علي السالم
التعبير عن المألوف بشكلٍ غير مألوف، قصيدة الهايكو هي التركيز والتكثيف والايجاز والصورة والمفارقة، بلغة بسيطة سلسة، بعيدة عن المحسنات اللغوية والتعقيد . فرضها ظرف تاريخي واجتماعي، وجد فيها الياباني نفسه، أمام الشجرة والغصن والنهر والجبل والدوري وزيز الحصاد والعنكبوت ليشكل منها قصيدةً ايحائية.
تتكون قصيدة الهايكو في اليابانية ، من خمس “مورا” في السطر الأول والثالث ، وسبعة في السطر الثاني ، تتبع هيكل الهايكو القياسي 5-7-5. مورا هي وحدة صوتية ، تشبه إلى حد كبير مقطع لفظي ، ولكنها ليست مطابقة لها. غالبًا ما يضيع هذا الإيقاع في الترجمة للغات الاخرى، حيث لا تحتوي كل كلمة عربية على نفس عدد المقاطع ، أو موراس ، مثل نظيرتها اليابانية.
كان هناك أربعة من شعراء الهايكو من اليابان ، والمعروفين باسم “الأربعة الكبار”: ماتسو باشو ، وكوباياشي عيسى ، وماساوكا شيكي ، ويوسا بوسون. لا يزال عملهم نموذجًا لكتابة الهايكو
ماتسو باشو
فيما يلي ثلاثة أمثلة من قصائد الهايكو لماتسو باشو (1644-1694) ، والذي يعتبر أعظم شاعر للهايكو:
ماتسو باشو
فيما يلي ثلاثة أمثلة من قصائد الهايكو لماتسو باشو (1644-1694) ،
بركة قديمة صامتة ..
ضفدع يقفز إلى البركة ،
يرش! الصمت مرة أخرى.
ضوء قمر الخريف-
دودة تحفر بصمت
في الكستناء.
في مطر الغسق ،
هذه الكركديه ذات الألوان اللامعة –
غروب الشمس الجميل
فيما يلي ثلاثة أمثلة من قصائد الهايكو ليوسا بوسون (1716-1784) ، شاعر ورسام الهايكو الرئيسي:
عبور نهر صيفي يا له من متعة وأنا
أرتدي
الصنادل في يدي!
ضوء القمر
يتحرك غربا ، وظلال الزهور
تزحف شرقا.
في ضوء القمر ،
يبدو لون ورائحة الوستارية
بعيدًا.
كوباياشي عيسى
فيما يلي ثلاثة أمثلة على هايكو من كوباياشي عيسى (1763-1828) ، وهو شاعر هايكو مشهور:
أيها الحلزون
تسلق جبل فوجي ،
لكن ببطء ، ببطء!
وثقت في بوذا ، الخير والشر ،
أودع
سنة المغادرة.
كل شيء أتطرق
إليه بالحنان ، للأسف ،
ينتقل مثل العوسج.
ماساوكا شيكي
فيما يلي سبعة أمثلة على قصائد الهايكو من Masaoka Shiki (1867-1902) ، التي يُنسب إليها إحياء الهايكو وتطوير شكله الحديث:
أريد أن أنام
سوات الذباب
بهدوء من فضلك.
بعد قتل
العنكبوت ، كم أشعر بالوحدة
في برد الليل!
من أجل الحب والكراهية
، أضرب ذبابة وأعرضها
على نملة.
قرية جبلية
تحت الثلج المتراكم
صوت الماء.
ليل؛ ومرة أخرى ،
بينما أنتظرك ،
تتحول الرياح الباردة إلى مطر.
نهر الصيف:
بالرغم من وجود جسر ، إلا أن حصاني
يمر عبر الماء.
وميض برق:
بين أشجار الغابة
رأيت ماء.
ناتسومي سوسيكي
كان ناتسومي سوسيكي (1867-1916) روائيًا محترمًا على نطاق واسع وله أيضًا العديد من الحكايات الخيالية ونشر الهايكو. فيما يلي ثلاثة أمثلة على الهايكو:
المصباح يخرج مرة واحدة
النجوم الرائعة تدخل
إطار النافذة.
معبد زهرة البرقوق:
ترتفع الأصوات
من سفوح التلال
طار الغراب بعيدًا:
يتمايل في شمس المساء ،
شجرة بلا أوراق.
