وديع شامخ
مقدمة لابد منها
…..
بعد أن هدأت فورة الصراخ والفحيح والتبجيل معا ، حول ما صرّح به الشاعر عمر السراي رأياً بالشاعر الراحل عبد الرزاق عبد الواحد ..
سأنشر مقالة لي نشرتها بوقت مبكر جدا وفي موقع الحوار المتمدن ، ليس نصرة للصديق الامين العام السراي ، ولا نكاية بالشاعر ” ابو خالد ” .. ولكن هي وجه نظر كانت على شكل ثلاث حلقات بعنوان ” شعراء الخراب ” خصصت القسم الأول للشاعر عبد الر زراق عبد الواحد ، والقسم الثاني لرعد بندر ولؤي حقي ، والثالث لجمهرة من الحناجر الصائتة .. وللإمانة فقد التقيت الشاعر الراحل في دمشق ، بمناسبة أمسية الشاعر العراقي فايز الحداد ، وأهديته مجموعتيّ الشعريتين ” مراتب الوهم ، وما يقوله التاج للهدهد ” الصادرة عن ” دار الينابيع- دمشق ، وقد كتبت ُ عليهما إهدائين لم يعجبا الشاعر كما قرأت ملامح وجهه، وتصافحنا وذكرته شاعرا في مداخلتي عن الشاعر الحداد بكل ود .. اي أن مقالتي خارج موضوعة التشخيص والتسقيط الفردي لشاعر مع ملاحظة زمن كتابتها ..
…..
شعراء الخراب-الحلقة الأولى-عبد الرزاق عبد الواحد ودموع التماسيح
الحوار المتمدن-العدد: 2293 – 2008 / 5 / 26 – 10:21
المحور: الادب والفن
كان بودي ان يكون الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد مبدع ” خيمة على مشارف الاربعين ، ومن اين هدؤوك هذي الساعة ، والحر بن الرياحي.. ” مثار إختلاف وخلاف حقا على قامتة الشعرية وانجازاته الابداعية، وما حققه من اضافات في مسيرة الشعر العراقي والعربي الحديث ، سيما وأنه من أقرب الشعراء الى رواد حركة التفعلية في أواسط الأربعينات ، وكان بودي أيضا أن يكون الشاعر عبد الواحد قد التفت الى مسيرته خلال أكثر من عقدين من الزمان قضاها نهّازا للفرص ، قنّاصا نواحا على مآسي شعبه وحروبه الخاسرة، … وكنت أتمنى أن تكون سنواته التي غادرت السبعين كثيرا ، واشتعال شيبة رأسه ، تجعله حكيما بما يكفي ، وشجاعا وهو على مشارف الأفول الابدي.. بعد ان أفل من خارطة الشعر العراقي الحديث منذ زمان .
لكن الرجل، وعلى مدى ثلاث حلقات ُبثت من قناة الشرقية وبعنوان “المُختلِف والمُخَتلف ” وحلقات أخرى بثتها قناة البغدادية، نضح ما في إنائه من مختلف الأوجه والضروب… لقد خالف عبد
الرزاق فعلا وأختلف ، ولكن مع من؟
الشاعر والحاضنة
اذا كان الشاعر نتاج بيئته وابن عشيرته وصوتها الصادح قديما ، فمن حق العشيرة التي أعلت اسمه ورعته وأفردت له مكانا كأحد اشرافها ، من حقها على الشاعر أن يكون صوتها المدوي وتكون قوافيه في خدمة أغراضها سلما وحربا ،كما يقول الشاعر
وهل أنا إلا من غزية إن غزت
وان ترشد غزية أرشد
ولكن ما بال عبد الرزاق الشاعر وحروب صدام، فهل كان حقا صنيعة صدام وقبيلته وتجار الحروب ومصاصي الدماء، وهل صار العراق “طابو” لصدام، ولرزاق.. شاعره ورافع بيرقه الأوحد ؟
كيف يحق لعبد الرزاق ان يقرن بين الوطن والحاكم وكيف له ان يكون مع الحاكم ظالما او مظلوما، بحجة الدفاع عن الوطن؟؟
اثارني ما ذكر، من انه شاعر قبيلة ووطن / الوطن = قبلية عند الشاعر، وبالتالي فهو لم يجد خيارا غيرأان يكون بوقا للحرب وباني حاضنة الموت والعنف.
وبعد أن انكشفت عورة صاحبه وولي نعمته ومثاله في البطولة امام مرأى ومسمع كل من به صمم، نعم ظهر سيده الوضيع من حفرة الذل والمهانة الى مشنقة العدالة بصورة مثيرة للسخرية والعجب معا ،لما حمله من متناقضات مقرفة وصلافة قل ّ مثيلها ، إلا ان عبد الرزاق الشاعر يصرّ على التشدق بعلاقته مع سيده ” وأي سيد سيده!!” تقول ُمقدمة قناة الشرقية ميسم: من هو سيف دولتك ؟ ”
عبد الواحد: كسر كان لدي وكسر , يكفي هذا الجواب ؟ لم يبق لدي سيف دولة الآن , كنت أعتقد ان الرئيس العراقي الراحل كان سيف دولتي وفعلا كتبت له واسقطت حلمي بالبطولة عليه مثلما أسقط المتنبي حلمه بالبطولة على سيف الدولة”.
