها لتلتقط أنفاسك ، وتحدد إلى أى مدى بلغت بك الكتابة، هل من أحد يراك، أو يشعر بوجودك، الجائزة لاشك لها مردود نفسى مهم، كما أن القيمة المادية فى ظل الظروف القاسية التى يعانيها المبدع، ومتطلبات الحياة و المعيشة أمر ضرورى لتعوض ولو نذر يسير مما تم استنزفه.
لقد حصلت بالفعل على “جائزة أحسن كتاب للأطفال” فى العام2017 عن مجموعتى القصصية “طائرة من ورق ملون” والتى صدرت عن المركز القومى لثقافة الطفل التابع للمجلس الأعلى للثقافة .. كانت لحظات تزدان بالسعادة والروعة، كما كان هناك شعور بالفخر والاعتزاز يطل من أعين زوجتى وأولادى وهم يتطلعون الى وأنا أستلم الجائزة.. هذه لحظات مهمة وفارقة فى حياة أى مبدع.
هى بالطبع قد تكون جزء من نجاح الكاتب، ومنحه شعورا بالإعتزاز وهذا حقه.. لكننى أؤكد أنه ليس المعيار النهائى للنجاح.. فهناك العديد من أصحاب الأقلام الجادة، والمهمة ربما لم تحصل على جائزة من أى نوع، واستطاعت أن تغزو بأعمالها قلوب وعقول القراء،
من بين إصداراتك للأطفال، هل هناك عمل قريب إلى قلبك بشكل خاص؟ ولماذا؟
هناك أفكار كثيرة تم طرحها ومعالجتها فى العديد من أعمالى، ولعل من بينها استجلاب تاريخنا الوضىء من خلال شخصيات العظماء الذين يحق لنا أن نفخر بهم ونقدمهم كقدوة صالحة لأطفالنا اذكر سلسلة “مسلمون علموا العالم” والتى قدمت فيها عشرة شخصيات من نوابغ المسلمين كالخوارزمى وابن الهيثم وعباس بن فرناس وابن سينا وغيرهم بصورة محببة وشائقة تدعو الطفل للإعتزاز بتاريخه وأمجاده وهناك سلسلة “رحالة ومغامرون” وسلسلة “علماء العصر” وكلها تم تناولها بطريقة محببة وهكذا سعيت لإمتاع الطفل جنبا إلى جنب ثمار المعرفة والتصاقه بقيمة العلم والعلماء مابين القدامى والمحدثين. فضلا عن العديد من الكتب والسلاسل والمجموعات القصصية التى صدرت من دور نشر مختلفة. هناك بالفعل كتابات أشعر كم هى قريبة إلى نفسى مثل سلسلة “طريق السلامة” الصادرة عن دار المعارف و”تعظيم سلام”، “وقالت الشمس” الصادران ضمن سلسلة كتاب قطر الندى عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.. وكتاب “الحق المبين ، ورحلة إلى مدن الظواهر الطبيعية” الصادران عن بيت اللغات الدولية.. و”جدى صياد السمك.. وعودة القط أوسكار” الصادران عن دار أصالة اللبنانية.. وإصدارات أخرى كثيرة ولله تعالى الفضل والمنة.
المحور الرابع: الرؤية المستقبلية والتأثير
ما هي المشاريع القادمة التي تعمل عليها حاليًا؟ وهل هناك نية لإصدار أعمال جديدة تتناول موضوعات معاصرة تهم الطفل؟
ثمة كتابان صدرا بالفعل مؤخرا أحدهما كما قلت آنفا “مغامرات فريق الحق المبين” والآخر بعنوان “رحلة إلى مدن الظواهر الطبيعية” وكلاهما صدرا عن بيت اللغات الدولية، الكتاب الأول يرد على الشبهات والإفتراءات التى يتعرض لها الإسلام، ونبينا الكريم صل الله عليه وسلم من خلال فريق من الأولاد الصغار يستحدمون الميديا بمهارة شديدة، ويقومون بتوظيف التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعى للرد على تلك الأباطيل، والحمد لله فقد نفدت الطبعة الأولى وأعيدت طباعة الكتاب مرة أخرى.. أما “رحلة إلى مدن الظواهر الطبيعية” وكما هو واضح على الغلاف الخلفى ” يصحبك هذا الكتاب الممتع والمفيد في رحلة خيالية تتعرف فيها على أهم الظواهر الطبيعية مثل: الزلازل، البراكين، الأعاصير، والجفاف، والرعد والبرق، وغيرها لتستكشف أسرار هذه الظواهر من أسبابها وحكمة حدوثها وكيفية الحد من خطورتها، بالإضافة إلى الكثير من المعلومات العلمية والدينية، فضلا عن الاستمتاع بالمغامرات المثيرة..
