داخل تلك العربة المكيفة في قطار النوم الذي انطلق للتو مغادرا محطة رمسيس متجها إلى اسوان، درت بعيني ابحث عن هذه الغرفة التي تحمل الرقم سبعة وأنا اخفي جسدي النحيف داخل المعطف الصوف ذو البطانة الناعمة الدافئة ،وحشرت رأسي داخل تلك القبعة الأنيقة وأشعلت سيجارا كوبيا فاخرا و رحت أفرغ صدري من دخانه وأنا أتطلع إلى أرقام الغرف بشئ من الكبر حتى وقعت عيني على الرقم سبعة ،دفعت الباب بقدمي دون استئذان وبطريقة همجية ،لأجد أمامي رجلاً ستيني أبيض الوجه ذا شارب كثيف مبروم يرتدي بدلة أنيقة ويمسك بعكاز ذهبي اللون في يده ويبدو عليه الثراء من الوهلة الاولى ،رمقني بنظرة غاضبة وكاد أن يسبني ولكنه فجأة ابتسم وأشار لي بالدخول حتى انتابني شعور أنه سيغلق الباب ويكيل لي اللكمات ولكن حدث غير ذلك ،عاملني بلطف ودعاني إلى تناول الطعام معه وهو يتطلع إلى معطفي بين الحين والآخر ،وراح يحدثني عن ممتلكاته وصولاته وجولاته في عالم السياسة وعلى ابنته الجميلة التي تشبه الأميرة ديانا والتي أنهت للتو دراستها الجامعية ودس يده في جيبه وأخرج صورة لفتاة ممتلئة جدا وبجدية أخبرني أن ابنته ليست بدينة إلى هذه الدرجة بل غباء المصور أظهرها هكذا .ولكن في واقع الأمر مهما كان المصور غبي أو حتى محترف لا يمكنه التلاعب في هذا الوجه الذي يبدو أن صاحبته تخطت المائه والخمسون كيلو من الجرامات .ابتسمت له وقولت له أنها جميلة بالفعل .فأخبرني أنها رفضت الكثير والكثير من أبناء أصدقائه في السلك الدبلوماسي وأبناء رجال الأعمال ممن تقدموا لخطبتها .ثم اقترب من معطفي وقرأ اسما مدونا عليه ثم سألني : هل أنت ابن رجل الأعمال هشام السنوسي .فأجبته دون تردد بنعم .انفرجت اسارير وجهه وأصر على أن أقيم معه في قصره الذي يطل علي النيل في محافظة أسيوط عندما أخبرته انني ذاهب الى هناك .سألني لماذا لا تخلع معطفك فالعربة مكيفة وعندما نصل إلى وجهتنا ارتديه .ترددت كثيرا في فعل ذلك ولكنني اضطررت لنزعه بعد إلحاحه المتكرر .لينظر لي بدهشة وذهول ثم أطلق ضحكة مدوية وتحدث وابتسامة عريضة تملؤ وجهه : يا لكم من جيل غريب ترتدون ملابس ممزقة تبدو مثل ملابس المشردين وهي باهظة الثمن .تبا لتلك الموضة الغريبة أومات برأسي بابتسامة خاطفة ،ثم انتفضت على صوت طرق الباب ودخول الكمسري الذي تطلع لى بابتسامة وتحدث : يا لك من محظوظ معطف باهظ الثمن وقبعة فاخرة وتذكرة vip في قطار مكيف وسيجار فاخر وتتناول العشاء مع أحد كبار السياسين في البلد .بعد أن كنت منذ اقل من الساعة ترتجف من البرد علي رصيف المحطة . ما أن أنهى الرجل جملته حتى قفز السياسي مذعورا وتحدث إليه : هل تعرفه .أليس هذا الشاب ابن هشام بيه السنوسي ؟ ليطلق الكمسري ضحكة ساخرة : كلا يا سيدي إنه شاب مشرد كان يرقد علي الرصيف يرتجف من الصقيع فتحنن عليه رجل ثري وأعطاه معطف وقبعة وتلك التذكرة في هذه العربة .لقد رأيت كل هذا بأم عيني رمقني السياسي بنظرة كادت أن تحرقني وراح يسبني بافظع الشتائم وبغطرسة نظر إلى الرجل وراح يكيل له هو الآخر الشتائم وكيف سمحت السكة الحديد للحثالة أمثالي بركوب هذا القطار والجلوس بجوار هم .اعتذر الرجل كثيرا وجذبني من المعطف خلفه كالفأر وألقى بي خارج القطار الذي توقف على إحدى المحطات لا اعلم اسمها ولا اين تكون .أغلقت المعطف وعدلت القبعة واشعلت ما تبقي من السيجار ورفعت رأسى في زهو وجلست على أحد المقاعد انتفض من البرد القارس بعد أن كنت اجلس منذ دقائق في عربة مكيفة ولكن ما لفت نظري أن في محطة رمسيس كان الجميع ينظرون ناحيتي باشمئزاز.اما الان فالكل ينظر لى كأنني نجم سينمائي حط في بلدتهم وأنا هو أنا ذلك المشرد ،كل الفارق معطف وقبعة