وديع سعادة …رَتْقُ الهواء .. الجزء الأخير

شارك مع أصدقائك

Loading

وديع  سعادة

الصوت

بودّي أن أكتب رواية عن صوت، خرج ذات يوم من فم وضاع في الفضاء، وصاحبُه يجري وراءه علَّه يعثر عليه.

يقال إنَّ الصوت لا يموت، يخفت في الهواء رويداً رويداً، لكنْ لا يموت.

عن ذاك الذي لا يزال فيه بعضُ حياة هناك، بودّي لو أكتب رواية

وعن هيام صاحبه

للقائه مرّةً أخرى.

ذات يوم قال شيئاً غريباً

وتموَّج قولُه في الفضاء وضاع

وضاعَ هو وراءه

طبقةً بعد طبقةٍ مرتطماً بهواء وبقايا أصوات

ممحوّاً وراء قوله

غير عارف أين صوته

ولا عارفاً ماذا قال.

الصرخة

بودّي أن أكتب رواية عن صرخة ٍ خرجت من فمِ شخصٍ وهو يموت، وهامتْ في الفضاء ثمّ عادت تبحث عنه

صرخةٍ تريد الرجوع إلى الفم الذي خرجتْ منه

إلى رحمها، نبعها الجافّ.

بودّي أن أكتب عن صرخة تعود إلى صاحبها الميت وتعرف ماذا كان يريد أن يقول

بودّي أن أعرف ماذا يقول ميتٌ لصرخته

وماذا تقول الصرخة للفضاء.

حيرة الذاهب

ترك أعضاءه ومضى. بلا قدَم ولا يد ولا قلب ولا أحشاء. قال سأكون خفيفاً هكذا، وراح.

الريح التي لعبت بشَعره ذات يوم تلعب الآن بفراغه.

خفيفٌ حتّى الإنهاك من مشقَّة الخفَّة. تائهٌ حتّى الطفْح بكثرة تشعُّبات الفراغ.

لا، ما هكذا، قال. ما هكذا يكون الضجر الشريف

ومَدَّ فراغاً منه إلى الوراء، كما كان يمدُّ يداً، لالتقاط شيء

مَدَّ تجويفَ نظرة

مَدَّ تخيُّلَ صوت.

الوراء بعيدٌ جداً، الأمام بعيد جداً. لا عودة، لا وصول.

لكنّه ليس ذاهباً إلى مكان

ولا يذكر أنّه ترك أعضاءً ولا يشعر أنّه خفيف

لم يكن ضجراً من مكان ولا مكان له كي يتركه ولا مقصد كي يذهب إليه

ولم ينتبه إلى نظرة خرجت منه إلى ناحية أخرى

ولا خيالَ صوتٍ له

ولا يقوى على مدّ فراغ.

العشبة

يريد أن يعود. في حائط بيته عشبة صغيرة يريد أن يعود ويراها.

حارسةُ الحجرين وروحُ الوصل بينهما في شقّ ذاك الجدار. الجدار الذي رصف أحجاره حجراً لصقَ حجر، حريصاً على عدم ترك فراغ. لكنّها وجدتْ روحاً، ونبتتْ في غفلة فراغٍ صغير.

إلى ابنة ذاك الفراغ، إلى ابنة تلك الغفلة، يريد أن يعود.

لا يشتاق إلى بيت. لا يشتاق إلى أحد.

يريد فقط أن يعود

ليرى العشبة.

الورقة

كتب شيئاً على ورقة، كي لا ينسى

شيءٌ ما كان يريد أن يفعله

ولا يتذكّره الآن.

كتب شيئاً بأحرف كبيرة، ووضع الورقة حيث كان يجلس.

يريد أن يعود ويقرأها

يريد أن يفعل ذاك الشيء

أو يعرف على الأقلّ

ما هو.

شيء

إلى لويزا وجبران رومانوس، اللذين جلبا لي من لبنان قنينة عَرَق فاخر، وأكتب الآن وأنا أحتسيها.