ثم يسترجع الشاعر المتكسب صوت ضمير الجموع الى سؤال أشدّ صفاقة حين يقول ” هناك سؤال مهم الان ميسم، فالتاريخ لم يحكِ لنا شيئا عن سيف الدولة فربما كان ظالما او عنيفا او قاتلا او كذا او كذا , لكنه كان حلم المتنبي بالبطولة”!!
إن المفتتح يحيلنا الى أزمة نفسية وانسانية يعيشها الشاعر المتكسب اذا غادر حضيرة سيده
فما يقوله الشاعر في علاقته مع الحاكم لا يرتبط بمبدأ اخلاقي او نفعي حسب، بل يمر عبر جهل او تجاهل هذا الشاعر ماهية العلاقة بين الشاعر والحاكم قديما وتحول وظيفة الشاعر في العصر الحديث الى راءٍ ومبشر ونذير، فالشاعر المنشد المداح الرداح، قد انزوى في خيام الصحراء وبات ظلالا باهته نراها اليوم في مناسبات الحكام ورعاياهم ..، ولكن عبد الرزاق الشاعر يريد دائما ان يُعصب عيون الشعر ويرجع به الى ما كان في زمان الف ليلة وسيف واحد ، وهو بهذا يسقط نفسيا كخصيّ وأبتر لا يقوى على العيش الا بوجد سيف ودولة !!
واذا كان من حقه ان يقرن نفسه بمن يشاء كالمتنبي والجواهري ، فليس له ان يشتهي ما يريد من هذين الشاعرين وينبذ ما لا يروق له!.
أعني ان المتنبي هو شاعر متكسب أيضا ولكن له كرامة ورسالة شعرية وطموح لا يدانياه مكسب . لقد كلل الملوك المتنبي بكل شيء الا الزعامة فهجرهم ومات مقتولا بشعره ميتته الشهيرة، الجواهري أيضا نعم مدح ومدح وقدح وقدح .. ولكنه مثلما رمى العمامة متمردا على أسوار الكوفة والنجف، وأتي الى بغداد شاعرا وثائرا حاسر الرأس، طار هناك الى ارض بلاسيف ولا دولة يحكمها مثل سيف دولة عبد الرزاق الصديء.
تعالوا واسمعوا ما يفخر به هذا الشاعر عن علاقته بسيده الهمام وسيف دولته الاثير ”
• “قالوا ان السيد الرئيس يريدك , اتت سيارة واخذتني والقصيدة كانت معي ماتزال مسودات , للتاريخ كانت مروءته معي تتيح لي ان اتكلم معه بكل حريتي كنت احيانا ينسرب مني كلام احيانا من دون ان اقصد او اعاقب , قال استطيع ان اسمع القصيدة قلت له قبلها دعني اقول لك شيء عن كتابتها فيوم امس بعد منتصف الليل اطبقت اجنحتها على الورق ولم تزل مسودات ,قلت له للتاريخ انني الان اكتب اواخرها كنت ثملا جدا، شارب اكثر من نصف ويسكي وقلت له انني من تاثري بالقصيدة بكيت وقمت وانزلت ديوان المتنبي من المكتبة ووضعته امامي وقلت له ليس انت وحدك من يكتب شعرا انا ايضا اكتب الشعر فضحك وقال لي ومن قال لك انك اقل من المتنبي…” , وكانت قصيدة طويلة وانا كتبت له الكثير وهذا شئ موثق ولست نادما على ما كتبت له”
يا لخيبة هذا الشاعر المجرور الى حضيرة سيده .”. اين هو من كبار الشعراء في العربية وبلاد السند والهند والاعاجم قاطبة ، من
هذا الحاكم الذي يريده الشاعر سيفا ابديا وهو يتمرغ ويعتذر حتى سقطات لسانه ونزوته وحريته الشخصية وجنونه الفردي وسكره ،، اي شاعر يمسك بمسودات ويذهب الى حاكم ان لم يكن مجرورا من أذنيه !! وكيف يسمح للسيارة التي اخذته بسكره ومسوداته الى اين _ وانا متأكد من انه لا يدري الى اين ذاهب هو.
هذا غير مرة ثانية يكرر سحله الى القصر الجمهوري وبقائه الى الصباح منتظرا ملاقاة سيده مع حفنة من المتزلفين!
