حوار مع الشاعر والأديب سمير الفيل

شارك مع أصدقائك

Loading

حاوره  المبدع محمد الحديني

سمير الفيل ، الشاعر الذي هجر الشعر ليفوز بجوائز القصة القصيرة.

* أشتغل على تجربتي السردية في هدوء وثقة وطالما أشعر بالمتعة،

فأنا في الاتجاه الصحيح.

* قام طالب الرفاعي بجهود كبيرة لتخرج جائزة ” الملتقى ” الكويتية في ثوب قشيب .

* هذه أسباب تدهور المسرح الغنائي في الوطن العربي.

……

كاتب مصري يعيش في مدينته” دمياط ” ،  بعيدا عن العاصمة بحوالي 200 كيلومترا شمالا . أصدر 47 كتابا منها خمس وعشرين مجموعة قصصية ، تعالج التحولات الاجتماعية في مصر. تميزت أعماله بالبساطة والانسيابية والقدرة على مخاطبة قطاعات واسعة من جمهور المتلقين.

سمير الفيل يعقد جلسة يومية صباح كل يوم بالمقهى ، يجتذب إليها العديد من الأقلام الراسخة مع حيز متاح للكتاب الشباب ، هو عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة ، ولديه خبرة التعامل النقدي مع مجالات القصة القصيرة والرواية بعد ان أصدر في بداياته خمس دواوين شعرية .

عمل أربعين عاما في سلك التدريس،  يؤمن بفكرة أن يجرب الكاتب أدواته ، من وقت إلى آخر حتى يطور آليات عمله وهو ما ينعكس على الإصدارات الجديدة.

من مجموعاته القصصية نذكر :” ليمون مر” ، ” المعاطف الرمادية ” ، ” فك الضفيرة ” ،  ” حذاء بنفسجي بشرائط ذهبية ” ، ” شارع التبليطة ” ، وهي صادرة عن دار غراب. كما صدرت له  ” دمى خزينة” عن دار بتانة. ومن هيئة قصور الثقافة أصدر ” ذئاب مارقة ” وفي ذات التوقيت صدرت له مجموعة ” قهوة على الريحة” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

يستلهم قصصه من بيئته التي يعرف أسرارها غير أنه يقول أن شخصيات قصصه كثيرا ما تتمرد عليه وتتصرف بطريقتها. أجرينا معه هذ الحوار الذي تميز بالوضوح والصراحة والصدق .

*   الأدب .. موهبة ام تدريب وممارسة ؟

ـ يجمع الإبداع بين نسقين : الموهبة بما يلازمها من استعداد فطري وكتابة تلقائية شفافة، وبين التدريب والممارسة ، وهنا لابد من الاطلاع على تجارب السابقين بكل اللغات الممكنة ، مع الحرص على تخطي النموذج ، وضرب سقف التوقعات لدى القراء.

ـ تشتغل في حقول متنوعة ، من رواية الى قصة ومسرح وشعر عامي ،  وهذا يمثل ثراء ابداعي يُحسب لك .. لكن  هناك سؤال مهم .. اين تجد نفسك أولا ، في أي من تلك  الحقول ،  وثانيا ألا تعتقد ان تشتت جهود المبدع يضعف من  تركيزه في حقل واحد ، أم أنك تستطيع خلق معادلة متوازنة؟

ـ حين أجلس إلى مكتبي وأمامي قطعة الورقة البيضاء ، أركز في امرين : الأول ، ان ينصب اهتمامي على الجنس الأدبي الذي أكتبه . بما فيه من خبرات سابقة .

الثاني ،  محاولة ان أفر من النمط أو النموذج ،  وهو ما يتطلب ثقافة واسعة ، وقراءة في مجالات مهمة : التاريخ ، والفلسفة ، والفنون ، والمعمار.

كنت أحاور الناقد البحريني الدكتور علوي الهاشمي منذ حوالي ثلاثين عاما فأخبرني أنه يشتغل على قراءة  مجموعة روايات ، كل رواية هي ابنة المكان : الجامع أو الميدان أو صرة المدينة.

في حوار آخر مع الشاعر العراقي سعدي يوسف ، قال لي أنه لا توجد جدران صينية بين الفنون بل هناك دائما أواصر قربى.