أريد أن أقول لكما شيئاً

عن العشبة التي امتزجت بالروح

عن الملاك الذي وقف اليوم أمام بابي، وشيئاً عن الأرض

التي كانت، حين خرجتُ، لا تزال نائمة في بيتي.

أريد أن أخبركما كيف تولد كواكب جديدة في الروح. وكيف، في كلّ ارتداد نظرة، يأتي عصفور وينقد الكواكب

كيف الكواكب هي طعام العصافير حين نرشُّها من نظراتنا، وكيف

مَرَّ ظِلٌّ على زهرتي في الحوض.

يا لويزا وجبران

أريد أن أقول لكما شيئاً.

سمة

حين كانت النسائم لا تزال تمرُّ عليه، كان بودّه أن يتبع نسمة.

فيها شيء من الجبال والسهول والوديان، وعبورٌ سريعٌ لكلّ الأمكنة

وشيء من رائحة جسده كان بودّه

لو يعرف إلى أين تذهب.

نسائم كثيرة مرَّت عليه

تركتْ بقايا صغيرة لأرواح مسافات بعيدة

يدٌ لوَّحت على ميناء

وَصَلَ إليه ملمحُ ظِلٍّ من عروقها

ونَفَسٌ ميتٌ لغبار

حَطَّ ذات يومٍ على يدٍ تزرع زهرة.

نسماتٌ مرَّت عليه

فيها على الأرجح نثارٌ من لهاث أجداده

وعلى الأرجح هما معاً الآن، لهاثهم ولهاثه، يتسامران في التيه

مازجَين معاً أقصى الغابر وأدنى الحاضر، ماحيَين الزمن.

شبطين 18 أيلول 1837، الساعة 12 و 14 دقيقة ظهراً: ماذا حدث في تلك اللحظة؟

ربّما رنَّ صوتُ كأسين، ربّما ارتفعت صرخة، لا يعرف

لكنّ ما حدث في تلك اللحظة ممزوج الآن برائحة جسده

ويعرفه بالتأكيد نسيمُه.

ممزوجٌ في الكلّ الكلُّ ممزوج فيه. متماهٍ، هواء

يهبُّ من تيه إلى تيه، من فراغ إلى فراغ

وفيه أيضاً ذات يوم ستمتزج أرواح أولاده وأحفاده

الذين رآهم والذين لم يرهم، الذين عرفوه والذين لم يعرفوه

خليقةٌ بأسرها في نسمة

كلُّ ما خُلق قبل وكلُّ ما يُخلق بعد

عميانٌ خرسان طرشان في هواء

من تيهٍ إلى تيه

من فراغ إلى فراغ.

نظرته

نظرته الأخيرة ظلَّت هناك، عالقةً على شيء لا يتذكّره

ربّما امتصَّها روحُ مكانها

أو حطَّ طيرٌ ونَقَدَها،

بودّه أن يتفقّدها ولكنْ

الفضاءُ الشاسع الرهيب، البؤبؤ البعيد أيضاً وفي مكانٍ آخر، والكائن المجهول الذي قد تكون صارت مُلكه.

قديماً كان يرى أمواتاً يعودون، ويتمشّون أمام بيوتهم

يتلمّسون أحجار الجدران، جذوع الشجر

ومثل كأنّهم يسقون الزهور، ويقتلعون العشب الذي نما في غيابهم.

لو انَّ أحداً يراه عائداً

ويتلمّس مكانَ نظرته

أو

لو يبقى الطقس معتدلاً هناك

فلا ترتجف نظرته من البرْد

ولا تيبس من الحرّ

وإنْ أمطرتْ فخفيفاً

لئلاّ تغرق.

الجهة

يا حارس الفضاء الشاسع الجهات، كم جهةً يمكنك أن تحرس؟

ستفلت منك بالتأكيد ريشةٌ على الأقلّ

وتذهب على هواها

ستنتصر نثرةٌ عليك.

يا ريشتي الصغيرة دلّيني إلى الممرّ الضيّق السرّيّ

أريد أن أتبعك

يا مُربكةَ الفضاءِ وحارسِه، يا ريشتي التي نفذَتْ

من جهة إرباك الوهم.

نقطة

انظرْ، هناك نقطة!

