الغنوصية … حفريات روحية في مديات الفلسفة  

شارك مع أصدقائك

Loading

نصير الشيخ

ــ كيف للمدِ الروحي في إنزياحاتهِ أن يتعشق مع التأمل الفلسفي، ليفتح لنا عالماً كونياً راسخاً في الفعل الإنساني.

من هنا كانت ( الغنوصية ) هي رؤية للعالم تأسست بالحريّ على حدسٍ بوجود هوية جذرية تبدو غير قابلة للردم بين عالم المكابدة  pothos  من جانب وبين عالم الكينونة الحق، أي الوجود في مظهره الإيجابي والخلاق والأصيل .

هذه الطروحات ةالأسئلة شكلت مباحث وحفريات معمقة في التاريخ والأصول لفهم ( الغنوصية ) ،كل هذا جاء في كتاب ( الغنوصية ــ قراءة في تأويلاتها الرمزية ودلالاتها الفلسفية ) للمؤلفة د. هدى علي كاكه يى.والصادر عن دار قناديل للنشر والتوزيع ــ بغداد ــ ط1 2021.

إذ تبدأ الفكرة المسيحية التي تقول ( بأن الرب قد أرسل ” أبنه ” الوحيد ” الكلمة ” ليتألم ويموت من أجل خطايا البشرية جمعاء.وبهذا يجعل الخلاص متاحا للجميع، هذا الكلام له وقعه العميق على الفكر الغنوصي.

احتوى الكتاب على خمسة فصول مع توطئة تناولت أربعة رؤى في ( جانب النفس والوجودية والتأويل والتلقي والوحي).

وجاء في الفصل الأول ــ مقاربات فكرية ،حيث تتبعت المؤلفة منابع الفكر الغنوصي ومصادره المختلفة ممثلة في العقائد والأديان الشرقية كالهندوسية والطاوية والبوذية، لتعرج على الفكر اليوناني، من هذا كله نستشف أن الغنوصيين كانوا يقولون ( أنهم المسيحيون الحقيقيون وحدهم، وأنهم ورثة المعرفة العليا التي أسرّ بها المسيح بعض تلاميذه المقربين ) ص 52.

هذا التصريح اللفظي الحامل للتوكيل المسيحي،وجد معارضة شديدة وأثار حفيظة أباء الكنيسة ضدهم، مما حدثت ضد الغنوصيين اضطهادات كانت تصل احياناً الى مستوى العنف القاسي الذي مارسته سلطات الأمبراطورية الرومانية التي قبلت المسيحية كديانة رسمية في سنة 313 م.

في الفصل الثاني من الكتاب تتبعت الؤلفة الظواهر التعبدية عند اليونان، حيث الحياة الدينية بكل بساطتها، إذ لم يكن لهؤلاء الأريين من كهنة سوى سدنة الأماكن المقدسة ومن رؤساء العائلات حيث تقديم القرابين .

الاتجاه الروحي الباطني للمدارس الفلسفية خلال العصر الهيلنستي، هومحور الفصل الثالث من الكتاب. واحتوى على تفاصيل تعلقت بالمدارس الفكريو والفلسفية وحيوات بعض الفلاسفة وتطور النزعة الصوفية ممثلة لدى ( أفلوطين).وكان الفصل الرابع مكرساً ل( الهرمسية وفلسفتها الدينية ) لتتفرع القراءات عند الجذر الرئيس أي ـ هرمس/ الآله / النبي / الحكيم. وصولا لاتضاح مبدأ الغنوص لدى الهرامسة. وبهذا شكلت الفلسفة الهرمسية أساس الأفلوطينية والغنوصية في جوهرهما، أذ انها سبقت ظهور الأفلوطينية عندما كانت صورتهما المصرية القديمة المتحدرة من تعاليم هرمس ومن أسطورته حيث صعد الى السماء ونزل الى الجحيم كما تذكر الأسطورة .ص 245.

وجاء الفصل الخامس تحت عنوان ( التطور الفكري من الغنوص الى التصوف) حيث النصوص الغنوصية وتحول الغنوصية في الوثنية واليهودية والمسيحية وبالتالي ظهور غنوصيون مسيحيون متفلسفون. وظل الغنوصيون حاملوا رسائل التبشير، إذ كان المعلمون الغنوصيون يتنقلون ويسافرون على غرارالمسيحيين، كانوا يقطعون طرق المقاطعات الرومانية، ذهاباً واياباً، لنشر رسائلهم ، فيفضل البعض المدن الكبرى لاعطاء تعاليمهم مثل ( فالنتين) في روما. ولكن بعضهم الاخر يتجه نحو المناطق النائية والمقطوعة .ص333

الكتاب جهد بحثي واستقصائي وفكري كبير،تضمن مادة فكرية مدت جذورها في التاريخ الإنساني، لتكون ( الغنوصية) والتي يشير نشوءها الى وسط ماقبل مسيحي،هيليني، يهودي على الاغلب.وتعود الى الفترة من أوائل القرن الثاني وحتى أواخرالقرن الثالث الميلادي .

شارك مع أصدقائك