العلم والذكاء الاصطناعي ومصير المبدع الفرد ؟

شارك مع أصدقائك

Loading

هل العلم  سيقصي على الأدب ، وهل الذكاء الصناعي يكون نائبا في المستقبل عن دور المبدع الفرد ؟

الاديب العراقي

حميد الحريزي

 لا يمكن أن يخلق  المخلوق الخالق

تاريخ التطور البشري وفق كل مراحله ،انما كان هدفه الاساسي هو الهيمنة الكاملة على الطبيعة وتوظيفها  لصالحه ولخدمته ، وطبعا لم يكتف  الأنسان  باستكشاف واستطلاع  واستغلال كوكب الأرض بكامله ، بل  تطلع الى الوصول الى الكواكب الأخرى  كالقمر والمريخ والزهرة …الخ  وكأن الأرض لم تعد تسعه وتسع  طموحاته  وأطماعه …

طبعا الدافع لكل هذه المساعي  هو توفير المزيد من الثروات ، وتوفير المزيد من المساحات والفضاءات  بما يخدم دوام تطوره ، حتى انه يحلم أن يجد له بديلا عن كوكب الارض  للعيش …

وقد  تطور الإنسان من الأدوات الحجرية البسيطة  الى  الروبوت والأنسان الآلي ، وابتكار  الذكاء الآلي  أي زرع  وتخليق أمكانية التفكير والعمل  لدى الآلات  المصنعة لتحل محل الإنسان  وتقوم بدوره في كل شيء ، فالعلم والتطور العلمي  يوفر للانسان  المزيد من الوقت والجهد العضلي لزيادة فترة راحته وكسله على المستوى العضلي والفكري … وقد بلغ الأنسان في العصر الحاضر الى التوصل الى مستويات غير مسبوقة تفوق الخيال  في التطور العلمي  وهنا تقف البشرية  حول مفترق طرق  في مستقبل هذا التطور  كما يلي :-

أن تبقى روح الهيمنة والأستغلال والأحتكار  والسيطرة من قبل الشركات والمؤسسات البحثية والصناعية  لتخدم مصالح طبقة معينة  وبالتالي  أفراد معيينين ضمنها  والدخول في حلقة تنافس جهنمي لانهايةلها  إلا بتحكم دولة أو طبقة أو مجموعة أو فرد بعينه للتحكم بالعالم  سعيا وراء إمتلاك المال والجاه والسلطة  والسطوة  والسعي الى إستعباد ما دونه  ليكون في خدمته  كما هو مسعى الولايات المتحدة الامريكية ومثيلاتها في العالم الرأسمالي للأستيلاء وفرض  هيمنتها على كل شعوب الارض ونهب ثرواتها  … وهنا يجب أن لايغيب عن بالنا  أنَّ هذا  التنافس بين الدول والطبقات والأشخاص  لايسير دوما  بشكل سلمي  حضاري  حسب الكفاءة والمقدرة  بسبب كامن  في داخل بنيته الذاتية المبني على الأنانية والسعي للاستحواذ والأمتلاك واستعباد الغير  حتى داخل الطبقة الواحدة  ويشهد تاريخ الأنسانية  الكثير من الشهواد لحروب طاحنة  من أجل فرض الهيمنة وإقصاء الآخر  وحتى تدميره ….

واذاما عرفنا  مقدار التطور العلمي الذي امتلكته  الدول الكبرى  من قوة تدمير كالقنابل النووية والهيدورجينية والحروب الجرثومية التي امتلكت الدول العظمى مخزونا يكفي  لتدمير كوكب الارض  عدد من المرات  ، مما يعني انَّ الكوكب الأرضي مرتهن  لهذه القوى ويمكن أن يفنى الكوكب و الحياة على الكوكب  لوحدثت حرب نووية بين قوى الهيمنة  حد الجنون لاخضاع الآخر ، بمعنى أن هذا التوجه وهو القائم الآن يهدد البشريةبالفناء  لو بقي على ما هو عليه ، فالرأسمالية العالمية دخلت مرحلتها  الأمبريالية  منذ زمن  وهي الآن تدخل مرحلتها الأخيرة ألا وهي المرحلة الأرهابية  عبر العولمة الراسمالية المتوحشة …. والاحتلال المباشر للبلدان  واستعمارها  بعد  ان غادرها العالم واستبدلها بالاستعمار الجديد الاقتصادي على وجه الخصوص …