انظرْ مليّاً، في البعيد هناك، نعم بالتأكيد إنّها نقطة

وأظنُّ أنَّ هذه هي التي نبحث عنها

ارتدِ الريشَ الذي كنتَ سترميه في النار

ولنذهبْ إليها.

نقطةٌ بين غمامتين، تتموَّه فيهما وتتموَّهان فيها

لكنّي أظنّ أنّها هي الصرخة التي خرجت منّا في ذاك اليوم

أو القلبُ الذي نجتْ منه نثرة،

بالتأكيد هي البصيص الذي علا مع دخان رمادنا

حاملاً شيئاً لا يزال حيّاً منّا.

فلنذهب إليها، إنّي أراها

إنّها بالتأكيد

هناك.

الذي

الذي قتلوه ودفنوه

لأنّه أكل ثمرة

نَبَتَ هيكلُه العظميّ

وصار شجرة.

حين أراد القاعد أن يمشي

واثبٌ من مكان إلى مكان

حاملاً بندقيّةً ومحاولاً

أن يحوّل حلمه إلى طير

إلى فراشة، ذبابة، صرصار

حاملاً شبكةً، صفّاقةً، حذاءً

لكي يقتله.

يركض من مكان إلى مكان صافقاًُ هنا وهناك

يقتل ذبابةً فتنبتُ فراشة

يقتل فراشةً فينبت طير.

قذفه حلمُه في الريح

كان جالساً، فأراد مشياً

وضاع

حَلِمَ المسافات

ففقد الأمكنة.

واثبٌ حاملاً أيَّ شيء في طريقه

كي يقتل الحلم

ويستعيد المكان.

ذبابة الطريق

بقي منسيّاً هناك

ومشى، وهو منسيٌّ، الطريقَ كلَّه

عَبَرَ المسافة كلَّها من دون أن يبرح مكانه

وتسلَّى طوال الطريق

مع ذبابة.

يمدُّ يداً

مع وصول الفجر يستلُّ شعاعاً ويضعه في جيبه،

ماذا إذا بكى الليل وطلب ضوءاً؟

ألم يمرَّ الفجرُ لكي يسرقه ويوزّعه على الفقراء؟

مع وصول الليل يسرق شعرةً سوداء منه

ليربطها بالفجر التالي ويجرَّه، إذا حَرَن.

وفي النهار مقعدٌ

لانتظار الليل وانتظار الفجر،

وحين تصل ريحٌ يمدُّ يده

ويرى كوناً بأكمله في المسافة الضئيلة

بين إصبعه والهواء.

طيرٌ سرّيّ

ليس هذا اختلال نظر

إنّما تحوُّلُ الغبش في عينيه إلى طير.

كانت الأرض ناساً وتراباً

فحوَّلها إلى طيور،

أخذ من العين غبشاً

ومن الوهم فضاءً

واخترع طيراً

لا يقوى أحدٌ على مطاردته ولا

على رؤيته.

المرافق الغريب

المرافق الغريب الذي لا نعرفه

اقتلع خطواتنا من أقدامنا ورماها في النهر

صارت أقدامنا في مكان

وخطواتنا في مكان آخر يتقاذفها ماء

لا نعرفه أيضاً.

مَن جاء بالمرافق إلينا مَن قال نريد رفيقاً؟

نَبَتَ هكذا فجأةً من تيه

تيهِ الرحلة أو تيهِ سؤالٍ قد يكون

خرج من فمِ واحدٍ يمشي بيننا

فقال “رفيقاً”

ويقصد عطش المسافة، أو الاستراحة.

لكنَّ ما حدث أنَّ الرفيق جاء

رمى خطواتنا في النهر

واختفى.

النبع

حين سألوه عن الماء تحت قدميه

قال إنّه عَرَقُ التعب

فهو من زمان يبحث عن نبع

ولم يجدْه إلاّ

في جسده.

لمفتاح

أخذ مفتاحه ورماه

على الحافّة

وصار كلُّ الذين يريدون أن يخرجوا يضيعون

أو ينزلقون

في الهاوية.