الروائي المصري إدوار الخراط كان يتجه إلى مصطلح ” عبر النوعية ” وقد طبق بحوثه المتقدمة في هذا المجال.

أنا نفسي مع خبرتي المحدودة في مجال النقد التطبيقي أستحدم عطاءات الشعر للولوج إلى ساحة القصة القصيرة ، ولي فيها منجز يعتد به ، ادمج خبرة الكتابة بخبرة الحياة .

هذا كله يدفعنا للظن بوجود صلات قوية بين الموهبة وهي البذرة التي تظل ساكنة تحت التربة حتى يأتي إليها الماء ويتخلل الهواء الحبيبات ليدمجها بنفس الحياة الآسر .

عن تجربتي : بدأت الشعر مبكرا منذ 1968 وبداية  من العام 1974 كتبت القصة القصيرة ، لكنني لم أطبع أعمالي إلا عام 2001. لم ينتبه النقاد لأعمالي إلا منذ عام 2016 حين فزت بعدة جوائز قومية.

أشتغل على تجربتي السردية في هدوء وثقة وطالما أشعر بالمتعة فأنا في الاتجاه الصحيح. تلك هي بوصلتي الفنية التي لا أتخلى عنها .

خضت تجربة المسرح وعرضت لي تجارب في نادي المسرح بدمياط منذ منتصف الثمانينات ، منها أعمال :” صهيل في البحيرة ” ، ” كلوا بامية ” ، ” قلم ووطن ” ، ” راهب الليل ” .

ومنذ عملي في حقل التعليم الابتدائي قدمت مئات المسرحيات الغنائية للطفل،  ونفذت المسرحيات عبر مخرجين متمرسين مثل : رأفت سرحان ، فوزي سراج، هاشم المياح ،  وتعاملت مع ملحنين عظام : أحمد صيام ، محسن المياح ، توفيق فودة ، يمنى طوبار ، صلاح عبدالرازق ، ماهر وليم وجميعهم يتمتعون بقدرتهم على إحداث فرجة مسرحية تحدث عنها  الدكتور علي الراعي .

وللأمانة فإن ” ندهة ” الشعر تتسلل إلى وجداني من وقت إلى آخر،  فأحبس مشاعري حتى لا توثر مادة الشعر في قماشة السرد.

*  اشتغالك في حقل الأدب الشعبي ، وهو حقل شائك لكون  مادة البحث مكتوبة باللهجة المصرية وليس  الفصحى ، كيف وفقت في نقل الأدب الشعبي الى مادة مقروءة بشكل عام .. وما هي أدواتك في الاشتغال ؟

ـ كنت قد مررت بتجربة غاية في العمق والاستفادة حين نزلت مع صديقي الشاعر محمد علوش لجمع مفردات العامية المهجورة،  ووثقنا ذلك في كراسات صغيرة ، واستخدمنا هذا القاموس في قصائدنا مثلما فعل علوش في ” شفطة من كباية شاي ” ، ” أغاني للصيادين والبحيرة ، ” ما يهزمنيش “.

وفي حوار مع شاعر العامية المجدد ضاحي عبدالسلام أخبرني أن ” العامية المصرية  لغة وليست لهجة ” ، وله مبرراته.  أما عن جمع عناصر التراث اللامادي فقد قام بها 21 أديبا وأديبة لجمع كل ما يخص الحقول المعرفية الآتية :  الغناء ، الحكاية ،  المهن ، المأكولات ، الأزياء ، الأكلات ، العمارة ، دوننا ذلك في أوراقنا وقدمنا المادة للفرع الإقليمي لليونسكو،  وتشرف عليه وزارة التعليم العالي. ليتصور القارئ أننا عرفنا معلومات لم تكن تصل إلينا غير بالبحث الميداني مثل أساطير المناطق المظلمة ، الطب باستخدام الأعشاب ، الولادة عبر القابلة ” الداية ” ، صنع الأسرة والمقاعد من جريد النخل ، طقوس ” شق البحر ” ، وما إلى ذلك من مفردات ما زالت تمارس في ظلال القرى الصغيرة.