وهناك كتاب عن نفس دار النشر بعنوان ” 365 حكاية إسلامية للأطفال، كل يوم قصة مفيدة ومتعة جديدة”، وهو مجلد ضخم ،مطعم باللوحات المبهجة، وقد شارك في إعداد هذا الكتاب أربعة من المبدعين الكبار وهم: أحمد عبد النعيم أحد كتاب الأطفال، ورسام الكاريكاتير المعروف بجريدة الأخبار.. والأديب الكبير عبد الله مرشدى، والكاتبة المبدعة د. إيمان سند. ومحمد المطارقي. وهو كتاب أكثر من رائع، لم يبخل الناشر على تجهيزه ليخرج بصورة غاية في الإدهاش، وسيكون أول ظهور له في معرض القاهرة الدولى للكتاب 2025 والكتاب يجمع بين دفتيه 365 حكاية من روائع تراثنا العربي والإسلامي. ويقدم كل يوم حكاية جديدة تحمل قيمة إنسانية جميلة بأسلوب شيق وسهل، وعند تصفحك للكتاب ستجد بساتين متنوعة من أجمل الحكايات، تعانقها لوحات معبرة ومبهجة، نأمل أن يتعلم الطفل منها كيف يكون إنسانا كريما، عطوفا، نبيلا، ومحبا للخير.
ما رأيك في مدى اهتمام المؤسسات الثقافية العربية بأدب الطفل؟ وهل ترى أن هناك ما يجب تطويره في هذا المجال؟
أدب الطفل شأنه شأن الأدب عموما يقع على هامش الظل فى واقع ثقافى متأزم، بعد أن كان الأدباء والشعراء وأصحاب الأقلام النبيلة هم قادة الفكر والرأى، ويتصدرون المشهد الثقافى بقوة، حدثت تحولات فى البنية الثقافية بفعل مستجدات مذهلة وعواصف هوجاء وتوغل من بيدهم المال والسلطة ليتم إقصاء المبدع والمفكر عن دوره الحقيقى كمحرك أساسى لتوعية الجماهير والإرتقاء بذائقتهم الفنية والجمالية فقبلوا الدنية، واستسلموا لواقع مزرى لايليق بهم ولا بتاريخ آبائهم وأجدادهم من المفكرين والأدباء والشعراء، وهذا مادفع بالكثير من الأدعياء لأن يحتلوا مواقعهم الشاغرة ويبرزوا ثقافة التجهيل والتسطيح، والهاء الناس بقضايا وهمية ،أو استخدام نبرة الزن والإلحاح المستمر لتوليد حالة من الرضوخ والإمتثال لثقافة التفاهة والإستهلاك!!
أدب الطفل – يا صديقى – ليس مجرد كتاب يتم إصداره وفقط، ولكن ثمة تبعات ينبغى أن تتحقق. أهمها بالطبع هو وصول الكتاب إلى القارىء المستهدف، وأن يكون الوعاء جاذب والمحتوى جيد. وزارة الثقافة تهتم بنشر الأعمال الإبداعية وهى لها نوافذ متعددة كهيئة الكتاب والتى تتصدر دور النشر الرسمية عموما، ثم المجلس الأعلى للثقافة ممثلا فى المركز القومى لثقافة الطفل، وهذا يقوم بدور حيوى وهام جدا سواء على مستوى الأعمال التى تصدر أو الأنشطة والفاعليات التى يتم فيها التقاء المؤلف بجمهوره من الأطفال، هذا الجمهور هم من أبناء القاهرة، وبالتالي فهم أوفر حظا من أطفال القرى والأقاليم الأخرى التى لايمكنهم حضور تلك الفاعليات، وهناك هيئة قصور الثقافة التى تحاول جاهدة أن تتواصل مع الأطفال من خلال نوادى الطفل بقصور الثقافة المتناثرة فى أنحاء مصر، وهى تفتقر إلى وجود حقيقى يحدث فيه الالتقاء المباشر بين الكاتب وجمهوره من الصغار، كما أن الهيئة بكل ماتملكه من امكانيات هائلة واصدارها للكثير من الكتب والسلاسل تضن بإصدار كتب للأطفال اللهم إلا كتاب وحيد هو كتاب قطر الندى، والذى كاد أن يتوقف أكثر من مرة.
