داود زيدان .. من ذاكرة الغناء الريفي

شارك مع أصدقائك

Loading

ريسان الخزعلي

ميسان ، كغيرها من محافظات الجنوب ، مستقرُّ للغناء الريفي الشعبي ، كما هي مستقرُ المياه الأخير . ومن تلك المياه أورقت الحياة ُ أصواتا ً ريفيّة ً كان لها حضورها الأوّلي في حفلات الفرح الاجتماعية أو الجلسات الخاصة أوبعض تسجيلات الأشرطة القديمة وبأدوات موسيقيّة بدائيّة : مسعود العمارتلي ، كَريري ، جويسم ، سلمان المنكوب ، سيد محمد ، فالح ، عيسى بن حويله ، حريب حبيب ، رسن ، شمّام ، وغيرهم من الأصوات اللاحقة المعروفة التي سجّلت حضورها من خلال الإذاعة والتلفزيون والتسجيلات الحديثة والحفلات منذ ُ الخمسينيات .
من بين المطربين الأوائل المنسيين ، المطرب / داود زيدان / الذي لم يَعُد له أيّ استذكار في التداول الغنائي الريفي ، الشفوي أو الصوتي أو التوثيقي ، إلّا ماجاء بكتاب ( غناء ريف العراق ) للباحث المعروف ( ثامر عبد الحسن العامري ) . ورغم سماعي الكثير من الحكايات الشفاهيّة عن حياته وغنائه ومعاناته الحياتيّة التي كنت ُ أسمعها من كبار السّن في مدينة العمارة ، إلّا أنّي اعتمدت ُ كتاب العامري مرجعا ً استخلصت ُ منه هذه المعلومات التي أأمل أن تُفيد َ مَن يهتم بتراث غناء الريف العراقي الجنوبي .
ولد َ المطرب في الكحلاء – محافظة ميسان عام 1914 . دخل المدرسة الابتدائية ، وظهرت موهبته الغنائية من خلال الحفلات المدرسية . وبعد أن شب َّ عوده تأثر بمطربي محافظته ، وعلى رأسهم مسعود العمارتلي ، وأخذ يحظر مجالس الغناء والطرب التي يُحييها مطربو المحافظة آنذاك .
وأوّل حضور غنائي شعبي له ُ كان عام 1936 ، إذ حل َّ محل المطربين الذين هاجروا إلى بغداد ، وقد تمكّن بموهبته العالية أن يسد َّ فراغهم غنائيّا ً .
تأثّر بغناء حضيري ابو عزيز ، وأجاد هذا الغناء ، ولم يَعُد من السهولة التمييز بين صوته وصوت حضيري أبو عزيز .
أصبح معلّما ً للرياضة في واحدة من مدارس ميسان ، وكان يُلقي الشعر في المدرسة بدقّة ووضوح كما وكأنّه يُغنّي . أحب َّ فتاة ً حبّا ً أنساه ُ التعليم ، وأصبح الغناء وسيلته ُ في المناجاة ، إلى الحد ِّ الذي شبّه َ بالمجنون . ولما كان للتعليم يومذاك اشتراطاته التي هي َ خارج الانغمار بالغناء والهيام ، فقد فُصل من عمله كمعلم .
غادر العمارة إلى بغداد ، ودخل دار الإذاعة عام 1939 ، وقُبل َ فيها مغنّيا ً ، وغنّى على البث الحي حتى عام 1958 .
ثم َّ انتقل َ من بغداد إلى البصرة ، وعمل َ موظّفا ً في الميناء فترة محددة ، ومن ثم َّ عاد إلى بغداد عام 1962 وسجّل َ في تلفزيون بغداد أغنية لمناسبة استقلال الجزائر ، كما سجّل بالاشتراك مع المطرب ( مجيد الفراتي ) بعض الأغاني الثنائيّة .
أجاد المطرب الكثير من الأطوار ، وبخاصة طور المناجاة ، وهو طور ديني صعب ، غير َ أن َّ داود زيدان حوّله ُ إلى طور شجي . كما أجاد أطوارا ً عدّة : الحياوي ، المحمداوي ، الملّائي ، الشطراوي ، المستطيل – الذي نافس فيه المطرب حضيري أبو عزيز .
وأخيرا ً عاد إلى البصرة وتوفّي َ هناك عام 1966 عن عمر ٍ تجاوز الخمسين .
إن َّ المطرب ( داود زيدان ) لولا جهود الباحث ( ثامر عبد الحسن العامري ) لما أستطاع أحد ٌ أن يجد َ له ُ أيَّ أثر ٍ غنائي أو توثيقي ، ولكان َ مطربا ً منسيّا ً ، غير َ أن َّ الإبداع لا يندثر طالما كان أصيلا ً ، وطالما كان الباحثون على وعي ٍّ بتراثهم الشعبي …
شارك مع أصدقائك