وهو كما يقول الشاعر
على الباب مثل الخصى واقفُ
ويدخل أير ويخرج آخرُ
وفوق كل هذه الاعترافات المخجلة يرد بلاحياء على سؤال ميسم “هل احببته ؟ هل اعجبت به ؟
• عبد الواحد: انا لا ازوّر الشعر، انا عبد الرزاق عبد الواحد وانا لا اكتب الشعر متزلفا فانا عندما كتبت قصيدتي التي استطيع القول عنها العظيمة (صبر ايوب) وتكلمت معه بشكل مباشر لكن حتى الوزراء كانوا يحسدونني على انني اخذ راحتي معه جدا !!” ويسرد قصته في اللقاء الاول مع معشوقه بالقول” كانت المرة الاولى التي التقيه بها , جاءني الوزير وانا كنت مستشار الوزارة ، جاءني وكانت بيدي قصيدتي وكان هناك مجموعة من الشعراء اقرأ لهم وقال لي الوزير : ابو خالد اعتذر من الاخوان وتعال معي انا احتاجك فقمت معه واعتذرت من الاخوان وقال لي قصيدتك اجلبها معك , صعدنا في السيارة وكان هو يقودها فقلت له الى اين نذهب قال لي السيد الرئيس يريدك , فوصلنا الى القصر ودخل امامي وكان يسلم عليه وكنت انا خارج الباب وسمعته يقول عبد الرزاق اتى معك ؟ قال : نعم فقال ادخل عبد الرزاق فدخلت وصافحني وبعد ان صافحني رجعت الى الخلف وكنت متوترا وكنت اطالعه من راسه الى قدميه واقول هو هذا صدام حسين ؟ فعرف انني متوتر فقال لي اجلس عبد الرزاق فجلسنا وكان هو جالس امامي مباشرة وعبد اللطيف كان جالس على امتداد الغرفة وبدأ هو يتحدث من عشرة الى خمسة عشر دقيقة حتى يمتص توتري وبعدها وجه الحديث لي , من ذلك اليوم الى ان فارقته انا لم اكن اتكلم معه الا واقول له ابو عدي فلم يكن بيننا سيدي او السيد الرئيس وكلما اتي لرؤيته هو الذي يقبلني اربع مرات حتى في يوم من الايام عبد اللطيف قال لي ماذا تريد بعد لقد قبلك اربع مرات فقلت له وماذا تريد هل انت ضرتي ”
اسمعوا هذا الشاعر الذي يفتخر برفع الكلفة ويحصي عدد “البوسات الرئاسية” على خديّه ووجهه الاملس!!”
اسمعوا كيف يسمح لسيده ان يصحح المعاني الشعرية والمقاصد وهو ما لم يفعله سيف دولة امام شاعر ولو كان شحاذا ،!! طالعوا بربكم ما يقوله صدامه الهمام ”
“انا الان اتكلم عن مروءته معي وليقل لي قائل عديل مروءة كيف كتبت له هذا الكلام , قال لي انت لديك قصيدة جديدة عبد الرزاق قلت له نعم , قال نستمتع بسماعها كلنا ؟ قلت له نعم كانت قصيدة ما تشاء يا عراق لا ما اشاء انت ابقى والمجد والكبرياء انت ابقى وكل حبة طلع فيك ابقى وتذهب الاسماء فجفل الرئيس فكل الاسماء تذهب وكلنا نذهب ويبقى العراق واستمريت بالقراءة ووصلت الى قولي ما تشا يا عراق صوتك صوت الله فينا وكلنا اصداء , قال استطيع ان اعلق عبد الرزاق على هذه قلت له نعم قال العراقيين كلهم اسماء وكلهم اصوات عالية وليست اصداء فهل من الممكن ان تجعلها اسماء هو ليس ممكن لانه يتغير معنى البيت ولكن انا قلت له ممكن وقال لي هذا منوط بك اذا تراه ممكن فغيره , وانهى اللقاء وخرجنا , احكي لك عن لقائنا بالقصيدة بعد ان القيتها وقبل ان اقرأ القصيدة وانا كنت مدخن لا استطيع ان ارمي السيكارة من يدي فقلت له اسمح لي ابو عدي ان ادخن فضغط على الجرس وقال لهم اجلبوا لنا سيكار فقلت له اذا سمحت لي ان ادخن من سكائري وانا كنت ادخن روثمان فاخرجت العلبة من جيبي وانا كنت اراقبه واراقب كل حركة من حركاته فانا هذه المرة الاولى التي اراه فيها فاخرجت سكائري وكانت امامه طاولة عليها علبة كبريت فتناول العلبة ووقف وانا للحظة لم اعرف ماذا يريد ان يفعل ولكنه عندما وقف واخرج عود كبريت فوقفت وتقدمت خطوتين نحوه ومسكت يده وقلت له ابو عدي حفظك الله لا , وهذا الكلام حرفي لا يوجد فيه حرف زائد او ناقص وليس كلمة , فقال عبد الرزاق انت اليس ابن عرب ؟ قلت له ابن عرب ابن عرب ولكن الى هنا لا ارجوك فمسك يدي وقال نحن من هنا نبدأ فمسكني واجلسني على الكرسي واشعل عود الثقاب وانا جالس والسيكارة في فمي وصدام حسين منحنٍ باكمله واشعل لي سيكارتي فاخرجت السيكارة من فمي والتفت الى لطيف وقلت له لطيف هذه الاسطورة الى من احكيها ويصدقها ؟.”
تصورورا ان شاعرا مثل الرزاق عبد الواحد والذي يشبه نفسه بالمتنبي ينطّ كخادم اجرب في ايوان وزير مستقيل ليفتخر ان صدام اشعل له سيجارته الروثمان !! تصوروا انها اسطورة ، فانعم به من شاعر وانعم به من سيف دولة وحاكم !!!..