ولكى نصل الى النتيجة المرجوة، يتحتم على الدولة أن تساند دور النشر الجادة.. وأن تقوم على تشجيعها بشتى الصور الممكنة.. وذلك من خلال دعمها للورق، والأحبار.. واستخدام كل سبل الدعاية وتقديم البرامج الموجهة التى تثير شهية الطفل لاقتناء الكتاب.. فتشجيع الطفل على القراءة هو دعم حقيقى لدور النشر المتخصصة وضمانة لاستمرارها فى انتاج الجديد من الاصدارات الجيدة..
بحكم خبرتك الطويلة، ما نصيحتك للشباب الذين يرغبون في دخول عالم الكتابة للأطفال؟
طريق الكتابة موبوء بالمكابدة، وللوصول إلى درجة الإبداع لابد من انتهاج سبل التجديد وعدم السقوط فى براثن النمطية، أو الرضوخ للإستسهال. الكتابة هى ذلك الكائن الحى الذى يحتشد بكل القيم والمشاعر المتناقضة، لكنها تستمد قوتها من تلك الروح العذبة، التى تسرى فى أوصال النص الإبداعى وهى ما تسمى بالصدق الفنى. وعلى المبدع الحقيقى أن ينحاز إلى مشروعه الإبداعى، فيخلص له ويسعى لتجويده قدر ما يملك، وينأى بنفسه عن المهاترات، وايجاد خصومات مجانية، يتوجب على المبدع الحقيقى أن يؤمن بقضيته، أن يسعى لتوصيل مهمته ورسالته.. أن يبتغى وجه الله والإبداع، ولاضير فى أن يستخدم كل السبل المشروعة من أجل نشر أعماله فهى الضمانة الأكيدة لاستمراريته وشعوره بحالة من الرضا.
المبدعون الجدد، أو هؤلاء الشباب الذىن يسعون لفعل الكتابة من أجل الصغار نحن فى أحوج ما نكون إليهم، وعليهم أن يستخرجوا هذا الطفل الكامن داخلهم ويستعيدوه على الورق، عليهم أن يطالعوا النصوص الإبداعية المتميزة ليستفيدوا من التجارب الناجحة..أن يقتربوا من عالم الأطفال. على الكاتب الواعد أن يتأملهم عن كثب ويعشق عالمهم البرىء..ولأن المراحل العمرية للطفل متعددة ولكل فئة منها سماتها الخاصة المميزة فلابد أن يقرأ كثيرا عن الجوانب النفسية والسلوكية لتلك المراحل، والالتقاء بجماعات الأطفال والتحدث معهم والإنصات إليهم باهتمام..
كيف ترى مستقبل أدب الطفل في العالم العربي، وهل تعتقد أن هناك تطورًا ملحوظًا مقارنة بالماضي؟
هناك الكثير من أصحاب الأقلام الجادة، المحبة لعالم الطفل، تنتشر على امتداد وطننا العربى.. وهؤلاء يمارسون فعل الكتابة في ظل ظروف قاسية، هم يعدون الكتابة للطفل قضيتهم الأولى، ومشروعهم الذي يسعون لتحقيقه. نعم، لقد حدث تطورا في أشكال الكتابة، وطرق الطباعة.. وصارت هناك أشكال من الكتب التفاعلية لم تكن موجودة من قبل .. لاشك أن التقدم التكنولوجى ألقى بظلاله على كافة الصناعات بما فيها صناعة الكتاب، فصارت الكتب أكثر تألقا وروعة .. المسابقات الكبرى التى تنظمها العديد من الدول العربية، وفى القلب منها دول الخليج دفعت بالعديد من الشباب لأن ينتبهوا إلى هذا العالم المدهش .. فاستهوتهم التجربة.. كما نشطت العديد من دور النشر وحدث بينهم تنافسا ربما يخدم كتاب الطفل..