أنَّ هذا الواقع القائم يتطلب من البشريةبكافة دولهم أن عملوا على تبني نظام  تهيمن عليه  النزعة الأنسانية  التشاركية أو التعاونية الساعية الى توفير الرفاه الأقتصادي  وتأمين شروط الأمان والتضامن الإنساني  والعناية بالبيئة كمسؤولية جماعية لكل  سكان الكوكب  مستغلا بذلك التطور العلمي الهائل والمتطور دوما  لخدمة الأنسانية  جمعاء وليست دولة بعينها أو قومية بعينها او طبقة بعينها او  جماعة او فرد، حيث  تخلق لنفسها  هيئة وسلطة أممية عالمية  على شاكلة هيئة الامم  المتحدة  باعتبارها  تمتلك السلطة التشريعية والتنفيذية لتؤمن لكل البشر الرفاه والسلام والعيش الآمن الكريم  وتسعى للتوزيع العادل للثروة  ودعم التطور العلمي الذي يخدم هذه الأهداف والتطلعات الأنسانية الكونية  عبر شكل من أشكال الانظمة التشاركية  أو الاشتراكية المختارة  من حيث الشكل  واسلوب الحكم والتحكم في مصير العالم  وخدمة الجميع للجميع ، وهذا أمر ممكن جدا لو قلعت أنياب الأنانية والأستحواذ  فموارد الطبيعة  ناهيك عن الموارد الكونية الأخرى يمتلك التقدم العلمي الهائل  انْ يوفر الرفاه و كل مايحتاجه الإنسان في كل مكان من الكوكب  ويعم السلام والرفاه  وتجنب الكوارث البيئية …

ربما   يبدو ماطرحناه في أعلاه  نوع من اليوتوبيا والأحلام بعيدة التحقيق  ولكننا نرى أن لاطريق للبشرية غير هذا الطريق  لتتجنب الكوارث والحروب  والدمار الشامل  لو بقي النظام الرأسمالي الأرهابي  المسعور التحكم بالعالم ، وها نحن نراقب بخوف وهلع  ما ستتطور اليه الحرب  الأوكرانية الروسية  حيث  نسمع عواء الرؤوس النووية المدمرة  التي لاتحتاج أكثر من ضغطت زر من قبل حاكم متهور … والخطر قائم في الصراع بين  الصين وأمريكا  وكوريا  الشمالية  وأمريكا   كجائحة كورونا التي التهمت  أرواح ملايين البشروالمخاطر تتزايد باستمرار ، ناهيك عن الكوارث الوبائية التي التهمت ملايين الارواح ومليارات الدولارات ، وجدري  القردة  يكشر عن أنيابه الآن  … الخ .

لذلك نقول  لاخلاص للبشرية مهما تطورت علميا الا إختيار طريق السلام والوئام والتضامن والتعاون  والقضاء على اسلحة الدمار الشامل  كما اشرنا اليه  في اعلاه  لخلاص  نفسها وكوكبها من الدمار الشامل .