كيف لهذا الشحاذ عبد الواحد ان يقارن نفسه بالمتنبي القائل
وكلُّ ما خلق الله وما لم يخلق ”
محتقر في همتي كشعرة في مفرق ”
تصوروا حجم المأساة حين يفتخر الشاعر بين المتكسبين جمعيهم يرحمهم الله وهو لم يرف له جفن ويذكر لماذا رحم الله الشاعر شفيق الكمالي” لم يقل كلمة حق الان في حق شفيق الذي اعدمه صدام ” .. تصوروا حجم الكارثة وهو لا يعرف مقصد صدام حسين الخفي من حركته هذه والذي يراد بها اهانة الجميع وبضمنهم الشاعر .. تابعوا معي ” صار اليوم الثاني وصار المهرجان وكانت الدولة كلها حاضرة ما عداه هو حتى نواب الرئيس والوزراء كانوا جالسين طه ياسين رمضان وطه محي الدين معروف , القى الاستاذ شفيق الكمالي رحمه الله قصيدته وكمال الحديثي ومحمد جميل شلش ثم قام خليل خوري رحمه الله لإلقاء قصيدته واذا القيادة كلها قامت فعرفنا انه جاء وكنت انا منتظر ان أقرا بمجيئه وكان المنبر والمنصة عالية جدا بحيث عندما الشاعر يقرأ لايرى منه سوى راسه فعندما وقفت قال عبد الرزاق لحظة واحدة فوقف ورجع خمسة صفوف الى الوراء وايضا رجع الكل وراءه فقد كانت القاعة شبه قوس وقال انا الآن اراك فأقرأ وانا شعرت بزهو كبير جدا بهذا الموقف وقرأت القصيدة التي بعد ان علق عليها، ذهبت الى البيت وعملت عليها وعندما وصلت الى ما تشا يا عراق صوتك صوت الله فينا وكان هو منسجم جدا , ما تشا يا عراق صوتك صوت الله فينا وكلنا اصداء فاعتدل بجلسته انه كلامه لم يفعل شيء وانا رجعت تأكيدا وقلت ما تشا يا عراق صوتك صوت الله فينا وكلنا اصداء فوضع يديه على الكرسي كانه يريد ان يقف وانا مطمئن لانني اعرف ما القصيدة ،قلت كلنا رجع صوتك المتعالي ليس في النخل نخلة بكماء لو على قطع راسها تتباهى طفلة النخل انها فرعاء سم اسما وناده ستجدنا جميعا وكلنا اسماء , يمين الله وقف بطوله ووقف الجميع وبقيت مدة الى ان وقف عن التصفيق وهذه لم تكن تعطى لشاعر وعلاقة الشعراء العرب برؤساهم وملوكهم , فماذا نسمي المتنبي عندما يكتب لسيف الدولة ؟ فالمتنبي مدح حتى كافور وهو من اعظم الشعراء العرب مدح كافورومدح سيف الدولة وامراء وقواد والشعراء كانت هذه حالات يعيشوها والجواهري نفسه .
اصعد فها انت في بوابة الحلم صفق بين ذرى عمان والاكم اصعد فكل رياح الارض لوعصفت مرت بك الان مر الغيم بالعلم اصعد فالف سموم قبلها عصفت وانت تخفق بين النجم والسدم ما نال منك سوى جنحيك عاصفها وانت كالكوكب الدري في العتم خمسين عاما ملأت الكون اجنحة مخضوبة الريش بين الريح والظلم حتى وصلت الى عمان فلتعد ان تستريح فهذا اول الاجل اهدا قليلا على الاوراق يا قلم فلقد بشمت من النيران فانفطم ولا تقل لي منايانا تلاحقنا اعمارنا وردت ساق على قدم يمشي بنا الموت او يمشي بنا عبثا بلا سروج ولا خيل ولا لجم فان ينم اي موت عن ودائعه فعمر موت العراقيين لم ينم
الغرور الفارغ
في يوما ما بلغ الغرور بعبد الرزاق الشاعر حتى قال ” انا سيد المشيتين” ويعني الحر والعمود ، وقال ايضا في حفل شعري ” انا لا ارى غيري شاعر هنا في هذه القاعة ” ومن هذه الانا التي تليق بالشاعر المبدع الصانع الرائي ، الى تلك الانا المنساحة الى اواني مستطرقة يسبكها الحاكم ليطفو في متاهاتها الشاعر التابع كجثة طافية في مبزل مظلم وأسن، من هامة الغرور الشعري ، ومن خيمة على مشارف الاربعين حتى صار “امضيع المشيتين” كما جاء في المثل العراقي على الغراب،، وما اشد على الانسان ان يرى الشاعر اليمام وقد انقلب سحيما ، وصار غرابا..