في المقابل ثمة تراجعا ملحوظا في مجلات الأطفال، فهناك من اختفت ولم يعد لها وجود يذكر ، وهناك من تتعثر وتحاول النهوض بصعوبة شديدة، فضلا عن سعر الكتاب والذى قد يفوق امكانيات أغلب الأسر . كما أن اهتمام الحكومات العربية بأدب الطفل لم يرقى إلى مستوى الطموح الذى نبتغيه، نعم؛ هناك محاولات حثيثة وخطوات قد تبشر بخير، ولتسمح لى – من خلال هذا المنبر – أن أوجه دعوة صريحة إلى كافة كتاب الطفل في عالمنا العربى أن يناشدوا حكوماتهم ببذل أقصى مافي طاقاتها للعناية بالأطفال فهم أمل الأمة ومستقبل حياته.
المحور الخامس: قضايا أدب الطفل
كتبت عن قصص الأنبياء والسيرة النبوية بأسلوب مبسط للصغار، كيف تعاملت مع هذا النوع من الكتابة الذي يتطلب الدقة والوضوح في الوقت نفسه؟
مثل هذا النوع من الكتابة أراه نبعا صافيا لا ينضب، إنها القصص الحق، والتى تحمل في مضامينها كل المعانى الجميلة، والأخلاق القويمة.. فيها الإمتاع والتشويق والأحداث المثيرة، والشخصيات الرائعة والملهمة.. كان على أن أبحث وأنقب في المصادر الصحيحة والمعتبرة، واستعيد أيام طفولتى وأنا أجلس في حضرة الوالد الكريم رحمه الله وهو يسرد بصوته الرقراق قصص الأنبياء والمرسلين.. وحياة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.. ثم قراءاتى للعديد من المؤلفات التى تناولت هذا الجانب، سواء ما تم تقديمه للصغار، أو الكبار.. كنت حريصا على جمع المادة التاريخية ثم أقوم بتوظيف كل ذلك بصورة فنية محببة، وبفضل الله تعالى وتوفيقه صدر كتابى “أحسن القصص من آدم عليه السلام إلى محمد صل الله عليه وسلم” وقد تمت إجازته ضمن قائمة وزارة التربية والتعليم .. كما قمت بكتابة قصص القرآن وتم نشرها مسلسلة فى مجلة براعم الإيمان.. ثم تم جمعها وصدرت فى كتاب ضمن سلسلة مجلدات بعنوان احك لطفلك عن مؤسسة أم القرى.. ثم نشرت كسلسلة تزدان باللوحات الرائعة عن دار ينابيع.. وهناك سلاسل عديدة تناولت فيها الصحابة والتابعين..وأنا هنا أؤكد على الجمع بين الاستعانة بالمصادر الصحيحة وبين تناولها بصورة مشوقة ومحببة وأسأل الله أن أكون قد وفقت.
إلى أي مدى ترى أن أدب الطفل يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز القيم الأخلاقية والدينية لدى الأطفال؟
دعنى أؤكد لك بيقين أن الرهان الحقيقى لترسيخ القيم النبيلة، والحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية هو أدب الأطفال. إنها مدن السعادة والبهجة والخيال المدهش، مدن تفتح أذرعها الحانية إلى الأطفال ليركضوا في مروجها الخضراء، يمارسون أحلامهم المشروعة، ويتعرفون على تاريخهم وأمجادهم. في هذه المدن الرائعة المبهجة إلى حد الدهشة يلتقوا بالأنبياء والمرسلين ويتعرفون على أعظم شخصية وطـأت بأقدامها الأرض سيدنا محمد صل الله عليه وسلم،منذ مولده وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.. في مدن الأدب والإبداع يتعرف الصغار على الشحصيات الطيبة التى تبث الخير للعالم في مقابل شخصيات ممجوجة، بغيضة لكونها تحمل الشر للناس.
