وديع سعادة

شارك مع أصدقائك

Loading

بقع زيت

لم نُوقِظِ النسائمَ النائمةَ

فقط مشيْنا

يُرافِقُنا مِلْحُ الفجر

وأصواتُ الكلاب،

ترَكْنا جُزَرًا بكاملِها هناك

وفَحْمَ ملائكةٍ في الأقبيةِ وجذوعًا مكسورةً لآلهة

وأبديَّةً ثكلى،

بُقَعُ زيتٍ مَشَتْ معنا على ثيابنا

وشَحْمُ أحلام

وكانَ في قلوبِ بعضِنا عرباتٌ مُخَلَّعَة

ومواشٍ نافقة،

رافقتنا أصواتُ الكلاب حتَّى غِبْنا

وعلى الدروب، تحتَ أقدامنا

اكتشفنا نوعًا نادرًا

من الأنين.

هَايْ، أنتَ

ها أنا الآنَ وَصَلْتُ

جديدًا طازجًا مثلَ فاكهةٍ لم تَسْمَعْ بها

اعْطِني سيكارة،

معي حكاياتٌ غريبة

عن ملوكٍ ومعارِكَ ومزهريَّات

عن شعوبٍ اكتشفَتْها الرياحُ بالصُّدْفَة

وأسماكِ أرواح

على الرمال

حكاياتٌ لكَ أنتَ وَحْدَك

اعطِني سيكارة،

ومعي أيضًا تلالٌ من السنوات

أريدُ أن أبيعَها

تلالٌ مُشْرِفَةٌ على محيطات

يرقصُ فيها الحيتانُ

مع الغَرْقَى

مُشْرِفَةٌ على خُلْجانٍ يمكنُ فيها بناءُ منتجعات

لأعمارٍ أخرى، جميلةٍ

تلالٌ، تلالٌ

إدْفَعْ ما شئتَ

وخُذْها.

لم نُوقِظِ النائمِينَ ولم نَقُلْ كلمة

فقط سمِعْنا الكلماتِ الأخيرةَ للأبواب

التي كانت تئزُّ عند دخولنا وخروجنا

ومشيْنا

تركْنا صُوَرًا على الحائط

رائحةَ زيتونٍ في الزاوية

أعضاءَ حكاياتٍ على المناشر مَشْكُوكةً مع التبغ

ورأسَكَ يا رياض الذي صار

نيازِك.

مُقَطَّعِينَ مُخَلَّعِينَ واثبينَ

على عُكَّازاتٍ في الشوارع

نَصِلُ بأعضاءٍ ناقصةٍ حيثُ نذهبُ وحينَ نغادرُ

نتركُ بعضَ أعضاء

لنا عيونٌ وأقدامٌ

لا تزالُ هناك

لذلكَ، حينَ نمشي، لا تشعرُ الدروبُ بنا

وإذا انهمرَ مطرٌ تكونُ في مكانٍ آخر

تَدْمَعُ عيون

اعطني سيكارة

من الدُّخانِ تُولَدُ الآلهة

تُولَدُ الكنوزُ والسماواتُ والبهاء،

شوقي صديقي

لكنَّهُ بعدَ قليلٍ سيصيرُ سِكَّةَ حديد

أريدُ فقط قبلَ ذلكَ أن أشربَ سيكارةً معه

كلُّ قطاراتِ سِيدْني تمرُّ في رأسِهِ عَبْرَ “سيدنهام”

وهو على وشك أن ينفجرَ اعطني سيكارة،

وخضْرُ الذي رمى بندقيَّتَه في الجبال ونَزَلَ

صارَ رسالةً بلا عنوان

ينقلونَهُ من بريدٍ إلى بريد

ولا يَصِل،

من الدُّخانِ تُولَدُ الطريقُ

تُولَدُ العناوينُ و البيوتُ

وأصحابُها

من الدُّخانُ تُولَدُ الآلهة هاتِ

سيكارة

سأُرْسِلُ لكَ حينَ أعودُ هِضابًا من التبغ عن مناشِرنا

سلالَ فاكهةٍ وبَيْضٍ

من دجاجاتٍ نُرَبِّيها على حُبوبِ أحلام

وتبيضُ كنوزًا سأُرْسِلُ لكَ بعضَها أيضًا

وذاتَ يومٍ اخترَعْنا

عروقًا للصمت

مشَيْنا نَشُكُّها في أجسادِ الدروب

مشَيْنا في هواءٍ قارصٍ لِنُبَكِّلَ أزرارَ الطُّرُق

وكانَ لَحْمُ صدورِها يرتجفُ

أمامَ عيونِنا

رأينا تحتَ الجسورِ أحشاءَ حياةٍ

وشظايا عيونٍ

تبحثُ عن نظراتِها

إسْمَعْ، رأينا الحياةَ

ترتجفُ تحتَ شجرة

وهَمَّ بعضُنا أنْ يخلعَ قميصَهُ

ويُغطِّيها،

مشَيْنا بصدورٍ عاريةٍ وكانَ الهواءُ

صديقَنا

يأتينا بزهورٍ

ويلعبُ بشَعْرِنا

كانَ الهواءُ يحملُ لنا نظراتٍ

ضيَّعَها أصحابُها

وهُمْ يحدِّقونَ في الشفق.

معنا أساورُ معنا شوارعُ معنا ظلال

معنا هواءٌ و قَصَب

وفي حقائبِنا حفيفُ صُوَرٍ وضمَّاداتُ حنين

وعُكَّازاتُ أصواتٍ تركضُ من جبلٍ إلى جبل،

مَشَيْنا

وكانت ورقةُ لوزٍ أمامَ الباب

نظرْنا إليها

وتابَعْنا.

أنيسُ بعينيه الغَيْمَتَيْنِ فوقَ سهلِ برتقال

بعروقِ أصابعِهِ الماضيةِ نَحْوَ أن تصيرَ

أقلامًا ناشفة

وبقمحِ أحلام

يَنْقُدُها طيرٌ عن فمِهِ،

وغَسَّانُ بعُودٍ عزَفَ عليهِ كُلَّ الطريق

حتَّى صارَتِ الشوارعُ أوتارَه.

لم يكن عندنا غيرُ

رائحةِ تبغٍ وزيتونٍ

حمَلْناها على ثيابِنا ومضَيْنا

مَشَيْنا خفيفينَ

لئلاَّ نُزْعِجَ ندى الطريق

ولم نَحْنِ غُصْنًا

لم نُوقِظِ النسيمَ

لم نُوَدِّعِ الأصدقاءَ لم نَقُلْ كلمة

فقط

مَشَيْنا.

(بسبب غيمة على الأرجح 1992)

 

شارك مع أصدقائك