حوار مع الكاتب الجزائري علاوة كوسة

شارك مع أصدقائك

Loading

حاوره

أحمد طايل

مصر

 

مقدمة

لا أبالغ أنى وجدت نفسى أمام إنسان له العديد من المزايا الفكرية والثقافية والادبية والأكاديمية، وكل جنس من هذه ، له تميزه وله بصمته الذاتيه التى تميزه عن الآخرين، فهو أكاديمى، ناقد، مبدع فى العديد من الأجناس الأدبية، فاعل فى الحركة الثقافية والفكرية الجزائرية، كل هذا كان دافعى الكبير لأن أجرى معه حوارا  لعلنى اكشف عن الكثير من زواياه.

  ماذا عن البداية، النشأة والبيئة التى عشت بها أيامك الأولى، ومتى كان النداء الأول لخوض معترك الكتابة، ومن كان مساندا لك ومحفزا؟

ما أحلى البدايات وأشدها إيغالا في البراءة وسحر الطفولة البعيد، وما أحلى العيون التي تفتحت على عوالم قريتي البديعة الريفية”رمادة” ، هنالك كانت بدايات الأحاسيس ومراتع النصوص الأولى الصغيرة والأحلام الكبيرة التي ستتحقق تباعا ولو بعد حين من الدهر. خاصة أن الأقربين آمنوا بجنوني وتميزي واختلافي ومنهم الوالد الشيخ”الصغير” رحمه الله ووالدتي الذكية حفظها الله وإخوتي وأصدقائي.

  هل تتذكر أول كتابة  لك، ماذا كانت وما رد فعل محيطك بها، وهل مازلت تحتفظ بهذه الورقات؟

الأول لا يُنسى، وكانت خاطرة بسيطة لكنها صادقة وقد سعدت بها كثيرا ومن حولي ممن قرأها وهم قليلون لأنني كنت خجولا منطويا في كتاباتي، ومازلت أحتفظ بكثير من طفولتي الأدبية بنصوصها المحبرة على الورق.

  ما تأثيرات البيئة ومراحل التعليم المختلفة على تكوينك الانسانى والفكرى والابداعى؟

بيئتي الريفية التي ملأتني حسا وحبا وصفاء أدين لها بالكثير من الحب ، رغم أن منابع الأدب كانت قليلة فيها لولا كتب القراءة في المدرسة خلال مراحلي الدا كمرسية المختلفة التي ساعدتني في الاطلاع على الأدب العربي ،خاصة مرحلة الجامعة التي صارت بمكتباتها تغدق علي بكثير من روائع الأدب العربي

  مؤكد أن  في البدايات كان لك شغف بقراءات معينة ومؤكد هى ما رسخت لديك فكرة أن تصبح كاتبا، ما نوعية قراءاتك الأولى؟ 

البدايات كانت مع أي كتاب يستحق القراءة علميا أو أدبيا ، وبعدها صار ميلي لكل نص أدبي مهما كان، ولكن قراءتي بعدها مالت للأدب الرومنسي تحديدا، وقد حركت داخلي شعورا عميقا بأن تلك النصوص كتبت لأجلي أو أنني سأكتب مثلها يوما.

  ما حلمك ببدايات ولوجك عالم الكتابة، وهل تحقق هذا الحلم، أم أن حلم الكاتب لا سقف له ولا مدى؟

كنت منذ الطفولة حالما ، و حلم الكتابة أقوى ما تملكني وقد تحقق وزيادة ، ولكن احلامي الآن صارت أعلى وأبعد.

  حالما تكتب فلمن، لك أم للآخر أم عن الآخر؟

أكتب لنفسي لأن الكتابة متعة واستمتاع ، وأكتب لارئ مفترض في مكان ما من هذا الكون قد يجد في نصوصي شيئا يستحق ، وأكتب لأكون ، أكتب عن نفسي وعن الآخر في نفسي.