أدب الطفل قادر وبقوة على تعزيز القيم الأخلاقية والدينية لدى الأطفال شريطة أن يحسن توجيه الرسالة بصورة وضيئة ومحببة.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتها أثناء كتابة سلسلة “المعارك الكبرى والغزوات” وسلسلة “قصص القرآن” للأطفال؟
أبرز التحديات التى واجهتنى حقيقة هو كونك ستتعرض لتجربة تعرض لها العديد من الكتاب، فما الجديد إذن الذى يمكن أن تضيفه.. كما أن هذا الجانب قد يتضمن أحاديث ضعيفة وقصص واهية لا يمكن تقديمها للطفل. فاستعنت الله عز وجل وجمعت المادة التاريخية من مصادرها الصحيحة، ثم سعيت جاهدا لأن أقدمها بصورة ماتعة وجاذبة، والحمد لله رب العالمين فقد نالت استحسان الكثير من القراء، وأسأل الله تعالى أن يتقبلها منى خالصة لوجهه وأن ينفعنا بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن يعفو عنا ويسامحنا على تقصيرنا فهو على كل حال جهد المقل الضعيف.
المحور السادس: التأثير المجتمعي والتكريم
كيف كان تأثير عملك في مجال أدب الطفل على مجتمعك المحلي، خاصة في المحلة الكبرى؟
لا أستطيع الحكم على ذلك، أنا ألتقى كثيرا بالصغار، أتحدث إليهم بحميمية وأحكى لهم حكايات تنال إعجابهم، وأنصت إليهم باهتمام.. ولى صداقات مع العديد منهم.
. تم تكريمك في مناسبات مختلفة، ما هو التكريم الذي كان له الأثر الأكبر عليك، ولماذا؟
أغلب التكريمات التى حصلت عليها كانت نتيجة مشاركاتى في الفاعليات والمؤتمرات الأدبية.. أو للفوز بجائزة، أو للتحكيم فى بعض المسابقات..
التكريم الحقيقى الذى حصلت عليه والذى طالما أسعدنى أيما سعادة هو وصول إصداراتى إلى العديد من الدول العربية، بما فيها دولة فلسطين الغالية فقد سرنى أن تبعث لى الأديبة “مها هانى شحرور” من “نابلس” بعدد من الصور لأطفال داخل مكتبة يمسك كل منهم بكتاب من كتبى..
لقد كرمت بالفعل عندما تناول بعض الدارسين من النقاد، والباحثين نماذج من أعمالى وحصول البعض منهم على رسائل ماجستير، ودكتوراه.. وترقى.. أو الاستعانة بها في بعض الأبحاث العلمية الرصينة من داخل بعض الجامعات. أما التكريم الرسمى لمشوارى الإبداعى فهذا لم يحدث.
ما الرسالة التي ترغب في توجيهها إلى الآباء والمربين حول أهمية القراءة للأطفال؟
ونحن إذ نؤكد على قيمة القدوة الصالحة للطفل، لابد أن نغرس فيه حب القراءة، ومشاركته البحث عن تلك الكتب المفيدة والنافعة التى تسهم فى تكوينه، وتعزز بداخله القيم والتقاليد الراسخة.. ويتوجب على الأسرة أن تيسر له هذا الأمر، سواء باقتناء الكتب والمجلات الورقية، أو اصطحابه إلى المكتبات العامة وقصور الثقافة، ومعارض الكتاب لتتوثق علاقته بهذا الكائن النبيل الذى يسمى الكتاب.. وحبذا لو قام هو باختيار الكتاب الذى يشتهيه، فهذا أدعى لقراءته بشغف، مالم يكن كتابا رديئا، أو يتضمن أفكارا غير مناسبة.
ومع محرك البحث “جوجل” ستتدفق تلالا من الكتب الرقمية بكل لغات العالم.. فلابد من استغلال الميديا فى الوصول إلى تلك الكتب الجيدة وانتخاب ما يتلائم مع شريحة الطفل العمرية، وقدرتها على الفهم والاستيعاب.. وإلا تاه وضاع بين هذا الزحام المتدفق.