من ينعق لمن ؟
الشاعر أم السيف؟
الصوت أم الصدأ؟
النور أم الظلام؟
يذكر أن الدَّهان النحوي (ت 532هـ) «كان أولاً حنبلياً، ثم أن الخليفة طلب لولده حنفياً يعلمه النحو، فانتقل إلى مذهب أبي حنيفة، ثم شغر تدريس النحو بالمدرسة النظامية، وشرط الواقف (نظام المُلك) أن لا يفوَّض ما يتعلق بها إلا شافعي، حتى الفراش والبواب، فانتقل الوجيه إلى مذهب الشافعي وتولاه». فداعبه أبو البركات التكريتي (ت 599هـ) بأبيات: «تمذهبتَ للنعمان بعد ابن حنبلِ..
وذلك لما أعوزتك المآكلُ..
وما اخترت رأي الشافعي ديانةً
.. ولكن لأن تهوى الذي منه حاصلُ..
وعمَّا قليل أنت لا شكَ صائرُ..
إلى مالكٍ فأفطن لما أنا قائل
(الأسنوي، طبقات الشافعية)! وكان المقصد بمالك حاجب جهنم لا الإمام ابن أنس (ت 179هـ)!
والرجل عبد الرزاق مدّاح منذ سنواته الاولى .. كما جاء في حديثه مع قناة البغدادية ،ان من اولى قصائده مدح فيها مراقب الصف كي لا يسجله غائبا!
نهاية شاعر
في الوقت الذي كان يقول انه أحب صدام حسين وكان غير متكلف معه ” وما خذ راحته وياه”لم يستطع حتى التلويح له بان ما يقوم به من مغامرات حربية مهلكة للجيش والشعب غير مجدٍ ،أو على اضعف الايمان، اما أن يهرب بجلده او يصمت حينئذ، او يقول الان بصراحة ويعترف.. ولكن الشاعرلا يريد الا التكسب على جثة صدام اليوم بعد ان حَلبه حيّا ” واليكم ما جاء في حواره مع قناة الشرقية عن نهايته في نظر سيده وبرود علاقتهما .
المقدمة : ما سبب هذا البرود ؟ ”
عبد الواحد:انا بدخولنا الى الكويت شعرت ان هناك فاجعة بانتظارنا .
المقدمة: كنت تعتبره خطأ ؟
عبد الواحد: انا لست سياسيا ولم اكن اعرف ملابسات هذه ويا ميسم انا لا اعرف ملابسات كل ما يحدث في العراق وانا منذ بداية العملية قلت نحن امام عوامة ثلج وهذا القول ماخوذ عني عشرها فوق الماء وتسع اعشارها تحت الماء ولا نعرف ابدا ما يحدث حتى حربنا مع ايران . المقدمة: هل تحدثت معه بهذا الموضوع ؟
عبد الواحد: معقول ؟ انا اقول له ماذا فعلت , مرة اخطأت خطأ من هذا القبيل وكنت اتحدث في سيرة وذكريات وكانت الاديبة ابتسام عبد الله هي من تقدمه وكانت تقول لي عبد الرزاق انت شاعر سياسة تحولت فجاة الى شاعر غزل ؟ قلت لها انا شاعر وطن وعمري لم اكن شاعر سياسة وانا اكره السياسة والسياسيين لانها متلونة ومتقلبة وانتهى الحديث وذهبنا وبعد عدة ايام طلبني وقال عبد الرزاق انت كيف تقول انني اكره السياسة والسياسيين والسياسة متقلبة ومتلونة ولئيمة وانا سياسي , فوضعني في خانق وانا فلتت مني الكلمة فقلت له لا ابو عدي انت ليس سياسي ولو كنت سياسي لم يحصل بنا هذا الشيء , اقسم بالله كانني ارى عينيه الان كل عين اصبحت كبيرة وقال لي ماذا ؟ انا ادركت انني وضعت نفسي في مطب فانا كنت اريد ان اعتذر عن قضية وضعت نفسي في مطب اكبر منها قلت له ابو عدي انت انسان صاحب مبدأ وانت لا تتنازل عن مبادئك ولهذا ارتطمت مبادئك بالسياسة ولم تضحي بمبادئك بل بالسياسة فارتاح هو وانا ايضا خلصت من الموضوع .
المقدمة: هل كنت فعلا تعتبره غير سياسي ؟
عبد الواحد: لا ارجع واقول انا لا افهم شيء في السياسة وانا اعرف شيء واحد ان العراق يقاتل ولو كان يقاتل ابي لوقفت الى جانب العراق ان كان على حق او على باطل فانا اقف الى جانب وطني وكتبت له وكتبت للعراق في وقتها”
لم يكتف الرجل بان يكون العوبة بيد سيده فقط ، فقد تورط ايضا في الانصياع الى طلبات نجله عدي وما حصل له مع تلفزيون الشباب الذي كان يملكه عدي خير دليل ، وهذا حال من يقرب من السلطان ويلعب مع الملوك والطغاة، فلا يسلم من شررهم ، فهل كان عبد الرزاق نادما واعترف على هذه البهذلة والرزالة التي يلاقيها من كل حدب وصوب ، لا اعتقد ذلك بل انه كان حزينا جدا على سيارة المرسيدس التي لوّح بها الوزير له ليسيل لعابه وينجر قصيدة ” بربكم اهذا شعر ؟؟”.
