حين يكون المشتهى وطن حقيقي ..!؟ ..عبد السادة البصري

شارك مع أصدقائك

Loading

 قراءة في المجموعة الشعرية ( الحُب عادةٌ سيّئة ) للشاعر سالم سالم

( أصرخُ :ــ أنتَ لي ، رغيفٌ يشبه القمر بسمةٌ تشبه الحزن ورصاصةٌ تخجلُ من دمي أنا لكَ ياوطني فمزّقني كما تشاء اجمعني كما تشاء اسقطني مطراً من الحرية فأنا لك هواء !! ص49 ـص50 ) حين تكون الكتابة من صميم التجربة الحياتية تلج القلوب بلا أدنى استئذان ، لأنها تعايش الجميع وتمتزج مع حياتهم في كل شيء !! هذا ما نجده ونحن نقرأ مجموعة الشاعر ( سالم سالم ) الموسومة بثريّا نص ( الحُبُّ عادةٌ سيّئة ) والصادرة ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق عام 2022 . اذ سنقرأ ومن أول كلمة معاناتنا جميعاً من خلال معاناته التي سطّرها على الورق نصوصاً نثرية لا أريد الخوض في تفاصيل الكتابة وهفواتها من ناحية اللغة والتصويبات النحوية والاملائية فيها ، بقدر ما أتحدّث عن عمق التجربة الانسانية التي نقلها لنا الشاعر !! سالم حميد سلمان ( سالم سالم ) أب لأربعة أطفال كبيرهم مصابٌ بمرض علاجه يتطلّب المال والصبر وطول الوقت ، يعيش في بيت ضمن العشوائيات ، لا يملك راتباً أو دخلاً معيشياً غير ما يحصل عليه من بيع الصحف والمجلّات التي أصبحت ثانوية الطلب بعد دخول الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي وغيرها ، يعيش كما يعيش الغالبية العظمى في هذا الوطن المبتلى بالطغاة والفاسدين واللصوص والانتهازيين سارقي كحل الصبايا وفرحتهن ،ولأنه امتلك موهبة شعرية جعل منها ازميلاً يحفر في صخرة أيامه كلمات وقصائد ينثرها وروداً وأزاهير محبّة في وطنٍ سرقوا منه تباشيرها !! (نحن الجياع سنشبعُ جوعاً يا أمّي ــ لا تقلق .. ياولد .. فشيخُ الجامع رئيس البلاد وبعض الأثرياء سيأتون الى بابنا ومعهم كاميرا التلفاز، لن نحتاج بهذا الشهر البحث في النفايات !! ص61 ) هذه صرخةُ مظلومٍ مكلومٍ مقهورٍ مسلوبٍ جائع ، يصرخها كلّ يوم عشرات الاطفال والنسوة والشباب العاطل وهم يفتّشون في النفايات عن كسرة خبزأو ما شابه ذلك ــ مشاهد تتكرر يومياً في بلد من أغنى البلدان في العالم بثرواته النفطية وغيرها ــ وكذلك ما صوّره لنا الشاعر يتكرر أيضاً وفي كلِّ مناسبة وخصوصاً في شهر رمضان وما نشاهده في برامج العديد من الفضائيات من صور للمعوزين والفقراء وهم يتسلّمون عطايا الفاسدين بعيون تتلألأ الدموع فيها حزناً وخجلا ، رغم عدم حياء الفاسدين وصلافة عيونهم ووقاحتهم !! ( عاجل ..ورد للتو أن جثثنا ما بعد الموت تصبح بترولاً لذلك يجب أن نموت سريعاً كي تمتلأ خزائن الساسة !ّ! ص45 ) صورة أخرى ، أو صرخة أخرى نسمعها من فم عشرات الضحايا التي قُدّمت وتقدّم يومياً بخدعٍ كثيرة ، ليظل الساسة والقادة متنعّمين بقصورهم ومنتجعاتهم !! ( حينما .. يأتي المغيب كانت أمّي توزّع قلبها على طاولة العشاء لأختي .. قمر لأخي .. حلم لي .. بسمة وبقيت في عينيها دمعة لم تسقط صرخنا جميعاً لمن هذه قالت :ــ لأبيكم حينما يعود من الحرب !! ص17 ) كم أم كانت تصنع مثل هذه الأم وهي تعرف جيداً أن الأب ذهب ولن يعود ؟! وكم ..؟! وكم..؟! من أول كلمة ابتدأ بها الشاعر قصائده والتي لم يعطها عنواناً ، بل أرقام لنعرف أننا جميعاً كنّا وما نزال أرقاماً في ذهن المتسيّدين على رقابنا ، الذين صوّرهم الشاعر بصورٍ شتى هي ما حدث ويحدث في وطن حلمنا وما نزال نحلم كل يوم أن نراه حقيقياً مثل بقيّة الاوطان التي هرب ويهرب اليها بعضنا لينقذوا ما بقي من أعمارهم ويعيشوا حياتهم التي أصبحت نكداً !! فقط القصيدة الأخيرة منحها عنواناً على شكل اهداء ( الى ابراهيم الخيّاط ) والتي صوّر فيها علاقة ابراهيم به وبالآخرين وكيف تعمل الانسانية الحقّة وتترك بعملها هذا من أثر في نفوس الناس ، يظل محفوراً في ضمائرهم حتى وان رحل فاعلها عن هذا العالم !! لهذا ترك مجموعته بلا فهرست كي نعيشها حرفاً حرفاً كما عاشها هو !! سالم سالم شاعر نقل معاناته والتي هي معاناة الملايين من ابناء هذا الوطن وترك على طاولاتنا كؤوساً من نار ودم وطين مخلوط بصراخ وأنين في وطن نحلم كل يوم به من أجمل وأبهى وأحلى الاوطان !! وما جعل كتابات سالم هذه جميلة وتؤثّر في المتلقّي هو الجرأة ، لقد كان أجرأ من غالبيتنا ــ ان لم أقل منّا جميعاً ــ حيث قال الحقيقة المُرّة التي لم نستطع أن نصرخ بها ، رغم ما نكتبه من هواجس وعذابات وبوح صريح ، والكتابة الجريئة هي الصادقة دوماً ، كونها بلا رتوش ولا تزويقات وتهويمات وغموض تدخل القلب وتسكن الروح ببساطتها وعفويتها ونقلها للواقع كما هو !! مبارك لسالم سالم هذا الصوت الشعري الانسانيّ الحقيقي الهادر بكل قوة في تعرية واقع أقلّ ما نقول عنه انه واقع خَرِبٌ ومزرٍ كوننا جميعاً نحلم بوطن نشتهيه أن يكون حقيقياً كما نقرأ ونسمع ونشاهد ، لكننا لم نستطع أن نبوح بحلمنا أمام الجميع !!

شارك مع أصدقائك