كريم النجار
لا ماء سقط ولا شممت أريج السنابل بعد البلل، وقلت ستهتز تلك الأوراق وتسقط من أعلى أغصانها الفاتنة، وسيترك المنصهرون تحت أشعة الشمس عليها عطرهم بعد أن تجففها الحياة وسيرة العشاق وهم يتبادلون القبل. أو ستجمعها رسامة حالمة تصنع منها وجوهًا كثيرة، ضاحكة وصارخة ومستفزة تحيطها أيادٍ بأصابع ناعمة ورشيقة من كلّ صوب، أصابع تربّت على الوجوه، وتدوّن لنا، نحن القادمون من الماضي، ما ارتكبته أيدينا من خطايا.
*
لا تهتم كثيرًا إن سُرقتَ في وضحِ النّهار
أحيانًا يبتهج الإنسان لتلك الخدع والألاعيب السحرية الصغيرة
ماذا تعني النقود؟
حين تدخل عميقًا في دهاليز الكون
لن ترى صور الضباع التي تحدّثت عنها الأسطورة
ولا أمثال حياتك التي ضربها إعصار الآخرين بغفلة منك
لكنك سترى تلك الخُطى التي عبّدت طريقك
وأنت كنت منشغلًا باللّحاق بها
مرة إثر أخرى
حتى لم تبلغ المشوار
ولو لمرّة واحدة.
*
يا صديق الأحزان والألم المتسرّب في الضّلوع
لمَ رسمتني على قماشتك الوحشيّة تلك؟
وجعلتني
أحير بين ألوانك القاتمة
ووحشة الكرسيّ الّذي حطّم عجيزتي
كيف الفكاكُ منه؟
وأنت منشغل كلّ الوقت في إعلاء سوره
ونصْب الفخاخ حوله
ساعِدني
حتى لو تُنبت لي جناحين
من وهم الحقيقة
أو عظامها اليابسة
تلك المعرّشة في رأسك
وحول قلبي.
*
لا شيء يوقظُ النائم
حتى لو طرقت قرب رأسه آنية النّحاس
أو نفخت البوق بأذنه
أوّل الفجر
أو رميتَ على ظله
أول
إطلاقة
من خسارات المعركة
القادمة.
*
لا شيء يوقظه
طالما ضميره مستتر
خلف ماسورة الرصاص.
*
لليقظة
ربٌ
وللنوم
أربابٌ
ينفثون دخان الحروب
بوجوهنا
كلّما رمينا أجسادنا
بعيدًا
بعيدًا.. بمياه المحيطات
وشهيّتنا للحياة
التي باتت عسيرة
حتى وان حان قطف ثمارها
الفاسدة.
*
ذهبتُ هذا الصباح للمقبرة
في وداع صديق
سيذهب غدًا
إلى حتفه
دون أن يودّعني
وقبل أن أرسم على خدّه
قبلتي الأخيرة
أجهش بالبكاء بين يدي
وهال التراب على جثّتي
ومضى في حال سبيله.