الشّعر ملكاً نطّاطاً

شارك مع أصدقائك

Loading

*قراءة في مجموعة الشاعر خالد عبد الزهرة

هاشم تايه

179 نصّاً نثريّاً فضّلت الترنّح، دونما احتراسٍ، بلغةٍ ثملة في ظلّ الشّاعر، حيث بوسع الشّعر أن ينقلب ندّاً على تعريفه، وأنساق تشكُّله. وحيث يمكن مصادفةُ شعرٍ بدائيّ/ طفوليّ لا يعرفُ عن أحواله إلاّ ما تعرفُهُ الطريدةُ عن مُطاردها. لغةٌ أقصت عنها الشّاعر، ودفعتْهُ بعيداً، وأطلقت لنفسها العنان، لتبتدر الفعل، والتسمية، والوقائع، ولتهذيَ بلا انقطاع، وهي تنتزع مكوّناتها المشتّتة من الوجود الظلّي للشّاعر حيث تتخبط تفككاتُ المعاني في مهوى العماء.
وإذ يُعرّف الشّعرُ اسمه بـ “أنا المقدّس أتشكَّلُ كعظمِ إله” فإنّ المعنى سوف يُحرَم من وجوده على خطّ مستقرٍّ، مستقيم، وسوف تُوضع على طريقه العثرات، فيُخفق في العبور، تتناهبُهُ كلماتُه، وتُجرّده من سلطانه، وتتشرّد بعيداً عنه.
يغدو الشّعرُ ملكاً نطّاطاً، فتصيرُ الكتابةُ نطّاطةً حتماً، لا تُعرف لها وجهة، ولا يحكمُها طريق، ولا تنساق لقصد. ومع كلّ نطّةٍ تتخلّفُ جملةٌ، وتستقرّ على سطرٍ واحد يجمعها، بلا فواصل، مع جملةٍ سبقتها، وأخرى أعقبتْها: “مع الأخطاء النّصرُ أجمل شدقُ جمجمةٍ السّلفُ يبقى مفتوحاً”.
ومع ملكٍ نطّاطٍ يغدو العبثُ جادّاً جدّاً، وتكون الفرصةُ مثاليّةً للتحلّل من الرّوابط، والذّهول نافذاً، والاستجابة لفعل اللّغة، بأهوائها أمثل.
ينام الشّاعر فتستيقظ وحوشُ الشّعر وترتجل ما تشاء على سطحٍ كتابيّ بلا مالك. وفي مشاعةٍ شعريّة متوقّعة، في إثر هذا، تسلك لغةُ الشّعر سلوكها الاستهوائي المتحلّل خارج حدود التّربية والتّعليم، ودونما ربٍّ، وبلا مربٍّ. لغةَ صداعٍ جارفة تصير.
179 نصّاً نطّاطاً تدافعت على بياضات مائتين من الصّفحات في كتاب الملك وضدّه. هذا مستودعٌ حافل يا خالد! أين تكدّست هذه المخلوقات قبلاً؟ في جوف صندوقٍ عتيق، غابر، فُتِح غطاؤه أخيراً، فنطّ ما فيه متنافساً على الهواء، واحتشد بفوضاه، وتشوّشه، ومجّانيته، وانفلاته، ولا تعيينه، ولثغاته، لكن بصدقه مع ذاته، وبتحرّيه أن يكون غيراً في جوار الشّعر.
مثال: (الأقلّ عمقاً أزرق): يهمّني الغامضُ من التّعويذة/ اللامفهوم/ نطّةُ الحبل/ لا الحبل/ ولا البنت/ وقتَ تُخبرني بأيّ شيء/النظاميّ/ والمتغيّر/ البرابرة المرتحلون تركوا كومةَ أغراضٍ/ دخلوا مدى نار البنادق/ لن يستطيع أحدٌ/ لن يستطيع غيرُهم/ تلمعُ الشُّعورُ الحمر- أوعية الدّهان لا تفرغ/ في الأعياد المقدّسة شفةُ الأرنب ذراعُ الكرسيّ/ خُلاصةٌ خفيّةٌ مات رجالٌ لحمايتها/ بالغُ التّواضع وجهٌ آخرُ لعاصفة”. ص 14-

الملك النطّاط وضده-

*خالد عبد الزّهرة. دار كوديا للنشر- 2024

 

شارك مع أصدقائك