  كتبت القصة والرواية والدراسات النقدية والفكرية، ما أقرب الأجناس الأدبية إليك؟

كتبت في القصة والرواية والدراسات النقدية وأدب الأطفال والشعر والمسرح  وتوزع حبري في  أمصار أدبية شتى ، وحاولت ما استطعت أن أكون عادلا بين الأشقاء الأجناسية المتحاورة المتجاورة، وكانت جميعها على مسافة محبة واحدة من الروح التي تتنفس الكتابة وتترك للأنفاس حرية اختيار حللها التجنيسية هنا وهناك ، فلا يمكنني ان أكتب السرد دون رؤى شعرية، وما خلت قصائدي من روحها السردية،ولا كتبت المسرح بلا لمسات شعر سردية، وخاصمتني لغة الإبداع في أوج صرامتي النقدية وأنا أشتغل على بحوث نقدية وفكرية عديدة، ولكنني كنت منسابا لغة ورؤية وفكرا في مختلف المجالات المختلفة بعفوية الشاعر ورصانة الناقد بلا تكلف أو تصنع ، وستبقى كل الأجناس قريبة إلى الروح ما دامت الروح أقرب إلى الفطرة في الكتابة.

  لمن تقرأ باستمرار ومن تبحث عن كتاباته دوما عرببا وغربيا؟

في بداياتي كنت أقرأ لكل من عثرت على أعماله ، فالطفولة لم تكن مفتوحة على خيارات قرائية مادامت مصادرها نادرة في قريتي ولا سبيل إلى الكتب والمجلات إلا نادرا، عدا نصوص القراءة في المقررات المدرسية التي أشعرتني ان هناك عالما بديعا من النصوص التي استدعت لهفة القراءة فالبحث عن نصوص أخرى في مستويات أعلى ،لكن سرعان ما مال القلب لبعض الروائع من كتابات الأمير عبد القادر الجزائري ، ومفدي زكريا ،والمنفلوطي وجبران والرافعي وشاعرالهند العظيم طاغور الذي غير مجرى نهمي القرائي كثيرا، وعبد الجميد بن هدوقة ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ، وغيرهم ممن تماشت نصوصهم ومرحلة الطفولة والشباب الساطع، لأطلع بعدها على تجارب الكثيرين خاصة في مرحلتي الجامعية حيث توسعت مدارات قراءاتي للأدب العربي والعالمي، إبداعا ونقدا.

   ما القضية الثقافية التى تؤرقك، وتتمنى أن تجد حلولاً جذرية لها؟

القضية الثقافية التي تؤرقني في سنواتي البحثية الأخيرة هي” خطاب الهامش” في الآداب والفنون جميعا، وقد صدر لي بحث طريف في هذا المجال وهو كتاب” الأنساق المقنعة في الشعر الشاهدي العربي –معجم الكتابات والنقوش الشعرية العربية على شواهد القبوروالأضرحة”،وستليه بحوث أخر في حديث الهامش ومما لم تقع عليه أقلام الباحثين العرب والعالم إلا نادرا.

  كيف ترى المشهد الثقافي  الجزائرى، هل متصاعد ومواكب للمتغيرات بكل أبعادها؟ وما الذى تتمناه لها؟

المشهد الثقافي الجزائري في وضع صحي سليم جدا ، وعلى مشارف المشاهد الثقافية العربية الراقية فعلا ، وقد توزع تألقه في تظاهرات ثقافية وأدبية محلية وعربية بوجه مشرف، خاصة مع الجيل الجديد من الأدباء والمثقفين والمفكرين ، وبجيل رصين من الباحثين والاكاديميين، ومع هذا أتمنى أن يبلغ المجد بالتعمق أكثر في القضايا الراهنة وبحوارات ثقافية وقضايا نقدية وإبداعية في مستوى التطلعات.

  وماذا عن  المشهد النقدى؟ وما مأخذك عليه؟ وتأثيراته على الحياة الثقافية ؟

المشهد النقدي في الجزائر حاليا يعد بالكثير خاصة مع جيل جديد من النقاد الذين صار لهم وجود قوي في المشهد النقدي العربي، وصدارتهم للكثير من المنابر النقدية والجوائز المتخصصة، لكن لي بعض المآخذ عليه ومنها ان جهودنا فردية ولا نركن إلى جو من التشارك والتخطيط لرؤية جماعية من شأنها تأسيس مدرسة نقدية جزائرية قوية ، كما ان جهودنا النقدية ظلت منصبة في معظمها على كتاب وادباء بأعينهم صنعهم الإعلام وكانوا قريبين من المركز وليسوا أدباء الداخل والمناطق المغمورة.