في الحديقة في الليل

في الليل في الحديقة يلفُّ سيجارة

من ناحية الضوء تبدو له قصاصات التبغ في الورقة رجالاً

منحنين في الحقول

نحيلين يزرعون تبغاً.

يشعل عود ثقاب ويرى

فلاّحين سيشتعلون

يطفئه، يعيد تبغ سيجارته إلى العلبة

وينظر حواليه فلا يرى أحداً

لا ناساً لا حقولاً لا تبغاً

في الحديقة

في الليل

وحده.

شخصٌ في الرماد

قال رأى في الرماد يداً، فماً، عيناً

يداً تريد أن تصافحه

فماً يطلب قبلة

وعيناً تنظر إليه.

حين كانوا يحرقون الجثّة

رآه كلَّه في الدخان:

يولد من رحم أمه، يحبو على البلاط، يزرع زهوراً ويتمشّى في الحديقة، ويضيع خياله بين العمَّال الراكضين في الشوارع.

رأى يده وفمه وعينه في الرماد

ورآه كلَّه في دخانه،

وحين كان الرماد جسداً

لم يكن يرى شيئاً.

نسمةُ طير غريب

النسمة التي على جناحيه ليست من هواء الفضاء

إنّها من طيرٍ غريب

عَبَرَ ذات يوم في ذاكرته.

طيرٌ يعبر الآن أيضاً

يراه

سريعاً

ويختفي.

إنّه يمرّ

باندفاعةِ غائب.

مكان الحائط

بودّي أن أكتب عن صورةٍ لميت، مزَّقوها قطعاً قطعاً ورموا كلَّ قطعةٍ في مكان، فعادت وجمعت نفسها صورةً كاملة.

بودّي أن أكتب عن صورةٍ تمزَّقتْ نتفاً، وعاد صاحبها من الموت كي يلحمها،

توزَّع في أمكنة كثيرة

كلُّ نتفةٍ منه في مكان، تبحث عن نتفة منه، لكي يجمع نُتَفَهُ ويعودَ صورةَ جسدٍ كاملة.

يمدُّ يدَ وَهْمٍ هنا، وَهْمَ عينٍ هناك

يمدُّ نُتفَ أوهام، ليجمع جسدَ وهمٍ كامل.

جَرِّدوا الحائط من كلّ الصور، قال، ومزِّقوها، فهي ستلتحم، وتعود كلّها إلى الحائط

نتِّفوا أسلافكم وارموهم قطعةً قطعة، سيبقون مقيمين فيكم.

قال هذا، ومضى يجمع نتفةً من هنا ونتفة من هناك

معيداً لحْمَ الصورة

وعارفاً تماماً

مكانَ الحائط.

على حجر

أعود أخيراً من مكان إلى مكانٍ لم أبارحْه. جلْتُ وضِعتُ ومتُّ وعدتُ وأنا في مكاني. تحدَّثتُ مع الغيم وأنا أخرس. سمعتُ صهيلَ مجرَّاتٍ وأنا أطرش. رأيت موتى وأنا أعمى. وفي طريقي عرَّجتُ على منعطفات، وحاولتُ تقويمها.

كان الأعمى أعمى والرائي لم يكن موجوداً. استعار الأعمى وَهْمَ الرؤية من غير الموجود، واستعار غيرُ الموجود وهْمَ رؤية الأعمى، وحاولا معاً ترتيب كونٍ من عمى الرؤية. كون ترتِّبه أيادٍ متخيَّلة. توضع فيه عيونٌ وآذان من كواكب لا عيون لها ولا آذان. كون يرتِّبه ويسمعه ويراه عدمُ وجوده.

أعود أخيراً من ذاك الكون الذي لم أكن فيه ولا بارحتُه. أعود من منعطفات لم أمرَّ عليها، ومن كواكب لم تكن هناك، إلى أرض ليست هنا.

لا كنتُ هناك، ولا عدتُ. خيالُ ذاهبٍ وخيالُ عائدٍ وخيالُ مقيم. ومن هذه الخيالات لحمتُ ضلوعاً ولحمتُ حروفاً وجعلتُها جسدي وكلماتي. . . وها أنا أجلس الآن كائناً كاملاً تقريباً، آكل وأشرب وأتمشّى في الحديقة، وتحرس كينونتي كائناتٌ صغيرة تقفز فوق أسيجة التخيُّلات.

