المرسي البدوي
تحسس الثقب الصغير في رأسه ، تذكر أنه اصطدم بأحد الأسياخ الحديدية في صغره ، خلف الاصطدام الثقب الصغير لازمه طوال حياته ، تحس لما يشبه الغليان ، هز رأسه ، بحاول أن يقنع نفسه ان مايحدث هذيان مابعد منتصف الليل ، أضاء المصباح شاهد شيئا كالبحر يتصاعد من الثقب خطيا رفيعا الي السقف ، حين يصطدم بالسقف تسقط قطرة تشبه الماء الي الأرض ، قطرة ثم قطرة ، يتصاعد البخار وسقوط القطرات ،رأي في البداية قدمين ثم ساقين وسط وكتفين، ثم أخيرا رأي راسا، كائن مما يشبه الماء تجمد ليصير تمثالا ثلجيا، دقق في التمثال، يشبهه تماما، لمح كتابة علي التمثال ، اقترب يقرأها تفاصيل حياته منذ أن بدأ يعي ، قرأ الكتابة رغم أنها بالماء ،قراها بسهولة ، أحداث كثيرة ستفضحه لو قراها غيره ، جاعت أسرته أياما كثيرة، يذهبون الي الأعمال والمدارس جياعا، يعودون منتظرين أن يستطيع أحدهم استدانة قليلا من المال لشراء بضعة ارغفة من الخبز وقطعة من الجبن أو طبقا من الفول ، يلتهم الطعام في لحظات ، الأب يعرف بعض الشيء عن الخياطة ، يحاول أن يصنع من ملابسه القديمة ملابس لأولاده وملابس الأم القديمة ملابس لبنات. جري خارج الغرفة يبحث عن شيء يكسر به التمثال الفاضح لم يجد مايكسره به ، عاد الي الغرفة علي قلب التمثال صورة من أحبها بملامحها الدقيقة تبتسم كأنها تسخر منه، كان يعرف أنها لم تفكر فيه ابدا إلا حينما تحتاج إلي شيء . عاد الي الفراش، سحب الغطاء يحتمي من برودة التمثال ، تهاوي التمثال، لم يجد قطرة علي الأرض ، تنهد معتقدا انه استراحة ، احس بشيء جديد في راسه، غليان كأنها موضوعة في موقد كبير ، تصاعد البخار من الثقب مرة أخري ، كرات من اللهب تكون تمثالا اخر من الجمر، حاول أن يخمن ماسيحمله التمثال الناري ،جري الي الحمام ليصب الماء فوق رأسه ، انزلق، سقط علي الأرض ، ابتلى ملابسه ، خيل إليه أن من معه في البيت ربما سمعوا صوت سقوطه ولابد أن أحدهم سيأتي ليعينه علي النهوض، تنزلق الأحداث والذكريات من رأسه تعيقه عن القيام ، ظل يضرب الأرض بيديه كأنه يجدف في بحر عميق كلما ازداد تجديفه ازداد تدحرجه علي أرضية الحمام ، حاول الصراخ لايخرج الصوت من حلقه رفع صوته باقصي مايستطيع ولكن الصوت لايخرج ، تعبت يداه ، إستكان يوفر بشدة