ولعدي مع الشعراء والمتشاعرين والصحفيين في العراق ادوار مخيفة استخدمهم كأكباش فداء بوجه مؤسسة أبيه الرسمية ، واسس جيشا وحكومة كاملة تحت مسمى اللجنة الأولمبية ، وتدخّل في مفاصل الإعلام والادب ..وركض كثيرون وراء الطعم ومنهم الشاعر هذا ..بل ان منظمات عدي الصحفية والأدبية والاعلامية كانت سلطة حقيقية ، ولكنها منزلق كبير .. تزحلق به هذا الشاعر عندما اصطاده عدي بشراكه ليبعده عن الاب اولا ومن، ثم يهينه وهو ما حصل مع هذا الشاعر وغيره،. ولكن عبد الرزاق لم يعترف .. فهو متفنن في قنص واستدرار الدموع بالامس على صدام واليوم على العراق، ومثلما كان سيده يصحح له الكلمات وهو يبدلها ،رأيناه اليوم يبكي على العراق مستبدلا الكلمات التي قيلت بحق صدام فقط ..
اسمعوا قصة المرسيدس الضائعة…
“المقدمة : نعود الى القصة حيث استدعاك الوزير ووعدك بالحصول على سيارة المرسيدس من قبل الرئيس ؟
• عبد الواحد: نعم وبعد ان خرجت قال لي ابو خالد ميلاد الرئيس بعد 12 يوما فلا تنسى , وانا في ذلك الوقت لم اكن اضعه في بالي وكانت الحياة متأزمة بشكل كبير وهذا كان في عام 1993 فكتبت قصيدتي واتصل بي أحد من قبل التلفزيون ومن قبل عدي وقال: لي قصيدتك محجوزة الى تلفزيون الشباب الذي سيفتح يوم ميلاد الرئيس فاتيت في يوم الميلاد واستقبلت في التلفزيون وادخلت الى التلفزيون والبث كان مباشرا ولم يكن هناك تسجيل والقصيدة كانت قاسية جدا “ادرك حدود الصبر” واذكر منها ابيات وهي تزداد عنفا كلما امتدت : ادرك حدود الصبر لا تتزعزع
وأقم ظهور الناس لا تتقطع
فالسيل قد بلغ الزبى يا سيدي وبيوت اهلك بالتقى تتذرع
وقد تحامينا بحيث فطيمنا لا يغتذي و رضيعنا لا يرضع
يا سيدي بعض الحصار حصارهم وحصارنا بحصارهم يتقنع
بعض الخراب خرابهم وخرابنا عن ضعف ما فعلوه لا يتورع
ولقد حميت الدار فاحرس بابها من بعض ايدي اهلنا لا يقرع
فقامت القيامة .
• المقدمة : كنت متوقع ؟
• عبد الواحد: انا كنت اعرف ان القصيدة عنيفة ولكن كنت ادري واعرف ان المسائل تختلف والتاريخ يختلف فكان الجواهري يقف امام نوري السعيد ويقرأ قصيدته البائية ونوري السعيد جالس وهو يقرأ قد نبأت انك لست تبرح سائل عني تناشد ذاهبا او ايبا وتقول كيف يبقى نجم ثاقب ملء العيون عن المحافل غائبا انا ذا امامك شامخا متجبرا أطأ الطغاة ويشير الى نوري سعيد بجذع نعلي عائبا ويخرج الجواهري ولا يفعل له احد اي شيء ولكن الزمن اختلف .
• المقدمة : هل كان زمن نوري سعيد افضل ؟
• عبد الواحد: لا ليس افضل ولكن تطورات الحياة اختلفت ويحسب حساب اخر لا اعرف زمن العراق اي واحد افضل ولكن يخيل لي العهد الملكي كان اهدأهن.
• المقدمة : خاب املك بعد قراءتك هذه القصيدة ؟
• عبد الواحد: لا لم يخب ولكن انا بعدها احلت على التقاعد والهدية حجبت وصارت مضاعفات بعدها وسافرت الى عمان”
لاحظوا ان هذا الشاعر يريد ان يتاجر بصدام ميتا ولكن بطريقته الخاصة ، فهولم يمدحه ، لا حظوا مقدار الهزء والرزالة التي قدمت له بعد كل جهوده في خدمة الفيلق الثامن بقيادة لطيف نصيف جاسم ،، نعم هذا مصير اصحاب الطغاة .. لقد سرح من الخدمة بعد انتهاء خدماته ولكن عبد الرزاق عبدالواحد لم يتعلم الدرس بل استمرأه، وصار نفسيا لا يستطيع الا ان يمثل دور العبد والضحية ، ويبحث حثيثا عن اي منقذ لخيبته ، وفي مجمل حديثه يقول غير نادم “لا اريد ان اقول انني كتبت ام لا فماذا يعني هذا ؟ هذا شيء لي ولا اتباهى به ولكن عندما اكتب للعراق فانا اريد العراقيين , اكتب له فهو مات وما اكتبه له فهو لي , ولا يعني شيء الا اثارة النعرات وانا اثير غضب الناس من اجل العراق الذي هو الان مستباح “. يعترف اخيرا أن الكتابة لصدام الان لن تعد تجدي نفعا له بل الاخطر انها تثير نعرات وغضب الناس..