الهايكو كما اسلفتُ قطعة شعرية مكثفة ومركّزة جدّا، تتوسّل بلُغة بسيطة، بعيدة عن التمحُّل والحذلقات الأسلوبية والشكلية، لكنها بساطة من السهل المُمْتَنِع، وقادرة على التقاط اللحظة الإنسانية الهاربة، وعلى تناول معانٍ عميقة، وموضوعات مألوفة يَرِينُ عليها حضورُ عنصر الطبيعة وما يتمحّض لها، وتؤطّرها رؤيا جادّة ينطلق منها الهايكيست.
يحاول الشاعر، من خلال ألفاظ بسيطة بعيدة عن التأنُّق وزُخْرُف الكلام، وَصْفَ مشهد بعفوية، ومن دون تدبُّر أو تفكير أو مشاعر سَلبية، والتعبير عن مشاعر جيّاشة وأحاسيس عميقة بنظرة تأملية يُظهر الهايكيست فيها عنصر الذهول والدهشة أمام هذا العمق للجمال والحركات البسيطة التي مِنْ حوله، والتي عادةً لا يُنتبَه إليها”.
و الهايكو العراقي على ندرة كُتّابهِ، لم يلتزم بكل هذه الشروط، واختلط الأمر على معظمهم، فصار يكتب الومضة والقول المأثور واللمحة ولم يحافظ على الشروط المعروفة للهايكو، وبلغ الوهم لبعضهم إلى درجة تصوره، اية ثلاثة أسطر هي هايكو. رغم اعتقادي ان جذور الهايكو العراقي موجودة في التراث الشعبي العراقي، مثل شعر الدارمي الشعبي الذي هو أقرب الأشكال الشعرية العراقية للهايكو.
أما بالنسبة لنصوصي فاكتبها بطريقتي العراقية مانحا إياها دفقا محلياً من بيئتنا وشيئا من الفكر، وهذه نماذج لقصائدي في الهايكو
أصابعُ الشَّمسِ
تُفتِّحُ أزرارَ قميصِ الليلِ
فيندلِقُ النَّهار
*تَرفَعُني كطفلٍ من تحتِ ذراعيَّ
وتَقْذِفُني في الهواء
موسيقى عينيكِ
*وَصيتي للنبيذ
ان يبتَكرَ الوصفةَ
من شَفَتيها
*ذُبابةٌ تحكُّ قوائمَها
قُبالة حلوايّ
طنينٌ إمرأةٍ
*قَلَقٌ على أَرَق
كلَّ يوم في َغمرةِ النوم
تُوقظُني دَمعة
* يتفجرُ قلبُ العصفور
إذا منعوهُ من الحطِّ على الغُصنِ
فكيف بقلبي دون غصونِكِ
*من عُنقوديِّ صَدرِكِ
فمي ينتِزعُ
حبّاتِ العِنَب
* قُرصانان
لا يكفان عن مُداهمةِ قلبي
عيناكِ
*أبهى مَدفن
شعرَها وصدرَها عليَّ
ضريحٍ من العطر
*قُبلٌ و هديل
رغمَ العاصفة
حمامتا قلبينا
*ريحٌ وِقحة
ترفعُ فستانَ الغيوم
لتظهرَ مفاتنَ القمر
*تَنّورُ مُسجَّرٌ قلبي
تتحمصُ فيهِ
أرغفةُ همساتِك
* هاويتان سحيقتان
إستدرجَتا زلةَ قلبي
غمازتاكِ
*هَزيمُ الرعدِ
اطفالُ النجوم
يلوذُون بعباءةِ الغيوم
*في مأدُبةِ فُستقِ شفتيها
تنهمكُ شفتايَ
بتقشيرِ المعنى
*حين أشرقتِ
أستأذنتِ الشمسُ بالرحيلِ
مكسوفةً
* هذا المُرفرفُ
النازِفُ بين فكِّيها
هو قلبي
*رغمَ قطفِها
تُصرُّ على أقوالهاِ المُشذاة
وردةٌ عابقة
*ذراعايَّ
دائماً عابقتانِ
بشذاك
*يسيلُ من يديكَ الظلام
من فرطِ ما قتلتَ فيَّ
من نجوم
*عند بَهاءِ حبيبتي
تنتظمُ الزهورُ بصفٍ طويل
تضرُّعاً لبعضِ الشذا
*وصفةُ الطبيب لي
حب وحب وحب
في كل الأوقات
*كلاهما مُثقَّبٌ
وديدنُهُ النزيف والأنين
قلبي والناي
*كرزُ شفتيكِ
وجُمارُ عُنُقِكِ
مُقبلاتُ حُب
الشاعر علي السالم
….
منشور في مجلة بصرياثا