كيف  ترى مسألة الجماعات والشللية والدوائر المغلقة التى كثيرا ما تكون عائقا أمام وجود روافد ثقافية وفنية والإبداعية دجديرة بالتواجد على الساحة وعن استحقاق؟

فعلا ، فإن ما يقتل البحث والأدب والثقافة هي الجماعات الثقافية البليدة والشللية التي تنحاز للفردانية والمصلحة الخاصة على حساب المشهد العام وعلى حساب الثقافة الراقية الجامعة التي تتبني الاختلاف الواعي والصفاء النقدي وهذا كوننا المنشود.

ما وجهه نظرك بترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى وهو للأسف بالنزر القليل الذى لا يتيح العالم الإطلاع على ثقافتنا، من المسئول عن هذا القصور؟

الترجمة من وإلى العربية ذات فوائد كثيرة ، ولكننا للأسف لم ننزل أدبنا العربي ذاك المنجز العظيم منزلته في الترجمة ولم نحسن تسويقه إلى الآخر وذلك راجع لعوامل مختلفة لا تخدم أدبنا ، ولم تعرف بنا وبفكرنا وثقافتنا عدا بعض الجهود القليلة بعد بروز الأدباء في جوائز هنا وهناك ، رغم اننا نمتلك مترجمين متخصصين ومبدعين إلى حد كبير ،والمسؤولية تتحملها الدوائر الرسمية الثقافية ومعاهد الترجمة والقائمون على الشأن الثقافي عامة.

ما رأيك بمسألة المجايلة الأدبية؟

المجايلة سنّة كونية وثقافية أدبية، لكنها تشكل لدى الكثير عائقا في درب الاستمرارية والإبداع، نتيجة الانطواء على ذات الجيل والعداوات الثقافية الواهمة ووهم الخلود وفرض النفس وحزازات الإيديولوجيات المقيتة، لكننا انظر إليها بوعي وعمق وأستمد من تركات الأجيال السابقة بمحبة ومسؤولية وتثمين للسابقين ، وأنزل منجزهم منازل بحث واحتفاء وتقدير وفخر أيضا.

  ما أسباب الفجوة شديدة الاتساع بين ثقافتنا العربية والثقافات الغربية؟

الإشكال ليس في الأطراف وليس في الثنائيات ولا في خصوصيات كل جهة من جهات إنتاج الثقافة والمعرفة بين القطبين العربي والغربي ، الإشكال في الوعي بالانا والوعي بالآخر والمقدرة على تعبيد جسور وممرات آمنة متينة بين الثقافتين العربية والغربية ، وأن نتفادى الحساسيات المفرطة في مختلف بواعثها ، وعلينا أن نبتعد عن منزلة تقبل كل محمولات الثقافة الغربية بكل سياقاتها ومحاضنها الأولى ، فيمكننا ان نؤسس لقراءة عميقة للآخر حين نكتسب أجهزة ثقافية قوية وخلفيات معرفية رصينة تمكننا من مجاورة ومحاورة الآخر دون الذوبان في مقولاته.

  ما تأثيرات عملك المهنى على كتاباتك؟

العمل الأكاديمي شاق وشيق معا، ومتعب بالنسبة للمخلصين في وظيفنهم المتفانين في عملهم، ويأخذ ذلك الكثير من عمري ووقتي على حساب التزامات غيرها، لكن بالنسبة إلي كان عاملا مساعدا في كتابات النقدية كثيرا ويمنحني معارف واطلاعات ورؤى إبداعية كثيرة في كتاباتي السردية والشعرية والمسرحية، فالأمر يتعلق بتكامل بين الكتابة والبحث.

  الزمان والمكان ماذا يمثلان لديك بكتاباتك؟

أعيش حياتي النصية في مختلف نصوصي بين فكي ثنائية مثيرة هي “الزمكانية” المهيبة ، وبقدر وعيي بالزمن وبالمكان علميا أكاديميا إلا أنني اندمج كلية في سلطتهما أثناء الكتابة ، وأشعر ان الزمكانية جاذبية للروح والفكر واللغة جميعا ، وأتدحرج بين ئظايا الأزمنة في مختلف مستوياتها ، وأحاصَر في مضارب المكانية بكل سلطانها ، وأنا كائن مكاني بامتياز وبقدر حلمي لكنني أسير الذاكرة وإبن الأمس الحالم بغد جميل.