يغمرني فرحٌ كبير أنّي جالسٌ الآن في الحديقة وأرى أشجاراً وعشباً ونملة تتسلَّق جذع شجرة أمامي. ويغمرني فرحٌ أنّي أسمع الآن صوتاً في بيت جارٍ لي. هذا يعني أنّي في حياة حقيقية: الحياة التي فيها شجر ونمل وأصوات.

المسافات التي أعارتني تصوُّرات خطواتها أعيد التصوُّرات إليها. الأمكنة التي وهبتني تخيُّلَ السكن فيها أعيد إليها كراسيها وبيوتها. أعود من الكواكب الوهميّة وأسكن مع النمل والشجر. أسكن مع الصوت الذي يخرج من نافذة الجيران، ومع رؤية الخطوات في الشارع، والعصفور الذي يأتي ليسرق طعام كلبتي وأهتف: إنّني في الحياة الحقيقيّة!

أعيد الكراسي إلى الكواكب، وأجلس على حجر في الحديقة.

إنّها نهاية رحلة الوهم، التي لم تبارحْ هذا الحجر.

ومن النهاية هذه، أبدأ تعلُّم معنى أن تكون على الأرض نملة تعيش معي، أو أكون أعيش مع نملة. وأن تكون أصوات الجيران خارجة أيضاً من فمي ولو لم أتفوَّه بكلمة. وأن تكون قدمي هي التي تخطو خطى الماشين في الشوارع، ولو إلى هاويتي.

نهايةُ رحلة، لم تبتدئ أصلاً. وأحاول بدأها، لكنها انتهتْ، وبقيتْ على جوانبها نملة وشجرة وعصفور، ورجلٌ يجلس في الحديقة، وينظر إلى نملة.

رحلةٌ يحاول صاحبُها أن يبدأ، من نملة!

نملةٌ حقيقيّة، وتسلُّقٌ حقيقيّ، وجذع شجرة حقيقيّة. يا لهذه الحياة الحقيقيّة البسيطة التي غفلتُ عنها طويلاً! وإذا كان في مقدوري أن أكون، بعد، حيّاً حقيقيّاً، فعليَّ أن أبدأ من هنا، من النملة.

اخترعتُ أشجاراً في مجرَّات، نسوراً لا تأبه بنمل، ووضعتُ كرسيّاً في هواء، وحاولتُ رصفَ أحجار على غيم.

لا، ليس هذا بيتاً للعقلاء. فليس عاقلاً من لا يعيش مع نملة.

الغيم أتى فأهلاً يا صديقي؟ أيُّ غيم أتى؟ فلا غيم هناك ولا حتّى سماء. والنظرة التي قلتُ إنّها تبحث عن عين، لم تكن سوى حَوَلِ فراغٍ في محجريَّ. والنافذة التي اعتقدتُها تطلُّ على كون جديد، كانت شقَّ جدارٍ في ذاكرتي.

لا كونٌ جديد. كلُّ الأكوان الجديدة رَصْفُ أحجارٍ من الذاكرة. فقط هذه الأرض العتيقة، وأريد أن أعود إليها، إلى الحجر الذي وضعه أوَّلُ إنسان، وأجلسَ عليه.

بودّي أن أكتب رواية عن موت التخيُّلات. عن الصرخة التي لا تعود إلى صاحبها، والصوت الذي لا يبحث صاحبُه عنه.

بودّي أن أكتب فقط عن شخص حقيقيّ، يجلس على كرسيّ حقيقيّ، في حديقة حقيقيّة، ويعيش مع شجرة ونملة حقيقيّتين.

الأحلام تقتل الحدائق، وتقتل الأحجار والجالسين عليها.

بودّي أن أكتب عن حجر، لا يتحرَّك أبداً من مكانه

وعن شخص

يجلس مطمئنّاً

على ذاك الحجر.

 

شارك مع أصدقائك