فكل ما وصلت اليه البشرية من تقدم وازدهار فى مجالات العلوم والاتصالات يعود الفضل الأول فيه للكتاب.. والطبيعي أن يزدهر الكتاب ويعود إلى سابق مجده إذا استطعنا توظيف الميديا بما يخدم الكتاب ويروج له.
المحور السابع: الكتابة والنقد
لديك إصدار بعنوان “قصص عابرة للدهشة” (قراءات نقدية)، كيف ترى النقد في مجال أدب الطفل؟ وهل تلقى إصدارات الأطفال اهتمامًا نقديًا كافيًا؟
كتابى “قصص عابرة للدهشة” وكتابات أخرى تسير على نفس الدرب تم تقديمها كأوراق بحثية فى العديد من المؤتمرات تناولت فيها كتابات الأصدقاء من مبدعى أدب الطفل.. والكثير منهم ربما لاتربطنى به علاقة شخصية. وأنا أؤكد على كونى لست ناقدا متخصصا، ولكن عشقى لهذا العالم يدفع بى بين وقت وآخر أن أقوم بقراءة بعض الأعمال التى تقدم فى سوق الطفل. وأعتقد أننى لست بدعا من الأدباء فثمة أصدقاء ليسوا نقادا بالمعنى الأكاديمى ويمارسون هذا الفعل.. نحن بحاجة إلى مثل هؤلاء، فثمة زخما ولابد من متابعات صادقة وحقيقية. وهذا لا يغنى عن الأساتذة المتخصصين فى مجالات النقد، ولكنها يمكن أن تسد العجز القائم نوعا ما.
ما الذي دفعك إلى إصدار “قضايا أدب الطفل”؟ وهل ترى أن هناك فجوة في تناول قضايا الطفل أدبيًا؟
فيما يخص كتابى “قضايا أدب الأطفال في مصر والعالم العربى – محاورات ومناقشات –”.. فهو يتضمن مجموعة من علامات الاستفهام تم طرحها على عدد كبير ممن يتعاطون الكتابة فى مجالات أدب الطفل (بمصر والعالم العربى).. وكانت ردودهم جميعا أشبه بنغمات متباينة لكنها فى النهاية شكلت لحنا منفردا صريحا وواضحا. ، لتمنحنا القدرة على قراءة المشهد الأدبى الخاص بواقعنا الطفولى.. والحق أقول أن المبتغى من وراء هذه الحوارات ليس فقط التعرف على تطور أدب وثقافة الطفل، وما يعانيه الأدباء وأهم القضايا والهموم التى تشغلهم.. وإنما أردت أيضا ( بالإضافة لكل ماسبق) أن أتناول جوانب من سيرهم الذاتية، فضلا عن منجزهم الابداعى، وأهم الجوائز التى أحرزوها فى هذا الميدان. حرصت أن أتواصل مع أجيال عدة، مابين جيل الكبار، وجيل الشباب.. كذلك اشتملت تلك الحوارات على أسماء لكاتبات لهن حضورهن اللافت وابداعاتهن المتميزة. وهكذا صار هذا الكتاب بما يحتويه أشبه بعمل توثيقى، يمكن الرجوع اليه كمصدر للمهتمين بأدب الطفل وهى محاورات تبنتها المجلة الثقافية الجزائرية. وقامت بنشرها جميعها على موقعها الالكترونى. ويحضرنى فى تلك اللحظة صورة صديقى الراحل كاتب أدب الأطفال عبد الباسط البطل والذى راح ضمن ضحايا حادث انفجار قطار محطة مصر فقد استعانت جميع المواقع الاخبارية والعديد من الصحف والمجلات بالحوار الذى أجريته معه للتعريف به. وهذا مايجعلنا نؤكد أن غالبية من ينتمون الى هذا الفن لاينالون التقدير الذى يستحقونه، ولا تلتفت اليهم وسائل الاعلام، ولا أقلام النقاد الا فى القليل النادر.