* المسرح الغنائي  ارتبط بقمم عربية مصرية ولبنانية  وتحديدا مسرح الرحابنة وفيروز ،  ونحن نلحظ انحسارا واضحا في هذا  الحقل .. ما هي الأسباب ،  وما هو رأيك في المسرح الغنائي المصري خصوصا والعربي عموما ؟

ـ بحكم تجوالي في عدد من المدن المصرية لاحظت ازدهر للمسرح الغنائي فترة الستينيات ، ينسحب هذا في مسرح الغنائي المقدم للطفل خاصة في مسرح العرائس وأكبر دليل نجاح ” الليلة الكبيرة ” التي أبدع فيها الشيخ سيد مكاوي مع كلمات صلاح جاهين.

أما عن الجانب التاريخي فمن المعلوم ان سلامة حجازي وسيد درويش وداود حسني قدموا مسرحا غنائيا فريدا. ثم استوعبت السينما تلك الطفرة ، وقدمتها في أفلام اتصفت بالفخامة واستخدام العنصر الاجنبي في الرقصات.

ازدهر المسرح الغنائي مع سيد درويش في أعماله الشهيرة ومنها ” شهرزاد” و” الباروكة ” . وبعده واصل زكريا احمد تقديم مسرحيات ناجحة منها :” يوم القيامة ” و” بدر البدور” . وتقطعت السبل بهذا اللون من الفن وإن كانت هناك محاولات حديثة لفتت الانظار منها مسرحية ” تمرحنة ” من ألحان بليغ حمدي .

أما الرحبانية فقد قدموا عددا كبيرا من المسرحيات التي قوبلت بحماس بالغ، وصار لها جمهور ينتظرها،  ومنها أعمال مثل : ” الشخص ” ، ” جبال الصوان ” ، ” يعيش يعيش ” ، ” صح النوم ” ، ” ناس من ورق” ، ” ناطورة المفاتيح ” ، ” المحطة ” ، وغيرها.

سبب تعثر المسرح الغنائي أنه يحتاج لتمويل كبير وملحنين متفرغين وأصوات قوية ، وفرقة كاملة للعزف مما يتطلب جهدا بالغا لا يتحقق مع ظروف المنطقة الصعبة وأزماتها الاقتصادية .

شخصيا قدمت مجموعة من الأغاني المصاحبة للعروض المسرحية من أهمها ” المخططين” مع سعد ادردش ، ” المجانين” و” خشب الورد” مع ناصر عبدالمنعم ، و” أولادنا في لندن ” و” برج المدابغ ” مع رضا حسني ، واللعب في الممنوع ” مع محمد الشربيني،  وغيرها كثير.

كما قدمت عددا كبيرا من مسرح الطفل أولها ” الأراجوز ” مع فاطمة المعدول 1974 ، و” عودة إيزيس الجميلة “، و” طفولة بحر ” و” الجدة توتة ” لعدد من المخرجين المحليين.

* عودة إلى الأدب. ما سبب اهتمامك بالمكان في مجموعاتك القصصية ؟

ـ أتصور أن المكان يؤطر التجارب القصصية ويمنحها خصوصيتها ، وهذا واضح في ” صندل احمر” 2008 ، ” هوا بحري ” 2010 ، ” جبل النرجس ” 2013 ، الأستاذ مراد ” 2015 .

كل قصص هذه المجموعات تستند إلى مكان مثل الحارة الشعبية أو محل بيع أحذية بالسوق،  وأحيانا تكون العودة لمربع الطفولة حيث يظهر الصبي في ورش الأثاث.  تجد ذلك في ” شمال .. يمين” 2007. اقتراب حثيث من المواقع القتالية للجيش المصري ، بالتحديد الكتيبة 16 مشاة التي جندت فيها وتعرفت على مناطقها التي دارت فوقها اشتباكات قاسية  في مثلث ” سرابيوم” ، و” الدفرسوار” ،و” وتبة الشجرة ” داخل سيناء.

هذه مناطق خبرتها وحين تدور فوقها أحداث ما فطبيعي أن أستحضر المكان بتضاريسه ومناخه،  وقد وقع في يدي حديثا خطابا كتبته لصديقي الشاعر محمد علوش ، أرسلته إليه عام 1974 وفيه بعض المواقف حول تبة ضرب النار في ” فايد ” وغير ذلك.