السؤال الاخير لهذا البوق … اذا كان صدام حسين رجل دولة نادر وقائد أوحد وسيد البلاد وحامي حماها ، فلماذا يثار الناس من قصائد تمدحه بعد موته؟!!اليست هذه تجارة بائرة لا يكف عنها هذا الشاعر وهو في ارذل العمر، والذي لا يعتذر ابدا عما كتبه من شعر يدعو الى تبجيل الطغاة وتلميع صورهم وتبرير اعمالهم وشنائعهم بحق الشعوب،، اليس من حقنا ان نستعير هنا ما كتبه سلام عبود صاحب “كتاب ثقافة العنف ” في مقتطف من الفصل الرابع – الباب الأول من كتاب تحت الطبع بعنوان ” من يصنع الديكتاتور؟” بقوله عن هذا الشأن ” لم يكتف أدباء الحرب والتعبئة ومناصرو حقبة الاستبداد بماضيهم الثقافي الأسود, بل ذهبوا بعيدا في مجال الدفاع عن هذا الماضي وتبرير سقطاته. فحالما تقترب عين النقد من هذا الإرث اللاإنساني المظلم حتى يهبّ المدافعون عن ذلك الماضي, تحت ذرائع شتى, محذرين من مغبة المساس بعذرية ووداعة الكائن المسمى بالأديب والفنان! فهو كائن استثنائي, مثل قائده وحروبه, يدخل الحروب الثقافية استثنائيا, ويسهو استثنائيا, ويخرج من الحروب استثنائيا, ويتخلص من نقد السهو استثنائيا, ويواصل رحلة التزوير والمكر والتضليل استثنائيا. وقد تطرف البعض في هذا الدفاع حينما اعتبروا أي نقد يوجه الى ثقافة التعبئة ومثقفي الحزب والعنف ضربا من المحرمات, تعادل الحكم بـ “الإعدام”! إن تعبير “إعدام” لم يزل عالقا بأفواه المتصلّفين كالأشنات المتعفة, متجاهلين الأثر النفسي والثقافي والتربوي لهذه التبريرية الكاذبة.
كيف نظرت شعوب العالم الى تجاربها, ونعني تجارب كتابها الكبار, الذين تخطوا حواجز المحلية ودخلوا تاريخ الثقافة العالمية من أبوابه الواسعة؟
على الرغم من المكانة المرموقة التي احتلها شعراء وكتاب عالميون أثروا الأدب والثقافة بعظمة إبداعهم, إلا أنهم لم يفلتوا من نقد المجتمع. فالتاريخ البشري لا يسامح أعداء الإنسان, مهما راوغوا وتقنّعوا. والشعوب الحيّة لا تكنس الأوساخ وتخفيها تحت سجادة صلاتها, كما اعتادت شعوبنا أن تفعل. أدباء وصفوا بالعظماء فنيا ومعرفيا كإزرا باوند وكنوت هامسون وهيدجر, لم تتسامح معهم شعوبهم, حينما وجدت أنهم سايروا مشاريع الحرب والفاشية. فعلى الرغم من المكانة المرموقة التي يحتلها الشاعر إزرا باوند في التجربة الأدبية العالمية, إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الأميركية من القاء القبض عليه وترحيله الى الولايات المتحدة ووضعه في محجر عقلي. وضع باوند في مشفى للأمراض النفسية والعصبية في واشنطن من عام 1946 حتى عام 1958, أي حجرلاثنتي عشرة سنة. والحجر النفسي, في نظر الشعوب المتحضرة, عقوبة أقسى من السجن, حينما تقع على كاتب وفنان له مكانة باوند. أما كنوت هامسون, أعظم كتاب الشمال الأوروبيّ, الإنساني النزعة, والحائز على جائزة نوبل, فلم يتسامح الشعب النرويجي مع “موقفه” في مسايرة الحقبة النازية. وهو موقف مختلف عليه كثيرا. وعلى الرغم من شيخوخة هامسون, فقد وضع في مصح عقلي, وهو في السادسة والثمانين من عمره. ومن يقرأ مذكرات تجربة الحجر النفسي التي كتبها هامسون عن تلك السنوات الحالكات, يدرك عمق العقاب الذي تلقاه هذا العملاق الأدبي الكبير. أما هيدجر, الذي يحلو للجهلة التغني بـ “هفوته”, فكانت هفوته أنه كان على صلة بالحزب النازي, وقبل موقعا جامعيا في السنة ذاتها التي صعد فيها هتلر الى قمة السلطة عام 1933. لكن هيدجر سرعان ما استقال بعد عام واحد فحسب. وإذا أردنا ترجمة تجربة هيدجر عراقيّا, ستكون الكارثة الثقافية لا حدود لها. فتجربة هيدجر تشبه تجربة استاذ جامعي كان على علاقة بانقلابيي 14 رمضان وقبل منهم منصبا جامعيا, ثم تخلى عنه طوعا. وعلى الرغم من هذا فإن اسم هيدجر ظل, وسيظل, محفورا في تاريخ الثقافة والفلسفة باعتباره أحد الذين خانوا ضمائرهم ومسؤولياتهم العلمية والمهنية والعقلية. وللتأكد من هذا يمكن مراجعه أحدث طبعة من كتاب “تاريخ الفلسفة الغربية”, بقلم د. دبليو. هاملين, الصفحة347.