المحور الثامن: أدب الطفل في الإعلام
كيف تقيّم حضور أدب الطفل في وسائل الإعلام العربية؟ وهل ترى أن هناك تقصيرًا في تسليط الضوء عليه؟
فى تقديرى أن الوصول إلى طفل مثقف لابد أن تتضافر فى إعداده جهود العديد من المؤسسات الرسمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدنى فلا يمكن الوصول إلى ذلك الطفل المنشود بالإتكال على الكاتب وحده وإنما لابد من التعاون بين تلك الجزر المتناثرة مابين وزارة الثقافة، والإعلام، والشباب والرياضة، والأوقاف، والتربية والتعليم لابد من وجود خطة استرتيجية ممنهجة ومشتركة للوصول إلى تلك الغاية النبيلة وهو الطفل، وإلا أين هو على الخارطة الإعلامية وبالأخص هذا الجهاز الخطير الذى يسمى التلفزيون. الدراما التلفزيونية يهيمن عليها “لوبى” إذا جاز التعبير، لايسمح لأحد بالاقتراب من هذا الحقل الحيوى بداية من الإعلاميين ومقدمى البرامج والضيوف ومرورا بالمسلسلات والبرامج وحتى الإعلانات، هناك إقصاء شبه متعمد لحملة الأقلام الجادة، والمواهب الحقيقية، وهذا ينتج عنه بطبيعة الحال ركام هائل من البرامج والمسلسلات التافهة ونماذج خاوية لأبطال وهميين
الطفل – بكل أسف – ليس له مكان على صفحة التلفاز ربما نراه فى إعلانات موجعة للمتاجرة بآلامه وأحلامه، فيما عدا ذلك لن نراه البتة، لأنه غير موجود بالمرة فى دائرة اهتمامهم. التلفزيون بما يمتلكه من قدرات عظيمة وهائلة بإمكانه أن يعيد تشكيل فكر ووجدان المجتمع بصورة راقية ومحترمة، هذا إذا كنا بالفعل نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقا. بإمكان التلفاز أن يقوم بالترويج للإصدارات الجيدة، ويساعد فى التعريف أكثر بالأدباء والمبدعين ويتبنى عرض برامج ومسلسلات هادفة وواعية تسهم فى تعزيز بناء الطفل والأسرة وتحافظ على القيم المجتمعية. ما أقوله ليس يخص مصر وحدها ، ولكن أعتقد أنه ينسحب على غالبية عالمنا العربى.
المحور التاسع: التفاعل مع القراء
كيف تتفاعل مع الأطفال الذين يقرؤون قصصك؟ وهل لديك ذكريات معينة مع قراء صغار أثرت فيك؟
دعنى أنقل إليك سعادتي واعتزازي بطفل لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره يسمى” طارق زين ” من دولة بلجيكا.. وهو مسلم من أصول عربية يعد من أولئك الأطفال النوابغ الذين شاركوا فى المسابقة العالمية لتحدى القراءة بقراءته لمجموعة من الكتب المهمة من بينها كتابى “مسلمون علموا العالم”، وفى لقاء له تحدث عن ما يتضمنه الكتاب ببراعة ، وأكد لمقدم البرنامج أنه قد تأثر بهذا الكتاب إلى الحد الذى جعله يطمح فى أن يصبح شخصية مهمة ونافعة لا تقل أهمية عن تلك الشخصيات الرائعة التى قرأها.. ثمة رسائل ربانية تأتيك بين الحين والحين لتربت على روحك وتدفعك للتقدم فى طريقك الذى قدره الله تعالى لك.. أنت مشغول طوال الوقت بهموم الكتابة. لتجدك وقد حققت رصيدا كبيرا من الإصدارات ثم تأتيك ثمارها الطيبة لتشعر أن جهودك المضنية لم تضع سدى. بالطبع لى مواقف عديدة مفعمة بالسعادة مع أطفال تعرضوا لأعمالي بالتلخيص والمشاركة بها فى مسابقات.. أو هؤلاء الذين يقدمون نصوصا لى عبر قنواتهم الخاصة على اليوتيوب.. ويكفينى اعتزازا أن ثمة أعمال لى يتم تدريسها ضمن المنهج الدراسي للصف الثالث من المرحلة الابتدائية بدولة الكويت ولله تعالى الفضل والمنة..