  من الذى يصنع الآخر السياسة أم الثقافة؟ وما تأثيرات كل منهما على الآخر سلباً وابجابا؟

تلك الثنائية اللغز وذاك الاستشكال المزمن الذي اثار أقلام المفكرين والكتاب، ولكنني أراهما كلا مكتملا ، فالثقافة تصنع السياسة والسياسيين ، كما ان السياسة قد تخدم الثقافة والمثقفين إن كان السياسيون على قدر من الوعي بدور الثقافة في حياتنا وحياة المجتمعات وتطورها، فمتى تحسنت العلاقة بينهما انعكست إيجابا عليهما معا والعكس صجيح.

ما العمل الإبداعي أو الفكرى لآخر تمنيت لو كنت كاتبه؟

الحقيقة أنني أكتب ما أتمنى وأتمنى ما أكتب ، معجب بكثير من الروائع الأدبية والنقدية ، تمنيت أن أكتب روائع طاغور والمنفلوطي وجبران ومفدي زكريا ، ولكن بكل صدق أقول :أتمنى أن أكتب النص الذي في بالي ، وهي رواية منشودة تراودني من سنوات.

  ما رأيكم بمسألة  الجوائز الأدبية؟ هل لها معايير بحيث تذهب لمستحقيها؟ أم كثيرا ما تخضع للأهواء والعلاقات والتوجهات السياسية؟

الجوائز الأدبية لها تأثيرها الإيجابي الكبير على الكاتب خاصة إذا كانت نزيهة ، وإذا كان الكاتب المجاز بعيدا عن الغرور ، ولايمكنني الطعن في الجوائز مالم أكن على مقربة من عوالها وخلفياتها ، سبق لي الفوز بكثير منها وطنيا وعربيا ، واتفادى المشاركة في بعضها احيانا لحساسياتي مع الجهات المنظمة ببعض خلفياتها السياسية والإيديولوجية .

  حظيت بالكثير من الجوائز والتكريمات، هل لهذا تاثير مباشر عليكم؟ وجائزة تتمنى أن تأتى اليكم من خلال منتجكم الأدبى؟

كان للجوائز دورها الإيجابي على مساري الأدبي ماديا ومعنويا ،وشجعتني على المواصلة والرهان على نصوص أكبر وعلى تواضع أكثر ، ورغم أنني ألفت الكثير في مختلف المجالات لكني أشعر بأني في بداياتي  وواثق بأني سأكتب الأفضل ، وهذه أكبر جوائزي .

* ما المشروع الحلم الذى تود أن تراه واقعا ملموسا عندك؟

كثيرة هي الأحلام وطويلة هي الدروب ، لكنني أحلم بمشروع ككل كاتب لعله ترجمة أعمالى وتحويل بعض روايتي إلى التلفزيون.

  الأ توافقنى أن الثقافة وحدها هى القادرة على إقامة وحدة بين الشعوب؟ وما الذى يعرقل هذه الوحدة؟

طبعا ، لايمكننا أن نحلم بوحدة بين الشعوب بمعزل عن حوار ثقافي أدبي جميل ، وكل شيء في ثقافتنا العربية يدعو إلى الوحدة  من خلال تميزنا واختلافنا الجميل وتآلفنا المتعدد ، الثقافة عنوان وحدتنا الكبير.

  رسالة إلى :

*مسؤلى الثقافة العربية :إن في ثقافتنا العربية ما يستحق الحياة .

*  الإعلام الثقافة:أنتم الوجه المشرق للثقافة العربية وسفراؤها في العالم.

*  دور النشر: إن النشر ثقافة ومسؤولية وأمانة.

*  النقاد: لا تغفلوا عن منجز عربي راق ولا تكرسوا المكرس.

*  الكتاب الكبار ومن هم بالبدايات: شكرا لكم لكن سيسعدكم تفوقنا عليكم.

*  اليك أنت: الغد أجمل فلا تنسَ الطفل داخلَك.

 

شارك مع أصدقائك