إن التاريخ لا يرحم . فكم إزرا باوند وكنوت هامسون عراقيا – إذا كنا نملك ولو على سبيل الافتراض مثل هؤلاء “العظماء فنيا” – وضع في محجر عقلي؟ وكم فيلسوفا “عظيما” كهيدجر ومطبلا عقليا للديكتاتور أو للاحتلال سجل في تاريخ الثقافة كـ “خائن” للضمير الوطني؟ إن الثقافة, عندنا, هي ميدان التضليل الأكبر, ميدان البيع الرخيص للكرامة والقيم والمواقف والمسؤوليات. ولكن, ليس الثقافة كلها, الثقافة المنحطة وحدها, الثقافة التي يكتبها لصوص الثقافة في زمن الطغيان, سواء كان طغيانا بعثيا أو أميركيا أو شموليا.
إن شعوبا أكثر تحضرا منا, وأقل ولعا بلعبة ” الخائن” و”البطل”, كالشعب الألماني, لم تزل حتى اليوم تنقب وتراقب ملفاتها السرية. فعلى الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على نهاية سلطة الرايخ الثالث, لم يزل التاريخ الثقافي الألماني موضع رصد وتمحيص. ففي آب 2007 أعلنت المتحدثة باسم الإرشيف الاتحادي الألماني أن الكاتبين مارتن ولسر وسيغفريد لنز كانا عضوين في الحزب النازي الألماني. وقد كذب الكاتبان الخبر. وأكد ولسر, المريض, الذي يبلغ الثمانين من العمر الآن, أنه كان مراهقا, في السادسة عشرة من عمره آنذاك, وكانت منظمة الشباب النازية تقوم بتحويل أسماء الشباب اليها تلقائيا. ويصرّ ولسر على أنه لم يقم بملء استمارة عضوية لأية منظمة حزبيّة. أما الأمر المؤكد فإنه لم يكتب حرفا واحدا يخدم عسكرة المجتمع.
ولم تزل منظمات كثيرة, منها جماعات عمل ترتبط بمنظمة هنريش بول ( حائز على جائزة نوبل عام 1972, مجند في الجيش الألماني وأسير في الحرب العالمية الثانية) تتقصى وتمحص الملفات السرية للمتعاونين مع الشرطة السرية الألمانية الشرقية. وقبل أقل من عام واحد فجّر الكاتب الألماني, ورفيق هنريش بول في حملة تطهير الإرث النازي, غونتر غراس, قنبلة أخلاقية, جرى تفسيرها بطرق مختلفة, تحدث فيها عن أمر من ماض سحيق, من زمن المراهقة: عن انتمائه الى المؤسسة النازية, وهي تهمة قريبة من تهمة ولسر, اعترف بها في شيخوخته, بمحض إرادته.
سيختلف الناس في سبل تأويل هذه الأحداث, لكنهم لن يختلفوا في أمر واحد: التاريخ لا ينسى, والحقيقة وحدها هي التي تكتب التاريخ الصحيح. وشتان بين مراهق يساق الى تنظيم لا إنساني وكاتب ” كامل البلوغ” يخدم طوعا في معركة تشن ضد شعبه, أو كاتب يزور تاريخ البشر لصالح ديكتاتور أحمق أو محتل كريه. إن من يبحث لنفسه أو لغيره عن استثناءات في لعبة الشر لهو شرير أصيل, يعي بإصرار وصلف ما يقوم به من عدوان على حرمة الإنسان والمجتمع.
أخيرا أنا لست مع نصب مشانق أو القصاص المجاني ، ولكن يجب ان لاندع أحدا يلعب على الذاكرة العراقية بعواطف مزورة ورخيصة لاستدرار عطفها ،علينا التعلّم أن الذاكرة شرط انساني لقيامة الشعوب وبناء حضارتها ومدنيتها.
نرجو من الجميع ان يتمتعوا بذاكرة باشطة ومتسامحة معا كي ان لا ينخرطوا في الرهان على دموع التماسيح ونبؤة الانبياء الكذبة ومباخر الدهاقنة .
وأخيرا فأن الرجل الذي يذرف دموع التماسيح في حوارته مع الفضائيات العراقية ، قد اكتسب لقبا مهما في حياته وهو ” شاعر القادسية” بعد ان كانت هذه الملحمة الدموية سببا في موت أكثر من مليون عراقي وترّمل مئات الآلاف من النساء ،وهو الذي أعطاه سيده قصرا بحي القادسية بجانب مندى المندائيين. وهو الذي ظلّ يكابد لانتزاع لقب ” شاعر أم المعارك ” دون جدوى” بعد أن إنتهت صلاحيته من الخدمة في ديوان سيف دولته المهزوم .
وهو الآن يشغل منصب مستشار في إتحاد الكتاب العرب في دمشق، وهو كما يقول المثل ” خيركم في الجاهلية .. خيركم في الاسلام”
……………………