فكم من مليارات الدولارات   تنفق للابحاث العسكرية وتطوير الاسلحة الفتاكة ، وكم مليار من الاموال تحرق على شكل قنابل وصواريخ  واطلاقات نارية ، وغواصات  ومدمرات  ودبابات وطائرات حربية …الخ في حين يموت ملايين البشر جوعا ومرضا ًوتشردا ؟؟؟!!!!! أن ّ البشرية تعيش الآن حالة من الجنون التي قد تؤدي الى فنائها وتدمير  كل حضاراتها التي بنتها خلال تاريخها…

أما بالنسبة لما يشاع في  استبدال الانسان  بالذكاء الاصطناعي لابداع  الفنون   الادبية فنقول :-

أن من صنع الذكاءالاصطناعي هو الانسان بما امتلكه من خبرة علمية وتكنلوجية متراكمة ، واحد مساعيه تخليق نفسه  ومثيله أي أن يكون هو الخالق المخلق ، ويملك مخلوقه قدرة الخلق … وهذا  أمر غير ممكن مهما  بلغ  تقدمه العلمي   فلايمكن أن يخلق المخلوق الخالق ، ولنا في رواية فرنكشتاين  لماري شيلي  نموذج لهذا التحدي الافتراضي في محاولة الانسان تخليق  انسانا اخر ـ فقد سيطرته عليه  وسبب له كارثة كبرى ، ولكن بالتالي كتب النصر للأنسان الخالق وليس  لأنسان فرنكشتاين المُخَلَق ْ…

لو فرضنا أنَّ أحد هذه الروبوتات ذات الذكاء الأصطناعي  شاهدت طفل  ياكل من القمامة  بسبب الجوع والتشرد ؟؟

هل  ستدمع عينييه حزناً عليه وسيسعى لمساعدته  وانتشاله مما هو فيه ؟؟؟

ولو فرضنا  انَّ الانسان الخالق برمج  الروبوت  مالك الذكاء الأصطناعي على الأنتصار لهذا الطفل وتأمين احتياجاته ؟؟ بمعنى هنا تحكمت إرادة الإنسان  بين فعل الخير والشر ، فيمكن  بناء على تحقيق مصالحه  وتطلعاته يوجه هذا صاحب الذكاء الاصطناعي  على الهجوم على الطفل وقتله وليس   نجدته ، وهنا لابد وأنْ نعود الى  ما قسمناه سابقا   بين الأنسان المسالم محب البشر وبين الإنسان الساعي الى قهره واستعباده .

وهناك امرا آخر فانَّ  مخ الإنسان وجهازه العصبي والعاطفي  تم تطوره  وتخليقه    عبر ملايين من السنين  حيث يقال أن اعقل انسان عمره أكثر من 50000 عام خرج من افريقيا  وسمي بالإنسلن العاقل  وبلغ  اعلى مستويات تطوره ليكون جد الانسان الحالي فقد ظهر قبل   اكثر من  سنة 20000 ،في تطور الكائنات الحية حتى أمتلكت هذه الاحاسيس والمشاعر عشرات الآلاف من السنين    وهي لاتشمل كل البشر وانما نماذج محددة لاتمثل إلا نسبة محدودة  جدا من البشر  يمكنها أن تبدع الشعر والقصة والرواية  ووالرسم والغناء والعزف … الخ  من فنون الأبداع الجمالي الأنساني ، فربما يمكن   صاحب الذكاء الأصطناعي انْ يراصف الكلمات  بعضها ببعض لتعبر عن بعض المشاعر والتوصيفات ولكنها تبقى بلا روح ولايمكنها الابتكار  والترميز والاستعارة  والبلاغة كما هو الانسان  الأديب المبدع البارع الذي يمتلك تاريخا طويلا من التطور وتوارث الخبرات والمهارات …

الخلاصة  لا خوف من إنسان الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الاصطناعي ولكن الخوف كل الخوف من  الأنسان  نفسه ، الخوف من  أنفسنا وذواتنا  نحن  هل نريد أن نتعايش بسلام  ورفاه أم نريد أن  يفترس بعضنا بعضاً وزج  انسان الذكاء الاصطناعي في معاركنا القذرة المدنرة ، او ابقاء يده وعقله  نظيفة  تعمل وتجد وتجتهد من أجل خدمتنا  وسعادتنا وتقدم لنا من الخدمات   ما لا  نحلم به .

شارك مع أصدقائك