*  لطه حسين قولة شهيرة في أن الصحافة تأكل من جرف المبدع ، وانت اشتغلت في الصحافة لعقدين ، كيف تناقش رأي طه حسين  ؟ 

ـ كل تجربة لها جانب الإيجابي وجانبها  السلبي ، الصحافة تجعلك حاضر الذهن دائما ، مضطر للكتابة في أي وقت ، لغتك حاضرة وعليك أن تتخفف من ثقل الأسلوب ومدرارات الصورة المكثفة ، في نفس الوقت ـ إن لم تأخذ حذرك ـ  تسلبك تفردك من حيث اللغة والأسلوب ، وزاوية الالتقاط وقد حرصت خلال تجربتي الصحفية مع جريدة ” اليوم ” أن أتحرر من تلك الدوائر المزعجة وكنت أكتب بذهن صاف  .

عملت مع علي الدميني وعبدالرؤوف الغزال وحسن السبع وأحمد الملا  في تحرير ” النص الجديد ” وهي تجربة فريدة في الصحافة العربية واقتربت من تجارب الدكتور عبدالله الغذامي ،والدكتور سعد البازعي ، والدكتور سعيد السريحي وعبدالله الوشمي ،  وكانت لي مقابلات معهم. استفدت منها شخصيا كما حاورت كتابا مهمين منهم ابراهيم الكوني وبلند الحيدري وجورج طرابيشي وحنا مينا وأحب أن أنبه إلى كوني سأجمع تلك الحوارات ، وغيرها للنشر في كتاب خاص بالمقابلات الصحافية.

  *  حصلت على جوائز مهمة  من منصات وجهات  حكومية ومنظمات وجهات ثقافية واعلامية في مصر والعالم العربي ، كان آخرها جائزة ” الملتقى ” للقصة القصيرة العربية”. ماذا تمثل لك الجائزة ؟ وهل فعلا أن المبدع يحتاج اليها ؟

ـ أكتب وليس في ذهني مسألة الجوائز . أكتب لأن الكتابة تمثل لي أمرا عظيما حيث يمكنني طرح أفكاري و التعبير عن مشاعري ، اكتب أيضا لفهم العالم من حوالي .

حين تأتي الجوائز تكون مفيدة بعد رحلة طويلة من العناء ، ويهمني في هذا المقام القول بأن الجائزة ليست معيار قيمة بل تأتي لأسباب موضوعية تخص شروط المسابقة. حصلت على جوائز مهمة : جائزة الدولة التشجيعية 2016 ، جائزة يوسف أبورية ، عن اتحاد الكتاب 2017 ، وجائزة ساويرس لكبار الكتاب في القصة القصيرة 2000 ،وكرمت من إمارة الشارقة ،  وآخر الجوائز واكثرها قيمة جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية التي تمنحها جامعة الشرق الأوسط الأمريكية بالكويت ، وقد تقدم للمسابقة في هذا العام 198 مجموعة قصصية .

قام الكاتب الكويتي طالب الرفاعي بجهود كبيرة لتخرج الجائزة في ثوب قشيب في دورتها السادسة،  وتميزت هذه الدورة بعقد ثماني فاعليات ثقافية على هامشها حضرها عدد من الكتاب العرب. في تصوري ان هذه الجائزة القيمة تشق طريقها لتأخذ مكانتها في طليعة الجوائز العربية . مازلت أتذكر أول جائزة حصلت عليها داخل مصر كانت عام 1969 من المؤتمر الأول للأدباء الشبان بالزقازيق ، سلمها لي الدكتور مفيد شهاب.

* ما الأعمال التي تعكف حاليا على إخراجها للنور؟

ـ أتهيأ الآن للانتهاء من إعداد ثلاث مجموعات قصصية كتبتها في السنوات الأخيرة وهي تحت عناوين :” أرصفة قديمة ” ، ” مناخوليا” ، ” وملح على المائدة “.

كما أنني سأصدر ـ إن شاء الله ـ كتابا في التراث الشعبي ، بعنوان ” شفشق ، وفانوس ، وشيل العروس”، وهي كتابة تلقى اهتماما واسعا من القراء،  إضافة إلى الانتهاء من تجهيز كتاب نقدي حول القصة القصيرة ، أقدم فيه دراسات تطبيقية حول أعمال لكتاب مصريين وعرب.

 

 

شارك مع أصدقائك